شهد قطاع السياحة في دولة الاحتلال الإسرائيلي خلال عام 2024 تدهوراً كبيراً يذكر بالأزمات التي واجهها القطاع خلال جائحة كورونا في 2020 و2021. حيث جاء هذا الانهيار نتيجة مباشرة لحرب الإبادة الجماعية المستمرة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، والتي أسفرت عن ضربات قاسية لصناعة السياحة وأدت إلى أسوأ تراجع في تاريخها.
وبسبب الحرب على غزة ومن ثم الهجمات المتبادلة مع إيران واليمن والحرب على لبنان وكذلك استمرار التظاهرات ضد حكومة نتنياهو وقطع الطرق في المدن الكبرى، علقت معظم شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى تل أبيب، بعضها لعدة شهور وأخرى حتى إشعار آخر.
وتدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى “إسرائيل” بنسبة فاقت 70٪ خلال العام 2024، مقارنة بـ2023، وتراجعت أكثر من 90% مقارنة بعام الذروة قبل جائحة كورونا في 2019 بحسب تقارير إسرائيلية٬ في وقت تشهد في دولة الاحتلال مقاطعة ونبذ كبير بسبب استمرار حربها على قطاع غزة٬ وملاحقة قانونية من قبل المحاكم الدولية لقادتها وجنودها بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب.
“2024 العام الذي ماتت فيه السياحة في إسرائيل”
- يقول الكاتب في صحيفة هآرتس موشي جلعاد إن 2024 هو العام الذي ماتت فيه السياحة في “إسرائيل” بسبب استمرار الحرب٬ فعلى سبيل المثال٬ خلال 2024 زار حوالي 100 ألف سائح “المتنزهات الوطنية” في “إسرائيل”٬ لكن ما قبل الحرب وصل ذروة عدد السياح لهذه المنتزهات 3.7 مليون سائح. كما استقبلت منطقة البحر الميت والمواقع الأثرية حولها 840 ألف زائر قبل الحرب٬ وفي عام 2024، بلغ عدد الزوار للمنطقة 20 ألفاً، ما يشكل انخفاضاً ساحقاً بنسبة 98%.
- في خضم الحرب المستمرة التي لا تلوح نهايتها في الأفق، لا يأتي أي سائح تقريباً إلى “إسرائيل” من الخارج. حيث أصبحت أسواق المدن الاقتصادية والسياحية الرئيسية مثل يافا وحيفا والقدس فارغة٬ وتجد لافتات “للإيجار” و”للبيع” في كل مكان بحسب تقرير آخر لصحيفة هآرتس. ويتحدث المرشدون السياحيون عن اختفاء السياح الأجانب، كما اختفى معظم السياح الإسرائيليين، ورغم أن بعض الفنادق الإسرائيلية في يافا على سبيل المثال استضافت النازحين الإسرائيليين من مستوطنات الشمال، فإن فنادق أخرى تعاني من الغرف الفارغة لفترة طويلة.
- وتقول هآرتس إن مدينة يافا التي كانت توصف بأنها صاخبة على الدوام٬ أصبحت تحتضر منذ السابع من أكتوبر 2023 ٬ حيث الشوارع خالية من المارة حتى في عطلات نهاية الأسبوع، وإذا مررت في شوارع المدينة مساء أيام الأحد، فسوف تعتقد أنك دخلت مدينة أشباح.
- كما تأثرت تل أبيب بالحرب بشكل كبير، وأغلقت المطاعم والمقاهي أبوابها واحدة تلو الأخرى. وتقول الصحيفة إن أكثر من 50 من المطاعم الكبرى وأشهرها أغلقت أبوابها في تل أبيب خلال عام 2024، أي ما يعادل مطعماً واحداً كل أسبوع. ومن أبرز المطاعم التي أغلقت أبوابها: مطعم سانتا كاتارينا، ومطعم أنيمار فيينا الذي تضرر موقعه بشكل مباشر بسبب الحرب، ومطعم فورتونا ديل مار، ومطعم توبولوبومبو، والعديد من المطاعم الأخرى.
انهيار حاد في قطاع السياحة و60 ألف شركة إسرائيلية تغلق أبوابها
- بحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، فإن السياحة الوافدة لدولة الاحتلال تراجعت إلى 885 ألف سائح وزائر خلال 2024، فيما وصل عدد السياح في 2023 نحو 3 ملايين سائح. وأمام هذا التدهور، وجدت المرافق السياحية في دولة الاحتلال نفسها بعيدة عن أي برامج تحفيز حكومية، وهو ما عبرت عنه عديد الشركات والمؤسسات لوزارة السياحة في دولة الاحتلال.
- ووفق تقرير نشره موقع “وصلة للاقتصاد والأعمال” الناطق بالعربية داخل أراضي 48، استناداً إلى بيانات حكومية إسرائيلية، فقد أغلقت نحو 60 ألف شركة إسرائيلية أبوابها خلال عام 2024، بزيادة 50٪ مقارنة بالسنوات السابقة.
- وعلى الرغم من عدم توفر أرقام محددة لعدد شركات السياحة التي أغلقت أبوابها، يشير التقرير إلى أن قطاع السياحة كان من بين الأكثر تضرراً، ما يعني أن عدداً كبيراً منها قد تأثرت وأغلقت أبوابها نتيجة الحرب المستمرة.
- إضافة إلى ذلك، تأثرت قطاعات أخرى مثل البناء والزراعة بشكل كبير، حيث أغلقت حوالي 700 إلى 750 شركة بناء وبنية تحتية العام الماضي، بزيادة تفوق 10 بالمئة مقارنة بـ2023. كما تأثر قطاع الزراعة بسبب القيود الأمنية على المناطق الحدودية ونقص العمالة.
- وتظهر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي، أن تصاعد حرب الإبادة على قطاع غزة أدى إلى تثبيط المسافرين الدوليين بشكل كبير. وتدهورت بشكل كبير أعداد السياح خلال فترة الحرب الإسرائيلية على لبنان، فبينما كان عدد السياحة الوافدة في أغسطس/ آب 2024 نحو 304.1 آلاف سائح، تراجع لقرابة 89.7 ألف سائح في سبتمبر/أيلول الماضي. واستمر التراجع إلى 38.3 ألف سائح في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، قبل أن يصعد قليلا إلى 52.8 ألف سائح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي.
سقوط تاريخي بعد ذروة تاريخية
شهدت السياحة في “إسرائيل” تقلبات ملحوظة خلال السنوات العشر الأخيرة كانت الأسوأ على دولة الاحتلال، حيث تأثرت بعوامل سياسية وأمنية وصحية، فيما يلي نظرة على أداء القطاع السياحي في كل عام استناداً إلى بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي:
- 2014: استقبلت دولة الاحتلال حوالي 2,926,700 سائح، فعلى الرغم من التوترات الإقليمية خاصة في سوريا وعمليات السكاكين في الضفة الغربية والحرب على غزة، حافظت السياحة على مستوى مستقر نسبياً.
- 2015 انخفض عدد السياح إلى 2,799,400، بتراجع بلغ 13٪ مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، في وقت يُعزى هذا الانخفاض إلى المخاوف الأمنية والتوترات السياسية في المنطقة كما تقول حكومة الاحتلال.
- 2016: شهد قطاع السياحة انتعاشاً طفيفاً بزيادة عدد السياح إلى 2,900,000، وذلك بسبب هدوء التوترات في الضفة الغربية وغزة.
- 2017: ارتفع عدد السياح بشكل ملحوظ إلى 3,613,200، ما يعكس حملات الترويج السياحي وتحسن الأوضاع الأمنية في دولة الاحتلال، وهو العام الذي نفذت فيه “إسرائيل” برامج سياحية دولية لجذب مزيد من الزوار.
- 2018: استمر النمو مع وصول عدد السياح إلى 4,120,900، بسبب استقرار الأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة.
- 2019: بلغ عدد السياح ذروته عند 4,551,900، ما أدى إلى ضخ 8.459 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي، بحسب بيانات مكتب الإحصاء ووزارة السياحة.
- 2020: تأثرت السياحة بشكل حاد بجائحة كوفيد-19، حيث انخفض عدد السياح إلى 831,500 فقط، ما أدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة.
- 2021: استمر الانخفاض مع وصول عدد السياح إلى 396,500، نتيجة لاستمرار القيود الصحية العالمية، وغلق معظم مطارات العالم.
- 2022: شهد القطاع تعافيا ملحوظا بزيادة عدد السياح إلى 2,675,000، ما يشير إلى تخفيف القيود وعودة النشاط السياحي، وتزايد عدد متلقي لقاحات كورونا.
- 2023: استقبلت دولة الاحتلال نحو 3,010,000 سائح، ما أدى إلى ضخ 4.85 مليارات دولار في الاقتصاد، إلا أن الربع الأخير من العام شهد ضربة حادة بسبب الحرب على قطاع غزة التي انطلقت في 7 أكتوبر 2023.
- 2024: شهد القطاع تراجعاً تاريخياً إلى 885 ألف سائح بسبب استمرار الحرب على غزة وتصاعد التوترات مع إيران واليمن ولبنان والعراق وكانت أكثر من 90% من هذه السياحة داخلية.
“الاقتصاد الإسرائيلي يواجه خطر العقد الضائع”
- في الوقت نفسه٬ تتجه دولة الاحتلال لزيادة ميزانية الدفاع بنسبة تزيد عن 42% في العام 2025 ما يرفعها من 68 مليار شيكل إلى حوالي 98 مليار شيكل سنوياً. ووفقاً لتحليل اقتصادي لموقع كالكاليست الاقتصادي الإسرائيلي، فإن غياب خطوات ملموسة لضبط الميزانية العامة يضع الاقتصاد الإسرائيلي أمام خطر “العقد الضائع”، على غرار ما حدث بعد حرب أكتوبر 1973. ففي تلك الفترة، أدى الاعتماد الزائد على الإنفاق الدفاعي إلى تقليص النفقات الاجتماعية والاستثمار في الاقتصاد، ما أعاق نمو القطاع الخاص بشكل كبير.
- وبحسب الموقع ذاته٬ يُتوقع أن يصل الدين العام في “إسرائيل” إلى 70% من الناتج المحلي بحلول 2026، ما يتطلب تخفيضات ضريبية أو تقليصات في النفقات العامة.
- سيأتي التوسع في ميزانية الدفاع على حساب الخدمات الاجتماعية، مثل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. سيجد الإسرائيليون أنفسهم أمام أعباء اقتصادية إضافية نتيجة لزيادات الضرائب وخفض النفقات العامة. هذا الوضع يُنذر بموجة جديدة من التوترات الاجتماعية التي قد تُضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي في دولة الاحتلال.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية