البوسنة تحيي الذكرى الـ29 لمجزرة سربرنيتسا التى راح ضحيتها كل رجال وشباب المدينة

يدفن ظهر اليوم الخميس 14 شخصا من ضحايا الإبادة الجماعية -التي نفذتها القوات الصربية عام 1995 في سربرنيتسا (شرقي البوسنة)- وذلك بالتزامن مع الذكرى الـ29 لمجزرة سربرنيتسا.

وتشمل هذه المناسبة الحزينة صلاة الجنازة على أرواح هؤلاء الضحايا الذين تم التعرف على هوياتهم. ومن المتوقع أن يُعقد قبل أداء الصلاة احتفال بالذكرى السنوية في مركز سربرنيتسا.

وأثناء عملية البحث عن المفقودين بعد الحرب، يتم دفن الضحايا الذين عُثر على جثثهم في مقابر جماعية بمراسم تقام سنويا في مقبرة بوتوكاري يوم 11 يوليو/تموز، بعد أن يتم التعرف على هوياتهم.

وقد بدأت دولة صربيا في حشد مؤيدين لها من أجل رفض تصويت محتمل على مشروع يدعو إلى الاعتراف بمذبحة سربرنيتسا على أنها “إبادة جماعية” في جلسة قريبة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن المفترض أن تجري جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة في أوائل مايو/أيار، من أجل إعلان يوم “11 يوليو/تموز” هو يوماً دولياً لذكرى مذبحة سربرنيتسا التي حدثت في عام 1995.

في حين تقود دولتا ألمانيا ورواندا، هذه الجهود، وقد بادرتا بفكرة إحياء وتكريم ذكرى الإبادة الجماعية رسمياً.

فيما يبدو أن صربيا والدول السلافية الأخرى لا سيما الأغلبية الصربية داخل جمهورية البوسنة والهرسك ستقف إلى جانب بعضها بعضاً لمعارضة الاعتراف بهذه المذبحة التي أودت بحياة آلاف المسلمين البوشناق خلال حرب البوسنة، والتي تُعد أيضاً أسوأ مذبحة شهدتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.

ما الذي نعرفه عن مذبحة سربرنيتسا، كيف حدثت، ما الأعداد التقريبية للضحايا، وأين فرّ المسلمون من البوسنة خلال المذبحة؟

قصة مذبحة سربرنيتسا.. القصة من البداية

قبل البدء في شرح تفاصيل مجزرة سربرنيتسا، دعونا أولاً نلقِ لمحة سريعة على تاريخ دولة يوغسلافيا وقصة تأسيسها.

فبعد أن انتهاء الحرب العالمية الأولى التي تسبب بإشعالها طالب صربي قام باغتيال ولي العهد النمساوي فرانز فرديناند، اتحدت كل من دول صربيا وكرواتيا وسلوفينيا تحت قيادة ملك الصرب بطرس الأول وذلك في 1 ديسمبر/كانون الأول من عام 1918. وقد حملت الدولة آنذاك اسم “مملكة صربيا وكرواتيا سلوفينيا”.

بعد وفاته، خلفه في الحكم الملك ألكسندر الأول، الذي حوّل البلاد إلى الحكم العسكري، إلى حين اغتياله في 1934، ليعاد تسمية البلاد بعدها إلى اسم “مملكة يوغسلافيا”، ليقودها بطرس الثاني نجل الملك بطرس الأول.

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ناصر بطرس الثاني دول المحور، ما أدى إلى إسقاطه من قبل هتلر الذي احتل البلاد رفقة القوات الإيطالية.

شهدت تلك الفترة ظهور ملك المقاومة اليوغسلافية الكرواتي “جوزيف بروز” الملقب بـ “تيتو”، والذي استطاع طرد النازيين من البلاد، وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 1945، غير اسم البلاد من “مملكة يوغسلافيا” إلى “جمهورية يوغسلافيا الشعبية الاتحادية”.

انحازت الحكومة الشيوعية الجديدة إلى الكتلة الشرقية تحت قيادة جوزيف بروز تيتو في بداية الحرب الباردة، ولكن بعد انقسام تيتو-ستالين في عام 1948، اتبعت يوغوسلافيا سياسة الحياد، وأصبحت واحدة من الأعضاء المؤسسين لحركة عدم الانحياز.

وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي في 1991 نشبت العديد من الحروب التي سمِّيت باسم “حروب البلقان”، ما دفع البوسنة والهرسك إلى إجراء استفتاء شعبي من أجل الاستقلال عن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية.

وقد جرى هذا الاستفتاء رغم مقاطعة السكان الصرب الذين يعيشون في البوسنة.

نالت جمهورية البوسنة والهرسك اعتراف الاتحاد الأوروبي في 6 أبريل/نيسان 1992، واعتراف الولايات المتحدة في اليوم الذي تلاه، بينما رفضت الحكومة الصربية الاعتراف بالاستقلال.

قصة مذبحة سربرنيتسا

الاعتراف الدولي بجمهورية البوسنة والهرسك لم يمنع الصرب والكروات من الهجوم عليها

هذا الاعتراف الدولي لم يكن كافياً لوقف الصراع الناشئ في المنطقة، حيث بدأ صراع عنيف للسيطرة على الأراضي بين أكبر 3 مجموعات عرقية في البوسنة والهرسك، وهي:

  1. البوشناق.
  2. الكروات.
  3. الصرب.

حاول الصرب إخراج البوشناق من الأراضي في محاولة لخلق “صربيا الكبرى” وهي سياسة تُعرف بالتطهير العرقي، وفقاً لما ذكرته شبكة BBC البريطانية.

وعليه، فقد هاجمت قوات صرب البوسنة، تدعمها الحكومة الصربية بقيادة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش والجيش الشعبي اليوغسلافي، أراضي البوسنة والهرسك تحت دعوى توحيد الأراضي الصربية.

وقد خلَّف هذا الهجوم حملات إبادة وتطهير عرقي ضد المسلمين البوشناق، وعليه فقد لجأ مسلمو البوسنة إلى استخدام السلاح من أجل صد القوات الصربية والدفاع عن أنفسهم.

في تلك الفترة حاول المجتمع الدولي أن يحل السلام في المنطقة من خلال العديد من المبادرات والمحاولات الدبلوماسية، لكنها جميعها باءت بالفشل، أو بالأحرى حققت نتائج محدودة جداً لم تستطع إنقاذ المنطقة من الحرب، لا سيما الجزء الشرقي من البوسنة، وتحديداً مدينة سربرنيتسا الواقعة قرب الحدود مع صربيا، إذ كان القتال هناك شرساً بشكل خاص بين البوشناق (المسلمين) والصرب (المسيحيين).

وقد استطاعت قوات صرب البوسنة الاستيلاء على سربرنيتسا التي تعني باللغة البوسنية “أرض الفضة”، عام 1992 لكن الجيش البوسني استعادها بعد فترة وجيزة، تلا ذلك حصار مع اشتباكات بين الجانبين.

ولمن لا يعرف البوشناق فهم من المسلمين الذين ينحدرون من السلاف البوسنيين الذين اعتنقوا الإسلام في ظل الحكم التركي العثماني في العصور الوسطى.

حماية فاشلة من الأمم المتحدة، واتفاقية قاتلة للبوشناق

في 6 أبريل/نيسان 1993، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 819، الذي أعلن أن سربرنيتسا وما يحيطها على مسافة 50 كيلومتراً ستكون منطقة آمنة تحت حماية الأمم المتحدة.

ورغم أنها وعدت سكان سربرنيتسا بأنهم سيكونون آمنين، فإن وعودهم سقطت أمام القوات الصربية التي قررت اتباع نهج الإبادة الجماعية بحق المسلمين في المنطقة.

وفي 16 أبريل/نيسان 1993 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 819 ، لحماية سكان سربرنيتسا التي كان نحو 75% من سكانها من المسلمين وفقاً لإحصاء عام 1991.

ونص القرار حينها على أنه يجب معاملة جميع الأطراف المعنية داخل مدينة سربرنيتسا والمناطق المحيطة بها، منطقة آمنة، ويجب أن تكون خالية من أي هجوم مسلح، أو أي عمل عدائي آخر.

وبعدها بيومين فقط، وصلت أول مجموعة من أفراد قوات الحماية التابعة للأمم المتحدة، والتي كان معظمها من الجنود الهولنديين.

وفي الشهر التالي، مايو/أيار تمّ التوصل لاتفاق بين البوسنيين والصرب وتحديداً بين الجنرال البوسني سيفير خليلوفيتش، ونظيره الصربي راتكو ملاديتش، والذي ينص على تسليم الجنود البوسنيين أسلحتهم وذخائرهم إلى قوة الحماية التابعة للأمم المتحدة.

بالمقابل، ستقوم القوات الصربية الموجودة قرب المدينة بسحب جميع وحداتها وأسلحتها وآلياتها الثقيلة من محيط المدينة التي يفترض أنها “منزوعة السلاح”.

هذا الاتفاق كان بمثابة انتحار للبوسنيين المخدوعين، فعلى الرغم من تسليمهم لكامل أسحلتهم وذخائرهم، فإن القوات الصربية لم تلتزم بالاتفاق، ولم تسحب أياً من آلياتها الثقيلة، وواصلت حصار المدينة، وحاولت بين الفينة والأخرى مهاجمة مواقع البوسنيين في المدينة.

وبرر الصرب سبب نقضهم للاتفاق أن لديهم معلومات استخباراتية، تفيد بأن البوسنيين لم يسلموا سوى أسلحتهم القديمة واحتفظوا بالجديدة.

وبحلول أوائل عام 1995، أمر الرئيس الصربي آنذاك، رادوفان كاراديتش، بغلق آخر الأبواب في وجه المسلمين البوشناق، وقرر إيقاف جميع قوافل المعونات الإنسانية عن الوصول إلى مدينة سربرنيتسا، وبعدها بدأ مسلمو البوسنة يموتون جوعاً.

وذلك تحت مرأى ومسمع من قوات الأمم المتحدة، التي لم تستطع حينها مساعدة سكان تلك المناطق، حتى أنها أيضاً كانت تعاني من نقص مواردها من الغذاء والأدوية والذخيرة والوقود، لدرجة أنهم اضطروا في نهاية المطاف إلى البدء في تسيير دورياتهم سيراً على الأقدام، كما لم يُسمح للجنود الهولنديين الذين غادروا المنطقة في إجازة بالعودة مُجدداً.

البوشناق هم من المسلمين الذين ينحدرون من السلاف البوسنيين الذين اعتنقوا الإسلام في ظل الحكم التركي العثماني في العصور الوسطى

حاصروهم وجوعوهم ومن ثم قتلوهم

في مارس/آذار 1995، وعلى الرغم من ضغوط المجتمع الدولي من أجل إنهاء الحصار، فإن رادوفان كاراديتش، رئيس جمهورية ما يسمى”صرب البوسنة”، أصدر توجيهاً لجنوده أطلق عليه اسم “التوجيه 7″، طالبهم فيه باستكمال عمليات الفصل بين سربرنيتسا وقرية شيبا الواقعة في جمهوريته، وطالبهم بمنع حدوث أي تواصل بين المنطقتين.

في يوليو/تموز 1995، هاجمت قوات صرب البوسنة بقيادة الجنرال الذي الشهر باسم “جزار البلقان” راتكو ملاديتش، مدينة سربرنيتسا بشكل جدي، ما دفع قوات الأمم المتحدة إلى الانسحاب من المدينة.

فيما لم تقدم الضربات الجوية لحلف شمال الأطلسي، التي استُدعيت للمساعدة، سوى إبطاء تقدم القوات الصربية بشكل بسيط وفقاً لما أكده الموقع الرسمي لمجزرة سربرنيتسا على الإنترنت.

وفي 9 يوليو/تموز هاجمت القوات الصربية مركز المراقبة التابع لقوات حفظ السلام الهولندية، واحتجزت 30 جندياً رهائن، وفي اليوم التالي قصفت القوات الصربية سربرنيتسا وارتكبت أعمال قتل وترويع بحق سكانها العزَّل، وراح ضحيتها أكثر من 8 آلاف قتيل.

لتستدعي الكتيبة الهولندية التابعة للأمم المتحدة، بقيادة توماس كارمينس، الدعم من قوات الناتو، وفي اليوم التالي، قصفت طائرات الناتو دبابات القوات الصربية، ولكنَّ الصرب هددوا بقتل الجنود الهولنديين في حال استمرار القصف، وعليه توقفت الضربات الجوية.

وفي اليوم التالي، وتحديداً في 11 يوليو/تموز 1995، سقطت مدينة سربرنيتسا بعد أن سلمت قوات حفظ السلام جميع مراكز المراقبة وحواجز الحراسة دون أدنى مقاومة ومن دون القيام بأي محاولة تُذكر لحماية المدنيين العزل، ليسير الجنرال ملاديتش رفقة جنرالات آخرين وسط المدينة.

بينما فر نحو 20 ألف لاجئ مسلم إلى القاعدة الهولندية الرئيسية للأمم المتحدة، ليتم ترحيلهم إلى الدول المسلمة الأخرى مثل تركيا وسوريا.

في الأيام التالية من احتلال المدينة بدأ قوات الصرب بعملية تطهير عرقي ممنهجة ضد البوشناق المسلمين في المدينة، فقاموا بفصل الرجال عن النساء والأطفال وكبار السن، ليقتلوا ويدفنوا بمقابر جماعية.

قائمة أسماء شهداء البوشناق في مجزرة سربرنيتسا

من هو المسؤول عن مذبحة سربرنيتسا؟

يعتبر القائد الصربي راتكو ملاديتش، هو المسؤول الأول عن ارتكاب المجازر بحق المسلمين خلال مذبحة سربرنيتسا، ما دفع إلى تسميته باسم “جزار البلقان”.

بدأ ملاديتش مسيرته في يوغوسلافيا الشيوعية وتحديداً عندما تخرّج في الأكاديمية العسكرية للمشاة في بلغراد، عاصمة صربيا، ثمّ دخل كلية أركان الحرب، ليصبح ضابطاً في الجيش اليوغوسلافي.

ومع صعود أسهم الصرب بعد انهيار يوغوسلافيا عام 1992، صعد نجمه أيضاً باعتباره قائداً صربياً يسعى مع القادة الصرب الآخرين لتأسيس “صربيا الكبرى”، وقد كان راتكو ملاديتش قائداً عسكرياً ميدانياً يقود المعارك على الأرض بنفسه.

ومع بدايات الحرب الصربية على كرواتيا عام 1991، خدم راتكو ملاديتش في منطقة واقعة قرب غرب كرواتيا، التي أعلنت استقلالها فبدأت معها الحرب.

وكانت أبرز أفعاله في هذه الحرب هو قصف المدن الكرواتية بالدبابات، كما ارتكب مذابح بحق الكروات أيضاً.

وفي شهر أبريل/نيسان من عام 1992، تمّ تعيينه قائداً للجيش الثاني في سراييفو عاصمة البوسنة، وفي البوسنة قاد حصاراً على العاصمة سراييفو استمرّ 1425، أي قرابة 4 سنوات، ليصبح بذلك أطول حصار في تاريخ أوروبا الحديث.

وهكذا مع تطور الأحداث صار قائداً لجيش صرب البوسنة ويترأس جميع العمليات العسكرية ضد البوشناق المسلمين.

راتكو ملاديتش قائد مجازر البوسنة والزعيم العسكرى للصرب

بقي حراً 16 عاماً قبل إلقاء القبض على ملاديتش والحكم عليه بتهم ارتكاب جرائم حرب

بعد كل هذه المجازر عاش راتكو ملاديتش حراً طيلة 16 عاماً، عاش فيها بشكل اعتيادي رغم اتهامه من قبل المحكمة الدولية في لاهاي بتهم ارتكاب جرائم حرب.

ويقال إنه كان يعيش بحرية تامة متنقلاً بين صربيا وروسيا، لكنه ألقي القبض عليه عام 2011، شمالي العاصمة الصربية بلغراد، عندما كان يستعد لممارسة رياضة المشي في الحديقة.

كانت أول لائحة اتهام ضد راتكو ملاديتش في عام 1995، عندما قدِّمت للمحكمة الجنائية الدولية، وشملت اللائحة جرائم كثيرة، إضافةً إلى جريمة الإبادة الجماعية.

استمرّت محاكمته طيلة 530 يوماً، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أدين راتكو ملاديتش بـ10 تهم من أصل 11 تهمة وجِّهت له، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، إذ لا تعاقب المحكمة الدولية بعقوبة الإعدام.

في 10 يوليو/تموز 2019 نُقل ملاديتش إلى المستشفى بعد تعرضه لعرض صحي لكنه خرج بعد ذلك وأُعيد إلى وحدة الاحتجاز في لاهاي بعدها بيومين بعد أن تبين أن المرض لا يهدد الحياة وليس علامة على زيادة مشاكل القلب.

في حين عُقدت جلسة الاستئناف الأولى يومي 25 و 26 أغسطس/آب 2020، قبل أن تصوت هيئة القضاة المكونة من خمسة قضاة الذين يمثلون محكمة الاستئناف بأربعة أصوات مقابل صوت واحد لرفض طلب ملاديتش بالاستشفاء في المستقبل خارج مركز احتجازه في لاهاي.

في 8 يونيو/حزيران 2021 رُفض استئناف ملاديتش النهائي وتأكد الحكم بالسجن المؤبد.

المصدر – وكالات – شبكة رمضان

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …