في فضيحة مدوية هزت الأوساط السياسية والإعلامية البريطانية، أثار محمد بن عبدالكريم العيسى، رئيس رابطة العالم الإسلامي، موجة من الغضب بعد تصريحاته التي دعت البريطانيين إلى “التوقف عن التعاطف مع غزة”. في محاضرة أُقيمت في لندن تحت عنوان “تعزيز التماسك المجتمعي”، حثَّ العيسى على تقليل الحديث عن العدوان الإسرائيلي في غزة، معتبرًا أن ذلك يُزيد الانقسام داخل المجتمع البريطاني.
قد يعتقد البعض أن هذا الموقف يعكس رؤية استراتيجية لتوحيد الجبهة الداخلية، ولكن سرعان ما تبين أن هذا التصريح يحمل في طياته مؤامرة سياسية تهدف إلى إسكات أصوات الدعم الفلسطيني في الغرب، والترويج لرواية الاحتلال الإسرائيلي على حساب حقوق الإنسان الفلسطيني.
إسكات الضمير العالمي:
منذ بداية الحرب على غزة، تصاعدت جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، وظهرت أصوات من كافة أنحاء العالم تُدين هذا العدوان وتطالب بوقف فوري للقتال. في المقابل، نجد العيسى، الذي يُفترض أن يمثل القيم الإسلامية، يُحاول إخفاء الحقيقة والتقليل من شأن المذبحة التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني. ولكن ما هي الدوافع الحقيقية وراء هذا التصريح؟
الجواب يكمن في التحركات السياسية السعودية الأخيرة والتي تهدف إلى تمهيد الطريق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. تصريحات العيسى تأتي في وقتٍ حساس، حيث تسعى المملكة إلى تحقيق مكاسب سياسية مع الدولة المحتلة، حتى لو كان ذلك على حساب الحقوق الفلسطينية. هذه المواقف تُظهر حجم التواطؤ السعودي مع الاحتلال، رغم الدعم الشعبي العربي المطلق لقضية فلسطين.
مبادئ رابطة العالم الإسلامي في مرمى النيران:
منظمة رابطة العالم الإسلامي، التي يرأسها العيسى، تزعم أنها تعمل من أجل خدمة قضايا المسلمين، وتبني مواقفها وفقًا للمبادئ الإسلامية السامية. لكن تصريحات العيسى الأخيرة تُناقض كل هذه المبادئ وتكشف أن المنظمة أصبحت أداة لترويج أجندات مضادة لمصلحة الشعوب الإسلامية. كيف يمكن لرابطة تدعي خدمة قضايا المسلمين أن تصمت على مذبحة غزة وتؤيد سياسة الأنظمة التي تتبنى المساومة على حقوق الفلسطينيين؟
الشعب البريطاني في مواجهة الانحياز السعودي:
في بريطانيا، على الرغم من أن الاستطلاعات تُظهر دعمًا شعبيًا كبيرًا لفرض حظر أسلحة على إسرائيل ووقف الحرب، تأتي تصريحات العيسى لتُسهم في تعزيز الرواية الإسرائيلية، متجاهلة الضمير العالمي الداعم لفلسطين. هذا الموقف يعكس التواطؤ السياسي بين بعض الأنظمة العربية والاحتلال الإسرائيلي، بينما يزداد الدعم الدولي للشعب الفلسطيني والمقاومة ضد الظلم.
نهاية التواطؤ:
لم يعد خافيًا على أحد أن السعودية أصبحت جزءًا من التحالف المريب مع الاحتلال الإسرائيلي، بل إن تصريحات العيسى تكشف عما هو أعمق وأخطر من مجرد موقف سياسي. إنها محاولة لصرف الأنظار عن جرائم الاحتلال، والترويج لفكرة “الواقعية السياسية” التي تُبرر المواقف المنحازة ضد حقوق الفلسطينيين.
يجب أن تظل القضية الفلسطينية في صدارة أولويات الأمة الإسلامية، وأن يُدافع عنها بكل وسيلة، سواء على المنابر السياسية أو من خلال دعم الشعوب التي لا تزال تؤمن بحق الفلسطينيين في الحرية والعدالة. تصريحات العيسى قد تكون مجرد بداية لسلسلة من التنازلات المخزية، التي ستُكتب في تاريخ التواطؤ العربي مع الاحتلال.
الخلاصة: عندما يتحدث رئيس رابطة العالم الإسلامي عن “التماسك المجتمعي” على حساب الحقوق الفلسطينية، يصبح السؤال: هل أضحى الإسلام نفسه رهينة للسياسة السعودية التي تُساوم على قضية فلسطين؟ يجب أن يبقى الصوت الفلسطيني عاليًا، مهما حاولت الأنظمة إسكاته أو تحريف الحقائق.