الثلاثاء , 3 ديسمبر 2024

بالصور – كيف يواجه المصريون أزمة اختفاء الأدوية من الأسواق؟

إحدى صيدليات الإسعاف في مصر

بعد أن ودعت الصفوف المزدحمة، أمعنت الشابة ندى النظر فيما بين يديها، لا تصدق أنها أخيرا تمسك بالدواء الذي ظلت تبحث عنه طيلة 3 أشهر في الصيدليات والمستشفيات دون جدوى.

وأمام صيدلية الإسعاف بمنطقة وسط البلد في القاهرة، انتظرت ندى 5 ساعات، مع العشرات من المرضى أو ذويهم للحصول على الدواء، والبعض يحتمي بمظلة ضخمة وآخرون يفترشون الرصيف بينما ينسحب آخرون ثم يعودون للانتظار مرة أخرى.

ولا أحد يشكو الانتظار، وكلما شوهد الدواء المرجو بين يدي طالبه، يعم الرضا والصبر على المشقة، وحين ينتشر خبر غياب صنف معين تعود خيبة الأمل.

أمام صيدلية الإسعاف وسط القاهرة

رحلة بحث

ويشهد سوق الدواء المصري، منذ أشهر، اختفاء عدد كبير من أصناف خاصة تتعلق بالأمراض المزمنة كالضغط والسكري والأمراض المناعية.

وتشير تقديرات شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية إلى نقص في حجم المعروض بالأسواق يبلغ حوالي ألف نوع من أصل 17 ألف صنف، غير أن الاستغاثات عبر منصات التواصل وشكاوى الصيادلة تؤشر إلى تفاقم الأزمة وتضاعف حجم الأدوية غير المتوفرة.

وتعاني والدة ندى من مرض السكري، وتحتاج إلى جرعة يومية من الأنسولين من نوع “ماكستراد 30”.

وداومت المواطنة على شراء الصنف المستورد لضمان جودته، لكن حين ارتفع ثمنه نتيجة لارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، اقترحت على والدتها -وهي موظفة على المعاش- صرف الأنسولين “النوع المحلي” من هيئة التأمين الصحي وهي جهة رسمية تصرف الدواء بالمجان لمن يمتلك بطاقة التأمين الصحي.

واستمرت في استعمال الأنسولين المحلي ولكن عندما توجهت قبل 4 أشهر إلى فرع الهيئة للحصول على جرعتها الشهرية، فوجئت بعدم توفره كباقي الأصناف التي اختفت فجأة من الأسواق. وبعد رحلة بحث طويلة، عرض عليها أحد العاملين بإحدى الصيدليات علبة واحدة بـ5 أضعاف ثمنها فاشترتها فورا.

ويبلغ عدد مرضى السكري المسجلين فقط بهيئة التأمين الصحي نحو 11 مليون مواطن حتى ديسمبر/كانون الأول 2022، وفق تصريحات رسمية.

ولم تتمكن والدة ندى من الحصول على الأنسولين مرة أخرى بأي سعر، مما اضطرها لاستخدام نوع آخر منه “حبوب” فتدهورت حالتها الصحية ونُقلت إلى المستشفى. وصادفت الابنة منشورا عبر فيسبوك يفيد بوجود أصناف أدوية كثيرة -مختفية من الأسواق- في صيدلية الإسعاف، فتوجهت على الفور إليها لتبدأ رحلة جديدة للحصول على الدواء.

وتقول ندى -للجزيرة نت- إنها صرفت من الصيدلية علبتين من الأنسولين بسعر 92 جنيها (قرابة دولارين) للعلبة الواحدة بزيادة بنحو 30% مقارنة بسعره قبل أزمة الدواء الأخيرة.

وتضيف أنها لم تستخدم الأوراق التي سبق وتم الإعلان عنها لصرف الأنسولين من الإسعاف وهي صورة بطاقة الرقم القومي والروشتة العلاجية للمريض وتحليل حديث للسكر فـ”لم يسألني الموظف عن أي مستند، فقط سألني إذا ما كنت أحتاج شراء علبة أم اثنتين وهو الحد الأقصى للصرف من الصيدلية”.

في انتظار المرحلة الأخيرة لصرف الدواء

صيدليات الإسعاف

تعد صيدلية الإسعاف منفذا لبيع المنتجات الدوائية للشركة المصرية لتجارة الأدوية. وفي يوليو/تموز الماضي، أعلنت الهيئة المصرية للشراء الموحد والإمداد الطبي عن افتتاح 13 فرعا لها في 12 محافظة لتسهيل وصول العلاج للمرضى.

وقد تأسست هذه الشركة عام 1965 وهي تابعة لوزارة قطاع الأعمال العام، ثم انتقلت ملكيتها عام 2020 إلى هيئة الشراء الموحد (حكومية) وتعد أحد أكبر مستوردي وموزعي الدواء بمصر. وتوجد في مصر نحو 84 ألف صيدلية موزعة على مختلف المحافظات، حسب الهيئة العامة للدواء.

وبحسب تجربة قامت بها الجزيرة نت لشراء دواء “يوروسولفين” (لا يتوفر بالأسواق) من صيدلية الإسعاف، لاحظت وجود 3 مراحل لصرف الأدوية هي:

  • الأولى: الوقوف في صف طويل ينتهي إلى نافذة يجلس خلفها موظف استعلام للتأكد من توفر الدواء من عدمه داخل الصيدلية ومراجعة وصفة الطبيب بالنسبة للأدوية التي تحتاج تأشيرة طبيب معالج. وبعد التأكد من توفر الدواء يتسلم الزائر ورقة مدونا بها رقم ترتيبه للدخول إلى مقر الصيدلية، وتوجب على الجزيرة نت انتظار 287 شخصا قبل الوصول إلى ترتيبها بالقائمة.
  • الثانية: بعد ذلك يكون الانتظار ساعات طويلة خارج الصيدلية.
  • الثالثة: تتم داخل الصيدلية، فيسمح فقط لـ20 شخصا بالوجود بينما يجلس 3 موظفين خلف لوح زجاجي أحدهم مسؤول عن تحديد عدد الأصناف المسموح بها للفرد، وآخر لاستلام ثمن الدواء، والثالث يتكفل بتسليمه للمشتري.

وليست كل المحاولات ناجحة بصيدلية الإسعاف، فهناك أصناف دوائية غير موجودة مما يجعل السائل أمام مصير مجهول حيال المرض.

وذلك ما حدث مع أشرف الذي جاء لاهثا إلى الصيدلية من مدينة بنها (شمالي القاهرة، تبعد نحو 50 كيلومترا) ليبحث عن دواء “كونكور” الخاص بمرض الضغط. وانتظر في الصف الطويل لكنه صُدم بأن الدواء غير متوفر. ولم يعد أمامه سوى العودة إلى بلدته وزيارة الطبيب المعالج كي يحدد دواء آخر بدلا من النوع الذي داوم على استخدامه لسنوات وكان مناسبا لحالته.

سوق الدواء بمصر يشهد اختفاء عدد من الأصناف

سر الاختفاء

تتنوع الأسباب التي يطرحها المسؤولون الحكوميون، والجهات المختصة بصناعة الأدوية والإشراف عليها، حول أزمة اختفاء عدد كبير من الأدوية من السوق المصرية. ويعد عدم استقرار سعر صرف العملة أحد أهم الأسباب لتبرير الأزمة، إذ تواجه الشركات المنتجة مشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.

ففي مارس/آذار الماضي، تم تحرير سعر صرف الجنيه مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار أمامه من 31 إلى أكثر من 48 جنيها.

كما أحال تحرير سعر الصرف إلى سبب آخر، حيث إن تسعير الدواء ظل على حسب السعر القديم للدولار مما تسبب في خسائر للشركات المنتجة، وأدى لإعلان شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية، في يونيو/حزيران الماضي، تحريك أسعار عدد من الأدوية بنسب ارتفاع تتراوح بين 10 و40%، وسط توقعات بزيادة أخرى في الأسعار خلال الأشهر القادمة.

وهذا بالإضافة لوجود أسباب أخرى تتعلق بأمور رقابية وأمنية مثل عدم مطابقة المادة الفعالة وإعدام المنتج، وتهريب الأدوية خارج البلاد وخاصة إلى ليبيا والسودان.

تجارة الدواء بمصر تحقق مليارات الدولارات سنويا

وتتعقد أزمة الدواء بتخزين بعض التجار كميات منه لإيجاد سوق موازية لتداوله لاختلاق طلب متزايد وإعادة طرحه بسعر أعلى.

ويوجد بمصر 170 مصنعا لإنتاج الدواء، وتبلغ نسبة التصنيع المحلي من احتياجات المصريين أكثر من 75% بالقيمة المالية، وأكثر من 90% من عدد الوحدات الدوائية. ويبلغ حجم المبيعات بسوق الدواء نحو 7 مليارات دولار خلال العام الماضي ممثلة في 4 مليارات وحدة مبيعة، وفق الإحصاءات الرسمية.

وبلغت قيمة تصدير المستحضرات الدوائية نحو 1.5 مليار دولار العام الماضي، كما ارتفعت قيمة صادرات الأدوية خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين بنسبة 14.8%، لتسجل 52.45 مليون دولار مقارنة بـ45.68 مليونا خلال الفترة نفسها من العام الماضي.

وبحسب رئيس هيئة الدواء المصرية، لا يتم تصدير أي من الأدوية التي بها نقص فى السوق المحلي إلا بعد التنسيق لضمان توافر كمية كافية تلبي احتياجات السوق لفترة تتراوح بين شهر و3 أشهر.

المصدر : وكالات – الصجف المصرية

 

شاهد أيضاً

مصير مجهول ينتظر أصحاب المنح الدراسية العالقين في غزة

عد أن أنهى الطالب أدهم جابر ثلاث سنوات من دراسة الهندسة الميكانيكية بدرجة الامتياز في …