“مبعوث الإبادة”.. بلينكن تجاوز الكونغرس و أمّن السلاح لإسر//؟ائيل ومهد الطريق لتدمير غزة

في نهايات الحرب العالمية الثانية، هرب رجل يهودي يدعى صمويل بيسار من الأسر النازي بعد أن أمضى فيه أربع سنوات. اختبأ في الغابة، خائفاً مترقباً، إلى أن ظهرت أمامه دبابة تابعة للجيش الأمريكي، وعليها النجمة الخماسية. عندما لمحها، خارت قواه وسقط على ركبتيه أمام جندي أمريكي من أصل أفريقي، فسقط على ركبتيه و عبر عن امتنانه بثلاث كلمات فقط عرفها بالإنجليزية: “بارك الله في أمريكا.”

كان هذا الرجل، صمويل بيسار، الذي سيعمل لاحقاً مستشاراً للرئيس الراحل جون كينيدي ولعدد من الرؤساء الفرنسيين، وسيكون زوج والدة وزير الخارجية الأمريكي الحالي، أنتوني بلينكن، الذي يستحضر دائماً هذه القصة الهوليوودية ليعبر عن رؤيته لدور أمريكا في العالم.

ففي خطاب له أمام مجلس الشيوخ عام 2021، تحدث بلينكن عن هذه الحادثة، معتبراً إياها نموذجاً حياً للشراكة الأمريكية مع العالم، وعن إحساسه الإنساني بالمسؤولية تجاه من يعيشون في ظل القهر والاضطهاد. قائلاً: “هذا هو ما نحن عليه. هذا ما نمثله للعالم، مهما كان ذلك غير كامل، وما يمكننا أن نكون عليه في أفضل حالاتنا”.

لكن، بعد سنتين تقريباً من صعوده إلى منصب وزير الخارجية، صار بلينكن الليبرالي داعم حرب الإبادة على الفلسطينيين في غزة، فبعد بدء الحرب مباشرة، وقف بلينكن أمام الإسرائيليين بأنه اليوم يقف بجانب الاحتلال الإسرائيلي لكونه “”يهوديا فرَ جده من القتل” أكثر من كونه وزير خارجية أمريكي مسؤول عن توفير الدعم الدبلوماسي والعسكري لحرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة  والتي خلفت أكثر من 44 ألف شهيد أغلبهم من الأطفال والنساء حتى كتابة هذه السطور.

بعد قرابة 4 سنوات من توليه منصب وزير الخارجية الأمريكي، ومع اقتراب مغادرته لمنصبه في الأسابيع المقبلة، يترك أنتوني بلينكن خلفه تاريخًا دامياً من الانتهاكات والتجاوزات في حق المنطقة، ليبقى أثر قراراته وسياساته ماثلاً في حروب ومآسي متعددة كانت فلسطين في مقدمتها، وخاصة الحرب على غزة. فمن هو هذا الرجل؟ وكيف أثر تكوينه عليه ليزرع كل هذه الوحشية في المنطقة خلال فترة خدمته؟ وكيف تعاطى مع ملف المفاوضات الذي وُضع بين يديه؟

“الجنرال الدبلوماسي”..   بلينكن دائماً سفيراً للحرب 

منذ بداية الحرب على غزة، تتكرّر المفاوضات التي تجري للتوصّل إلى اتفاقٍ لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، كل بضعة أسابيع، برعاية أميركية.

وفي كل مرة، تبدي الولايات المتحدة تفاؤلًا لا علاقة له بالواقع بشأن إمكانية بلوغ اتفاق، ويبدي وزير خارجيتها أنتوني بلينكن انطباعًا مصطنعًا بأن الاحتلال الإسرائيلي يوافق على المقترحات الأمريكية، وأن المقاومة الفلسطينية “حماس” هي من تقف في طريق الوصول إلى اتفاق. لكن وفي كل مرة، يتبين أن نتنياهو لم يعطِ موافقته على الصفقة إطلاقًا، ثم تعود الجهود إلى مربع الصفر ويستمر الدعم الأمريكي بأحدث الأسلحة لقادة إسرائيل المتطرفين دون ضغط حقيقي لإيقاف الحرب.

تكرّر هذا المشهد شبه السوريالي إلى درجة أن الصحافة الإسرائيلية نفسها باتت تلقي اللوم على بلينكن وتصريحاته غير الواقعية، التي ساهمت بحسب ما أكده الإعلام العبري في إفشال كل الصفقات الماضية. فما الذي يجري؟ هل بلينكن مفاوض فاشل؟ هل هو غير ضليع ولا مطّلع على شروط الطرفَين؟ أم إن الأمر أبعد وأقدم من ذلك

قام أنتوني بلينكن بالعديد من الجولات في الفترة الأخير بهدف التوصل لوقف إطلاق النار ولتسريع تطبيع السعودية مع إسرائيل

عندما اختار بايدن بلينكن مرشحا لوزارة الخارجية الأميركية بعد 4 سنوات من السياسات الخارجية المضطربة لدونالد ترامب، حصل بلينكن سريعا على ثقة مجلس الشيوخ بأغلبية 78 صوتا مقابل 22 في المجلس ذي الغالبية الجمهورية.

ولعل ذلك، يرجع لرؤية بلينكن في السياسة الخارجية الأمريكية المتفقة مع الجمهوريين ودعاة الحرب، ليس في بعض السياسات فحسب، بل كلها غالبا.

إذ يرى  بأن التدخل العسكري قد يكون أحياناً الحل الأمثل لمواجهة الأزمات الإنسانية. فبالنسبة له، لا يُعد الجيش الأمريكي أداة مدمرة بقدر ما يُعتبر وسيلة لردع العنف أو منعه. إذ كتب في أحد مقالاته أن “القوة يمكن أن تكون مكملاً ضرورياً للدبلوماسية الفعّالة” وبهذا، فإن بلينكن يمثل توجهاً يرى في القوة العسكرية الأمريكية أداة دعم إنسانية، سواء من خلال التهديد باستخدامها أو تفعيلها فعلياً.

و تاريخ أنتوني بلينكن في السياسة الأمريكية حافل بدعم التدخلات العسكرية الأمريكية، سواء في الشرق الأوسط أو خارجه. فقد كان من أبرز المؤيدين للحرب الأمريكية على العراق عام 2003، إذ كان بلينكن أحد كبار مساعدي بايدن عندما كان سيناتور آنذاك وصوت لصالح تفويض الغزو الأمريكي للعراق، بل وساعد بلينكن بايدن في وضع اقتراح لتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق منفصلة على أساس الهوية العرقية والطائفية.

ولم يتخل عن موقفه من حرب العراق رغم الانتقادات المتزايدة لاحقاً لتلك الحرب وتداعياتها. هذا التوجه الاستراتيجي يظهر في معظم مواقف بلينكن؛ إذ لم يتردد في تأييد التدخل العسكري الأمريكي في ليبيا في عام2011، وكذلك دعم انخراط الولايات المتحدة في الأزمة السورية.

بلينكن لا يرى تناقضاً بين الديمقراطية والتدخل العسكري، بل يؤمن أن التدخلات التي تحمل طابعاً عسكرياً يمكنها تعزيز نفوذ أمريكا ونشر قيمها. ويعكس موقفه هذا ما يمكن تسميته بـ “التدخل الليبرالي”، الذي يسعى لاستخدام القوة لتحقيق الاستقرار وفقاً للرؤية الأمريكية، مع إيمان راسخ بأهمية دور أمريكا في حفظ النظام العالمي.

ولم تقتصر سياسته على الشرق الأوسط، بل امتدت لتشمل مواقف حازمة تجاه الصين وروسيا، لا تختلف كثيراً عن مواقف الجمهوريين التقليدية في السعي لفرض الهيمنة الأمريكية. يرى بلينكن أن على الولايات المتحدة فرض توازن قوى واضح، دون إبداء الكثير من الاهتمام بالقوى الصاعدة أو التعددية القطبية التي يشهدها العالم اليوم.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

قد عبر عن رؤيته تلك بوضوح في مقاله الأخير الشهر الماضي المنشور في مجلة فورين أفيرز بعنوان استراتيجية التجديد الأميريكية: إعادة بناء القيادة من أجل عالم جديد والتي أكد فيه على أهمية استعادة القيادة الأمريكية عالمياً، متناولاً أيضاً التهديدات التي يرى أن “حماس وإيران” تشكلها، باعتبارهما عائقين أمام مشاريع التطبيع والسلام والتكامل الاقتصادي في الشرق الأوسط.

وعند تطرقه إلى المأساة الإنسانية في غزة، أقر بأن الفلسطينيين واقعون في حرب لم يختاروها ولا يملكون القدرة على إنهائها. لكنه تجنب الإشارة إلى إسرائيل كسبب مباشر، مؤكداً بدلاً من ذلك على “مشروعية دفاعها عن نفسها.” ولاستكمال مشروع بناء جديد لشرق أوسط يلبي “احتياجات إسرائيل الأمنية” كما ذكر.

شاهد أيضاً

تحالف الدين والمال والنفط.. “Make-ماغا” قومية جديدة تبناها ترامب، وأعادته لرئاسة أمريكا

“لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (Make America Great Again) – شعار بدا بسيطاً عندما أطلقه …