نجحت تركيا مؤخرًا في تحقيق مكاسب جيوسياسية كبيرة في منطقة القرن الأفريقي، تجاوزت تأثير كل من مصر والولايات المتحدة، بعد أن توسطت في اتفاق تاريخي بين إثيوبيا والصومال. هذه الوساطة أنهت تنافسًا دام قرابة عقد بين الدولتين، مما يفتح فصلًا جديدًا للاستقرار الإقليمي ويؤكد النفوذ التركي المتزايد.
اتفاق تاريخي لتعزيز النفوذ التركي
و أشاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالاتفاق، ووصفه بأنه “تاريخي”، مشددًا على أهمية ترك الخلافات بين إثيوبيا والصومال وراءهما. وبموجب الاتفاق، ستمنح إثيوبيا، التي لا تطل على أي بحار، وصولاً آمنًا ومستدامًا إلى البحر عبر الصومال، ما يعني إلغاء اعتراف أديس أبابا بدولة أرض الصومال.
وهذا الاتفاق جاء بعد تصاعد التوترات بين الطرفين، خصوصًا بعد توقيع إثيوبيا اتفاقًا مع أرض الصومال في يناير 2024 لاستئجار ميناء وقاعدة عسكرية، وهو ما اعتبرته الصومال انتهاكًا لسيادتها. وضمن استراتيجية الضغط على إثيوبيا، دعمت مصر الصومال وأرسلت قوات وشحنات أسلحة إلى مقديشو.
مصر: استراتيجيات مضادة لمواجهة النفوذ التركي
وتتزامن الوساطة التركية مع تصاعد النزاع بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة، حيث أكملت الأخيرة المرحلة الخامسة من ملء السد. وصرح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي بأن مصر ملتزمة بأمن الصومال وتعارض الإجراءات الأحادية من إثيوبيا. وردت أديس أبابا برسالة إلى مجلس الأمن تتهم مصر بالتهديد باستخدام القوة.
ورغم ذلك، تسعى مصر لتحسين علاقاتها مع تركيا. ففي سبتمبر 2024، استقبل أردوغان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أنقرة في أول زيارة رسمية منذ 2013، مما يشير إلى بداية فصل جديد في العلاقات بين البلدين.
إعادة ترتيب الأولويات الإقليمية
ووفق موقع “ناشونال انترست” فإن النجاح التركي في الوساطة بين إثيوبيا والصومال يعكس تحولاً استراتيجيًا أوسع. تسعى أنقرة لتوسيع نفوذها في مناطق النفوذ التقليدي للولايات المتحدة، مثل إفريقيا والشرق الأوسط. ومع استمرار واشنطن في إعادة ترتيب أولوياتها، تمكنت تركيا من استغلال الفراغات الإقليمية لتعزيز وجودها.
دروس للولايات المتحدة
تسلط الوساطة التركية الضوء على غياب النفوذ الأميركي في القرن الأفريقي، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة. بالنسبة لواشنطن، يعتبر تعزيز وجودها الإقليمي وإعادة تأكيد دورها كوسيط في النزاعات، مثل أزمة نهر النيل، ضرورة ملحة لتجنب خسارة المزيد من النفوذ لصالح تركيا وقوى أخرى.
وتؤكد التحركات التركية في القرن الأفريقي قوة دبلوماسيتها وقدرتها على تحقيق مكاسب استراتيجية على حساب منافسيها الإقليميين والدوليين. وفي حين تسعى مصر للتكيف مع هذا الواقع الجديد، يبقى على الولايات المتحدة إعادة النظر في استراتيجيتها الإقليمية لتجنب المزيد من التراجع في مناطق نفوذها التقليدية.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية