بالفيديو – 80 ألف عيادة مهددة بالإغلاق في مصر.. تفاصيل قرار يحول مهنة الطب إلى تجارة ويخدم لوبي المستشفيات الخاصة

كشف مصدر مطلع بنقابة الأطباء في مصر أن آلاف العيادات توصلت بإنذارات الغلق لأنها لم تُسوِّ مخالفات البناء، وأن السلطات المحلية ببعض المحافظات هددت بقطع الخدمات الحيوية عن العيادات التي لم تلتزم.

وتفجرت أزمة العيادات الخاصة في مصر بعد أن توسعت المحافظات والإدارات المحلية في مطالبتها بضرورة التصالح في مخالفات البناء، رغم أنها لا تخضع لقانون البناء الذي يحمل رقم 119 لسنة 2008.

وقدم 23 برلمانياً طلبات إحاطة بشأن المشكلة التي تهدد بإغلاق 80 ألف عيادة خاصة تنتشر في المحافظات المختلفة، ويتوافد عليها المرضى بشكل أساسي وتساهم في التخفيف من الضغط على المستشفيات الحكومية.

وطالب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بوقف الإجراءات غير القانونية التي اتخذت بحق بعض العيادات في المحافظات المختلفة، حرصاً على مصلحة المريض، وضمان استمرار تقديم الخدمات الطبية في العيادات بالشكل اللائق.

إهانة الأطباء 

يقول المصدر ذاته، إن تمسك النقابة بموقفها الرافض للاستجابة لمطالب الحكومة وبحث التصعيد بكافة السبل الممكنة يرجع لأن المواطن سيكون المتضرر الأول من هذه القرارات غير القانونية التي تخالف الدستور.

وقال المتحدث إن هذا الإجراء ينقل مهنة الطب من مهنة خدمية إلى تجارية، سيترتب على ذلك اتخاذ ما يستدعي التعامل معها في السياق التجاري، وسيقود ذلك لمضاعفة قيمة الكشوفات.

وأضاف أن جزءاً كبير من العيادات الصغيرة لن تستطيع تحمل تكلفة قيمة التصالح، وإذا لم تُغلق أبوابها فإنها لن تكون جاذبة للمرضى لأن الطبيب سيكون مضطراً لمضاعفة أسعار الكشف.

وأوضح أن وجود العيادات في أماكن تجارية سيفرض عليها رسوم باهظة سيكون عليها سدادها إلى الأحياء والمحليات، كما أن الضرائب المفروضة عليها كذلك ستكون مضاعفة أسوة بباقي الأنشطة التجارية.

وأشار المتحدث إلى أن من سيتحمل هذه الفروق هم المرضى مع اتجاه الأطباء لرفع سعر الخدمة، وأن المستشفيات الخاصة ستكون البديل المتاح أمام الأطباء للعمل في العيادات الخارجية الخاصة بها هربًا من زيادة التكاليف، والأكثر من ذلك أن هذه القرارات مخالفة للقانون والدستور.

وشدد على أن الحكومة عمدت على أن تصدر القرارات من خلال المحافظين وليس من خلالها لكي لا تكون في صدارة المشهد، وتحاول التلاعب على فكرة التعامل مع الطب كمهنة خدمية مثل المحاماة والمحاسبة والمهندسين وغيرها من المهن الخدمية.

مشيراً إلى أن الأطباء في حال جرى تنفيذ هذه القرارات سيكونون بمثابة وسطاء لتحصيل الأموال من المواطنين، وهو ما يشكل إهانة لا يمكن القبول بها.

تصاعد معدلات ترك المهنة

وبحسب المصدر ذاته فإن العيادات الخاصة تراجع أعدادها بالفعل خلال السنوات الماضية، وأن 80 ألف عيادة مازالت تعمل ستكون قابلة للغلق في أقرب فرصة.

وقال المتحدث لـ”عربي بوست” بدلاً من أن تساعد الحكومة على تسهيل مهمة عمل الأطباء تدفعهم بشكل سريع نحو الهجرة إلى الخارج، كما أن مثل هذه القرارات تساهم في تصاعد معدلات ترك المهنة.

وكشف المصدر في نقابة الأطباء المصرية أن الواقع يشير إلى أعداد كبيرة من الأطباء التحقوا بمهن أخرى غير الطب في ظاهرة تحدث لأول مرة في تاريخ الطب المصري.

وذكر المصدر ذاته، أن القرارات تتماشى مع تسليع مهنة الطب كما تخطط الحكومة المصرية، التي اتجهت لزيادة أعداد الجامعات الخاصة لإلحاق الطلاب من ذوي المستويات المنخفضة بهذه الكليات.

وقال إن الحكومة فتحت المجال أمام انضمام “دفعات السماعات” – في إشارة لمن يقومون بالغش في الامتحانات باستخدام سماعات صغيرة للغاية- لكليات الطب الحكومية.

وحسب المتحدث أن هذا سيطرح أطباء يمارسون المهنة دون أن يكون لديهم الإمكانيات التي تؤهلهم لعلاج المرضى، وهو ما يمكن تسميته بالـ”ديرتي بيزنس” وأن مردود ذلك سيظهر خلال العشر سنوات المقبلة.

من جهته، أكد نقيب الأطباء الدكتور أسامة عبد الحي، أن هناك حالة من الاستياء الشديد بين الأطباء بسبب مطالبتهم بتحويل عياداتهم من سكني لإداري.

وأكد المتحدث أن بعضهم تلقى تهديدات بقطع المرافق عن عياداتهم وتشميعها بالشمع الأحمر، إذا لم يتقدموا بطلبات التصالح، بل وصل الأمر إلى تشميع بعض العيادات بالفعل دون حتى سابق إنذار.

وشدد على أن النقابة مستمرة في تحركاتها لإنهاء هذه الأزمة تماماً بما يحفظ حقوق الأطباء، ويضمن استمرار تقديم الخدمات بالعيادات الخاصة، مؤكدًا أن النقابة لن تتوانى أبدا في الدفاع عن حقوق أعضائها المشروعة.

وقال إن النقابة وأنها سبق وخاطبت رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ورئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي، ونائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان الدكتور خالد عبد الغفار، ووزيرة التنمية المحلية د. منال عوض.

وبحسب المذكرة القانونية التي تقدمت بها النقابة للحكومة المصرية فإن “العيادات الطبية هي مال خاص مملوك لصاحبه ولا يجوز إرهاقه بقيود تمنع الانتفاع به، ومن ذلك بالتأكيد فرض رسوم باهظة على كل متر بدعوى تحويل المنشأة إلى نشاط مهني”.

الاستثمار في الطب

ويرى مصدر آخر بنقابة الأطباء أن إرغام الأطباء على التصالح في مخالفات البناء يدعم مباشرة كبار المستثمرين في القطاع الصحي سواء المصريين أو العرب والأجانب الذين يسعون لاختراق القطاع ويهدفون لضمان تحقيق أرباح طائلة.

وقال المتحدث إن الكثير من العيادات ستضطر للإغلاق وسيكون الاتجاه الأكبر نحو المستشفيات الخاصة التي سوف تتوسع في إنشاء العيادات الخارجية الخاصة بها، وهو ما يشجع على احتكار خدمات الطب.

وأشار إلى أن أباطرة سوق القطاع الطبي يضغطون بشكل مستمر على الحكومة لتعديل بعض القوانين التي تخدم عمل البيزنس الخاص بهم، وأن خصخصة المستشفيات الحكومية تأتي في هذا الإطار.

لافتًا إلى أن الاستثمار الأجنبي ليس لديه الرغبة في تحمل قسط من منظومة العلاج كما يفعل الأطباء المصريون الذين يتخلون عن جزء من أرباحهم مقابل تسهيل مهمة وصول المرضى إليهم.

وقال إن الزيادة في تكلفة تشغيل العيادات الطبية ستنعكس حتماً على أسعار خدماتها، بما يثقل كاهل المرضى الذين لا يستطيعون الذهاب إلى المستشفيات الخاصة.

ويؤكد المصدر ذاته أن قيمة التصالح في المخالفات تختلف من عيادة إلى أخرى لكن الرسوم الإضافية تصل إلى 2500 جنيه للمتر الواحد وأن غالبية الشقق السكنية المخصصة كعيادات لا تقل عن 100 متر وبالتالي تصل إلى 250 ألف جنيه قد تزيد أو تنقص بحسب مساحة العيادة.

مشيرًا إلى أن 70% من المصريين الذين يتوافدون على العيادات سيتأثرون سلبًا في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، وأن الاتجاه سيكون أكبر نحو الأطباء الصيدليين لتقديم وصفات مباشرة للعلاج بدلاً من الذهاب إلى الطبيب، وفي هذا الأمر انعكاسات كبيرة سيئة.

ولفت إلى أن نقابة الأطباء ترفض تحميل الأطباء أعباء مالية جديدة بخاصة وأنهم يعانون تراجع رواتبهم الحكومية أسوة بباقي دول العالم، كما أنه لا يوجد مخالفات على الأطباء الذين يمارسون عملهم بشكل مستقر منذ عقود سابقة، ولكل عيادة الترخيص الخاص بها والذي تحصل عليه من وزارة الصحة والنقابة التابع لها الطبيب، وبالتالي فهم يعملون في أوضاع قانونية سليمة.

وأوضح أن نقابة الأطباء تنتظر مناقشة قرارات الحكومة داخل مجلس النواب وصدور توصية بالتراجع عن إجراءات الجهات المحلية، لافتاً إلى أن جذور الأزمة بدأت قبل أربع سنوات، وفي ذلك الحين تدخلت النقابة وأوقفت تحركات قادتها محافظة بورسعيد رغم تدخل الحكومة المصرية لوقف القرار.

غير أن تحرك المحليات جاء بعد مطالبات منها للمحافظين بزيادة الموارد المالية للمحافظة وفي ذلك الحين وجدت وزارة التنمية المحلية أن الحل يكمن في فرض رسوم إضافية على العيادات عبر دمجها بقانون التصالح.

وأشار إلى أن جميع الخيارات متاحة أمام نقابة الأطباء في حال لم تتراجع الحكومة عن قرارها بما فيها التظاهر والاحتجاج، وأنها ستشارك بفاعلية في النقاشات التي من المتوقع أن يُجريها البرلمان بشأن الأزمة خلال الأيام المقبلة.

الحكومة تتسلل للعيادات لجباية الأموال 

وتعاني مصر من عجز حاد في أعداد الأطباء بسبب هجرة الآلاف منهم سنوياً، على خلفية تردي أوضاعهم المادية والمهنية، وبالتالي فإن البحث عن عوامل تحفيز للبقاء يجب أن تكون أولوية قصوى بدلاً من خلق عوامل تدفعهم للهجرة، خاصة أن المواطنين يئنون من ارتفاع تكاليف قيمة الكشف الخاص بالعيادات.

وحسب دراسة أعدتها وزارتا الصحة والتعليم العالي، فإن مصر تمتلك 8.6 أطباء لكل عشرة آلاف مواطن، بينما المعدل العالمي 23 طبيباً لكل عشرة آلاف مواطن.

يوضح قيادي بأحد الأحزاب المصرية، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، أن قانون التصالح في مخالفات البناء الجديد ألزم العيادات الطبية بفتح وحدة مخصصة للأغراض الإدارية ويعد هذا منفذاً تسعى الحكومة للتسلل منه للعيادات للحصول على مبالغ مالية.

مشيراً إلى تطبيق القانون بأثر رجعي يعد مستحيلاً لأن العيادات تعمل منذ سنوات طويلة وفي حال كان هناك تصميم من الحكومة على تنفيذ قراراتها فإنه من الممكن أن يُطبق على العيادات التي جرى افتتاحها بعد إقرار القانون الذي صدر العام الماضي.

يؤكد المصدر أن عدم وجود مجالس محلية تراقب عمل المحافظات يساهم في اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تصب في صالح الحكومة وليس المواطنين، وأن الإدارة الحكومية للمحليات أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية لكن لا أحد يريد الاعتراف بذلك.

مشيراً إلى أن هذا الفشل يتجسد بشكل واضح في تدخل الحكومة لوضع ضوابط جديدة للبناء قبل ثلاث سنوات قبل أن تضطر للتراجع عنها قبل شهرين تقريبًا.

وشدد على أن الحكومة ذهبت باتجاه إثارة أزمة جديدة مع الأطباء والمواطنين أيضًا في وقت المفترض أنها بحاجة لتهدئة الأوضاع الداخلية مع التململ المتصاعد جراء زيادة أسعار غالبية السلع والخدمات، وهو ما يبرهن على بوصلة أدائها الإداري تغيب وتهدف بالأساس لتحصيل مزيد من الأموال التي تُمكنها من سد عجز الموازنة.

وقالت وزيرة التنمية المحلية منال عوض أثناء لقائها نقيب الأطباء قبل أسبوعين تقريبًا، أن قانون التصالح يحمل العديد من المميزات للراغبين في تقنين أوضاعهم والتصالح على البناء المخالف أو من يرغب في تغيير الاستخدام من سكني إلى تجاري أو إداري في ضوء أحكام هذا القانون.

مشيرة إلى أن الإجراءات المطلوبة للراغبين في التصالح تم تبسيطها وتسهيلها على جميع المواطنين عن طريق تقديم طلب إلى المركز التكنولوجي التابع للحي أو المدينة أو المركز والعرض على اللجنة الفنية للبت في طلب التصالح.

وأكدت على أهمية دور النقابة في التوعية بهذا القانون الذي أصدرته الدولة وحث الأطباء على الاستفادة من تلك الفرصة الحالية وفقاً لهذا القانون والتيسيرات المقدمة بما يحقق مصلحة الدولة والأطباء وتقنين الأوضاع الخاصة بالعيادات.

المصدر – وكالات

شاهد أيضاً

النمسا – السجن لسوري 9 أشهر هدد ابنته بالقتل دفاعاً عن الشرف

أصدرت المحكمة الإقليمية في مدينة زالتسبورج النمساوية، أمس الأثنين، حكما بالسجن لمدة تسعة أشهر مع …