نشر موقع “أسباب” للدراسات الاستراتيجية تقريرًا معمقًا يسلط الضوء على التركيبة الجيوسياسية المعقدة لإيران، مجيباً على بعض الأسئلة عن دور الجغرافيا والتعددية الإثنية سواء كميزة في حمايتها وزيادة قوتها أو كتحدث يهدد استقرارها. إذ يعرض التقرير تحليلًا للأساليب والتحديات الداخلية التي تواجهها إيران، من محاولات احتواء الحركات الانفصالية إلى إدارة التنوع الإثني، بالتوازي مع استراتيجيتها الإقليمية لتوسيع نفوذها خارج حدودها.
وفي ظل هذا المزيج الفريد من التحديات والفرص، يحاول أن يوضح التقرير، كيف تحاول السلطة المركزية في طهران الإمساك بخيوط لعبة معقدة تجمع بين السيطرة على الداخل والتأثير في الخارج.
التقرير يقدم قراءة تحليلية لهذا المشهد، مستعرضًا كيف تُعتبر هذه التوليفة الجغرافية والديموغرافية سيفًا ذا حدين، يحمي إيران أحيانًا ويهددها أحيانًا أخرى، فما الذي يجعل هزيمتها أمرًا بالغ الصعوبة؟ هذا السؤال يقودنا لاستكشاف طبيعة إيران كدولة وموقعها كقوة إقليمية وسط واقع متغير ومعقد.
مقدمة
بين المتمردين الحوثيين في البحر الأحمر والصراع المسلح في غزة والمناوشات في جنوب لبنان، تعمل إيران مع وكلائها بلا كللٍ لضرب المصالح الأمريكية والإسرائيلية في مقتل، بدايةً بالهجمات المميتة على القوات الأمريكية في الأردن، ووصولاً إلى تنفيذ ضربات دقيقة ضد الاحتلال الإسرائيلي والهدف واضحٌ هنا: القضاء على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط بالكامل.
بينما يبحث بعض المسؤولين في الغرب الآن عن أي ثغرات من أجل الرد، لكن إيران حافظت على الحدود نفسها تقريباً لمدة أكثر من 500 عام، وقد حاربت جميع القوى العظمى تقريباً في أوج قوة كل منها، إذ تُدير إيران شبكةً واسعة من الوكلاء العسكريين الشيعة علاوةً على أن الغزو التقليدي داخل حدودها سيكون مهمةً هرقلية، إذ أثبتت طهران مراراً قدرتها على الصمود أمام الغزوات ما يجعل فكرة إخضاعها أمراً شبه مستحيل.
لكن ما سبب ذلك؟ وما الذي يجعل هزيمة إيران أمراً بالغ الصعوبة؟ هل يكمن السر في الجبال أم أن هناك المزيد؟
بداية علينا التعمق في دوافع هذا البلد وكيفية تطوره ليصبح على شاكلته الحالية، ويجب أن نلقي نظرةً أقرب على السطح، لأن الجغرافيا ستكشف لنا روح الأمة.
جغرافيا إيران
تتميز إيران بجبالها إذ تُشكِّل قممها الطبوغرافية جدراناً تُحيط بمدن البلاد:
- تُعَدُّ جبال زاغروس من أهم تلك القمم، حيث تنحدر السلسلة وصولاً إلى العراق من جهة الجنوب الغربي، بينما تتصل بالحدود مع تركيا شمالاً ويستحيل اجتيازها تقريباً.
- الجزء الوحيد الذي لا تحميه الطبوغرافيا على الحدود الجنوبية، فتحميه الأهوار الموجودة عند ملتقى دجلة الفرات.
- إلى الشمال، تُشكل جبال ألبرز حدوداً طبيعيةً أخرى.
- تمتد سلسلة من القمم الأقل ارتفاعاً بطول شرق إيران على الحدود مع أفغانستان وباكستان.
- يمثل البحر آخر جدار لحماية القلعة.
- يمتد ساحل إيران بطول نحو 2,500 كلم، وينقسم بين الخليج العربي وخليج عمان من المنتصف تقريباً.
- يقع بندر عباس، أهم موانئ إيران، في منتصف الطريق كحارس يراقب مضيق هرمز، الذي يمر عبره خُمس نفط العالم تقريباً.
- يُعد مضيق هرمز وسيلة الضغط الجيوسياسي الرئيسية لإيران.
وإذا قررت طهران تنفيذ تهديداتها وعطّلت تدفق الوقود الأحفوري، فسوف يهتز الاقتصاد العالمي من جذوره وهذا يمنح إيران قوة ضغط كبيرة عند التفاوض مع أقرانها، أما إذا تركوا المضيق وشأنه في سلام، فسيقتصر وضع إيران على كونها قوةً برية، إذ لا تمتلك إيران ميناءً كبيراً كبندر عباس على خليج عمان.
ويُمكن القول إجمالاً إن الجغرافيا تُعَدُّ حاجزاً، كما تحتضن غالبية مواطني إيران البالغ عددهم 90 مليون نمسة، وتشكل صحراء كوير وصحراء لوط داخل حدودها هضاباً قاحلةً شاسعة تُطوِّق السكان داخل حزامٍ من المرتفعات.
وتاريخياً، لعب هذا الواقع الطبوغرافي دوره في جعل إخضاع إيران مهمةً شاقةً للغاية، لكن الواقع سلاح له حدين على غرار العديد من الأشياء في إيران، إذ تحمي الجبال إيران، لكنها تحاصرها أيضاً، حيث يؤدي توسعها في اتجاه الغرب إلى اندلاع صراعات ضد إمبراطوريات قوية عادةً ونتحدث هنا عن:
- الروس
- الأتراك
- العرب
- الرومان من قبلهم
وحين تنجح إيران في التوسع غرباً بطريقةٍ ما، فسنجدها تمنح المناطق المحتلة الحكم الذاتي في المعتاد، ويكمن السبب الرئيسي لتبني هذه الاستراتيجية في الجوانب اللوجستية للتضاريس الجبلية، إذ تجعل السيطرة على المناطق النائية مهمةً صعبةً ومُكلِّفة، لهذا يُعد الحكم الذاتي المُجزَّأ استراتيجيةً قديمةً بقدر قِدَم الإمبراطورية الفارسية، إذ لطالما حافظت على أراضيها المتنوعة ثقافياً عن طريق منح الحكم الذاتي لدولها التابعة والعميلة.
وسنلاحظ نمطاً مشابهاً إذا انتقلنا إلى وقتنا الحاضر، إذ يعتمد إسقاط القوة الإيرانية الآن على شبكة من الجماعات الوكيلة ذات الأغلبية الشيعية، والتي تتمتع بدرجات مختلفة من الاستقلال، ولم يأت هؤلاء الوكلاء نتيجة غزوات مباشرة، لكنهم يُشكلون امتداداً للنفوذ الإيراني.
هل يمكن أن تساهم الانقسامات الداخلية في هزيمة إيران؟
تُضفي جبال إيران صعوبةً كبيرة على مهمة إدماج ثقافاتها وشعوبها المتنوعة العديدة بصورةٍ كاملة، إذ تشكل القمم الشاهقة جيوباً منعزلة تتمسك فيها المجتمعات بلغاتها وتقاليدها وهوياتها الفريدة من نوعها، أي إن الجبال تحمي إيران من الهيمنة الأجنبية، لكنها تُعقِّد عملية تشكيل حكومة مركزية مُوحدة أيضاً.
يُشكل الفرس الأصليين نسبةً تتراوح بين 55% و60% من السكان فقط، بينما تتألف النسبة المتبقية من:
- الأذريين
- البلوش
- الأكراد
- العرب
- الأتراك وغيرهم
ويأتي تكدس هذه الجماعات العرقية داخل مناطق بعينها ليثير دعوات الحكم الذاتي والانفصال تاريخياً، منحت إيران الحكم الذاتي لتلك المجموعات، لكن مركزية السلطة في طهران أدت إلى تآكل حرياتهم السياسية، ونتيجةً لذلك، تحوّلت إيران المركزية إلى دولةٍ استبدادية ويتعيّن على طهران أن تتعامل طوال الوقت مع دعوات الحكم الذاتي والاستقلال من جانب جماعاتها العرقية.
فأثناء الثورة الإسلامية عام 1979 مثلاً، سعى الأكراد والأتراك والعرب إلى الانفصال عن إيران، فيما طالب الأذريون بحكمٍ ذاتيٍ أكبر، وتعرضت تلك الحركات للقمع، لكنها أبرزت التقلبات العرقية داخل إيران. وربما يكون استغلال السكان متعددي الأعراق في بلدٍ ما أمراً مشبوهاً أخلاقياً، لكنها تظل نقطةَ ضعف لن يمانع البعض استغلالها رغم ذلك.
إذ يدرس صناع السياسة تلك الثغرات، ويخططون ويتحركون بناءً عليها، وبغض النظر عن الأخلاقيات، سنجد أن التوترات العرقية تُحرك قدراً كبيراً من السياسة الخارجية الإيرانية، وتتمتع العديد من الأقليات الإيرانية بروابط عميقة الجذور مع أبناء عشائرهم في الخارج.
- يمتلك الأذريون في الشمال الغربي علاقات ثقافية ولغوية وثيقة مع أذربيجان
- يرتبط الأكراد في إيران بالأكراد في العراق وتركيا
- جنوباً، فهناك نحو 1.6 مليون عربي يقطن غالبيتهم محافظة خوزستان الغنية بالنفط، ولديهم روابط مع مختلف المجتمعات العربية بطول الشرق الأوسط
- في الجنوب الشرقي، يمتلك البلوش علاقات قوية مع أقرانهم في باكستان
ويؤدي هذا التضامن العرقي العابر للحدود إلى تعقيد علاقات إيران الثنائية مع محيطها، لهذا تشعر طهران بقلق دائمٍ من جيرانها وتعتقد أنهم سيدعمون الجماعات الانفصالية التي تسعى للاتحاد مع الجيران، خاصةً في أوقات الاضطرابات الوطنية.
استغلال الانفصالية لتحييد التهديد الإيراني
لا شك أن تهديد انفصال مناطق البلاد الذي يلوح في الأفق باستمرار هو أمر يُنبئ بكارثة، إذ سيؤدي ذلك التفكك إلى تقليص مساحة أراضي إيران وحجم سكانها، علاوةً على التأثير بشكلٍ حاد في إيراداتها الضريبية، فضلاً عن أن فقدان حقول النفط في خوزستان سيدفع بطهران إلى هاوية الإفلاس المالي.
يُعد النفط حجر أساس الاقتصاد الإيراني، إذ يشكّل 24% من نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، أي إن فقدان النفط سيكون أمراً كارثياً وستخسر إيران نفوذها الجيوسياسي في غياب مناطق أقلياتها، كما ستصبح بقايا الدولة ذات الأغلبية الفارسية دولةً حبيسة ومجردة من حدودها الجبلية على الأرجح، ما سيحولها إلى خاصرةٍ رخوة من الناحية الأمنية.
وقد يبدو السيناريو الأسوأ لتقسيم إيران أمراً بعيد المنال، لكنه حدث عدة مرات في التاريخ، وفي السنوات الأخيرة، سعى خصوم إيران إلى استغلال خطوط صدعها العرقية والدينية، إذ عززت “إسرائيل” علاقاتها مع أذربيجان، وأبدت اهتمامها بدعم الحركات الانفصالية الأذرية داخل إيران.
وعلى نحوٍ مماثل، ربط البعض بين السعودية وبين الجهود الرامية لإثارة الانفصالية العربية في منطقة خوزستان، ولهذا يرى خصومٌ مثل الولايات المتحدة و”إسرائيل” أن الانفصالية هي الخيار الوحيد لتحييد التهديد الإيراني. وربما تُعد البلقنة تهديداً قائماً، لكن افتقار إيران إلى التجانس قد لا يكون بالخطورة التي يتمناها خصومها.
فخلال الحرب العراقية الإيرانية، ركزت دعاية العراق على الانقسامات العرقية والطائفية في إيران، وصوّروا الحكومة الإيرانية على أنها مجموعة من الفرس المتعصبين الذين يقمعون الأقليات وتمثّل الهدف في تأجيج التوترات العرقية والمشاعر الانفصالية داخل إيران.
إذ كان صدام يأمل أن تحمل الأقلية العربية السلاح وتدعم الغزو العراقي، خاصةً في محافظة خوزستان الغنية بالنفط، لكنهم لم يفعلوا ذلك، ودعم العراق الجماعات الانفصالية الكردية، مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، في حربهم ضد حكومة إيران، وذلك أملاً في أن يؤدي التمرد إلى إضعاف إيران.
وحققت هذه الحيلة بعض النجاح في البداية، لأنها أجبرت إيران على نقل بعض مواردها من أجل قمع التمرد الكردي، لكن خطة صدام فشلت في النهاية، ووصلت الحرب إلى طريقٍ مسدود.
الوحدة الدينية قبل الولاء العرقي
يعتمد نسيج المجتمع على القيم المشتركة والأهداف الجماعية والتجربة المجتمعية، إذ تعزز هذه الصفات من الثقة والتعاون والدعم المشترك بين أفراد المجتمع، لكن بعض الشعوب قد تنجح في تحقيق النتائج نفسها عن طريق تبني خطاب يحض على تكاتف الجماعة ضد غيرها، ويؤدي هذا التقسيم الثنائي إلى خلق شعورٍ بالانتماء والتضامن داخل المجموعة، وتعزيز روح الانفصال -وربما العداء- تجاه المجموعة الأخرى.
حيث روّجت طهران الخطاب القومي الإيراني بقوة أثناء الحرب الإيرانية العراقية، وقدّمت الصراع كحربٍ بين الشيعة والسنة، لهذا فشلت حيلة صدام، لكننا بحاجةٍ لإلقاء نظرةٍ على التاريخ حتى نستوعب مدى فعالية هذه الاستراتيجية.
في عام 1501 تم تتويج إسماعيل الصفوي شاهاً في تبريز ليُدشن بذلك فجر الدولة الصفوية، من ثم انطلق الشاه الجديد من منطقة توازي أذربيجان المعاصرة تقريباً ومضى ليحتل إمبراطوريةً شاسعة.
ولا يعد إسماعيل مؤسس إيران الحديثة لأنه احتل أراضي شاسعة، بل لأنه أعلن المذهب الشيعي الاثنا عشري ديناً رسمياً لدولته، فقد أدى هذا القرار إلى توحيد الجماعات العرقية واللغوية المتنوعة تحت هوية دينية واحدة، استطاع بها أن يميّز الدولة الصفوية عن غيرها من القوى السنية المحيطة، كالإمبراطورية العثمانية والمغولية.
ويمكن القول إن ترويج الإسلام الشيعي عزّز سيطرة إسماعيل وأضفى شرعيةً على حكمه، وأرسى كذلك دعائم الهوية الدينية والثقافية لإيران المعاصرة، من المثير للاهتمام أن إسماعيل نفسه كان ابن أقلية عرقية، إذ كان ينتمي إلى العرق الأذري، وينطبق الأمر ذاته على العاملين في بلاطه وعلى جيشه الضخم، ما يُثبت أن الوحدة الدينية تأتي قبل الولاء العرقي.
هكذا اتحدت كافة الجماعات العرقية الإيرانية للمرة الأولى في حقبة ما بعد الإسلام، واليوم، لا يزال الإسلام الشيعي هو المذهب المُهيمن داخل إيران، بنسبةٍ تتراوح من 90% إلى 95% من إجمالي السكان، ويساعد هذا التجانس الديني المصحوب بمعتقدات، وطقوس، وممارسات دينية مشتركة على خلق شعور بالوحدة بين مختلف الجماعات العرقية.
لكن هذا ليس كل شيء، إذ إن ترويج الإسلام الشيعي يساعد طهران على تحقيق الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي داخلياً، بالإضافة إلى منحها نفوذاً استراتيجياً داخل الأماكن التي يشكل فيها الشيعة أغلبية السكان أيضاً، أي إن الإسلام الشيعي يُتيح للدولة الإيرانية ضرب عصفورين بحجرٍ واحد، لكن إيران ليست شيعيةً بالكامل، إذ تنتشر معاقل المسلمين السنة في محيطها، ويعتنقون معتقدات أيديولوجية تتعارض بوضوح مع الأغلبية الشيعية.
ورغم محاولات الإدماج والاستيعاب، لا يزال العديد من السنة ينظر إلى الانفصال باعتباره المسار المنطقي الوحيد للمضي قدماً، ويُعَدُّ السنة من عرق البلوش من بين الأصوات المعارضة الأكثر إقناعاً، إذ إن اختلافهم الثقافي والديني يميّزهم عن الأغلبية الفارسية الشيعية.
وهناك عدة فصائل بلوشية انفصالية تشن حركة تمرد نشطة ضد طهران بالفعل، لكنه تمرد منخفض الحدة نسبياً، وعلى الجانب المقابل، من المحتمل أن تكون إيران قد أفرطت في استغلال الورقة الشيعية خلال السنوات التي أعقبت الثورة الإسلامية.
كما تظهر الدراسات الحكومية أن الإيرانيين أصبحوا أقل تديُّناً من ذي قبل، وعندما يهدأ كل الضجيج، سنجد أن تقدير الناس للإيمان يتراجع حين يُصبح أمراً مفروضاً عليهم، ويُمكن القول إن الإسلام الشيعي بدأ يفقد تأثيره الذي يعزز التماسك بوتيرةٍ ثابتة، إن لم يكن قد فقده بالفعل.
لهذا تستخدم طهران القوة الغاشمة قديمة الطراز من أجل الاحتفاظ بقبضتها على السلطة، ولا تتساهل مع المعارضة، فحين يظهر العصيان؛ تُحكِم الأجهزة الأمنية قبضتها لسحق المعارضين، أو اعتقالهم، أو إرسالهم إلى حبل المشنقة.
إذ اندلعت احتجاجات شعبية مناهضة للحكومة في أنحاء إيران عام 2022، وكانت الأكبر منذ نحو أربعة عقود، وحينها استخدمت طهران كامل أدوات القمع المتوافرة في جُعبتها، وبذلت وسائل الإعلام الرسمية قصارى جهدها لتصوير المحتجين كإرهابيين وانفصاليين في المحافظات ذات الأقليات العرقية الكبيرة، كل هذا بهدف تشويه سمعة الحراك.
بينما تعرّض مئات المحتجين للاعتقال، وجرى نشر قوات الأمن الإيرانية بكامل عتادها لقمع التظاهرات بوحشية، وعلى الرغم من حجم ونطاق الاحتجاجات، فقد نجحت إيران في إخضاعها بنهاية المطاف، ولا مفر أمام أي حركة انفصال مدعومة خارجياً من مواجهة القيود نفسها، خاصةً عند الوقوف أمام الآلة الإعلامية وقوات الأمن الإيرانية ستكون معركةً شاقة من البداية وحتى النهاية.
ومع ذلك، قد ينظر الراغبون في إيذاء إيران إلى سيناريو البلقنة باعتباره الاستراتيجية الفعالة الوحيدة -إلى جانب الحرب، إذ تنظر الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي مثلاً إلى الأقليات العرقية الإيرانية باعتبارها خطوط صدع في الدرع الإيراني.
فهل يمكن أن ينجح صراع انفصالي بالوكالة وبدعمٍ أجنبي؟
الإجابة هي لا على الأرجح، لكن بعض المسؤولين قد يرى أن الأمر يستحق عناء المحاولة على كل حال، هذا هو سبب عدم تبنِّي القيادة الإيرانية للديمقراطية بشكلٍ كامل، ونادراً ما تكون عمليات الحرب النفسية واضحةً للعيان وترى المؤسسة الدينية الحاكمة أن القوى الغربية -الساعية لتفكيك إيران- تريد تغليف أهدافها بأيديولوجية فاضلة كالديمقراطية الليبرالية.
وتؤمن طهران بأن تبني الأفكار الليبرالية سيُفكك تماسكها في غضون بضعة أجيال، وفي غياب الاستبداد أو الحكم الديني الذي يحفظ التماسك، من المرجح أن تستغل الأقليات الإيرانية الحقوق الليبرالية لدفع هوياتها الخاصة قبل أن تنفصل عن إيران تماماً بمرور الوقت.
ويُمكن القول إجمالاً إن إيران عالقةٌ في دائرةٍ مُفرغة تتكرر مراراً.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية