في قلب الجدل المتصاعد حول ملف الهجرة في النمسا، فجّرت وزارة الداخلية مفاجأة صادمة: ارتفاع نسبة الجرائم المرتكبة من قبل السوريين بنسبة 30٪ خلال عام 2024، ضمن إحصائية جنائية رسمية تُلقي الضوء على أزمة تتجاوز الأرقام إلى عمق التوترات الاجتماعية والثقافية.
فهل نحن أمام أزمة أمنية… أم أزمة اندماج لم تُحلّ بعد؟
عنفٌ قيد الانفجار؟
حين يتضاعف عدد الجناة من الفئة العمرية 10 إلى 14 عامًا في أربع سنوات، ويصل إلى 12 ألف حالة في عام 2024، فإن الأمر لا يتعلق فقط بإحصائيات، بل بـ قنبلة اجتماعية موقوتة، كما وصفها وزير الداخلية غيرهارد كارنر نفسه.
وبينما شكّل الأجانب نسبة كبيرة من المشتبه بهم، كانت الزيادة الأبرز من نصيب السوريين، ما جعل هذه الشريحة تحديدًا تحت المجهر الإعلامي والسياسي.
من المسؤول؟ ضياع الانتماء أم عجز الدولة؟
من السهل – وربما المريح – تعليق السبب على “طبيعة الوافدين” أو “ثقافة العنف”، لكن الصورة أكثر تعقيدًا بكثير.
هؤلاء القُصّر، في الغالب، نشأوا بين جدران اللجوء والرفض، وانقسم وعيهم بين ثقافتين: واحدة لم يعودوا ينتمون إليها، وأخرى لم تُفتح لهم أبوابها.
فهل من العدل أن نحاسبهم على “جريمة اندماج” لم تكتمل؟
وهل تمتلك الدولة أدوات حقيقية لـ احتواء الغضب وتفكيك التهميش قبل أن يتحوّل إلى عنف؟
هل “لمّ الشمل” هو المشكلة؟
الوزير كارنر ختم تقريره بالتأكيد على ضرورة الاستمرار في وقف لمّ الشمل العائلي، في محاولة لربط الظاهرة الأمنية بالتركيبة السكانية للعائلات اللاجئة.
لكن الحقيقة المؤلمة هي أن الكثير من القُصّر المتورطين في الجريمة يعيشون أصلاً في غياب روابط أسرية متماسكة، وتحت ضغط نفسي مستمر، في بيئة لا تملك برامج تأهيل فعالة، ولا خطط احتواء طويلة المدى.
فهل نحلّ المشكلة بعزلهم أكثر… أم بإعادة دمجهم بشكل أذكى؟
عندما يغيب الأمل.. يولد الغضب
لا مفر من الاعتراف أن بعض اللاجئين – سوريين أو غيرهم – انحرفوا عن المسار، لكن البيئة تصنع الجريمة مثلما تصنع الإنسان.
فحين يشعر الشاب بأنه غير مرحّب به، غير مرئي، بلا مستقبل أو هوية، يصبح العنف خيارًا متاحًا… وربما وسيلة “لإثبات الوجود” بطريقة مشوّهة.
خلاصة القول:
الظاهرة حقيقية، والقلق مشروع، لكنّ المعالجة لا يجب أن تكون أمنية فقط، بل اجتماعية، تعليمية، ونفسية.
وإذا أرادت النمسا تجنّب “الجيل الغاضب”، فعليها أن تستثمر في فرصه، لا فقط أن تراقب إخفاقاته.