في اليوم الثالث لوقف إطلاق النار في غزة، بدأ الاحتلال الإسرائيلي عملية واسعة النطاق في جنين، أطلق عليها “الجدار الحديدي”، والتي تأتي، وفقاً للإعلام العبري، محاولة لاسترضاء وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي رفض الصفقة مع حركة حماس.
ووفقاً لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، فإنه من المتوقع أن تستمر عملية الجدار الحديدي في جنين التي تستهدف “البنية التحتية” للمقاومة الفلسطينية لأيام، يشارك فيها العديد من قوات الجيش، بما في ذلك وحدات خاصة، وبمشاركة الشاباك.
حصار جنين
فرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً كاملاً على مدينة جنين، وأغلق مخيمها، وجرف معظم الشوارع الرئيسية والمفترقات.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية استشهاد نحو 10 فلسطينيين وإصابة أكثر من 40 شخصاً في اليوم الأول من العدوان الإسرائيلي على جنين، الذي شمل هجمات بطائرات مسيرة.
تسببت العملية العسكرية في جنين بنزوح مئات الفلسطينيين من مساكنهم في المخيم إلى ساحة مستشفى جنين الحكومي، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما جرى في قطاع غزة، حيث اضطر آلاف الفلسطينيين للنزوح إلى المستشفيات التي لم تسلم من التدمير والحرق والمداهمة.
كما أفادت مصادر فلسطينية بأن العدوان تسبب بانقطاع التيار الكهربائي عن عدد من الأحياء في مدينة جنين ومخيمها.
تنامي المقاومة في شمال الضفة الغربية
لم تكن الضفة الغربية تشكل جبهة رئيسية في الحرب، ومع ذلك شهدت منطقة شمال الضفة تهديداً متزايداً بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي.
ويقول الإسرائيليون إن المسلحين ينشطون في جنين وطولكرم وقلقيلية ونابلس، بالإضافة إلى العديد من القرى في شمال الضفة الغربية، بما فيها المناطق المطلة على غور الفارعة، وهو وادٍ يمتد من الضفة الغربية باتجاه وادي نهر الأردن.
ووفقاً لـ”جيروزاليم بوست”، فإن الصورة العامة التي رسمت على مدى العام الماضي تشير إلى أن الفصائل المسلحة، وخاصة حركة الجهاد الإسلامي، تعمل على ترسيخ جذورها على نطاق أوسع في شمال الضفة.
وأشارت الصحيفة إلى وجود مشكلة أخرى بدأت تبرز في شمال الضفة، وهي تهريب الأسلحة إلى هناك، “وتحول هذا السيل من الأسلحة المهربة إلى نهر” بأيدي الشبان الفلسطينيين، الذين أصبحوا مسلحين بشكل أفضل من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وأصبح لديهم المهارة في تصنيع القنابل.
هدف عملية الجدار الحديدي في جنين
زعم جيش الاحتلال في بيان أن الغرض من العملية هو “مواصلة الحفاظ على حرية عمل الجيش في جميع أنحاء الضفة الغربية، وتدمير وتحييد البنى التحتية للمقاومة”، واصفاً إياها بـ”القنابل الموقوتة”.
فيما قال وزير الجيش يسرائيل كاتس إن العملية ستمثل تحولاً في استراتيجية الجيش الأمنية في الضفة الغربية، مضيفاً أنها تهدف إلى القضاء على المسلحين والبنية التحتية لهم في المخيم دون تكرارها بعد انتهائها، “وهو درس أولي من أسلوب المداهمات المتكررة في غزة”.
بدوره، قال سموتريتش: “نتحدث عن عملية من نوع مختلف، بأدوات مختلفة، وسنعلمكم كيف نجتث الوحش الداعشي المسمى حماس من كل العالم”، على حد وصفه.
أما حركة حماس فقالت إن الهدف الوحيد لنتنياهو من العدوان على جنين هو القتل والتخريب وقتل أبناء الشعب الفلسطيني وتدمير بيوتهم للاستمرار في حكمه، ومواجهة الاستقالات والانهيار داخل المنظومة الإسرائيلية.
سر توقيت عملية الجدار الحديدي
ذكرت القناة 12 العبرية أن عملية “الجدار الحديدي” في جنين تأتي بعد وقف إطلاق النار في غزة، وبعد فشل أنشطة السلطة الفلسطينية في المخيم.
وبحسب القناة الإسرائيلية، فإن العملية مخطط لها منذ فترة طويلة، وجاءت بعد أيام من محاولة السلطة الفلسطينية التوصل إلى تفاهم مع المسلحين داخل المخيم.
حاولت السلطة الفلسطينية منذ 5 يناير/كانون الثاني 2024 تنفيذ حملة ضد المقاومة في جنين بزعم وجود “خارجين عن القانون”، واشتبكت مع فصائل المقاومة وكتيبة جنين مرات عدة.
تسبب الحصار المفروض على جنين من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بحصار المخيم، وسط انقطاع للمياه والكهرباء، فيما حوّلت قواتها العديد من المنازل إلى مواقع عسكرية. وانتهى الحصار بعد 46 يوماً بجهود لجان الإصلاح.
لكن بعد أيام، سرعان ما انهارت التفاهمات بين المقاومين والأجهزة الأمنية، ليبدأ الاحتلال عمليته العسكرية على جنين، التي جاءت بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية، وفقاً لوسائل إعلام عبرية.
كما تمثل هذه العملية، وفق الإعلام العبري، محاولة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاسترضاء وزير المالية اليمني المتطرف سموتريتش، الغاضب من وقف إطلاق النار في غزة.
وذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن نتنياهو وعد سموتريتش بشن الهجوم على جنين مقابل عدم استقالته من الحكومة، ما قد يؤدي إلى انهيارها.
توصية الشاباك وتوقيت العملية
قال مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي، ينير كوزين، إنه قبل أسبوعين كانت توصية رئيس الشاباك خلال اجتماع الكابينت بأن “الانخفاض الملحوظ في عدد العمليات بالضفة الغربية مضلل ولا يعكس حجم الإرهاب على الأرض. نلاحظ اتجاها مستمراً في التصعيد منذ عملية حارس الأسوار في مايو/أيار 2021، من خلال الانتقال من الزجاجات الحارقة إلى إطلاق النار، ومن ثم إلى العبوات الناسفة”.
وأشار كوزين إلى أن العملية تم إعدادها منذ أسابيع طويلة، لكنها خرجت إلى حيز التنفيذ الآن لسببين:
- تعهد نتنياهو لسموتريتش، الذي تم تثبيته بقرار الكابينت الجمعة الماضية.
- الخشية الإسرائيلية من أن تنفيذ عملية كهذه قد يؤدي إلى قرار في مجلس الأمن لن تستخدم إدارة بايدن حق النقض (الفيتو) ضده.
علاقة عملية الفندق بالتصعيد
زعمت صحيفة “جيروزاليم بوست” أن عملية الفندق التي نفذها فلسطينيون في 6 يناير/كانون الثاني 2025، بالقرب من كدوميم، أقنعت المؤسسة الأمنية بأن الجهود المبذولة على جنين غير كافية.
وأسفرت العملية عن مقتل ثلاثة إسرائيليين وإصابة ثمانية آخرين، فيما تمكن المنفذون الثلاثة من الفرار.
وكان لافتاً إعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري المنحل لحركة فتح، التبني المشترك للعملية.
الجدار الحديدي: ماذا يعني هذا الاسم؟
أعلن نتنياهو عن اسم العملية في جنين “الجدار الحديدي”، مستوحياً إياه من ملهمه ومرشده الروحي زئيف جابوتنسكي، الذي طالما كرر ذكره في خطاباته.
كان جابوتنسكي أول زعيم صهيوني يقر بأن الفلسطينيين شعب، وأنه لا يتوقع منهم التخلي طوعاً عن حقهم القومي في تقرير المصير، وأنه لا مفر من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد وبالقوة.
في عام 1923، نشر جابوتنسكي مقالين: “الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي” و”أخلاقيات الجدار الحديدي”. انطلقت رؤيته من ضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدار من حديد يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه.
وأقر جابوتنسكي في مقالاته بأن الصهيونية مشروع استعماري، وأن الفلسطينيين سيستمرون في مقاومته ولن يقبلوه.
بناءً على ذلك، تقوم فكرة الجدار الحديدي على القوة والمناعة العسكريتين، وقتل الأمل لدى العرب والفلسطينيين في قدرتهم على إلحاق الهزيمة بالمشروع الصهيوني في فلسطين.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية