لا تتوقف الرسائل على قناة “السري 2024” على منصة تليغرام وغيرها من القنوات التي تبشر طلاب المرحلة الإعدادية بالحصول على نسخة من الامتحانات التي يخوضونها منذ بداية هذا الأسبوع.
وعلى مدار اليوم يتقدم الطلاب بطلبات للحصول على الامتحان في تمام الساعة الخامسة فجراً، أي قبل انطلاق الامتحان بأربعة ساعات مقابل دفع مبالغ مالية تتراوح ما بين 300 إلى 500 جنيه للمادة الواحدة على حسب المحافظات المختلفة.
ومنذ أن انطلقت امتحانات الشهادة الإعدادية في مصر انتشرت ظاهرة بيع الامتحانات وتسريبها للطلاب، بعد أن كان الأمر مقتصراً من قبل على محاولات الغش الإلكتروني وتداول الامتحانات في مرحلة (البكالوريا) أو ما يعرف في مصر باسم شهادة الثانوية العامة.
قنوات على التليغرام
وروت أميمة إبراهيم، ولية أمر تلميذ في المرحلة الإعدادية، تجربتها مع الغش عبر قنوات التليغرام، مشيرة إلى أن ابنها في بداية الأمر هدف لاستكشاف ما يدور على هذه القنوات وبدأ بطلب الحصول على امتحان اللغة العربية.
وقالت المتحدثة إن ابني تواصل معه شخص يدعى حسن ليخبره بأنه سوف يرسل إليه الامتحان قبل انطلاقه بأربع ساعات شريطة أن يدفع 500 جنيه يتم تحويلها عبر إحدى محافظ الاتصالات.
وأضافت أنها رفضت في البداية الاستجابة لمطالب هذا الشخص في ظل الأحاديث التي تردد كثيراً عن حالات النصب التي يتعرض لها طلاب البكالوريا التي تحدث فيها محاولات تسريب للامتحانات المشابهة، لكنها وافقت في النهاية لتثبت لابنها أن ما يدور على المنصات الرقمية هو بمثابة حالات نصب.
لكن ما حدث كان العكس، إذ فوجئت في اليوم الأول بأن الامتحان الذي خاضه ابنها في محافظة الجيزة مطابق لما أرسله جروب الغش الذي جرى تدشينه، والذي ضم مئات الطلاب على منصة واتساب.
وأكدت لـ”عربي بوست” أنها تقدمت بشكوى إلى مديرية التربية والتعليم في محافظة الجيزة عقب انتهاء الامتحان، والأمر تكرر مع العديد من أولياء الأمور الذين اشتكوا بسبب غياب أي معايير للشفافية في الامتحانات وانعدام أهم شرط لضمان حقوق الطلاب والمتمثل في المساواة فيما بينهم.
وقالت المتحدث إنها فوجئت بأن المديرية رفضت تلقي الشكاوى بشكل رسمي، ووعدت أولياء الأمور في التحقيق في وقائع التسريب وخرجت بتصريحات أكدت فيها عدم تطابق الامتحانات المسربة مع التي خاضها الطلاب.
وتابعت: “مع إنكار مديرية التربية والتعليم بالجيزة حدوث عملية تسريب للامتحان استمرت جرائم التسريب في باقي الامتحانات دون أن تتدخل أي جهة تعليمية أو أمنية أو حكومية للتعامل مع الوضع الراهن وفي ظل حالة من التسيب تشهدها العديد من اللجان الامتحانية نتيجة وصول الامتحان لعدد كبير من الطلاب قبل بدء الامتحان”.
ونفى وكيل وزارة التربية والتعليم المصرية في محافظة الجيزة، أشرف سلومة “صحة ما تم تداوله عن تسريب امتحان اللغة العربية”، وأكد في يوم آخر للامتحانات أن المديرية شكلت لجنة للتحقيق في تداول أسئلة امتحان اللغة الأجنبية (اللغة الإنجليزية) لطلاب الصف الثالث الإعدادي انتهت من التحقيق في الأمر فور علم المديرية بالواقعة.
وأشار في تصريحات لمواقع محلية إلى أن أسئلة الامتحانات المتداولة على جروبات الغش الإلكتروني خاصة بالفصل الدراسي الأول وليس الثاني كما يُردد البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أن الهدف من نشر تلك الأسئلة هو إيهام أولياء الأمور بأن الامتحانات مسربة.
تكررت وقائع التسريب في محافظات عديدة خلال هذا الأسبوع، ولعل أبرزها ما حدث في محافظة سوهاج، وهي مشهورة بوجود لجان أولاد الأكابر في امتحانات الثانوية العامة، وشهدت خلال الثلاث سنوات الماضية أحداث عديدة أثناء امتحانات شهادة البكالوريا، لكنها هذا العام أيضاً كانت مصدر جدل حول امتحانات الشهادة الإعدادية المؤهلة للمرحلة الثانوية.
تسريبات سوهاج
وقال مصدر مطلع بمديرية التربية والتعليم بالمحافظة إن امتحان اللغة الإنجليزية جرى تسريبه قبل بدء الامتحان بساعة كاملة، وتمت مشاركة ورقة الأسئلة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتداول إجابات الامتحان مرفقة معها.
وأضاف المتحدث أنه بالرغم من وجود باركود على الورقة، لكن تم تسريب أسئلة مادتي اللغة العربية والعلوم في الأيام السابقة من الامتحانات، وجاءت تعليمات إلى المديرية بعدم الإعلان رسمياً عن تسريبها رغم أن عملية التسريب واضحة أمام الجميع وكان لابدَّ من مواجهتها لكي لا تتكرر خلال السنوات الماضية.
وأضاف المصدر لـ”عربي بوست” أن وقائع التسريب تكررت بشكل شبه خفي خلال السنوات الماضية وفي كثير من المرات كان كثير من الطلاب يدعون حصولهم على الامتحانات قبل نصف ساعة من انطلاق الامتحان، لكن دون أن ينتشر الامتحان على نطاق واسع بالمنصات الرقمية مثلما الوضع هذا العام.
وأشار المتحدث إلى أنه دائماً ما كان يجري التكتم على ما يحدث باعتبار أن الامتحان لم يصل إلى عدد كبير من الطلاب، لكن الوضع يختلف هذا العام، وهناك رصد تفاعل الآلاف من الطلاب على قنوات التليغرام التي تسرب الامتحانات.
ولم تعترف أيضاً مديرية التربية والتعليم في سوهاج بحدوث تسريب للامتحانات، واكتفى وكيل الوزارة بالمحافظة التي تقع في الجنوب، ياسر محمود، للتأكيد على وجود تداول للاسئلة على المنصات الرقمية عقب بدء الامتحان بربع ساعة وليس قبله.
وأكد المتحدث أن التسريب تم تحديداً في امتحان مادة العلوم، مؤكداً أنه جرى تحديد لجان الامتحان التي قام طلابها بتصوير الامتحانات ونشرها وقام بضبط ثمانية طلاب داخل ثلاث لجان امتحانية.
وتؤكد ولية أمر طالبة بالصف الثالث الإعدادي بمحافظة سوهاج أن هذا العام هو الأسوأ من حيث مستوى تنظيم الامتحانات، وأن الطلاب يحصلون على جميع المواد بنماذج إجابتها قبل بدء الامتحان بأربع ساعات عبر قنوات تليغرام أغلبها يتبع “شاومينغ”، وهو اسم مستعار لصفحة شهيرة تقوم بتسريب امتحانات الثانوية العامة.
وأشارت ولية أمر التلميذة في حديثها مع “عربي بوست” إلى أن عدداً من المعلمين قاموا بعقد مراجعات نهائية قبل ساعتين من بدء الامتحان وتتضمن ما يأتي في التسريبات ويذهب الطلاب إلى الامتحانات للإجابة عليها.
وأوضحت لـ”عربي بوست” أن ما حدث هذا العام يهدد بكارثة تعليمية خلال السنوات المقبلة، وغالبية الطلاب سوف يحصلون على مجاميع مرتفعة للغاية، وسيتكرر ما يحدث في امتحانات البكالوريا هذا العام.
وقالت إن حالة التسيب التي تطغى على امتحانات الشهادة الإعدادية المتممة للتعليم الأساسي تكررت في مراحل سنوات النقل والتي تشهد حالات غش جماعي دون الحاجة لتسريب الامتحانات.
وشهدت لجان الامتحانات انتظام وحضور قرابة مليون و200 ألف طالب وطالبة بالصف الثالث الإعدادى، بامتحانات الفصل الدراسي الثاني، حيث أكدت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى أن درجات الفصلين الدراسيين مكملان لبعضهما ويحسب المجموع الكلي لتقييمات الشهادة الإعدادية من 280 درجة بواقع 140 درجة لكل فصل دراسي.
لماذا تتهرب الحكومة من تسريب امتحانات الشهادة الاعدادية في مصر؟
تبرَّأ وزير التربية والتعليم المصري، الدكتور رضا حجازي من مسؤوليته عن تسريب الامتحانات، مشيراً في تصريحات إعلامية إلى أن امتحانات الشهادة الإعدادية مسؤولية مديري المديريات التعليمية.
وأشار المتحدث إلى أن الوزارة ليست مسؤولة عن تسريب الامتحانات، لكنه عاد وأكد على أن “ما يحدث من محاولات غش وتداول للأسئلة وليس تسريباً، وأن الوزارة اتخذت كل الإجراءات القانونية ضد الغشاشين”.
وأضاف أن الوزارة تهدف إلى ضبط الامتحانات، ولمدير المديرية الحق في اتخاذ القرار المناسب لتحقيق هذا الهدف، موجهاً بعقد اجتماعات مع مديرى الإدارات ورؤساء اللجان لتنفيذ التعليمات والإجراءات التى تضمن انضباط العملية الامتحانية.
وقال خبير تربوي ومستشار سابق بالوزارة، تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته، إن عدم اعتراف الجهات الحكومية بحدوث التسريب يرجع لكونها تحاول التغطية على الكارثة وترفض أن تتحمل مسؤولية ما يحدث على المنصات الرقمية.
وقال المتحدث إن الوزارة تُحاول إلقاء التهمة على الأجهزة التكنولوجية الحديثة التي يستحيل معها ضبط منظومة الامتحانات، وتارة أخرى على سلوكيات الطلاب في حين أن المشكلة تتمثل في حالة الترهل الإداري، الذي تسبب في تسريب غالبية الامتحانات على مستوى 27 محافظة، في واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ التعليم المصري.
وأضاف لـ”عربي بوست” أن الجهات الحكومية فقدت القدرة على ضبط منظومة الامتحانات، وكانت تتوقع أنه حينما تضاعف عقوبات الغش، وهي بالأساس غير منطقية ولا يمكن تنفيذها على أرض الواقع، فإنها سوف تتمكن من ضبط اللجان الامتحانية، وتظهر كأنها أدت واجبها تجاه التعامل مع المشكلة وتترك تفاصيل ما يدور من حالات غش وتسريب للجهات الإدارية الصغيرة والتي تعاني بالأساس من تغول الفساد داخلها.
وفرض قانون مكافحة الغش الإلكتروني عقوبات الحبس والغرامة، على كل من طبع أو نشر أو أذاع أو روج أو تداول الامتحانات أو أجوبتها أو ساعد في ذلك، بأي وسيلة كانت، أو في أي مرحلة تعليمية أخرى، بقصد الغش أو الإخلال بالنظام العام.
وتصل عقوبة السجن إلى سبع سنوات ولا تقل عن عامين، وبغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد عن 200 ألف جنيه، ويعاقب كل من ساعد على الشروع في ارتكاب أي فعل من نشر أو طبع أو أذاع أو روج لأسئلة الامتحانات، الحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 50 ألف جنيه.
ويعتبر المصدر ذاته أن تجاهل الحكومة لتسريب الامتحانات والذي يدور أغلبها في مدارس حكومية يتواجد فيها الغالبية العظمى من الطلاب يبعث برسائل مفادها أن مدارسها لم تعد بالجودة المطلوبة وأن أولياء الأمور عليهم التفكير في المدارس الخاصة والدولية ذات طبيعة المصروفات الدراسية الباهظة.
وأضاف أن الحكومة تسعى إلى تخفيف العبء على المؤسسات التعليمية التابعة لها في ظل عدم قدرتها على توفير الميزانيات اللازمة لتعيين معلمين جدد، وفي ظل رغبتها في الاستثمار بالتعليم، وهو ما يفسر ترك الفساد ينخر في جسد منظومة التعليم بشكل واضح أمام الجميع دون أن تتدخل لمواجهته.
ويرجع مصدر مسؤول بوزارة التعليم تدهور أوضاع التعليم إلى فشل السياسات الحكومية التي هدفت إلى تطويره وعدم القدرة على مخاطبة المجتمع وإقناعه بعملية التطوير وترتب على ذلك أن اضطر النظام الحالي لإقالة الوزير السابق طارق شوقي والذي كان قد وضع لبنة التطوير والاستعانة بوزير آخر لم يكمل ما بدأه سابقه.
هذال الأمر، حسب المتحدث، انعكس بشكل سلبي على أوضاع التعليم بوجه عام، ويبرهن ذلك على أن الحكومة المصرية في الوقت الحالي تولي اهتماماً لملفات أخرى أمنية واقتصادية ومجتمعية أكثر خطورة من وجهة نظرها من ملف التعليم.
وشدد على أن ما يحدث الآن من تجاهل حكومي قد يكون متعمداً بما يفتح المجال لدخول هيئات خاصة جديدة تتولى عملية تنظيم الامتحانات والإشراف عليها، وأن محاولات الحكومة في السابق نحو ترخيص مراكز الدروس الخصوصية لكي تكون بديلاً عن المدرسة ما زال قائماً في أذهانهم، وإن كانت قد تراجعت بشكل مؤقت نتيجة الرفض المجتمعي، لكن ليس من المستبعد أن يكون الهدف هو الاتجاه للتعليم الخاص الذي يعد أكثر انتظاماً.