في مشهد مأساوي خطف أنفاس النمساويين، وُجهت تهمة القتل العمد لجندي شاب في مقتبل العمر، مصطفى ب.، وهو نمساوي من أصول تركية، بعد أن أطلق النار على زميله وقتله داخل ثكنة عسكرية في ولاية كيرنتن.
جريمة حدثت في مكان يُفترض أن يكون الأكثر انضباطًا وأمانًا… فكيف تحوّل الرفيق إلى قاتل؟ والسلاح إلى حكم بالإعدام؟
حين تسبق “الضغوط” إصبع الزناد
من يتأمل هذه الحادثة بعين إنسانية بعيدًا عن العناوين الصادمة، سيجد أمامه شابين بعمر 21 عامًا، بالكاد أنهوا مراهقتهم، ووجدوا أنفسهم فجأة داخل نظام صارم لا يرحم الضعف أو الخطأ.
التحقيقات لم تكشف بعد عن الدافع، لكن كثيرًا من المؤشرات تقودنا نحو التوتر النفسي المزمن، والصراعات الشخصية التي تتضخم تحت الضغط، حتى تنفجر.
منظمة الصحة العالمية سبق أن نبّهت إلى أن بيئات التجنيد الإجباري قد تُفاقم القلق والاكتئاب بين الشباب، خاصةً من خلفيات اجتماعية أو ثقافية مختلفة، وهو ما ينطبق في هذه الحالة، حيث تجمع الثكنات بين فئات متنوعة دون دعم نفسي كافٍ أو برامج لاحتواء الاختلافات.
جريمة في ثكنة… لماذا؟
ورغم أن التحقيقات لم تصل بعد إلى دافع واضح وراء ارتكاب هذه الجريمة، إلا أن تكرار مثل هذه الحوادث يثير تساؤلات أعمق:
هل يعيش المجندون في بيئة مضغوطة نفسيًا إلى هذا الحد؟ وهل هناك رقابة كافية على الصحة النفسية داخل الثكنات؟
المؤشرات المتزايدة عن مشاكل نفسية وعصبية بين المجندين، وبيئة مشحونة بالتوتر والانضباط الصارم، قد تخلق “قنابل موقوتة” بزي عسكري. إذ تشير بعض الدراسات الأوروبية إلى أن الضغوط النفسية في بيئات الخدمة العسكرية، خصوصًا في عمر الشباب، قد تكون أكبر من قدرة البعض على التحمل، خاصة في ظل غياب دعم نفسي مؤسسي فعّال.
حوادث لم تعد استثناءً
ما حدث في كيرنتن ليس حادثًا معزولًا.
-
في عام 2020، جندي نمساوي أطلق النار على نفسه بعد أيام من بدء خدمته بسبب الاكتئاب.
-
وفي 2018، هزّت النمسا جريمة مماثلة في ثكنة بمدينة Enns حين أطلق مجند النار على زميله بعد شجار.
كلها إشارات على أن هناك خللًا عميقًا في رصد الإشارات المبكرة للخطر النفسي.
لا تهم الجريمة فقط… بل ما قبلها
مصطفى ب. لم يكن مجرمًا معروفًا، ولا إرهابيًا متطرفًا… بل مجندًا عاديًا، في مكان يُفترض أن يُهيئه للانضباط والخدمة العامة. لكنّ الحادث يُعيدنا إلى السؤال المحوري:
هل تُعِد المؤسسات العسكرية شبابها نفسيًا كما تُعِدهم بدنيًا؟
وهل يملكون منفذًا للتنفيس عن الضغوط قبل أن تُغلق أبواب الثكنة عليهم؟
ما العمل قبل أن تقع الرصاصة القادمة؟
-
دعم نفسي دائم داخل الثكنات، وليس فقط “جلسة توجيه” أولية.
-
مراقبة العلاقات الشخصية بين المجندين وتدريبهم على إدارة النزاعات بشكل حضاري.
-
تدقيق نفسي أكبر قبل تسليم الأسلحة الفردية، خاصة في المناوبات الليلية.
خلف كل رصاصة مأساة مزدوجة
هذه ليست مجرد جريمة قتل… بل مأساة لشابين، أحدهما فقد حياته، والآخر فقد مستقبله. وربما لو وجد أحدهم من يصغي، من يُهدئ، من يفتح له باب الحوار، لما تحوّلت البندقية إلى سكين طعن في صدر زميله.
ما بعد الرصاصة: مساءلة ومراجعة
الجندي مصطفى ب. لا يزال رهن الحبس الاحتياطي، في انتظار محاكمته أمام المحكمة الإقليمية في كلاغنفورت، حيث سيُطلب منه تقديم روايته الكاملة لما جرى. لكن المحاكمة وحدها لن تكفي لطمأنة الرأي العام، ما لم تُفتح ملفات أعمق حول ما يجري في “الكواليس العسكرية”، بعيدًا عن مراسم رفع العلم والانضباط المعلن.
فإذا كان السلاح يُمنح باسم الوطن، فلا بد أن يُرافق ذلك تدريب على ضبط الأعصاب قبل ضغط الزناد