أذرع اللوبي الصهيوني في بريطانيا.. هكذا يتغلغل في السياسة والإعلام ويحكم قبضته على البرلمان

“إننا نشهد القتل والتشويه والدمار بشكل يومي أو حتى كل ساعة، ونعلم أن حكومتنا متواطئة في ذلك..”، هذه الفقرة مقتطفة من تقرير نُشره موقع بريطاني نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024، يوجه فيه الاتهام صراحة للحكومة البريطانية بالتواطؤ في الحرب الإسرائيلية المدمرة المستمرة على قطاع غزة والجرائم المرتكبة بحق المدنيين.

هذا التواطؤ البريطاني، وإن لم يكن جديدًا، يدعو للتساؤل عن أسباب هذا السكوت المستفز من الحكومات البريطانية المتعاقبة على جرائم إسرائيل المتواصلة بحق الفلسطينيين منذ أكثر من 80 عامًا. هذا التساؤل سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا التقرير الذي يرصد مدى توغل اللوبي الصهيوني في مختلف مناحي الحياة في بريطانيا.

في الفقرات التالية سنقوم برصد تاريخ اللوبي الصهيوني في بريطانيا، وكيف تمكن من التوغل في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بريطانيا، وأذرع هذا اللوبي الصهيوني في بريطانيا ورموزه، وصولاً إلى طبيعة العمل الذي يقوم به اللوبي الصهيوني للتأثير على سياسات لندن داخليًا وخارجيًا.

ظهور اللوبي الصهيوني في بريطانيا

شغلت بريطانيا موقعًا محوريا في المشروع الصهيوني لإقامة دولة لليهود في فلسطين، وتجلى ذلك قبل صدور “وعد بلفور” في عام 1917، واستمر إلى الوقت الراهن، وفق ما جاء في كتاب “اللوبي الصهيوني والرأي العام في بريطانيا: النفوذ والتأثير” للباحث الفلسطيني نوَّاف يوسف التميمي.

وكتب تيودور هرتزل في كتابه “الدولة اليهودية”: “منذ انضمامي إلى الحركة (الصهيونية) وجّهْتُ نظري نحو بريطانيا؛ لأنني أدركتُ أن بريطانيا مركز الثقل العالمي، وبريطانيا العظمى والحرة، التي تحكم ما وراء البحار، سوف تتفهَّم أهدافنا، والانطلاق من هناك سيخلق للأفكار الصهيونية أجنحة تحلِّق بها عاليًا وبعيدًا”.

وبالفعل يقول التميمي في كتابه: “عملت المنظمات الصهيونية، منذ وقت مبكر، على التغلغل في الأوساط السياسية البريطانية لتشكيل جماعات ضغط، مهمَّتها الرئيسية الحفاظ على زخم الدعم البريطاني، الرسمي والشعبي والإعلامي، لإسرائيل وسياساتها في كل الأزمان، وفي مختلف الظروف”.

حسب كتاب “اللوبي الصهيوني والرأي العام في بريطانيا” فإن تاريخ اليهود في بريطانيا بدأ منذ عام 1066، عندما وصلت أولى الهجرات اليهودية إلى إنجلترا بعد فتوحات النورمَانْدِيين، وصولًا إلى القرن العشرين.

إذ شهدت بريطانيا موجات هجرة يهودية متتالية من اللاجئين اليهود الفارين من الاضطهاد في روسيا، وموجات اليهود الفارين من أوروبا النازية، قبل وفي أثناء الحرب العالمية الثانية.

واهتمت الجالية اليهودية عبر كل تلك الفترات التاريخية بإنشاء مؤسساتها ومنظماتها من معابد، ومدارس، وجمعيات خيرية للأيتام، ومراكز لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، ومنازل لرعاية كبار السن، وجمعيات لدعم الفقراء، وهي المؤسسات التي شكَّلت اللبنات الأولى لظهور المنظمات الصهيونية ذات النشاط السياسي.

وفقًا لما كتبه، دونالد فاغنر، في مجلة “سوجورنر فإن” ما أصبح يُعرف باسم “الصهيونية المسيحية” ظهر في إنجلترا في أوائل القرن الـ19 للدفع لإعادة اليهود إلى الأرض المقدسة حسب التفسير المستقبلي للنصوص المروعة.

كتب الصحفي البريطاني، جيفري ويتكروفت، أنه ربما كان “أول جماعة ضغط لصالح أرض إسرائيل هو تيودور هرتزل الذي التقى بوزراء الحكومة بعد نشر كتابه الدولة اليهودية عام 1896، وتنظيمه المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897”.

غير أن النواة الأولى للوبي الصهيوني في بريطانيا، بدأت بالتشكُّل قبل صدور “وعد بلفور” في عام 1917، عندما أعلنت حكومة بريطانيا “حق اليهود في إقامة وطن قومي في فلسطين”.

وبدأ خلال تلك الفترة زعماء اللوبي الصهيوني في بريطانيا يتحرَّكون في الأوساط العامة والسياسية والأكاديمية والنقابية البريطانية لحشد التأييد لتنفيذ مضمون “وعد بلفور”.

فيما شهدت فترة السبعينات البدايات الأولى لِتَشَكُّلِ منظمات محلية للوبي الصهيوني في بريطانيا، عندما اتحدت “الفيدرالية الصهيونية” و”المجلس اليهودي البريطاني”، معًا وأَسَّسَتا أول منظمة علاقات عامة بريطانية داعمة لإسرائيل، عُرِفَت باسم “لجنة الشؤون العامة البريطانية الإسرائيلية”.

أذرع اللوبي الصهيوني في بريطانيا

  • مجلس نواب اليهود البريطانيين

مجلس نواب اليهود البريطانيين (Board of Deputies of British Jews) هو المنظمة التمثيلية الرئيسية للجالية اليهودية في المملكة المتحدة، تأسس في عام 1760 ويعتبر أقدم هيئة يهودية تمثيلية في المملكة المتحدة.

يتكون المجلس من ممثلين عن العديد من المؤسسات اليهودية في بريطانيا، بما في ذلك المعابد، والمنظمات الاجتماعية، والمدارس.

ويوضح اهتمامات المجتمع ومواقفه بشأن إسرائيل للبرلمانيين ووزارة الخارجية والكومنولث ووسائل الإعلام والجماعات الدينية الأخرى. ويشمل برنامجها للتعامل مع السفارات أيضًا العلاقات بين الدول الأخرى ودولة إسرائيل.

في خطابها أمام مجلس نواب اليهود البريطانيين في 18 شباط/فبراير 1990، قالت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، مارغريت تاتشر، “اعتقد أن معظم الناس في هذا البلد يكنون إعجابًا عميقًا وثابتًا للشعب اليهودي، ولما أنجزه في إسرائيل”.

  • مجلس القيادة اليهودية

يهدف مجلس القيادة اليهودية إلى تعزيز مصالح الجالية اليهودية المنظمة في بريطانيا. وتتمثل مهمتها في العمل، من خلال أعضائها، لضمان الاستمرارية في المملكة المتحدة، في هذا الجيل والأجيال القادمة، للطائفة اليهودية السائدة والواثقة من دعمها لإسرائيل.

وفقًا لعلماء الاجتماع توم ميلز وهيلاري أكد وتوم غريفين وديفيد ميلر، الذين يكتبون في الديمقراطية المفتوحة “لطالما كان الضغط المؤيد لإسرائيل جزءًا مهمًا من عملها”.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2006، أنشأت شركة غير خيرية، لجنة الأنشطة اليهودية، كوسيلة للتعامل مع العمليات السياسية. كان المديرون المؤسسون للشركة هم تريفور تشين، وهنري جرونوالد، ونائب رئيس بيكوم آنذاك بريان كيرنر، ورئيس بيكوم والممول الرئيسي، الملياردير الفنلندي بوجو زابلودوفيتش.

أطلقت منظمة اللعب النظيف التابعة لها لاحقًا حملة أوقفوا المقاطعة مع بيكوم، حيث عملت لجنة الأنشطة اليهودية كوسيلة للتبرعات.

a

  • الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا

يصف الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا، الذي تأسس عام 1899، نفسه بأنه “المنظمة الشعبية الرائدة في المملكة المتحدة في مجال الدفاع عن إسرائيل” والتي “تحتفل بإسرائيل وتتحدى أعداءنا”.

وكان يهدف إلى تعزيز فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك استجابة للحركة الصهيونية التي قادها ثيودور هرتزل. ويُعد الاتحاد جزءًا من الاتحادات الوطنية التي تأسست لدعم فكرة الصهيونية في أوروبا وخارجها خلال أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان له دور بارز في دعم الجهود الدولية لتحقيق هذا الهدف.

المنظمة كانت معنية بدعم التوعية وترويج الصهيونية بين الجاليات اليهودية في بريطانيا وإيرلندا، وذلك عن طريق نشر الأفكار والمبادئ الصهيونية، وتنظيم الفعاليات، وجمع التبرعات لدعم المستوطنات اليهودية في فلسطين.

وتعتبر المنظمة نفسها بأنها منظمة جامعة للحركة الصهيونية في المملكة المتحدة، حيث تمثل أكثر من 30 منظمة وأكثر من 50000 عضو منتسب، وتشمل أنشطتها: التدريب، والحملات، والمشاركة الإعلامية، والضغط، ومكافحة حركة المقاطعة، والعمل مع الطلاب والفعاليات الثقافية.

  • حركة العمال اليهودية

خلقت الحرب العالمية الثانية وضعًا صعبًا لليهود الإنجليز، إذ اعتبرت الحكومة البريطانية كل اليهود الألمان الموجودين في بريطانيا جواسيس ممثلين للعدو، وبمثابة الجماعة الوظيفية التي تعمل دائمًا في خدمة من يدفع لها أجرها، ولم تقم الجماعات الصهيونية في بريطانيا بمعارضة هذا العمل.

وقد شهد عام 1942 تطورًا مهمًا في تركيبة الاتحاد الصهيوني البريطاني، فقد انضمت إليه حركة عمال صهيون ذات الصلات القوية بحزب العمال البريطاني، وفق ما جاء في موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية” التي أعدها المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري.

وكان ذلك مؤشرًا على ازدياد أهمية المستوطنين، خاصة وأن غالبيتهم من حركة عمال صهيون وأيضًا على توثيق الصلة بين الصهاينة في بريطانيا وبين القوى السياسية المختلفة، فقد كانت حكومة كليمنت إتلي العمالية هي التي وصلت إلى الحكم عام 1945 قبل نهاية الحرب العالمية وانتهى في عهدها الصدام المسلح بين المستوطنين والبريطانيين على أرض فلسطين.

وقبيل تقسيم فلسطين عام 1948، وأثناء انعقاد مؤتمر حزب العمال البريطاني عام 1947، طالب مندوب حركة عمال صهيون في كلمته الموجهة للمؤتمر (الذي حضره كمراقب زائر) باتخاذ قرار بصدد قضية فلسطين يراعي روح وعود الحزب قبل الانتخابات البرلمانية، أي الإقرار بحق اليهود في كامل فلسطين.

  • أصدقاء إسرائيل المحافظون

مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظون” (Conservative Friends of Israel)، نسبة إلى حزب المحافظين البريطاني، وهي مجموعة ضغط برلمانية أسسها عضو البرلمان السابق مايكل فيدلر عام 1974، ووصف المؤرخ والسياسي المحافظ، روبرت رودس جيمس، المنظمة بأنها “أكبر منظمة في أوروبا الغربية مكرسة لقضية شعب إسرائيل”.

تتباهى المنظمة بأن عضويتها تضم 80% من نواب حزب المحافظين، ولديها القدرة على استدعاء وزراء الحكومة لتناول وجبات الغداء والعشاء، وتتمتع بوصول مذهل إلى أماكن القرار الحكومي، وهناك طوابير طويلة من الناس تسعى إلى دخول حفلتها الشهيرة في مؤتمر حزب المحافظين السنوي.

في عام 2005 حددت المنظمة مجالات نشاطها في دعم إسرائيل، والترويج لحزب المحافظين البريطاني، ومحاربة الإرهاب، ومكافحة معاداة السامية، وتعزيز السلام في الشرق الأوسط. ووفقًا لموقعهم على الإنترنت، كان “أكثر من ثلثي” أعضاء البرلمان المحافظين أعضاء في أصدقاء إسرائيل المحافظين في عام 2006.

وفي عام 2007، ذكر المدير السياسي أن المجموعة تضم أكثر من 2000 عضو ومؤيد مسجل. وفي عام 2009، كان ما لا يقل عن نصف مجلس الوزراء في الظل أعضاء في المجموعة وفقًا لفيلم وثائقي من إنتاج ديسباتشز.

وفي عام 2006، أنشأ أعضاء من حزب المحافظين البريطاني جماعة “أصدقاء إسرائيل الأوروبيين”، والمعروفة اختصارًا بـ”EFI”، إحدى أكثر جماعات الضغط نفوذًا في بروكسل، التي تضم مؤسسات الاتحاد الأوروبي الرئيسية.

  • محامو المملكة المتحدة من أجل إسرائيل

محامو المملكة المتحدة من أجل إسرائيل (UK Lawyers for Israel – UKLFI) هي منظمة بريطانية غير ربحية تأسست لدعم إسرائيل من خلال الوسائل القانونية والدفاع عن قضايا متعلقة بإسرائيل في المملكة المتحدة وعلى المستوى الدولي.

تقوم المنظمة بتقديم الدعم القانوني لمحاربة الحملات المناهضة لإسرائيل، والتصدي للمواقف التي تعتبرها معادية لها في مجالات مختلفة، مثل الأكاديميا، والاقتصاد، والإعلام.

تهدف المنظمة إلى حماية الحقوق القانونية لإسرائيل والمجتمعات اليهودية المؤيدة لها في المملكة المتحدة، وذلك من خلال استخدام القوانين البريطانية والدولية لمواجهة ما تعتبره تهديدات غير قانونية أو غير عادلة.

تشمل أنشطة المنظمة تقديم الاستشارات القانونية، والعمل على نشر الوعي القانوني بين مؤيدي إسرائيل، ورفع القضايا القانونية عندما ترى أن هناك تهديدًا لمصالح إسرائيل أو المجتمع اليهودي، مثل التصدي لحملات المقاطعة (BDS) التي تستهدف المؤسسات الإسرائيلية.

برلمان في قبضة اللوبي الصهيوني

على مدى عقود ظل اللوبي الصهيوني في بريطانيا يتغلغل في أوساط مجلس العموم، ولم يكن ذلك ليخفى على المهتمين بالشأن السياسي والحزبي سواء داخل بريطانيا أو خارجها، لدرجة أن الكثير من نواب البرلمان أصبحوا يتفاخرون بدفاعهم عن إسرائيل.

خلال شهر يونيو/حزيران 2024، كشف موقع “Declassified” أن حوالي 180 نائبًا من بين 650 نائبًا في البرلمان البريطاني المنتهية ولايته قد تلقوا تمويلًا من جماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل أو أفراد مؤيدين لإسرائيل خلال مسيرتهم السياسية.

س

يتضمن ذلك 130 نائبًا من حزب المحافظين، و41 نائبًا من حزب العمال، وثلاثة نواب من حزب الديمقراطيين الليبراليين. كما يشمل القائمة ثلاثة أعضاء من الحزب الديمقراطي الوحدوي (DUP)، واثنين من المستقلين، والنائب الوحيد لحزب الإصلاح.

تبلغ القيمة الإجمالية للتبرعات من الجماعات المؤيدة لإسرائيل، والأفراد، والمؤسسات الحكومية الإسرائيلية، أكثر من مليون جنيه إسترليني. وقد قام هؤلاء السياسيون بأكثر من 240 رحلة ممولة إلى إسرائيل، بتكلفة تجاوزت نصف مليون جنيه إسترليني.

تمويلات في عز الإبادة الجماعية في غزة

تضمنت بعض هذه الرحلات زيارات للأراضي الفلسطينية، وشارك عدد قليل منها برعاية جماعات لا تعتبر جزءًا من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. ومن اللافت للنظر، يقول الموقع، أن خمسة عشر نائبًا تلقوا تمويلًا للسفر إلى إسرائيل وسط الأحداث الجارية في غزة.

في تصريح لموقع Declassified، قالت هدى عمّوري، المؤسسة المشاركة لشبكة العمل المباشر Palestine Action: “قبول التمويل من مجموعة ضغط تمثل المسؤولين عن الجرائم يجب أن يمنع أي شخص من الترشح كعضو في البرلمان.”

وأضافت: “رؤية السياسيين يستمرون في السفر إلى إسرائيل والتعامل مع لوبي الضغوطات يوضح سبب استمرار حكومتنا في تحدي القانون الدولي من خلال تسهيل الأفعال الإسرائيلية.”

وتجدر الإشارة إلى أنه لم يتلق أي نائب من الحزب الوطني الاسكتلندي، أو حزب شين فين، أو حزب بلايد كيمرو، أو حزب SDLP، أو حزب ألبا، أو حزب الخضر، أو حزب التحالف، أو حزب العمال، أي ضيافة أو تمويل من جماعات الضغط الداعمة لإسرائيل.

  • من يمول رحلات النواب لإسرائيل؟

واحدة من أبرز الجهات المساندة لرحلات نواب مجلس العموم البريطاني إلى إسرائيل، نجد مجموعة “أصدقاء إسرائيل المحافظين” (CFI)، وهي مجموعة برلمانية لا تفصح عن مصادر تمويلها.

وحسب الموقع البريطاني فإن حوالي 80% من نواب حزب المحافظين هم أعضاء في CFI. وعلى مدى العقد الماضي، قامت هذه المجموعة بتمويل رحلات لعدد من النواب أكثر من أي جهة أخرى في بريطانيا.

وكشف “Declassified” مؤخرًا أن مجموعة “CFI” قامت بتمويل 118 نائبًا حاليًا من المحافظين للسفر إلى إسرائيل في 160 مناسبة، حيث قدمت أكثر من 330,000 جنيه إسترليني لهذه الزيارات. كما تتمتع هذه المنظمة بوصول وثيق إلى وايتهول (Whitehall)، وتنظم اجتماعات خاصة للوزراء.

ومن ناحية أخرى، يحظى “أصدقاء إسرائيل في حزب العمال” (LFI)، وهي مجموعة برلمانية أخرى غير شفافة فيما يتعلق بمصادر تمويلها، بدعم حوالي 75 نائبًا كأنصار أو ضباط.

مؤخرًا، قامت المنظمة بإزالة قائمة النواب المؤيدين لها من موقعها على الإنترنت، ولكن يمكن الاطلاع عليها هنا. وقد مولت LFI رحلات لـ 32 نائبًا حاليًا من حزب العمال للسفر إلى إسرائيل منذ انتخابهم لأول مرة، حيث ساهمت بأكثر من 64,000 جنيه إسترليني في هذه الزيارات.

وفي الفيلم الوثائقي لقناة الجزيرة “اللوبي” الذي صدر عام 2017، اعترف مايكل روبين من LFI بشكل خاص بوجود علاقات وثيقة بين المنظمة ودولة إسرائيل. وقال: “نحن نعمل عن كثب معًا، ولكن علنًا نحاول إبقاء LFI ككيان منفصل عن السفارة [الإسرائيلية].”

ديفيد مينسر، المدير السابق لـ LFI ومدير حملة ديفيد لامي غير الناجحة لمنصب عمدة لندن، يعمل الآن متحدثًا باسم الحكومة الإسرائيلية.

كما تم تمويل رحلات إضافية إلى إسرائيل من قبل “أصدقاء إسرائيل في الديمقراطيين الليبراليين” و”أصدقاء إسرائيل في أيرلندا الشمالية”.

وتم تمويل العديد من هذه الوفود بشكل مشترك من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية، مما يشير إلى مستوى عالٍ من التعاون مع الدولة الإسرائيلية. وقد قبل أكثر من 40 نائبًا تمويلًا من مؤسسات حكومية إسرائيلية.

ومن بين المنظمات الأخرى التي مولت رحلات النواب إلى إسرائيل: لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، والمبادلة الثقافية بين أستراليا وإسرائيل، وElnet UK، والصندوق القومي اليهودي، والجمعية الوطنية اليهودية.

  • متبرعون “صهاينة” أفراد

تلقى نواب حزب العمال والمحافظين أيضًا تمويلًا من أفراد مرتبطين بشكل مباشر بجماعات اللوبي الصهيوني في بريطانيا.

ومن بين هؤلاء تريفور تشين، وهو ناشط قديم في جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، والذي مول ثمانية أعضاء من الفريق الأمامي لحزب العمال بقيادة كير ستارمر، بما في ذلك نائبته أنجيلا راينر، وكذلك وزيرة المالية في حكومة الظل ريتشل ريفز، ووزير الخارجية في حكومة الظل ديفيد لامي، ووزير الصحة في حكومة الظل ويس ستريتنج.

قدم تشين 50 ألف جنيه إسترليني لحملة ستارمر لقيادة حزب العمال. ولم يُكشف عن هذه التبرعات إلا بعد فوز ستارمر.

ومن بين المتبرعين الآخرين لنواب حزب العمال، ديفيد مينتون، المدير السابق لمركز الاتصالات والأبحاث البريطاني الإسرائيلي (BICOM)، وشركة Red Capital، وهي شركة خاصة مملوكة لرئيس LFI السابق جوناثان مندلسون.

كما تبرع عدد من الأشخاص المرتبطين بمجموعة أصدقاء إسرائيل المحافظين (CFI)، مثل تريفور بيرز، ومايكل لويس، وديفيد ميلر، ولورد كالمز، لشخصيات بارزة في حزب المحافظين.

وقال هيل أكيد، مؤلف كتاب أصدقاء إسرائيل: رد الفعل ضد التضامن مع فلسطين، لموقع Declassified: “قد توضح هذه التبرعات الكبيرة نفوذ لوبي إسرائيل، أو ببساطة أن العديد من السياسيين البريطانيين يتبنون مواقف مؤيدة لإسرائيل وهم سعداء بقبول الأموال المؤيدة لإسرائيل.”

وأضاف: “في كلتا الحالتين، من الواضح أن جزءًا كبيرًا من النخبة السياسية البريطانية لا تزال مرتبطة بالحركة الصهيونية، حتى مع استمرار إسرائيل في ارتكاب الانتهاكات ضد الفلسطينيين في غزة.

اللوبي الإسرائيلي في وسائل الإعلام

خلال عام 2014 كشف تحقيق قناة 4 البريطانية أن أغلب وسائل الإعلام البريطانية السائدة “تتبنى خطاً مؤيدًا لإسرائيل”، وفق ما نشرته صحيفة “Middle East Monitor”.

ولا يخفي روبرت مردوخ، الذي تسيطر إمبراطوريته الإعلامية “نيوز إنترناشيونال” على ما بين 30% و40% من الصحف البريطانية، تعاطفه مع إسرائيل. وبالإضافة إلى صحافة مردوخ، كانت مجموعة تلغراف الإعلامية وصحف إكسبريس تميل إلى دعم إسرائيل. وكذلك فعلت “أسوشيتد نيوز بيبرز”.

ولكن هناك منظمتان إعلاميتان مهمتان، حرصتا باستمرار على تقديم تقارير منصفة عن الشرق الأوسط وعرض وجهة النظر الفلسطينية بقوة مساوية لخط الحكومة المؤيدة لإسرائيل. وهما صحيفة “الغارديان” وهيئة الإذاعة البريطانية، لكنها تعرضت لضغوط متواصلة ومضايقات في بعض الأحيان من جانب الحكومة الإسرائيلية نفسها ومن جانب جماعات الضغط.

وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة “الغارديان” كانت أكثر مشاركة في إنشاء إسرائيل من أي صحيفة بريطانية أخرى. وكان رئيس تحريرها، سي بي سكوت، فعالًا في إعلان بلفور عام 1917، حيث قدم حاييم وايزمان، زعيم الحركة الصهيونية وأول رئيس لدولة إسرائيل، إلى أعضاء بارزين في الحكومة البريطانية.

الحرب على غزة في الإعلام البريطاني

كشف مركز الرصد الإعلامي التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا، أن وسائل الإعلام في المملكة المتحدة استخدمت لغة منحازة لإسرائيل بخصوص الهجمات على قطاع غزة، وفق ما جاء في تقرير للمركز صدر شهر أغسطس/آب 2024.

وأشار التقرير إلى أن وسائل الإعلام البريطانية استعملت عبارات “مجزرة ومذبحة ووحشية” لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، في 70 بالمئة من نحو 177 ألف خبر مصور، مقابل عبارة “ما يقال إنها مجزرة” لوصف الاعتداءات على الفلسطينيين.

وأوضح أن تلك الوسائل نشرت 176 ألفًا و627 خبرًا مصورًا و25 ألفًا و515 خبرًا مكتوبًا حول غزة خلال تلك الفترة، مبينًا أن الأخبار حول غزة كانت قبل ذلك التاريخ أقل بنسبة 6 آلاف بالمئة.

وقدمت وسائل الإعلام الـ28 لقرائها والمشاهدين الهجمات الإسرائيلية على غزة بنسبة 76 بالمئة على أنها “حرب بين إسرائيل وحركة حماس”، فيما ظهرت عبارة “غزة المحتلة” 28 مرة فقط في جميع الأخبار.

وأشار التقرير إلى أن جميع الأخبار المصورة ورد فيها تصريحات متعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها 5 مرات أكثر من تلك المتعلقة بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم. ولفت إلى أن المنشورات المتعلقة بحقوق الفلسطينيين لم ترد سوى بنسبة 7 بالمئة في أخبار وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.

كما شدد التقرير على أنه تم ذكر القتلى الإسرائيليين في 2 من كل 3 أخبار مصورة تستخدم تعابير مؤثرة عاطفيًا، بينما انخفض هذا المعدل إلى 1 من كل 10 أخبار مصورة عندما يتعلق الأمر بالقتلى الفلسطينيين.

وأضاف تقرير المجلس الإسلامي في بريطانيا: “في نسبة تتجاوز 70 بالمئة تم استخدام تعبيرات مثل الوحشية والمذبحة والمجزرة لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، فيما كانت تستخدم أحيانًا عبارات مثل (يقولون إنها مجزرة) لوصف قتل الفلسطينيين”.

وأوضح أنه في 100 نموذج تم اختيارها عشوائيًا، تم استخدام كلمة “وحشية” 73 مرة لصالح الإسرائيليين و6 مرات فقط لصالح الفلسطينيين في غزة، وكلمة “مذبحة” 77 مرة للإسرائيليين و13 مرة للفلسطينيين في غزة وكلمة “مجزرة” 69 مرة من أجل الإسرائيليين و14 مرة للفلسطينيين.

المصدر – وكالات – شبكة رمضان الاحبارية

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …