استجابة لصندوق النقد.. مصادر: الحكومة المصرية تستعد لخفض جديد في دعم الخبز وزيادة أسعار الوقود والكهرباء

كشفت مصادر حكومية أن الحكومة المصرية تقوم بإجراء تغييرات هيكلية في منظومة الدعم المقدَّم للمواطنين بمختلف أوجه الخدمات والسلع التي تقدمها، وتستهدف بالأساس توفير سيولة دولارية بأي وسيلة كانت، وسداد الديون الخارجية.

وأضافت المصادر نفسها أن الحكومة المصرية تسعى للاستجابة لتوصيات صندوق النقد الدولي، الذي من المقرر أن يبدأ مراجعته الرابعة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر خلال نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، ما يتيح إمكانية صرف الشريحة الأكبر من القرض بقيمة 1.3 مليار دولار من القرض الذي حصلت عليه مصر هذا العام.

تحرير الاقتصاد

وكشف مصدر حكومي مطلع، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، أن هيكلة منظومة الدعم سوف تطال الخبز المدعوم وتشمل إجراءات التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من الدعم العيني الحالي.

وحسب المصدر نفسه، فإن الحكومة المصرية تتجه إلى إلغاء دعم الوقود بحلول نهاية 2024، وكذلك تقليص دعم الكهرباء، إلى جانب عدد من الخدمات التي تقدمها الحكومة في مجالات الصحة والتعليم، وأن المستهدف هو تحرير الاقتصاد بشكل شبه كامل بما يدعم تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية المقررة.

وأوضح المصدر ذاته، أن المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي تمثل أهمية قصوى للحكومة المصرية، وأن الأسابيع الماضية كانت شاهدة على حالة من الشد والجذب بسبب رغبة الصندوق في تسريع إجراءات تخفيض الدعم والتخلي عن أصول وهيئات مملوكة لها لصالح القطاع الخاص.

وهو ما يفسر، حسب المصدر نفسه، إقدام وزارة الكهرباء على الإعلان أخيراً عن فصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء عن الشركة القابضة لكهرباء مصر، ومن ثم إتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص للاستحواذ عليها، كما صرح المصدر.

وقال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، محمود عصمت، إن الخطوة تستهدف فتح المجال أمام القطاع الخاص للتوسع في ضخ استثمارات جديدة والتشغيل والتعاقد مع المشتركين في إطار الضوابط والتسهيلات التي يقدمها قانون الكهرباء والتي تحقق أهداف الدولة للتنمية المستدامة.

وحسب المتحدث فإنه آن الأوان ليحتل الاستثمار الخاص مكانته الطبيعية في مجال الكهرباء والطاقة سواء كان في التوليد أو التوزيع، وأن الإسراع في عملية فصل الشركة المصرية لنقل الكهرباء كمشغل لمنظومة نقل الكهرباء وفقاً لمعايير اقتصادية وبيئية تكفل تكافؤ الفرص بما يحافظ على مصالح منتجي ومستهلكي الكهرباء ويحقق الكفاءة والاستقرار.

خبز بطعم وملمس ورائحة مختلفة

ويشير مصدر حكومي آخر إلى أن الحكومة تستهدف خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024 وحتى نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 اتخاذ مجموعة من القرارات التي تستهدف إحداث تغيير واسع في منظومة الدعم، وأن الإجراء الأكثر صعوبة يتعلق بتقليص دعم الخبز، والذي يعد ضمن إجراءات التحول إلى الدعم النقدي.

مشيراً إلى أن المصريين سيكونون أمام اختبارات جديدة تستهدف تغيير طعم الخبز الذي اعتادوا عليه لأكثر من ثلاثين عاماً مع قرب تطبيق مقترح بتقليص معدلات استخدام القمح لصالح الذرة أو البطاطا، وأن اختبارات تُجرى الحكومة حاليًا في بعض المحافظات للتعرف على مدى تذوق المواطنين للطعم الجديد.

ويؤكد المصدر ذاته، أن الخبز بشكله المستقبلي سيكون بمَلمس مختلف وأيضًا بالنسبة لرائحته وطعمه، وبالتالي فإنه من المتوقع أيضًا أن يتم إدخال الذرة على مراحل تدريجية لحين إحداث استبدال نصف الكميات تقريبًا من دقيق القمح إلى دقيق الذرة لتخفيض فاتورة الدعم الموجه لرغيف الخبز.

لافتًا إلى أنه سيتم الاعتماد على الذرة البيضاء التي يتم زراعتها بمساحات كبيرة في مصر ولا يتم استيرادها من الخارج، وذلك لتخفيض معدلات استيراد القمح التي تستحوذ على جزء كبير من ميزانية الدعم.

وشدد المصدر ذاته على أن توفير النفقات ليس وحده السبب الوحيد وراء خفض منظومة دعم الخبز، إذ إن الحكومة تخشى من تطورات الأوضاع في المنطقة والتي من الممكن أن تقود إلى حرب إقليمية موسعة تتأثر معها سلاسل إمدادات القمح، ولذلك فإنه يجري التفكير الآن في استيراد كميات كبيرة من القمح مقابل تخفيض فاتورة الاستيراد خلال العام 2025، والوصول إلى مخزون استراتيجي يكفي مدّة ثمانية أشهر.

وأشار المصدر الحكومي إلى أن الحكومة المصرية تتوقع ارتفاعات كبيرة في أسعار القمح في حال حدوث حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران.

وتخشى تكرار الأزمة التي تعرضت لها في العام 2022 مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وفي ذلك الحين اضطرت إلى شراء القمح بأسعار مرتفعة نتيجة عدم قدرتها على التوريد من روسيا أو أوكرانيا المصدرين الأكبر لها.

وتحتاج وزارة التموين المصرية إلى نحو 8.25 مليون طن من القمح سنويا لتوفير الخبز المدعوم لأكثر من 70 مليون مصري، وذلك وفقًا لميزانية 2024-2025، وتحصل الحكومة على نحو 3.5 مليون طن من القمح من المزارعين المحليين وتستورد الحصة المتبقية، وتعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، إذ تنفق نحو 104 مليارات جنيه (2.1 مليار دولار) سنويا على الواردات التي يأتي معظمها من روسيا.

وكانت الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، قد حاولت إجراء أكبر ممارسة لها على الإطلاق في أغسطس/آب، التي أمر بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بهدف التحوط من المخاطر الجيوسياسية.

وبحسب ما نشرته وكالة رويترز للأنباء، فإن وزارة التموين المصرية أبرمت صفقة مباشرة لشراء كمية من قمح البحر الأسود بين نوفمبر/تشرين الثاني وأبريل/نيسان، وقدر أحد المصادر الكمية الإجمالية بنحو 3.12 مليون طن.

وخصصت الحكومة 134 مليار جنيه لدعم السلع التموينية في موازنة 2024-2025، بزيادة ملحوظة عن موازنة العام السابق التي بلغت 127.7 مليار جنيه، ومن هذه المخصصات، يتم توجيه 90.756 مليار جنيه لدعم رغيف الخبز، و5.248 مليار جنيه لدعم دقيق المستودعات.

بالإضافة إلى دعم نقاط الخبز بمبلغ 2.465 مليار جنيه، و36.1 مليار جنيه لدعم السلع التموينية على البطاقات، رغم أنها رفعت في وقت سابق من هذا العام سعر الخبز المدعم بنسبة 300% إلى 20 قرشًا للرغيف الواحد.

دوامة لن تتوقف

وقال مصدر مسؤول بوزارة التموين إن التحولات في دعم منظومة الخبز تعد الأكثر جدلاً وتعقيداً بالنسبة للحكومة لأنها مع اتجاهها نحو إقرار الدعم النقدي لن يكون هناك فائدة من المخابز التي تقدم الخبز المدعم وقد يؤدي ذلك إلى خسائر كبيرة لأصحاب هذه المخابز الذين طالما اعتمدوا على كميات الدقيق المقدمة لهم واستفادوا منها بأوجه مختلفة لتحقيق أرباح كبيرة.

وأضاف المتحدث في تصريح أن المواطنين أنفسهم سيكون من الصعب عليهم شراء الرغيف الواحد بسعر جنيه أو جنيه ونصف بعد أن كانوا يقومون بشرائه بـ 20 قرشًا، واستمروا لعقود يقومون بشرائه بـ 5 قروش.

وكشف المصدر ذاته، أن الحكومة المصرية تفكر في خطوات أخرى قد لا ينتج عنها مباشرة التحول نحو الدعم النقدي بالنسبة للخبز، وسيكون ذلك بالأساس من خلال توفير مخصصات مالية يتم توجيهها لجهات أخرى في الموازنة، ومن ثم فإنه سيكون الاعتماد الأكبر على القمح المزروع داخليًا.

وقال إن هذا التوجه سيفرض على الحكومة الدخول في صراع مع التجار الذين يشترون القمح من المزارعين بأسعار مرتفعة مقارنةً بما تعرضه، ولعل ذلك كان دافعًا نحو زيادة سعر الأردب من 2000 إلى 2200 جنيه قبل بدء موسم الزراعة وسط توقعات بزيادته مرة أخرى قبل موسم الحصاد.

وذكر أن التعديلات الهيكلية في منظومة الدعم قد لا تأتي بنتائج إيجابية لأن هناك توقعات بارتفاعات أخرى في أسعار خام البترول والغاز الطبيعي وباقي مشتقات الوقود والطاقة إلى جانب أسعار القمح.

وبالتالي فإن ما سيتم توفيره عبر الانتقال إلى الدعم النقدي أو من خلال خفض معدلات استهلاك القمح قد يتم استهلاكه في ارتفاع الأسعار العالمية وستكون الحكومة والمواطنون في دوامة لن تتوقف بين محاولات خفض الدعم وبين ارتفاع الأسعار العالمية وانعكاساتها على الداخل.

ومؤخراً، قال وزير التموين والتجارة الداخلية، شريف فاروق، إن نظام الدعم النقدي بات قريبًا من التطبيق، ولكن ليس بشكل عشوائي أو متسرع، بل بعد دراسة مُستفيضة والتشاور مع مختلف الأطراف المعنية، وأن القرار النهائي بشأن تطبيق نظام الدعم النقدي سيتم اتخاذه بناءً على نتائج النقاشات في الحوار الوطني، ومدخلات الشركات المسؤولة عن السلع، والجمعيات الاستهلاكية.

لافتًا إلى أن الهدف الأساسي هو الوصول إلى نظام دعم عادل وفعال يخدم مصلحة المواطن، وأن نظام الدعم النقدي الجديد يتميز بالمرونة، وسيتم عرضه على جميع الخبراء والمتخصصين للحصول على آرائهم ومقترحاتهم، على أن يبدأ تطبيقه بشكل تجريبي في مناطق محددة مع بداية العام المالي الجديد 2025.

ويحصل المستفيد من المنظومة على سلع أساسية من خلال منافذ وزارة التموين عبر “بطاقة إلكترونية” تقتصر بالأساس على السكر والزيت، كما يباع الخبز المدعم من المخابز البلدية بسعر 20 قرشًا كما تتحمل الموازنة فارق تكلفة إنتاج وبيع السولار وبعض أنواع البنزين والكهرباء، بينما يواجه المواطنون موجات متتالية من ارتفاع أسعار السلع والخدمات.

وأشار مصدر مطلع بوزارة التموين إلى أن المواطنين مع التحول إلى الدعم النقدي سيكون بإمكانهم شراء احتياجاتهم من السلع بمختلف أنواعها وكمياتها وفقًا للمبلغ المخصص للفرد الواحد، وهو ما يعد أمرًا إيجابيًا بالنسبة لكثيرين قد لا تكون لديهم الرغبة في الاستفادة من الزيت أو السكر، غير أن المشكلة تتمثل في استمرار تدهور قيمة الجنيه التي قد لا تجعل من القيمة المحددة كافية لشراء الحد الأدنى من الاحتياجات، وهناك تفكير في أن ترتبط القيمة المالية بمعدلات التضخم.

وأوضح أن الحكومة مضطرة للذهاب إلى هذا الخيار في ظل ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي، لكنها في الوقت ذاته تضع في اعتباراتها جوانب الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وهناك قناعة بأن الدعم العيني يُحافظ على الاستقرار لكن أوضاع الاقتصاد الصعبة أيضًا تتطلب التخفيف من عبء الحكومة في مقابل تقديم حماية اجتماعية للمحتاجين.

وتوقع المصدر نفسه حذف ملايين البطاقات غير المستحقة عند التحول إلى الدعم النقدي وأن الوقت الحالي يشهد عملية تنقيح لقوائم المواطنين المسجلين على منظومة الدعم، وأن الحكومة تفكر في منح الشخص الواحد مبلغاً من المال يتراوح ما بين 170 جنيهًا إلى 220 جنيهًا شهرياً.

زيادة مرتقبة في أسعار الوقود

وسبق وأن أكد المتحدث باسم الحكومة المصرية، المستشار محمد الحمصاني، زيادة الدعم عن الوقود بشكل تدريجي حتى نهاية 2025، مشيرًا إلى وجود فاتورة كبيرة تتحملها الدولة نظير دعم الوقود والكهرباء، وأن قطاع الكهرباء يحصل على الوقود بأقل من تكلفته الحقيقية لتشغيل محطات التوليد سواء عبر الغاز الطبيعي أو المازوت.

ومنذ بدء تنفيذ مصر لبرنامج الإصلاح الاقتصادي، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في عام 2016، رفعت الحكومة المصرية الدعم تدريجيًا عن المحروقات، وهو ما نتج عنه ارتفاع متتالية في أسعار البنزين والديزل.

وخلال الفترة من عام 2020 وحتى يوليو 2024، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنسبة تتراوح بين 76% و96%، فيما ارتفعت أسعار الديزل بنسبة 70%، ومنذ بداية العام الجاري، رفعت اللجنة أسعار الوقود بمختلف أنواعه مرتين الأولى في 22 مارس، والثانية في 25 يوليو بنسب تتراوح بين 10% إلى 15%.

لكن في المقابل فإن فاتورة الدعم في مصر شهدت قفزة ملحوظة خلال العام المالي الجاري 2024-2025، حيث ارتفعت 19.3% مقارنة بالعام المالي السابق إلى 13.2 مليار دولار. وتمثل ذلك في زيادة تكلفة دعم المواد البترولية بنحو 30% إلى 3.2 مليار دولار، ودعم السلع التموينية بنحو 5% إلى 2.8 مليار دولار، ويرجع ذلك لتراجع قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار عالميًا.

وتوقع خبير اقتصادي بوزارة البترول رفع أسعار المنتجات البترولية مرة أخرى هذا الشهر خلال الاجتماع المرتقب للجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، والذي سيحدد أسعار الوقود الجديدة للربع الأخير من العام 2024، لافتًا إلى أن معدلات الزيادة قد تتراوح ما بين 10% إلى 15%.

وأضاف أن ارتفاع أسعار النفط العالمية عقب إطلاق صواريخ إيرانية على إسرائيل يدفع الحكومة نحو الزيادة، كما أن تلك الزيادة تأتي قبل المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي وهناك رغبة في اتخاذ مزيد من الإجراءات التي تقلص فاتورة الدعم.

وشهد خام برنت ارتفاعًا ملحوظًا الأسبوع الماضي تجاوز 8%، محققًا أعلى نسبة زيادة أسبوعية منذ يناير/كانون الثاني 2023. في الوقت ذاته، ارتفع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 9.1%، مسجلًا أكبر مكاسب أسبوعية منذ مارس/آذار 2023.

المصدر – وكالات عالمية

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …