بالصور – إيلون ماسك.. طفولة معقدة، وحلم بتغيير مصير البشرية.. وجد في ترامب شريكه المثالي

إيلون ماسك وشعار شركة ذكاء اصطناعي الخاصة به

في عام 2014، وفي مكتب مفتوح كبير في مقر سبيس إكس في لوس أنجلوس، فارغ إلا من بضع زجاجات نبيذ وجوائز، وأريكة جلدية سوداء ومكتب كبير، كان يجلس إيلون ماسك أمام جهاز الكمبيوتر، يتصفح سيلًا من الردود على رسائل البريد الإلكتروني. قبل أن يقول”اللعنة على الأرض.. من يهتم بالأرض”، لروس أندرسن الكاتب في مجلة The Atlantic، لكنه كان يمزح، فهو يهتم كثيرًا بالأرض، على حد زعم أندرسون الذي جاء للقائه في ذلك اليوم.

بينما كان ينتظر و بعد مرور بضع دقائق، بدأ أندرسون يشعر بالقلق من أن ماسك قد نسى أمره، ولكن فجأة، وبطريقة مسرحية إلى حد ما، استدار، وحرك كرسيه، ومد يده. وقال: “أنا إيلون”.

ربما كانت تلك لفتة لطيفة آنذاك، ففي عام 2014، من لا يعرف إيلون ماسك؟! فمنذ ستيف جوبز، لم يستحوذ ملياردير تكنولوجيا أمريكي على خيال العالم مثل ماسك، فهناك آلاف المقالات والمدونات و 7 كتب تقريباً، منها سيرة شاملة كتبها والتر إيزاكسون، إلى جانب العديد من الأفلام الوثائقية تتحدث عنه. لقد أصبح إيلون ماسك، الملياردير الفريد، رمزًا يلهم الملايين.

لما لا و شركات ماسك حالياً تقدر بأكثر من تريليون دولار، ويعمل المهندسون لديه على تطوير تقنيات أشبه بالخيال العلمي، مثل سفن فضاء قابلة لإعادة الاستخدام، وروبوتات بشرية، ونظام “هايبرلووب” للنقل فائق السرعة، إضافةً إلى شرائح إلكترونية تُزرع مباشرة في أدمغة البشر. كما تعمل إحدى شركاته، نيورالينك، في صناعة ناشئة تُعرف بـ”الواجهة الحاسوبية للدماغ”، وهي عبارة عن نظام يفك شفرة إشارات الدماغ ويترجمها إلى أوامر للأجهزة الخارجية، فيما تسعى شركته الأخرى، سبيس إكس، إلى جعل الحضارة البشرية “متعدد الكواكب”، واضعةً هدفها الرئيسي في الوصول إلى الكواكب الأخرى وجعلها قابلة للحياة.

يزعم إيلون ماسك أن الدافع وراء نجاحاته المبهرة وتراكم ثروته ليس مجرد الربح، بل طموح نبيل أكبر بكثير: إنقاذ الحضارة البشرية. قد يبدو هذا الطموح ضخمًا، لكنه بالنسبة لماسك يحمل أسبابًا وجيهة، إذ لطالما أبدى قلقه بشأن مستقبل البشرية.

في عام 2016، خلال مؤتمر صحفي لفت الأنظار، أطلق ماسك ادعاءً جريئًا: من أجل البقاء على قيد الحياة في حالة انقراض لا مفر منها، سيحتاج البشر إلى “أن يصبحوا حضارة فضائية متعددة الكواكب”.

انتشر تصريحه كالنار في الهشيم، وألهب عناوين الصحف التكنولوجية والتجارية بخططه لإنقاذ البشرية، بينما انشغل بعض الناس والخبراء بتحليل تفاصيل الصواريخ والمركبات الفضائية، وأثار حديثه الحماسي ردود فعل عفوية من الجمهور، فصاح أحد الحاضرين: “ماسك.. يلهمنا بشدة!” فيما عرض آخر، في حماسة واضحة، أن يمنحه قبلة.

النسخة اليابانية من سيرة إيلون ماسك معروضة في مكتبة ماروزين في طوكيو

لكن بعيدًا عن كيفية السفر إلى المريخ والمكوث هناك، وسؤال ماسك عن مدى دراسته للموضوع وكيفية تحقيقه، يأتي سؤال آخر ربما يحمل في ثناياه إجابات عن ماسك نفسه وما يدور في عقل رجل فاحش الثراء مثله : لماذا علينا مغادرة الأرض، بدلاً من الاعتناء بها أو إصلاحها والبقاء؟!

ربما تكون الإجابة على هذا السؤال تحمل بين طياتها مفاتيح لفهم هذا الملياردير نفسه، وما يدور في عقله. إذ يبدو ماسك عند النظر إليه من قرب، يشبه العديد من أقرانه من تلك الطبقات الغنية والمبتكرة والمزعجة، التي تفضل أن تسكن في الخيال والخيال العلمي بالتحديد، بأمان بعيدًا عن الواقع، حيث عالمه الذي يتجاوز القيود التي تحكم حياتنا اليومية، وهو ما يجعله هو وطموحاته في نظر البعض منعزلة عن العالم الذي يتشاركه الجميع.

هذه الرؤية التي تجعل ماسك منفرًا من العالم الذي نتقاسمه جميعًا، بحثاً عن ملاذ خارج الأرض، قد تكون جذورها ضاربة في طفولته وأحلامه المبكرة.

في هذا “البروفايل”، سنغوص في حياة إيلون ماسك، ليس فقط من خلال تصريحاته، بل عبر تتبع أفعاله، وبيئته، ونشأته، والعوامل التي أثرت على رؤيته للعالم منذ طفولته وحتى اليوم، لفهم ما يدور في عقله ومدى قوته وتأثيره وخطورته المحتملة.

ولادة متعثرة

في يوم 28 يونيو/حزيران من عام 1971، في مدينة بريتوريا، العاصمة الإدارية لجنوب أفريقيا، ولد إيلون ماسك، لأم تدعى ماي ماسك، عارضة أزياء وخبيرة تغذية كندية الجنسية، وأب مهندس يحمل الجنسية الجنوب أفريقية وينحدر من أصول بريطانية هولندية، شغل أدواراً متعددة من طيار إلى بحّار، بجانب امتلاكه منجم للتعدين في زامبيا.

كان إيلون الأخ الأكبر، وبعده بعام وُلد كيمبال، ومن ثم جاءت توسكا في عام 1974 لتكمل الأسرة. خلال طفولته، خضع ماسك لعملية جراحية لإزالة الزائدة الأنفية، وذلك بعد أن اعتقد الأطباء أنها كانت تؤثر على قدرته على السمع إذ كان دائماً لا يتفاعل مع من يحادثه بشكل طبيعي.

ولكن والدته لاحقًا أكدت أن المشكلة لم تكن مرتبطة بالزائدة الأنفية بقدر ما كانت بإيلون نفسه، الذي كان “يعيش في عالمه الخاص”. ففي وقت لاحق من حياته، قال ماسك إنه مصاب بمتلازمة أسبرجر، وهو شكل من أشكال اضطراب طيف التوحد، والذي يتميز بصعوبة التفاعلات الاجتماعية. و عندما كان ماسك طفلًا، كان يقع أحيانًا في حالات من التفكير العميق تجعله يبدو مغشيًا عليه. وهذه الحاله قد ساهمت حينها في تعرَّض إيلون ماسك للعديد من حوادث التنمر.

وبينما هو في الثامنة من عمره انفصل والديه، وانتقل مع أخيه كيمبال للحياة مع والده في بريتوريا بناء على قرارهما. لكنه ندم على البقاء مع والده، وتوترت العلاقة بينهما جدا، حتى إن ماسك قال لاحقا في لقاء مع مجلة “رولينغ ستون” إن قراره بالانتقال للحياة مع والده “لم يكن فكرة جيدة”.

إذ يشير الصحافي والكاتب الأمريكي والتر آيزاكسن، الذي نشر سيراً ذاتية عن ستيف جوبز، وألبرت أينشتاين، ومنهم أيضاً، السيرة الذاتية عن ماسك والتي صدرت عام 2023، أن إيلون ماسك شخصية معقّدة ومعذبة، تفتقد للقدرة على التواصل على المستوى الإنساني مع الأشخاص من حوله، لا سيما زوجاته وأطفاله، ومن يعملون في شركاته. فيقول إن ماسك “لم يكن لديه المستقبِلات العاطفية التي تنتج اللطف والدفء اليومي والرغبة في أن تكون محبوباً”. ويبيّن في كتابة كيف أن علاقته بوالده، إيرول، مثّلت مصدر صدمة لا تزال ترافقه، إذ يصف الأب بأنه شخص استغلالي، عاطفياً وجسدياً.

في تلك الفترة بالتحديد، أظهر ماسك اهتماما مُبكرا بالقراءة، خصوصا لكاتب الخيال العلمي الشهير إسحق عظيموف، وقد تحدث كثيرًا عن تأثيرات الخيال العلمي عليه. وقد ربط حبه لسلسلة روايات إسحق عظيموف، التي تتصارع شخصياتها مع التنبؤ الدقيق رياضيا لانهيار الحضارة الإنسانية، والهوس بتأمين بقاء الإنسان خارج الأرض، مما زرع في ماسك رغبة في تغيير العالم عندما كان طفلاً، فهرب إلى عالم الخيال العلمي وألعاب الفيديو. إذ قال في مؤتمر لصناعة الألعاب “كانت ألعاب الفيديو أحد الأسباب التي دفعتني إلى دخول التكنولوجيا”.

إيلون ماسك – صورة تعبيرية

وهو ما دفعه في عمر الثانية عشرة أن يطور كود برمجي بلغة البيسك (Basic) ليصنع لعبة فيديو إطلاق نار بأسلوب Space Invaders تسمى Blastar، كانت مهمة اللعبة الأساسية قائمة على “تدمير سفينة شحن فضائية تحمل قنابل هيدروجينية قاتلة وآلات إشعاعية”. باعها لمجلة متخصصة في مجال الحواسيب مقابل 500 دولار، التي نشرت كود اللعبة المتكون من 167 سطرًا.

و يعد ماسك أيضًا من أشد المعجبين بلعبة “Deus Ex”، وهي لعبة تدور حول صراع بين فصائل سرية ترغب في السيطرة على العالم بالوكالة، وتتضمن أيضًا إشارات إلى نظريات المؤامرة في العالم الحقيقي والأساطير والفلسفات التاريخية، وتقدم تعليقًا على القيم الرأسمالية والانقسام في المجتمع، وقد ذكرها ماسك عند مناقشة شركته نيرولينك Neuralink، التي تطمح إلى اختراع تعديلات على جسم البشر لتعزيز القدرات مثل تلك التي ظهرت في اللعبة.

رغم تلك الطفولة المربكة، لا يمكن إنكار أيضًا أن ماسك، وُلد كطفل من أصحاب الامتيازات، حيث نشأ في أحد أكبر المنازل في بريتوريا في جنوب إفريقيا، بعيدًا عن العنصرية الممنهجة والعنف الذي ميز نظام الفصل العنصري في البلاد، وربما هذا ما جعل ماسك في طفولته يطور عادة الانفصال عن الواقع ودخول فضاء خيالي أشبه بالأحلام. فبحلول سنوات مراهقته، استمر ماسك في الهروب من محيطه ورحل من جنوب إفريقيا. فبعد تخرجه من المدرسة الثانوية عام 1989، تابع أحلامه وانتقل إلى كندا بمساعدة والدته، تاركًا وراءه بلده المنقسم عرقيًا.

ثم انتقل ماسك إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجات علمية في الفيزياء والاقتصاد من جامعة بنسلفانيا. بعدها، توجه إلى كاليفورنيا حاملاً طموحات ريادية واسعة. و في عام 1995، وبفضل مبلغ 30 ألف دولار قدمه له والده، أسس إيلون وشقيقه كيمبال شركة Zip2، التي كانت تجمع بين أدلة المدن والإعلانات والخرائط. ومع ذلك، يصف ماسك مساهمة والده بأنها جاءت “في وقت متأخر جدًا” وأنها كانت لتحدث على أي حال في جولة تمويل كانت ممكنة بدونها، (ويبدو أن ماسك يميل لإثارة الضجة حين يكون الأمور حول رد الفضل إلى أهله، فرغم أيضاً أن شركة تيسلا لم تكن من إنشائه أمضى ماسك سنوات في الدفاع عن الطبيعة التأسيسية لدوره، وفي نهاية المطاف، وفي تسوية قانونية، مُنح الإذن لاستخدام صفة “المؤسس المشارك”.)

بعد أربع سنوات، اشترت شركة كومباك شركة Zip2 بأكثر من 300 مليون دولار. وكان مشروع ماسك التالي في مجال الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والمدفوعات عبر البريد الإلكتروني. فبعد عام، اندمجت شركة ماسك، X.com، مع PayPal؛ وبعد عامين، اشترت eBay المشروع المشترك مقابل 1.5 مليار دولار في الأسهم، مع ذهاب 165 مليون دولار منها إلى إيلون.

في عام 2018 وصف ماسك نفسه بأنه “فوضوي طوباوي” من النوع الذي أجاد إيان بانكس وصفه على أفضل وجه، مشيراً إلى مؤلف الخيال العلمي الاسكتلندي الراحل الذي كتب بشوق عن حضارة لا سلطوية اشتراكية عابرة للفضاء اسمها “الثقافة”، حيث لا مال ولا فقر ولا عمل مأجور ولا شرطة ولا سجون ولا جيش نظامي دائم، ووفرة لا تنتهي من السلع الأساسية”.

وإذا ما صدقنا كل ما يقوله ماسك، لربما يعتقد البعض منا أن إيلون ماسك، الذي بدأ حياته كطفل يحلم بعوالم خيالية، أنه حقاً يسعى لإنقاذ البشرية على طريقته الخاصة وفقاً لما يؤمن به من خيالات، ولكن عند التدقيق نجد أن بعض المبادئ التي يتبناها ماسك اليوم تشكل تناقضًا واضحاً مع خيالاته السابقة. إذ حكى ماسك نفسه بأن بطله هو دوغلاس آدامز، الكاتب الإنجليزي الذي كان ينتقد بشدة فلسفة “الأثرياء وروح التقدم”، والتي للمفارقة هي الفلسفة التي يبدو أن ماسك نفسه بات يجسدها الآن.

أغلفة كتب الخيال لدوجلاس آدمز

فهو اليوم ليس فقط أغنى رجل في العالم، بل وأيضًا رجل أعمال تكنولوجي يحظى بمحبة وسائل الإعلام ولديه خبرة عميقة في مجال التكنولوجيا، مع طموحات للسيطرة، وتأثير يمتد ليشمل القادة السياسيين. وعلى النقيض وربما بسخرية قدرية، كانت تحكي سلسلة روايات “دليل المسافر إلى المجرة” ومسرحياتها الإذاعية، التي استمع إليها ماسك في طفولته بجنوب إفريقيا، عن قصة فتى نرجسي مستهتر يصبح رئيسًا للمجرة، يدمر الأرض لإفساح المجال أمام طريق عبور فضائي.

كيف صنع إيلون ماسك إمبراطوريته؟

أنهى إيلون ماسك عشرينياته بثروة قدرها 165 مليون دولار وخبرة في تأسيس شركتين ناجحتين. بدلاً من التقاعد، دخل في مرحلة جديدة من المغامرات. في عام 2002، بعد حصوله على الجنسية الأمريكية، خصص 100 مليون دولار من ثروته لتأسيس شركة “سبيس إكس” (SpaceX)، تحقيقاً لحلمه الطفولي في استكشاف الفضاء. جاءت الفكرة بعد إحباطه من عدم وجود خطة واضحة لدى ناسا للسفر إلى المريخ.

في البداية، حاول ماسك شراء صواريخ من روسيا، لكن محاولته باءت بالفشل. في رحلة العودة، قرر أن يصنع صواريخه الخاصة، وانتقل إلى لوس أنجلوس ليبدأ مغامرته الجديدة مع “سبيس إكس”. ولم تكن فكرة الصواريخ الخاصة فكرة جديدة أنذاك، إذ يعود تاريخ إطلاق الصواريخ الخاصة إلى الثمانينيات، لكن التحديات كانت هائلة ولم يتصور أحد ما يمكن أن تحمله هذه التكنولوجيا من تكاليف ومصاعب، والتي لم يتوقعها ماسك أيضاً إلا لاحقًا. حيث وجد نفسه وشركته سپيس إكس على وشك الإفلاس عام 2008، وبعد أن استثمر الكثير من ثروته في هذا المشروع الجريء.

في حديثه مع برنامج “60 دقيقة”، أشار ماسك إلى تلك الفترة الصعبة وكيف أن شركته كانت على وشك الانهيار. لكن في المحاولة الرابعة، نجحت “سبيس إكس”، مما قاد إلى حصولها على عقد بقيمة 1.6 مليار دولار من وكالة ناسا لإعادة تزويد محطة الفضاء الدولية. هذا النجاح فتح فصلًا جديدًا في مسيرة ماسك، ليصبح رائدًا في مجال الصناعات الفضائية.

مقر شركة سبيس إكس مع معزز صاروخ فالكون 9 المستعاد معروضًا في هوثورن، كاليفورنيا

ماسك فوق السلطة

يحكي التاريخ عن علاقات وثيقة بين الثروة الفاحشة والقوة السياسية. ولطالما كانت الأوليغارشية الأمريكية وأصحاب رؤوس الأموال تأثيرٌ بالغ في مصائر الدول وصياغة السياسات العالمية. من جيه بي مورغان الذي أقرض الحلفاء خلال الحرب العالمية الأولى مما غير مجريات الحرب و جون دافيسون روكفلر الابن الذي ضخ الأموال في عصبة الأمم الوليدة آنذاك، والملياردير الأمريكي جورج سوروس الذي تكفلت مؤسسات المجتمع المفتوح التابعة له لرسم المجتمع المدني في أوروبا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، و رجل الأعمال شيلدون أديلسون.

ويبدو أن إيلون ماسك ليس استثناء عن هؤلاء الأغنياء ذوي البشرة البيضاء، لكنه يختلف عنهم في طبيعة تأثيره. فهو ليس فقط رجل أعمال، فهو محور أساسي في تحديد مسارات تكنولوجيا المستقبل، ويُعتبر شريكًا ضروريًا للولايات المتحدة في مجالات حيوية مثل الطاقة، النقل، والفضاء.

فإيلون ماسك، بشركاته العملاقة ونفوذه الواسع، أصبح يرى نفسه فوق القيود البيروقراطية الحكومية. بالنسبة له، شركاته أكبر من تلك المؤسسات التي تسعى إلى مراقبته. وقد اشتكى المسؤولون في إدارة السلامة والصحة المهنية (OSHA) الأمريكية من صعوبة عملهم مع ماسك، حيث جعل تأثيره الضخم تنفيذ القواعد التنظيمية تحديًا كبيرًا. فثروته الشخصية تتجاوز ميزانية OSHA بأكملها، ما يجعله أقوى من الهيئات التي من المفترض أن تراقب سلامة العمال في شركاته. وقد أشار جوردان باراب، نائب مساعد وزير العمل السابق في OSHA، إلى أن ماسك يعتبر نفسه “سيد الكون” وأن القواعد الحكومية لا تنطبق على أمثاله.

إيلون ماسك

رغم ذلك، وجدت إدارة بايدن نفسها مجبرة على التعاون مع ماسك، فدوره في سوق السيارات الكهربائية، وحاجتها إلى تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، يجعلان العمل معه ضرورة. ومع ذلك، فإن النفوذ الذي يتمتع به ماسك يتعدى كونه مجرد ملياردير تقني. فهو يلعب دورًا أساسيًا في تشكيل مستقبل التكنولوجيا والطاقة في أقوى بلد في العالم، مما يجعله لاعبًا رئيسيًا في صنع السياسات.

وتعتبر شركة “سبيس إكس” الآن هي الوسيلة الوحيدة التي تعتمد عليها ناسا لإرسال طواقمها إلى الفضاء من الأراضي الأمريكية، بينما تلعب “تيسلا” دورًا محوريًا في تطوير البنية التحتية لمحطات الشحن الكهربائية على الطرق السريعة. هذا يجعل ماسك جزءًا حيويًا من خطط الحكومة الأمريكية لتعزيز استخدام السيارات الكهربائية. ومع ذلك، فقد استخدم نفوذه للتأثير على السياسات الحكومية، حيث قلل الضغوط لتبني معيار عالمي لأجهزة الشحن بعد أن أبدى استياءه من هذه السياسات.

في 13 ديسمبر/كانون الأول 2021، اختارت مجلة “تايم” ماسك شخصية العام، واصفةً إياه بأنه “رجل من المستقبل”، الذي يعيد أمريكا إلى عصرها الصناعي المجيد.

بفضل قدرته على استخدام التكنولوجيا لتمكين كل شيء، أظهر ماسك تأثيرًا غير مسبوق في تاريخ الأوليغارشية الأمريكية، ليس فقط كممول أو مؤثر خلف الكواليس، بل كلاعب رئيسي يعيد تشكيل كيفية تفاعل الشركات الكبرى مع السياسة وإدارة الدولة.

فعلى مدار أكثر من عقد كرئيس تنفيذي لشركتي “تيسلا” و”سبيس إكس” وأخيرًا منصة “تويتر” (التي أصبحت X)، لم يسلم أحد من تهجمات ماسك، سواء كان دونالد ترامب أو بايدن، أو بيرني ساندرز بسبب مقترحاته لفرض ضرائب على أصحاب المليارات. كما اشتبك ماسك مع مسؤولي الهيئات التنظيمية والمنظمات النقابية وحتى رؤساء دول أخرى، مما يعكس نفوذه الواسع وشخصيته المثيرة للجدل.

وكل هذا الهيجان الرقمي الذي يطلقه ماسك يبدأ من قاعدة مرحاضه، حيث اعترف بأن نصف تغريداته المثيرة للجدل تخرج منه وهو “جالس على عرش من البورسلين”، فحينها يتحول مقعد مرحاض ماسك إلى منصة عالمية يشع منها تأثيره الواسع. فهناك، بين جدران ذلك الحمام، تتشكل آراء تحدث جدلاً عالمياً، في دقائق معدودة، و بضغطات زر بسيطة يلهو ماسك بأسعار سوق الأسهم العالمية.

من دعم الديمقراطيين إلى التحول نحو اليمين

قدم ماسك نفسه لسنوات على أنه وسطي، قائلاً في عام 2020 إنه “ليبرالي اجتماعيًا ويميني اقتصاديًا”. كما صرّح بأنه صوّت لهيلاري كلينتون وجو بايدن. ورغم رغبته في الابتعاد عن السياسة، في عام 2021، عاود في السنوات الأخيرة، لكن هذه المرة ليتخذ مواقف سياسية أكثر عدائية واستفزازية.

فقبل الانتخابات الأمريكية، أصبح ماسك أحد أكثر المؤيدين المتحمسين لترامب، إذ لم يكن فقط أحد أكبر المتبرعين له وأبرز مؤيديه في الحملة الانتخابية، بل حول X إلى مكبر صوت لحركة MAGA (الشعار السياسي لحملة ترامب)، حيث أغرق المنصة بمحتوى مؤيد لترامب وحث الناس على التصويت له. وانتقد بايدن بشكل لاذع، واصفًا إياه بأنه “دمية مصنوعة من جوارب مبللة”.

وعلى الساحة الدولية، دخل ماسك في نزاعات مع المحكمة العليا في البرازيل بعد حظر منصة “X”، وأثار الجدل في بريطانيا بتصريحاته حول “حتمية الحرب الأهلية”، واستمر في نشر أخبار مضللة تستهدف الأقليات، خاصة المسلمين. كما اتهم الرئيس الفنزويلي مادورو بتزوير الانتخابات.

منذ عام 2022، أظهر ماسك انحيازًا واضحًا نحو أقصى اليمين، داعمًا الحزب الجمهوري ومتورطًا في نظريات المؤامرة التي يروج لها المحافظون. بدأ في الترويج لما أسماه “فيروس صحوة العقل” (woke mind virus)، محذرًا من تأثيره على الحضارة، واصفًا إياه بأنه تهديد لتطور البشرية. وهو مصطلح يشير به إلى الحركة التي تطالب بتحقيق العدالة والإنصاف لأصحاب البشرة الملونة وأبناء الأقليات العرقية والدينية.

هذا التحول السياسي لإيلون ماسك يُعد خروجًا عن النهج المتزن الذي اتبعه قبل جائحة كورونا، حيث كان يسعى لإرضاء اليسار واليمين على حد سواء. ووفقًا لبيانات مرصد “أوبن سيكريت” المتخصص في مراقبة ممارسات الضغط السياسي، قدم ماسك ما مجموعه 1.2 مليون دولار للسياسيين والأحزاب ولجان العمل السياسي منذ عام 2002. وزعت تلك التبرعات بشكل شبه متساوٍ بين الديمقراطيين والجمهوريين، حيث حصل كل حزب على حوالي 542 ألف دولار، بينما خصص ماسك 85 ألف دولار لحملتي استفتاء يساريتين في كاليفورنيا.

لكن هذا التوازن شهد تقلبات على مر السنين. في أعوام 2006 و2013 و2017، ذهبت معظم تبرعات ماسك إلى الجمهوريين، بينما في عام 2015، كانت تبرعاته موجهة بشكل رئيسي للديمقراطيين. آنذاك، كان ماسك يُعلن نفسه معتدلًا، اشتراكيًا ليبراليًا اجتماعيًا، ومحافظًا ماليًا.

ورغم هذا التحول الواضح في مواقفه السياسية اليوم، ما زال ماسك يصر على أنه لا ينتمي إلى التيار اليميني التقليدي ولا اليساري، مدعياً التزامه بمبدأ الحوار المتوازن والنقاش السليم.

بماذا يؤمن إيلون ماسك حقاً، وكيف ينعكس هذا علينا؟

لا يمكن الجزم بما يدور في عقل إيلون ماسك، ذلك الرأسمالي الاستثنائي، الذي يبدو أنه لا يسير على خطى ثابتة. فبالرغم من أنه صرّح في حوار مع المفكر المحافظ جوردان بيترسون بأنه “مسيحي ثقافي” لأسباب أخلاقية وسياسية، مشيرًا إلى أن المسيحية تعزز السعادة ومعدلات الولادة، ظهرت ابنته فيفيان، التي خضعت لعملية تحول جنسي، ووصفته بأنه “مسيحي مزيف” واتهمته بعدم الاهتمام بأولاده الـ12 ووصمته بالمزواج والمتطرّف، بعد أن قال في لقاء تلفزيوني إنها “ماتت” بالنسبة له.

إيلون ماسك

ماسك، الذي نشأ قريبًا من الكنيسة الأنجليكانية في جنوب إفريقيا وارتاد مدرسة يهودية، اعترف بأنه عاش أزمة وجودية وزعم أنه لجأ للكتب الدينية مثل الكتاب المقدس والقرآن والتوراة وقرأ لفلاسفة مثل شوبنهاور ونيتشه، لكنه لم يبدأ في العثور على ما كان يبحث عنه إلا بعد أن اكتشف أدب الخيال العلمي، وحينها أدرك أن الغرض من الحياة لا يتلخص في العثور على الإجابات الكبيرة بل في طرح الأسئلة الصحيحة، كما أوضح.

في هذا السياق، تشير المؤرخة الأمريكية و الأستاذة في جامعة هارفارد، جيل ليبور، أن ماسك يلهم كثيراً من متابعيه بنسخة عجيبة من الرأسمالية التكنولوجية تسميها الـ “ماسكية” Muskism، وتقول كذلك إن كثيراً من أفكار الأخيرة مستمدة من الخيال العلمي، القديم جدًا. لذا فإن المسكية هي في الواقع نزعة قديمة تروج لرؤى مستقبلية خيالية.

إذ تعتقد ليبور أن الماسكية شكل متطرف من الرأسمالية بمعنى أنها “بلوتوقراطية” أي حكم الأثرياء. بمعنى أن الأمر أشبه بوجود هؤلاء اللوردات والبقية منا هم الفلاحون ومصائرنا في أيديهم لأنهم يعرفون الأفضل، وبالنظر لتصريحات ماسك وخططه الخيالية النابعة من رغبته لأن يكون المخلص للبشرية سنجد أن ذلك يتماشى مع اعتقاده القوي بأن العلماء والمهندسين في مقدورهم أن يجدوا حلولاً للمشكلات السياسية التي تبقى عصية على غيرهم، وربما هذا ما يفسر تدخله المندفع في السياسة.

وهذا يتماشى مع المبدأ الديني الذي يدعيه ماسك (المسيحي الثقافي)، بالتزامن مع استحواذه على “تويتر” وتحويله إلى “إكس”، حيث بدأ بالتعبير عن مخاوفه بشأن “فيروس صحوة العقل”، الذي يراه تهديدًا للحضارة، والذي يعتقد أنه أدى إلى خسارته ابنته جينا، التي اعتنقت الاشتراكية ورفضته كوالد. من حينها بدأ يعبر ماسك بشدة عن مخاوفه بشأن السياسات الليبرالية “المتطرفة”، بحسب وصفه الذي نقلته صحيفة وول ستريت جورنال في تقرير لها عن ماسك والمسيحية، فقد سيطرت على ماسك لغة وسائل التواصل الاجتماعي اليمينية المتشددة، حيث بات يربط استمالة الأطفال والبيدوفيليا والاتجار بالبشر بالليبرالية.

بذلك ينضم ماسك -بتحولاته الأخيرة تلك- إلى العديد من المحافظين الغربيين الذين يشعرون بالقلق إزاء التغيرات السريعة في العالم. بعض هؤلاء السياسيين والمفكرين يدعون إلى تبني المسيحية لمواجهة هذه التغيرات، حيث يرون فيها “قيمة سياسية” مضافة. على سبيل المثال، عالم الأحياء الملحد ريتشارد دوكينز يقدر المسيحية باعتبارها “حصنًا ضد الإسلام”. وربما يشارك ماسك هذا الاعتقاد، إذ يرى في المسيحية وسيلة لزيادة معدلات الولادة ومنع انهيار السكان.

لا تكمن الخطورة فيما يعتقده ماسك، فالعالم ملئ بالأفكار المتطرفة التي تدعي أنها تحمل الخلاص والخير للأرض، بل في القوة الهائلة التي يمتلكها مع مزاجه المتقلب وشخصيته النرجسية. الكاتب والتر آيزاكسون، الذي كتب سيرة ماسك، يعزو تقلباته إلى طفولته الصعبة وعلاقته المعقدة مع والده، مما جعله يشعر بالتهميش والحاجة المستمرة لإثبات نفسه.

إذ يرى آيزاكسون أن هناك عاملًا مشتركًا بين الشخصيات التي كتب عنها، مثل ألبرت أينشتاين والعالمة جنيفر دودنا، وهو أن جميعهم كانوا يطاردهم الشعور بالتهميش. كما قال عن ماسك: “لديه غرور كبير بما يكفي لدرجة أنه يفكر في نفسه كشخصية تاريخية”.

سطوة ماسك العالمية

وقد قال سام ألتمان يوماً، “يريد إيلون للعالم أن يتم إنقاذه، ولكن فقط إذا كان هو من سينقذه”، وألتمان هو الرئيس التنفيذي لشركة أوپن إيه آي، الذي شارك ماسك في تأسيسها قبل أن يستقيل منها، بحجة أخطار الذكاء الاصطناعي على البشرية، لينشئ بعدها ماسك بسنوات شركته الخاصة للذكاء الاصطناعي “إكس إيه آي”.

ويبدو أن كلام ألتمان ليس مبالغة، نظراً إلى ما يملكه إيلون من خيال وقوة تمكنه من التحكم في ملفات ليس في أمريكا وحدها بل في مناطق عديدة في العالم. وقد منحت ملكيته لمنصة “X” صوتاً قوياً لنشر أفكاره وآرائه، وليست تلك المنصه وحدها ما يمنح ماسك قوته الجيوسياسية؛ فامتلاكه لشركات مثل “سبيس إكس” و”تيسلا” و”ستارلينك” قد جعل منه لاعبًا رئيسيًا في النزاعات العالمية.

الصحف البريطانية

فعلى سبيل المثال، يشغل ماسك الآن موقعًا مركزيًا في الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك في التنافس المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين، وحتى في النزاعات في الشرق الأوسط مثل الحرب في غزة. وقد قال أحد مسؤولي الپنتاغون: “نعيش في عالم يدير إيلون فيه هذه الشركة (ستارلينك)، وهي شركة خاصة تحت سيطرته، ونحن نعيش على فضله. يا له من أمر مزعج”. فتدخلاته غير المتوقعة، جنبًا إلى جنب مع قوته التكنولوجية والمالية، تجعله أشبه بصاروخ جيوسياسي غير موجه، قادر على إعادة تشكيل الشؤون العالمية وفق أهوائه.

فخلال الصراع في أوكرانيا، وبعد أن أظهر ماسك في البداية دعمًا كاملًا لأوكرانيا، لكنه في أحد الأيام اتخذ قرارًا جريئًا بتقييد وصول القوات الأوكرانية إلى شبكة “ستارلينك”، معرقلًا بذلك أي محاولة لشن هجوم على القوات الروسية في شبه جزيرة القرم، فوجدت القوات الأوكرانية التي تتقدم إلى المناطق المتنازع عليها في الجنوب نفسها فجأة غير قادرة على التواصل.

حينها برر ماسك هذا القرار بخوفه من اندلاع حرب عالمية ثالثة، كما اقترح خطة سلام تتضمن بعض التنازلات لصالح روسيا، ما أثار انتقادات واسعة.

في بداية الحرب على غزة، صرح ماسك بتصريحات جريئة حول المجازر الإسرائيلية في غزة، وذلك في مقابلة له مع المذيع الشهير ليكس فريدمان، وصف ما تفعله إسرائيل “بالإبادة الجماعية”، بل أيد أيضًا منشور على منصته يتحدث عن وجود خطة تآمرية سرية لليهود، مما دفع البيت الأبيض لإدانته بالترويج لمعاداة السامية، بينما ذهبت أكبر الشركات على الفور لوقف جميع إعلاناتها على منصة إكس، فما كان من إيلون ماسك إلا أن زار إسرائيل ليصطحبة نتنياهو في جولة لبعض مستوطنات “غلاف غزة”، وينصح رئيس الاحتلال بضرورة القضاء على حماس وتغيير نظام التعليم للفلسطينيين بغزة.

فوصفت الصحافة الإسرائيلية حينها زيارته لقادة الاحتلال خلال الحرب على غزة بلقاء “التصالح والمصالح”، ليتخلص ماسك من تداعيات تصريحاته وتغريداته التي لم تعجب إسرائيل، ولكي لا تخسر إسرائيل استثمارات الملياردير الأميركي في اقتصاد الاحتلال بعد انتهاء حرب الإبادة على غزة.

إيلون ماسك رفقة نتنياهو في غلاف غزة

أما فيما يتعلق بالصين، فقد بدأت خلافات ماسك مع الحكومة الأميركية تظهر بوضوح، حين افتتح مصنع “تيسلا” الضخم في شنغهاي عام 2019، مما اعتُبر في واشنطن نكسة كبيرة للجهود الأميركية الرامية للحفاظ على التفوق التكنولوجي. والصين الآن باتت الرائدة في إنتاج السيارات الكهربائية، وهو تطور يعكس التأثير الاقتصادي الهائل الذي يلعبه ماسك في تحديد موازين القوة بين القوى العظمى.

هذا التلاعب بالقرارات في لحظات حرجة يثبت أن ماسك ليس مجرد رجل أعمال ناجح، بل قوة دولية في حد ذاته، قادرة على إحداث تحولات كبرى في توازنات القوى العالمية.

إيلون ماسك لم يعد مجرد ملياردير يلاحق النجاح المادي، بل تحول إلى شخصية ذات نفوذ تكنولوجي وجيوسياسي هائل، يتجاوز أحيانًا قوة الحكومات. وهو ما اعترف به خلال إحدى المقابلات، عندما سُئل ماسك عن ما إذا كان نفوذه أكبر مقارنةً بالحكومة الأميركية، فأجاب بلا تردد: “في بعض النواحي”.

لماذا يدعم ترامب؟

وربما هذا يفسر جزءًا من نزوحه إلى أقصى اليمين، فمن الواضح أن ماسك يسعى للحفاظ على هذا النفوذ، فهو لا يتردد في تغيير مواقفه السياسية عندما يتطلب الأمر. على سبيل المثال، بعدما كان يصف دونالد ترامب بالمحتال، نجده اليوم يعلن دعمه له وربما يصبح مستشارًا له، فقد أعلن ترامب عن عزمه لتعيين ماسك رئيساً للجنة معنية بالكفاءة الحكومية من شأنها أن تقلل من قوة السلطة الفيدرالية على شركات ماسك، وحينها سيصبح ماسك نفسه هو الجهة الحكومية التي تراقب وتنظم شركاته، بما في ذلك تيسلا وسبيس إكس، قد يحاول أيضًا طرد أي شخص يعترض طريقه. أو قد يفعل بالعاملين الحكوميين ما فعله بتويتر، حيث يأمر بتسريح أعداد كبيرة من العمال ويحتفظ فقط بالذين يعتبرهم مخلصين.

بعد فوز ترامب، ربما ندرك أن تحول ماسك لدعم ترامب لم يكن مجرد تقارب أيديولوجي؛ بل هو تكتيك لرأسمالي يعرف كيف يحافظ على مصالحه، كما أشار موقع “أكسيوس” إلى أن إمبراطورية ماسك بنيت على دعم حكومي، وعلاقاته مع ناسا من خلال “سبيس إكس” تشكل جزءًا من هذا الدعم. وبالتالي، يسعى ماسك لتخفيف الضغوط التنظيمية عليه، خصوصًا من هيئة الأوراق المالية والبورصات، بعد عودة ترامب إلى السلطة.

الملياردير إيلون ماسك لأول مرة في تجمع انتخابي للرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء الانتخابات

لذلك، ابتعد ماسك عن الحزب الديمقراطي بسبب تصاعد ثروته وتحوله إلى هدف متزايد للنقد، لا سيما فيما يتعلق بالضرائب. وكما ذكرت “وول ستريت جورنال”، فإن هذه الانتقادات دفعت ماسك نحو البحث عن تحالفات جديدة تخدم إمبراطوريته، التي يدعي أنها الأمل الوحيد لإنقاذ البشرية.

ولكن هل حقًا يمكن أن نجد الخلاص في فكرة استعمار المريخ؟ هل هذا هو الطريق الذي سيقودنا إلى النجاة، أم أنه مجرد وهم يخدم حفنة من الأثرياء ويترك الأغلبية تلقى مصرعها مع الأرض؟

تُعبر لوسيان والكوفيتش، عالمة الفلك في قبة أدلر السماوية بشيكاغو، عن انتقادها الصريح لما تصفه “بـالغطرسة” المتمثلة في اعتبار المريخ كوكبًا احتياطيًا للبشرية. برؤيتها البسيطة والواضحة، تقول: “إن فكرة أن المريخ سينقذنا من القرارات التي اتخذناها هي فكرة زائفة”. فالتفكير في استيطان كوكب آخر هروبًا من مشكلاتنا الحالية يبدو، في نظرها، مجرد وهم. وتضيف: “إذا كنا نؤمن حقًا بقدرتنا على ترويض البيئات المعادية للمريخ لصالح السكنى البشرية، فإننا بالتأكيد سنكون قادرين على التغلب على المهمة الأكثر سهولة، وهي الحفاظ على كوكب الأرض صالحًا للسكن”.

يقدر ماسك تكلفة الرحلة إلى المريخ بـ10 مليارات دولار للشخص الواحد. ولربما يحاول خفض هذه التكلفة إلى 200 ألف دولار في المستقبل، لكن حتى مع هذا التخفيض، ستظل هذه الأرقام محصورة في فئة ضئيلة من الأثرياء. لكن ماسك الثري والذكي، يرى أنه “يمكن لأي شخص تقريبًا” أن يجمع المال لشراء تذكرة إلى المريخ، وكأنه يعرض رحلة سياحية إلى جزيرة استوائية وليس مغامرة على كوكب ميت.

ربما ليس الكثير منا بدهاء ماسك ولكننا نتساءل ببساطة، ألا توجد طرق أفضل لإنفاق هذه الأموال؟ أليس من الأولى أن نوجه هذه المليارات لإنقاذ الأرض وسكانها، بدلًا من محاولة نقل أقل من 0.014% من البشر إلى كوكب بعيد؟ فربما يغفل ذكاء ماسك، أن تلك النسبة الضئيلة التي يحلم ماسك بإنقاذها ليكون المخلص، لن تمثل شيئًا مقارنة بالملايين الذين يواجهون الفقر والجوع والمرض يوميًا.

فهل نترك الأرض، التي كانت على الدوام ملاذنا، وننشغل فقط بإنقاذ القلة القادرة على تحمل تكاليف الفرار؟ هل من الذكاء والإنسانية، أن نضحي بالأغلبية مقابل وهم النجاة على كوكب ميت؟

المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية

شاهد أيضاً

تحالف الدين والمال والنفط.. “Make-ماغا” قومية جديدة تبناها ترامب، وأعادته لرئاسة أمريكا

“لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” (Make America Great Again) – شعار بدا بسيطاً عندما أطلقه …