أطفال على حافة الجريمة: ارتفاع مقلق لجرائم القُصّر بين اللاجئين السوريين في النمسا يثير الجدل

تصدّر تقرير وزارة الداخلية النمساوية لعام 2024 عناوين الصحف، ليس بسبب عدد الجرائم الإجمالي، بل بسبب القفزة اللافتة في معدلات الجريمة بين الأطفال والمراهقين، وخاصة من أبناء اللاجئين السوريين. ففي ظل تزايد عدد القضايا الجنائية المرتكبة من قبل فئة عمرية تتراوح بين 10 و14 عاماً، دقّ وزير الداخلية غيرهارد كارنر ناقوس الخطر، داعيًا إلى وقف لمّ شمل الأسر السورية كإجراء عاجل للحد من ما وصفه بـ”الجريمة المبكرة”.

أرقام مثيرة للقلق… وأصابع الاتهام تتجه نحو الجاليات الأجنبية

بلغ عدد البلاغات الجنائية في النمسا العام الماضي 534,193 حالة، بزيادة طفيفة نسبتها 1.2% مقارنة بعام 2023. إلا أن المفاجأة الأكبر جاءت من بيانات وحدة مكافحة الجريمة بين القُصّر، حيث أظهرت أن عدد الأطفال المتهمين في قضايا جنائية تضاعف تقريبًا خلال خمس سنوات، في ظاهرة وصفها المسؤولون بأنها تمثل تحديًا أمنيًا واجتماعيًا خطيرًا.

وكشفت الإحصائيات أن 48% من الأطفال المشتبه بهم يحملون جنسيات غير نمساوية، بينما تصدّر الأطفال السوريون المشهد، مسجلين زيادة بنسبة 30% في عام واحد فقط، وارتفاعًا إجماليًا بلغ 10% منذ عام 2015.

وزير الداخلية: “لا لمّ شمل على حساب الأمن العام”

في تصعيد سياسي واضح، وجّه وزير الداخلية كارنر (ÖVP) دعوة حازمة لوقف عمليات لمّ الشمل العائلي، خاصة التي تخص اللاجئين السوريين. واعتبر أن استقدام المزيد من الأطفال دون آليات دمج فعالة، يُفاقم من ظاهرة الجريمة في سن مبكرة، ويخلق بيئة خصبة للانحراف السلوكي.

كما أشار إلى ضرورة محاسبة الأسر وتحميل الآباء مسؤولية سلوك أبنائهم، قائلاً:

“لا يمكن أن نبقى مكتوفي الأيدي بينما يرتكب بعض الأطفال عشرات، بل مئات الجرائم، دون أن يكون هناك من يوقف هذا الانزلاق المبكر نحو الجريمة المنظمة.”

جرائم متكررة وأدوار متطورة للأطفال

بحسب دييتر تسيفان، رئيس وحدة مكافحة الجريمة بين القاصرين، فإن بعض الأطفال أصبحوا “مجرمين محترفين”، متورطين في جرائم مثل سرقة السيارات، اقتحام آلات البيع، والسطو البسيط. وأكد أن بعضهم ارتكب أكثر من 100 جريمة قبل أن يبلغ سن 14 عامًا، مما يعقّد التعامل القانوني معهم نظرًا لأنهم دون السن القانوني للمساءلة الجنائية.

حلول مطروحة ومؤشرات متضاربة

من بين الخطوات المطروحة، عقد ما يسمى بـ**”مؤتمرات الحالات الخاصة”** بين الشرطة، النيابة، وهيئات رعاية القاصرين، إلى جانب فرض حصص إلزامية للتوعية القانونية للأطفال المخالفين وأسرهم.

أما على صعيد الجريمة الرقمية، فرغم انخفاضها الطفيف (5%)، لا تزال تحتل موقع الصدارة من حيث التأثير، خصوصاً احتيال “الشرطي المزيف” الذي أوقع بضحاياه ما يقارب 7 ملايين يورو خلال عام واحد.

تعليق ختامي: قنبلة اجتماعية موقوتة؟

لا شك أن تزايد الجريمة بين أبناء اللاجئين، وبخاصة السوريين، يضع الحكومة النمساوية أمام معادلة صعبة: بين الالتزام بحقوق الإنسان من جهة، والحفاظ على الأمن المجتمعي من جهة أخرى. الدعوة إلى وقف لمّ الشمل قد تلقى ترحيباً شعبياً لدى شرائح واسعة، لكنها تحمل أيضًا في طياتها أبعادًا سياسية واجتماعية حساسة، لا سيما في بلد يشهد تحولات ديموغرافية وثقافية متسارعة.

وفي النهاية، تبقى مسؤولية الدمج الحقيقي، ووضع سياسات وقائية وتعليمية فعالة، أهم من أي إجراء أمني مؤقت، فالأطفال اليوم هم مواطنو الغد — إمّا صمام أمان، أو وقود لأزمات قادمة.

بين الأرقام والسياسة: كيف يستثمر اليمين المتطرف هذه الظاهرة؟

في خضم تصاعد الجريمة بين فئة القُصّر من اللاجئين، وعلى رأسهم السوريون، تجد الأحزاب اليمينية المتطرفة في النمسا، وعلى رأسها حزب الحرية (FPÖ)، مادة خصبة لتغذية خطابها السياسي، القائم على معاداة الهجرة وربطها المباشر بانعدام الأمن. فدعوات وزير الداخلية لوقف لمّ الشمل، رغم انتمائه لحزب الشعب المحافظ (ÖVP)، تُعد مؤشراً على انجراف الخطاب الحكومي نحو مواقف أكثر تشددًا، في محاولة واضحة لمجاراة الخطاب اليميني المتشدد، الذي لا يتردد في تحميل المهاجرين مسؤولية أي اختلال مجتمعي.

ويأتي ذلك في سياق استعداد البلاد لانتخابات محلية وبرلمانية مرتقبة، حيث تسعى الأحزاب اليمينية إلى تأجيج المخاوف من “أسلمة” المجتمع وتفكك النسيج الوطني، لتبرير سياسات أكثر صرامة تجاه اللاجئين والمهاجرين، حتى لو جاء ذلك على حساب التماسك الاجتماعي أو المبادئ الحقوقية. ويبدو أن اللاجئ السوري بات كبش فداء سياسي في مواجهة معقدة بين الحاجة للأمن الداخلي ومتطلبات العدالة والاندماج.

شاهد أيضاً

بابا القيامة.. كاردينال النمسا يرى في وفاة فرنسيس خلال الفصح إشارة من السماء

في زمن مشبع بالقلق، والشتات الروحي، وفوضى العالم، جاءت وفاة البابا فرنسيس في إثنين الفصح …