بعد ساعات من القصف الأخير الذي شنه الاحتلال على ميناء الحديدة في اليمن، الأحد 29 سبتمبر/ أيلول 2024، تداولت حسابات إسرائيلية بشكل واسع مقاطع فيديو تظهر خريطة “إسرائيل الكبرى”، ضمت أراضي دول عربية، وبعضاً من تركيا.
النوايا الإسرائيلية لم تعد تخفى على أحد، فبعد حرب استمرت عاما كاملا على غزة، تعالت الدعوات لإعادة الاستيطان على أنقاض المنازل التي تم تدميرها في القطاع.
كما أنها لم تقف عند هذا الحد، بل وصلت إلى لبنان، حيث انتشرت دعوات للاستيطان في جنوب لبنان مع بدء الهجمة الإسرائيلية الأخيرة على بيروت.
كذلك تعالت الأصوات الأشد يمينية داخل دولة الاحتلال والتي تطالب بتطبيق “وعد الله لإبراهيم” بالاستيلاء على كامل أراضي “إسرائيل الكبرى”.
وتعود أصل فكرة “إسرائيل الكبرى” إلى ما يدعيه اليهود عن الوعد الذي قدمه الله إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام بمنحه مجموعة من الأراضي تمتد بين نهر الفرات ووادي العريش.
This video shared on Israeli platforms shows settlers drawing a "Greater Israel" map, encompassing Palestine, Egypt, Sudan, Saudi Arabia, all of Kuwait, Iraq, Turkey, Syria, Lebanon, and Jordan.
For those who believe it ends at the West Bank, Jerusalem, Gaza, and historic… pic.twitter.com/ZEPH06RaaS
— West Bank Observer (@observrwestbank) September 30, 2024
ورغم ارتفاع وتيرة هذه الأصوات داخل تل أبيب منذ بدء الحرب على غزة، إلا أن الملفت في خريطة “إسرائيل الكبرى” التي تم نشرها على مواقع التواصل بشكل واسع هو ضمها لمدن وعواصم عربية جديدة لم تكن معهودة من قبل.
ففي أبرز ما تجرأ به السياسيون الإسرائيليون بشكل رسمي كان ما قام به وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، في مارس/آذار 2023، حينما خرج في خطاب وأمام منصته خريطة لإسرائيل تضم فلسطين والأردن فقط.
Last year, Israel's Finance Minister Bezalel Smotrich gave a speech with a Greater Israel map including Palestine & Jordan, Israel does not want peace they are expansionists. pic.twitter.com/Yz1Vf3VaLA
— JewishTruths (@JewishTruths_) August 16, 2024
لكن الخريطة الأخيرة التي انتشرت بشكل واسع ضمت أرضي واسعة من مصر شملت سيناء حتى القاهرة، ومن أراضي السعودية، حتى ضمت المدينة المنورة، وكذلك الكويت والعراق وسوريا ولبنان، وأراضي من جنوب تركيا.
فمن أين خرجت هذه الخريطة وهل لها أصل تاريخي، هذا ما حاول “عربي بوست” التحقق منه من خلال البحث في بعض المصادر الرسمية لدى الاحتلال على الانترنت، كالمكتبة الوطنية في تل أبيب، ومكتبة الجامعة العبرية، وبعض المصادر الأكاديمية الأخرى.
بدء انتشار الخريطة
في يناير/ كانون الأول 2024، وبعد 3 أشهر على بدء الحرب الإبادية ضد قطاع غزة، خرج الكاتب والسياسي الإسرائيلي آفي ليبكين في مقابلة مصورة ليقول: “إن حدود إسرائيل ستمتد من لبنان إلى السعودية، وذلك بعد ضم مكة المكرمة والمدينة المنورة وجبل سيناء”.
في هذه المقابلة التي لم تمر مرور الكرام ، بل تحدثت ونشرت عنها وسائل إعلامية دولية كالموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة القطرية “الجزيرة نت”، وشبكة “يورو نيوز” الأوروبية ومواقع أخرى، ظهرت خريطة لـ”إسرائيل الكبرى” كما يتصور الكاتب تحقيقها، تشمل مساحة واسعة من سيناء ، وأراضي مصر، وشمال السعودية، والكويت ، والعراق، والأردن، وسوريا، ولبنان ، وجنوب لبنان، وقد ظُللت بالأزرق.
وقال ليبكين في المقابلة: “اعتقد أن حدودنا ستمتد في نهاية المطاف من لبنان إلى الصحراء الكبرى، أي المملكة العربية السعودية، ثم من البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات، ومن الجانب الآخر من الفرات سيكون الأكراد”.
وأضاف “إذن، لدينا البحر المتوسط خلفنا والأكراد أمامنا، ولبنان الذي يحتاج حقاً إلى مظلة حماية إسرائيلية، واعتقد أنه بعد ذلك سنأخذ مكة والمدينة وجبل سيناء، وسنعمل على تطهير تلك الأماكن”.
ليبكين، يعرف نفسه كـ”سياسي إسرائيلي أسس حزبًا يهوديًا مسيحيًا خاض الانتخابات البرلمانية باسم “كتلة الكتاب المقدس”، وله صور تبدو أنه مقرب من رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، بحسب موقعه الالكتروني.
الاختلافات في الخريطة الجديدة
في خريطة “إسرائيل الكبرى” التي نشرها ليبكين 4 اختلافات أساسية ملفتة عن غالبية ما تم نشره من خرائط حتى الآن عن حدود “إسرائيل الكبرى” المتخيلة، بما في ذلك الخريطة التي ظهرت في مؤتمر سموترتش:
الاختلاف الأول: لم تكتف الخريطة بضم شبه جزيرة سيناء، بل أضافت لها مساحات واسعة من وادي النيل حتى غربي القاهرة.
في الاختلاف الثاني، لم تكتف بضم الأردن والعراق بل أضافت لها سوريا ولبنان والكويت.
كما لم تشمل الخرائط بشكل عام مساحات واسعة من شبه الجزيرة العربية، إلا أن الخريطة التي نشرها ليبكين ضمت أراضي من السعودية شملت حتى المدينة المنورة.
كذلك أضافت الخريطة في الاختلاف الرابع أراضي من تركيا تضم ولايات جنوبية كهاتاي
“حلم صهيون”
في الخريطة التالية، التي تعد الأخطر بين الثلاث، تتطابق الرؤية الصهيونية مع ما نشره السياسي الإسرائيلي ليبكين وأصبح ترنداً رائجاً بين الإسرائيليين على مواقع التواصل.
الخريطة التي سميت “حلم صهيون”، تظهر الصهيونية على شكل ثعبان عملاق، وظهره مزين بنمط من المثلثات الموصوفة بأنها “عين الماسونيين، رمز اليهودية”، ويحدد ” الحدود المقترحة لإسرائيل الكبرى”.
تضم المنطقة التي يضمها “الثعبان” كل الأردن ولبنان وسوريا وشبه جزيرة سيناء؛ ومنطقة دلتا النيل في مصر على طول قناة السويس وشمال غرب القاهرة؛ والكويت وكل العراق تقريباً، بما في ذلك الوصول إلى الخليج الفارسي.
كما تشمل جزءاً كبيراً من شمال غرب المملكة العربية السعودية، وهو ممر يزيد عرضه على 100 ميل على طول البحر الأحمر، ويمتد جنوباً لمسافة تزيد على 450 ميلاً من خليج العقبة إلى المدينة المنورة”.
وتشمل كذلك أراضي سوريا ولبنان وأراضي من تركيا تضم بشكل رئيسي ولايات جنوبية كهاتاي وأضنة ومرسين.
بحسب “جامعة كورنل” الأمريكية، فقد ظهرت هذه الخريطة لأول مرة في كتاب “بروتوكولات حكماء صهيون” بنسخته الإنجليزية.
يتناول كتاب “بروتوكلات حكماء صهيون” المخططات الماسونية للسيطرة على العالم، ونشر لأول مرة عام 1905 لكاتبه الروسي “سيرجي نيلوس” بعد أن وقعت الوثائق الأصلية في يده.
تجليات خريطة “إسرائيل الكبرى”
تُعرف دولة الاحتلال الإسرائيلي بإصرارها المستمر على عدم الاعتراف بنواياها الحقيقية بشكل رسمي، خشية ردود الفعل الدولية، فمثلا: ما زالت حتى اللحظة لا تعترف بشكل رسمي بامتلاكها سلاحاً نووياً، وقد شكلت تصريحات بعض وزرائها ودعواتهم لضرب غزة بالسلاح النووي احراجها لمستواها السياسي.
كذلك لا تمتلك إسرائيل دستوراً كباقي الدول، وإنما يحكمها مجموعة من القوانين الأساسية التي تم إقرارها لحظة إقامتها عام 1948، ولذلك فهي لم تحدد حدوداً رسمية لها وفق القانون الدولي، وهذا ما يفسح المجال لكم هائل من التساؤلات حول نوايا الاحتلال الإسرائيلي.
فمن أبرز التساؤلات التي لا تجيب عنها الرواية الإسرائيلية بشكل رسمي هي الدلالة التي يشير إليها الخطان الأزرقان في علمها، فيما تقول الروايات الشعبية في تل أبيب أنهما يدلان على حدود إسرائيل الكبرى، نهري النيل والفرات.
وفي عام 1990، أشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في خطابه أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى نوايا إسرائيل في التوسع إلى ما هو أبعد من حدودها الحالية، حين قال للدبلوماسيين المجتمعين: “اسمحوا لي أن أعرض عليكم هذه الوثيقة. هذه الوثيقة عبارة عن “خريطة لإسرائيل الكبرى” منقوشة على هذه العملة الإسرائيلية، قطعة العشرة أغورات”.
وبعد أن أخرج عرفات خريطة، أوضح بالتفصيل حدود إسرائيل التي يُفترض أنها ممثلة على العملة: “كل فلسطين، وكل لبنان، وكل الأردن، ونصف سوريا، وثلثي العراق، وثلث المملكة العربية السعودية حتى المدينة المنورة، ونصف سيناء”.
وأثناء الحرب على قطاع غزة، أثارت صور جندي من قوات الاحتلال الإسرائيلية يرتدي شارة عسكرية تصور خريطة “إسرائيل الكبرى” جدلاً واسع النطاق وانتقاداً على منصات التواصل الاجتماعي في الدول العربية.
حيث شمل الشعار الذي حمله الجندي على خريطة تشمل بالإضافة إلى الأراضي المحتلة في فلسطين مساحات شاسعة من الأراضي من الدول المجاورة، بما في ذلك الأردن وفلسطين ولبنان وأجزاء من سوريا والعراق ومصر.
Israeli soldier wearing a patch with a map of Greater Israel ("Promised Land").
The map covers parts of Egypt, Lebanon, Syria, Iraq, Iraq, Saudi Arabia and Türkiye.
This "promise" is central to the Jewish national narrative and the concept of Zionism. pic.twitter.com/mXoRevKxQg
— Clash Report (@clashreport) June 17, 2024
وفيما يتحدث كثير من الاكاديميين والإعلاميين في تل أبيب عن هذه الرموز والخرائط، اعتاد المستوى السياسي الرسمي تجنب الخوض في نوايا إسرائيل الاحتلالية أمام الاعلام.
هذه الحالة تم كسرها منذ دخول اليمين المتطرف إلى الحكومة الإسرائيلية، حيث بادر وزراء ونواب في الكنيست من هذه الأحزاب إلى الحديث علناً عن دعمهم لاستيطان غزة بعد تدميرها وطرد الفلسطينيين منها، وكذلك تهجير الفلسطيين من الضفة الغربية وتوسيع الاستيطان فيها، ناهيك عن نوايا التوسع نحو دول أخرى.
ولذلك لاقى ظهور سموترتش مع الخريطة التي تشمل أراضي الأردن، استنكارات رسمية واسعة من الأردن ودول عربية أخرى.
يشار إلى أن الخريطة التي ظهرت في مؤتمر سموترتش أقرب لشعار منظمة “الأرغون”، وهي جماعة إرهابية شاركت في تهجير الفلسطينيين عام النكبة واندمجت بعد ذلك في جيش الاحتلال.
وسبق أن كرمت الدولة العبرية قيادات الـ”إرغون” في نوفمبر/تشرين الثاني 1968م؛ “لدورهم القيادي” في خلق “دولة إسرائيل”.
ومع بدء الهجمة الإسرائيلية على جنوب لبنان، تبرز تساؤلات حول الهدف التالي لحكومة الاحتلال، هل هي سوريا؟
هذا ما طرحه الكاتب الروسي ديمتري نيفيدوف، في تقريره بموقع “المركز الروسي الإستراتيجي للثقافات”، مشيراً إلى أن الهجوم على لبنان يجعل من تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى” فرصة أقرب للتحقق في عقل اليمين الإسرائيلي المتطرف
المصدر – وكالات – شبكة رمضان الإخبارية