في زمن تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد، وتغيب فيه الخطوط الفاصلة بين السلطة والمال، يبرز اسم هوارد لوتنيك كأحد أكثر الشخصيات تأثيراً في المشهد الأمريكي والعالمي، ليس فقط بصفته مليارديرًا يملك واحدة من أكبر شركات الخدمات المالية، بل أيضًا بوصفه المستشار الأقرب والأكثر نفوذاً في دوائر القرار داخل إدارة دونالد ترامب.
من “كانتور فيتزغيرالد” إلى دهاليز البيت الأبيض
هوارد لوتنيك هو المدير التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة “كانتور فيتزغيرالد”، إحدى الكيانات المالية الضخمة في وول ستريت. غير أن دوره لا يقتصر على إدارة الاستثمارات ومراقبة حركة الأسواق، بل امتد إلى قلب السياسة الأمريكية، حيث أصبح وجهاً مألوفاً في كواليس السلطة، ومهندساً غير معلن لعدد من السياسات الاقتصادية الجريئة التي تبنّاها الرئيس ترامب.
وقد شغل لوتنيك مؤخرًا منصب وزير التجارة – أو كما يصفه البعض “وزير الاقتصاد الحقيقي” – في إدارة ترامب، وسط انتقادات متزايدة من داخل وخارج الإدارة بسبب نفوذه المتصاعد وتدخله المباشر في رسم السياسات الاقتصادية.
رسوم جمركية تزلزل الأسواق.. من صاحب القرار؟
خلال السنوات الأخيرة، عاشت الأسواق العالمية على وقع قرارات أمريكية مفاجئة، من بينها فرض رسوم جمركية صادمة على الصين وعدد من الحلفاء الأوروبيين. وبينما أُعلن أن تلك القرارات جاءت من مكتب الرئيس، تشير تقارير إعلامية إلى أن هوارد لوتنيك كان العقل المدبر لها، مقدّماً خططًا جاهزة ومُعلّبة للرئيس، ومسوّقًا لها إعلامياً باعتبارها “رؤية ترامب الاقتصادية”.
هذا الدور المزدوج – كمستشار وكناطق غير رسمي باسم الإدارة – يطرح أسئلة حول مدى تأثير المال الخاص على السياسات العامة، ويثير قلقًا متزايدًا بشأن الشفافية داخل واحدة من أقوى حكومات العالم.
علاقة شخصية بدأت من تحت الأنقاض
الروابط بين لوتنيك وترامب تتجاوز حدود المال والسياسة. فبعد نجاته من هجمات 11 سبتمبر، التي أودت بحياة معظم موظفي شركته في مركز التجارة العالمي، دخل لوتنيك في دوامة من الألم أعادت تشكيل علاقاته وولاءاته. وتشير مصادر إلى أن تلك المرحلة كانت نقطة التحول التي قرّبته من ترامب، لتتطور العلاقة لاحقًا إلى شراكة استراتيجية تدعمها المصالح الاقتصادية والتوجهات السياسية المشتركة.
بين النفوذ والتمويل.. وجه آخر للسلطة
لا يتوقف دعم لوتنيك لترامب عند حدود المشورة، إذ يُعد من أكبر ممولي حملاته الانتخابية، ما يعزز المخاوف من تداخل المال بالسياسة في مستويات غير مسبوقة. ويرى مراقبون أن هذه العلاقة تشكل نموذجًا صارخًا لكيف يمكن للثروة أن تعيد تشكيل ملامح السلطة، لا من خارجها، بل من قلب مؤسساتها.
الوجه الخفي للقرارات الكبرى
في نهاية المطاف، يبدو أن هوارد لوتنيك ليس مجرد رجل أعمال ناجح، بل لاعب رئيسي في لعبة النفوذ العالمي، حيث تسير خطوط الاتصال بين وول ستريت وواشنطن عبر مكتبه. وبينما لا يظهر اسمه كثيرًا في العناوين، فإن بصمته حاضرة في كل قرار اقتصادي يعيد رسم خارطة التجارة العالمية.
فهل هو عقل اقتصادي لامع يخدم وطنه؟ أم رجل ظلّ يستغل السلطة لتحقيق مصالح ضيقة؟ الجواب قد لا يكون واضحًا، لكن المؤكد أن هوارد لوتنيك أصبح اسمًا لا يمكن تجاهله في معادلة الاقتصاد والسياسة العالمية.