تسونامي الأموال الهاربة .. إسرائيل تنزف ثرواتها وتخسر أثرياءها بالهروب للخارج!

في العادة، حين تُذكر إسرائيل، يقفز إلى الذهن مصطلح “الاقتصاد المزدهر” و”وادي السيليكون الثاني”، لكن ما تشهده هذه الدولة اليوم، يُنذر بأن الصورة الذهبية بدأت تتشقق. فهناك زلزال صامت يضرب الاقتصاد الإسرائيلي، عنوانه “هروب رؤوس الأموال”، وضحاياه: الأثرياء، المستثمرون، والعقول التي بنت أعمدة التكنولوجيا والمال في الدولة العبرية.

7 مليارات دولار خرجت من إسرائيل في 6 أشهر فقط!
ليست مجرد أرقام، بل مؤشرات صادمة تهزّ ثقة المستثمرين وتُنذر بانهيار وشيك. منذ الربع الأخير من 2023 وحتى منتصف 2024، قفز حجم الأموال المُهرّبة من إسرائيل إلى الخارج إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تم تسجيل أكثر من 7 مليارات دولار تم تهريبها فعلياً، وهذا الرقم يعادل ضعف ما تم تهريبه في السنوات الثلاث السابقة مجتمعة!

فما الذي يدفع أثرياء إسرائيل إلى حزم أموالهم والفرار بها إلى الخارج؟

أثرياء لا يثقون بدولتهم!

الحرب المستمرة على غزة، الانقلاب القانوني، التوتر السياسي، والانقسام الشعبي العميق.. كلها عوامل صنعت عاصفة مثالية دفعت الأثرياء الإسرائيليين للهروب الكبير.

ففي الوقت الذي كان يُفترض أن تقف فيه رؤوس الأموال للدفاع عن اقتصاد الدولة، وجّه كبار المستثمرين ضربات موجعة من الداخل، بتحويل أموالهم إلى الخارج، وسحب الودائع من البنوك الإسرائيلية، وشراء العقارات في أوروبا، والإقبال على برامج “الإقامة الذهبية” في الإمارات، المجر، اليونان، وجزر الكاريبي!

وتكشف الإحصاءات الرسمية أن هناك 1700 مليونير إسرائيلي غادروا البلاد خلال عام فقط، وهو رقم قياسي لم تعرفه إسرائيل حتى في أسوأ أزماتها. والأكثر فزعاً: أن نسبة مدخرات الإسرائيليين طويلة الأجل في الخارج قفزت من 1% إلى 8% خلال ثلاث سنوات فقط.

دولة تفقد عقلها وثروتها معًا

“هجرة الأدمغة” تسير جنباً إلى جنب مع “هروب الأموال”. فالأمر لم يقتصر على من يملكون المال، بل طال الآلاف من خبراء التكنولوجيا والابتكار، الذين باتوا يرون المستقبل في وادي السيليكون الأصلي، لا نسخته المقلدة في تل أبيب.
8300 خبير تقني غادروا إسرائيل منذ أكتوبر 2023، والعدد مرشح للارتفاع.

وبات السؤال الحقيقي اليوم في دوائر القرار الإسرائيلي: كيف تُقنع أصحاب العقول والمال بالعودة إلى دولة يفقدون فيها الشعور بالأمان والثقة بالمستقبل؟

حكومة اليمين تحصد العاصفة

منذ تشكيل حكومة نتنياهو-سموتريتش-بن غفير، بدأ الاقتصاد يتنفس بصعوبة. حُزمة القوانين القضائية التي وصفت بأنها “انقلاب على الديمقراطية”، ضربت استقرار السوق. ومع اندلاع الحرب على غزة، تفاقم الوضع حتى وصل إلى نقطة اللاعودة.

وبحسب التقارير، هناك مخاوف جدية من أن يُضطر الاحتلال إلى تأميم بعض الأصول المالية لتعويض العجز الهائل في الميزانية، وهو السيناريو الكابوس الذي يدفع أصحاب الأموال للهرب السريع.

خريطة توزيع الأموال المهربة والوجهات المفضلة للأثرياء

لتوضيح حجم الظاهرة، نقدم لكم خريطة مفاهيمية تستعرض أبرز الوجهات التي يتجه إليها المستثمرون والأثرياء الإسرائيليون:

  • المجر: تُعدّ برنامج الجنسية مقابل الاستثمار وسندات الحكومة جزءاً من الخطة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية.

  • اليونان وإيطاليا: تشهدان زيادة في الاستثمارات العقارية، مستفيدتين من حوافز ضريبية جذابة.

  • الإمارات العربية المتحدة: تولي اهتماماً متزايداً لتوفير بيئة آمنة ومستقرة للمستثمرين، بفضل برامج الإقامة الذهبية.

  • جزر الكاريبي: وجهة مفضلة لبناء مشاريع سياحية وفندقية فاخرة.

  • الأسواق الغربية: مثل الولايات المتحدة وأوروبا، حيث تتحول الأثرياء إلى الاستثمار في الأسهم والسندات، مما يمثل تحويلاً كبيراً من السوق الداخلي الإسرائيلي إلى السوق الخارجي.

  • العقارات: شراء ممتلكات في المدن الكبرى كوسيلة لحماية الثروة من تقلبات الشيكل.

ملاحظة: يمكن تحويل هذه الخريطة التوضيحية إلى إنفوجرافيك بصري جذاب يوضح نسب تحويل الأموال والوجهات بنسبة مئوية مع رموز تمثيلية لكل منطقة، ما يزيد من وعي الجمهور بخطورة الظاهرة وحجمها.

انهيار الثقة.. بداية النهاية؟

كل شيء في إسرائيل يقول إن الثقة تنهار: الشيكل يتهاوى، التصنيف الائتماني يتراجع، السوق يفقد بريقه، والضرائب تتصاعد.
والمؤلم أكثر: أن صناديق الاستثمار باتت تُفضّل الأسهم الأمريكية على الإسرائيلية، ما يعني أن حتى “الرهانات الوطنية” لم تعد موجودة.

هل تكون هذه بداية النهاية لنموذج “إسرائيل الاقتصادية القوية”؟
وهل تُدرك حكومة الاحتلال أن جبهتها الداخلية الاقتصادية لا تقلّ خطراً عن جبهات غزة ولبنان؟
الجواب ستكشفه الأشهر القادمة، لكنها بالتأكيد ستكون حُبلى بالمفاجآت الصادمة.

من الغضب إلى التحرك: ضرورة الفعل العاجل

ما يحدث اليوم لا يجب أن يُواجه بالحزن والغضب فقط، بل بالتحرك الفوري والمنظم.
يجب على الجهات الدولية والمحلية والهيئات المالية والقانونية تبني خطوات عملية لحماية الأصول الوطنية وتشجيع الاستثمار الداخلي.
من بين الاقتراحات:

  • إطلاق حملات توعية وإعلامية لتوثيق ظاهرة هروب رؤوس الأموال وتحفيز النقاش العام حول تأثيرها على الاقتصاد.

  • وضع آليات رقابية وتشريعية صارمة لمنع تسلل الأموال إلى الخارج على حساب دعم الاقتصاد الداخلي.

  • تعزيز الثقة في الاستقرار السياسي والاقتصادي عن طريق إصلاحات شاملة تعيد للمستثمرين والأثرياء الثقة في مستقبل إسرائيل.

وفي ظل حالة عدم اليقين الراهنة، يبقى السؤال: هل سيعيد صانعي القرار الثقة إلى السوق الداخلي قبل فوات الأوان؟ أو ستستمر موجة الهروب لتهدد الاقتصاد الإسرائيلي من الداخل كما هددت الأصول والثروات؟

ختاماً، إسرائيل اليوم تواجه معركة مزدوجة؛ معادلة اقتصادية تتقلب ظروفها مع كل قرار سياسي وكل توتر جيوسياسي، ومعركة ثقة داخلية تهز أُسس النموذج الذي طالما كان مصدر فخرها.

شاهد أيضاً

بندقية في اليد وصفقة تحت الطاولة: كيف صنعت إإسرعئيل نفوذها الأسود في إفريقيا

سلّطت مساعي إسرائيل للحصول على حصة من توريد المعدات العسكرية والتعاون الأمني مع السنغال، الضوء …