على عكس موقف أمريكا الذي تضمن تحذيراً من جانب جو بايدن بأن بلاده لن تقوم بتزويد إسرائيل بالأسلحة حال شنها عملية عسكرية واسعة النطاق في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، كان الموقف البريطاني داعماً وبكل قوة للاحتلال الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة وكذلك في مساعيه لاجتياح رفح.
كان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد حذر إسرائيل من شن عملية واسعة النطاق على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وإلا فإن الولايات المتحدة ستتوقف عن تزويدها بالأسلحة. جاء ذلك في تصريحات لقناة “سي إن إن”، الأربعاء، رداً على سؤال حول إيقاف الإدارة الأمريكية شحنة أسلحة تتضمن قنابل تزن 900 كغم إلى إسرائيل وأقر بايدن بأن القنابل الأمريكية تسببت بمقتل مدنيين فلسطينيين، وقال إنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “أكدت بكل وضوح أنه إذا دخلوا إلى رفح، ولم يدخلوها بعد (بهجوم شامل)، فإني لن أزودهم بالأسلحة التي استخدمت في رفح والمدن الأخرى”.
بريطانيا من جانبها رفضت أن تحذو حذو الموقف الأمريكي وأعلنت بكل وضوح أنها لن تتبنى سياسة وقف تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل، وذلك على لسان وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون والذي قال إن بريطانيا “لن تدعم بعض العمليات الكبرى في رفح ما لم تكن هناك خطة واضحة للغاية لكيفية حماية الناس وإنقاذ الأرواح… لم نر تلك الخطة، لذلك في هذه الظروف نحن لن نؤيد عملية كبيرة في رفح”. لكنه قال إن هناك “فرقاً جوهرياً للغاية” بين شحنات الأسلحة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تمنح الحكومة تراخيص فردية للشركات الراغبة في تصدير الأسلحة إلى الخارج.
في هذا التقرير نرصد كافة أشكال الدعم البريطاني لإسرائيل منذ بدء الحرب على قطاع غزة، عقب هجوم المقاومة الفلسطينية على إسرائيل، الذي عرف باسم “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
الدعم السياسي البريطاني لإسرائيل
في الثالث عشر من أكتوبر 2023 وبعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن نية بلاده إرسال المساعدات العسكرية اللازمة لمساعدة إسرائيل في حربها على قطاع غزة، وكان سوناك قد صرح بأن تلك الجهود “تهدف إلى رصد التهديدات الإقليمية ووقف أي تصعيد مفاجئ للصراع بالشرق الأوسط”، حسب زعمه.
تبعها الإعلان عن نية بريطانيا إرسال سفن لدعم إسرائيل، إذ قال مكتب رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، في هذه الفترة، إن لندن سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية وطائرات هليكوبتر ومراقبة لإسرائيل، وقالت صحيفة التايمز البريطانية إن بريطانيا ستبدأ طلعات جوية للمراقبة والاستطلاع فوق إسرائيل، وذلك بعد أن وصلت حاملة الطائرات الأمريكية “جيرالد فورد” إلى شرق المتوسط، لتكون جاهزة لمساعدة إسرائيل في الحرب التي شنتها على قطاع غزة.
بعدها نشرت وسائل إعلام بريطانية أن السفن البريطانية التي وصلت للشرق الأوسط منها سفينة الإنزال البرمائية البريطانية من طراز “Bay” التي تُعَدُّ أحد أعمدة الأسطول الملكي، وهي مصممة لتوصيل القوات والمركبات والأسلحة والذخيرة ودعم الهجوم البرمائي.
بالإضافة إلى سفينة “آرجوس” (RFA) وهي سفينة استقبال تعمل بوصفها منشأة طبية عائمة وبإمكانها القيام بمجموعة متنوعة من الأدوار، منها الإغاثة في حالات الطوارئ ودعم العمليات البرمائية.
زيارة سوناك لإسرائيل
بعدها وفي نفس الشهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 قام رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، بزيارة إلى إسرائيل التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني إنه “قدم تعازيه في الأرواح التي سقطت في إسرائيل وغزة منذ الهجوم الذي شنه مسلحون من حركة حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كما سيحذر من خطر تفاقم الصراع في المنطقة بصورة أكبر”.
كذلك وفي نفس الشهر اعتبرت وزيرة الداخلية البريطانية السابقة سويلا برافرمان، المظاهرات المؤيدة لفلسطين في العاصمة لندن بأنها “مسيرات كراهية”، وذلك بعد خروج الملايين في بريطانيا في مظاهرات حاشدة ترفض الحرب على قطاع غزة، وتطالب بوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
تصريحات برافرمان لم تتوقف عند ذلك الحد، بل قالت كذلك: “في رأيي، هناك طريقة واحدة فقط لتعريف هذه المسيرات، بأنها مسيرات كراهية”. وأوضحت أن الحكومة البريطانية تراجع القوانين المتعلقة بالتظاهرات، وقالت: “إذا كنا بحاجة إلى تغيير القوانين، كما فعلنا العام الماضي لمنع الاحتجاجات، فلن أتردد في اتخاذ الإجراءات”. وفي بيان صادر عن الوزيرة البريطانية في 11 أكتوبر /تشرين الأول 2023 ذكرت فيه أن “التلويح بالعلم الفلسطيني قد لا يكون قانونياً”.
زيارة وزير الخارجية البريطاني إلى إسرائيل
جنباً إلى جنب وفي زيارة رئيس الحكومة البريطانية إلى إسرائيل لإعلان الدعم لها ضد طوفان الأقصى، زار كذلك وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في أكتوبر/تشرين الأول 2023 إسرائيل ليعلن التضامن معها وقام بزيارة بعض المستوطنات الإسرائيلية التي شهدت هجوماً من المقاومة الفلسطينية، وقد شوهد كليفرلي وهو يركض داخل أروقة أحد المباني الإسرائيلية التي استهدفتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 في غلاف غزة، محاطاً بمجموعة تعمل على إخراجه من المكان بينما صافرات الإنذار تدوي معلنة قدوم صواريخ من قطاع غزة باتجاه المستوطنة.
ونشر الحساب الرسمي لـ”دولة إسرائيل” على منصة “إكس”، الفيديو وأرفقه بتغريدة قال فيها “بينما يزور وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي أوفاكيم في جنوب إسرائيل، تنطلق صفارات الإنذار محذرة من صواريخ حماس القادمة”.
https://twitter.com/JamesCleverly/status/1712143480045068695?ref_src=twsrc%5Etfw%7Ctwcamp%5Etweetembed%7Ctwterm%5E1712143480045068695%7Ctwgr%5Ea3f5e79441176cc2210d756927f7d0ea660561f9%7Ctwcon%5Es1_&ref_url=https%3A%2F%2Farabicpost.net%2Fd8a3d8aed8a8d8a7d8b1%2F2024%2F05%2F10%2Fd8a7d984d8afd8b9d985-d8a7d984d8b3d98ad8a7d8b3d98a-d8a7d984d8a8d8b1d98ad8b7d8a7d986d98a-d984d8a5d8b3d8b1d8a7d8a6d98ad984%2F
رفض اقتراح في الأمم المتحدة يخص غزة
استمر الدعم البريطاني لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، حتى الرابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2023 حيث تجنب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، الإجابة عن سؤالين طرحهما زعيم الحزب الوطني الاسكتلندي ستيفن فلين في مجلس العموم البريطاني، بشأن الحرب على غزة وخلال جلسة في “مجلس العموم”، طرح فلين على سوناك سؤالين بشأن إمكانية الأخير مشاركة رسالته بمناسبة عيد الميلاد للأطفال الذين يتعرضون للقصف في غزة، وامتناع البلاد عن التصويت على مشروع وقف إطلاق النار في الأمم المتحدة.
وقال سوناك في رده على فلين: “لا أحد يريد أن يرى هذا الصراع يستمر للحظة أطول من اللازم”. وأضاف: “لقد كنا ثابتين على دعمنا لوقف إطلاق النار المستدام، وهو ما يعني أنه يجب على حماس أن تتوقف عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، والإفراج عن جميع الرهائن”.
في المقابل وفي نفس الشهر امتنعت بريطانيا عن التصويت على اقتراح للجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بوقف إطلاق النار وذلك رغم تصويت 153 دولة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقف تمويل الأونروا
استمر الدعم البريطاني للاحتلال حتى إن لندن لجأت إلى وقف تمويلها لمنظمة الأونروا، استجابة للضغوط الإسرائيلية، ففي يناير /كانون الثاني 2024 أعلنت بريطانيا أنها “ستعلق مؤقتاً أي تمويل مستقبلي” لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وأعربت وزارة الخارجية البريطانية عن “الاستياء إزاء المزاعم حول تورط موظفين في (الأونروا) في هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل”، وهي المزاعم التي روجتها إسرائيل حول العالم.
كذلك وفي فبراير/شباط 2024 قالت بريطانيا إنه لا يجب حل الخلافات بين إسرائيل وفلسطين في إطار الوظيفة الاستشارية لمحكمة العدل الدولية، مدافعة بذلك عن الأطروحات الإسرائيلية، جاء ذلك في كلمة لأستاذ القانون الدولي بجامعة أكسفورد، نيابة عن بريطانيا، دان ساروشي، أمام محكمة العدل الدولية بمدينة لاهاي الهولندية، خلال جلسات استماع لمناقشة التبعات القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح ساروشي أنه “يجب ألا تقوم المحكمة بحل النزاعات بين الأطراف باستخدام اختصاصها الاستشاري. وبدلاً من ذلك، تتمثل الوظيفة الاستشارية للمحاكم في تقديم المشورة القانونية لهيئات الأمم المتحدة التي تطلب الرأي”. وأضاف أن “الوضع الحالي للأسئلة المطروحة في فتوى المحكمة من شأنه أن يخلق وضعاً ضد إسرائيل”. ولفت ساروشي إلى أنه “ينبغي الحصول على موافقة إسرائيل في هذه القضية”.
خطاب إعلامي منحاز لإسرائيل
بات كل شيء في بريطانيا يدور في فلك الدعم الإسرائيلي للحرب على قطاع غزة، حتى إنه في مارس/آذار 2024 كشف مركز الرصد الإعلامي التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا، أن وسائل الإعلام بالمملكة المتحدة استخدمت لغة منحازة لإسرائيل بخصوص الهجمات على قطاع غزة، جاء ذلك في تقرير صادر عن المركز بشأن لغة وتعامل وسائل الإعلام البريطانية مع الهجمات على غزة وذلك في منشورات 28 وسيلة إعلام للفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و7 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي.
وأشار التقرير إلى أن وسائل الإعلام المذكورة استعملت عبارات “مجزرة ومذبحة ووحشية” لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، في 70 بالمئة من نحو 177 ألف خبر مصور، مقابل عبارة “ما يقال إنها مجزرة” لوصف الاعتداءات على الفلسطينيين. وأوضح أن تلك الوسائل نشرت 176 ألفاً و627 خبراً مصوراً و25 ألفاً و515 خبراً مكتوباً حول غزة خلال تلك الفترة، مبيناً أن الأخبار حول غزة قبل ذلك التاريخ كانت أقل بنسبة 6 آلاف بالمئة.
وقدمت وسائل الإعلام الـ28 لقرائها والمشاهدين الهجمات الإسرائيلية على غزة بنسبة 76 بالمئة على أنها “حرب بين إسرائيل وحركة حماس”، فيما ظهرت عبارة “غزة المحتلة” 28 مرة فقط في جميع الأخبار. وأشار التقرير إلى أن جميع الأخبار المصورة ورد فيها تصريحات متعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها 5 مرات أكثر من تلك المتعلقة بحق الفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم. ولفت إلى أن المنشورات المتعلقة بحقوق الفلسطينيين لم ترد سوى بنسبة 7 بالمئة في أخبار وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.
القضاء على حماس
مع تزايد الانتهاكات الإسرائيلية في قطاع غزة، شهدت التصريحات البريطانية “بعضاً من التراجع” في دعم إسرائيل؛ لكنها كانت في نفس الموقف من حركة حماس، إذ إنه وفي أبريل/نيسان 2024 قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن دعم بلاده لإسرائيل ليس غير مشروط، آملاً التزام تل أبيب بالقانون الإنساني الدولي.
واعتبر وزير الخارجية البريطاني أن وقف إطلاق النار الفوري والدائم غير ممكن “ما لم يتم القضاء على حماس”. وذكر أن الهدنة المؤقتة في الصراع يمكن أن تسمح للأسرى بمغادرة غزة ودخول المساعدات إلى المنطقة. وبحسب رأي كاميرون؛ إذا غادر قادة حماس غزة وأزالوا البنى التي يستخدمونها، فسيتم حل المشكلة في المنطقة بالوسائل السياسية، لا العسكرية. وقال: “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن النفس وهو ما يجب أن ندعمه. بالطبع دعمنا ليس غير مشروط، ونتطلع من مثل هذه الديمقراطية الناجحة التي تدعو للفخر الالتزام بالقانون الإنساني الدولي”.
الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل
بطبيعة الحال، فقد كانت بريطانيا من أوائل الدول التي أعلنت الدعم العسكري لإسرائيل في حربها على قطاع غزة، فبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ذكر مسؤولو وزارة الدفاع في بريطانيا أن المملكة المتحدة نشرت ما مجموعه 12 طائرة عسكرية بريطانية لتحسين مهام المراقبة والاستطلاع في الحرب الدائرة على القطاع، وكانت وزارة الدفاع البريطانية قد صرحت بأن تلك الطائرات العسكرية قدمت دعماً استطلاعياً لإسرائيل عن طريق تسيير رحلات لمراقبة شرق البحر المتوسط، كما شملت مهامها منع نقل الأسلحة إلى حركات المقاومة الفلسطينية.
من بين هذه الطائرات الاستطلاعية “بوسيدون بي 8″، وهي طائرة استطلاع بحري طويلة المدى ومتعددة المهام تنتجها شركة “بوينغ” للصناعات الدفاعية وشملت قائمة المساعدات البريطانية للاحتلال أيضاً مروحيات (8) “ميرلين”، وهي مروحية تابعة للبحرية البريطانية دخلت الخدمة عام 1999، تُعرف “ميرلين” باسم صائدة الغواصات.
طلعات استطلاعية فوق قطاع غزة
في ديسمبر/كانون الأول 2023 أعلنت بريطانيا أنها تعتزم إجراء طلعات استطلاعية فوق قطاع غزة بهدف تقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل بدعوى دعم عملية إنقاذ الأسرى.
وقالت وزارة الدفاع البريطانية إن “لندن تعمل مع شركائها في المنطقة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لضمان إطلاق سراح الأسرى، ومن بينهم مواطنون بريطانيون”. وأشارت الوزارة في بيان، السبت، إلى أن سلامة مواطنيها تعتبر “أولوية بريطانيا القصوى”.
وحسب البيان، “ستقوم وزارة الدفاع البريطانية بإجراء طلعات استطلاعية في أجواء شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك العمل في المجال الجوي فوق إسرائيل وغزة، لدعم الأنشطة المستمرة لإنقاذ الأسرى”.
وأضافت: “ستكون طائرات الاستطلاع غير مسلحة، ولن يكون لها أي دور قتالي، وتتولى مهمة تحديد مكان الرهائن فقط”. وذكرت أنه “سيتم إرسال المعلومات المتعلقة بإنقاذ الرهائن فقط إلى السلطات المختصة المسؤولة عن ذلك”.
محاولات للضغط على بريطانيا
وفي ظل الدعم العسكري البريطاني لإسرائيل لم تنجح مساعي منظمات حقوقية في إقناع المحكمة العليا في لندن بالنظر في التماس لتعليق تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل وذلك في فبراير/شباط 2024، وتحاول مجموعات حقوقية وقف تصدير الأسلحة إلى الجيش الإسرائيلي في ظل الحرب المستمرة في قطاع غزة. وتثير الكلفة الإنسانية المرتفعة لهذه الحرب قلق جهات متعددة على رأسها الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية، بينما تؤكد إسرائيل أنها تبذل جهوداً لتقليل الخسائر بين المدنيين.
وكان ائتلاف يضم جماعات حقوقية قد طلب من المحكمة العليا البريطانية في يناير/كانون الثاني 2024 الإسراع في مراجعة قضائية لقرار الحكومة البريطانية مواصلة بيع قطع غيار عسكرية وأسلحة لإسرائيل، وشددت الجهة المدعية أمام المحكمة، وعلى رأسها مؤسسة الحق الفلسطينية، على أن الحكومة تتجاهل قواعدها الخاصة في نزاع غزة؛ لكن المحكمة قضت برد الالتماس، وفق ما أفاد محامو الادعاء في بيان لوكالة الأنباء الفرنسية الثلاثاء، مشيرين إلى أنهم بصدد الطعن في القرار.
شركات خاصة تزود إسرائيل بالسلاح
لكن في مارس/آذار 2024 قال ناشطان بريطانيان إن شركة دفاع إسرائيلية تتخذ من لندن مقراً لها، تواصل تزويد تل أبيب بأسلحة تستخدمها ضد الفلسطينيين، وطالبا لندن بوقف تسليح إسرائيل في ظل “الإبادة الجماعية” الراهنة.
وفي الفترة الأخيرة، شهدت بريطانيا احتجاجات طالبت بإغلاق مصنعين لشركة “أنظمة إلبيط” (Elbit Systems) الإسرائيلية للإلكترونيات الدفاعية في بريستول، إذ يتهمها المحتجون “بالمشاركة في الإبادة الجماعية بغزة”.
وأكد عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات السياسية بجامعة بريستول الناشط “الدين فهمي”، إن “شركة أنظمة إلبيط تخفي بشكل كبير أنشطتها في بريطانيا، وهي شركة إسرائيلية لصناعة الطائرات وشريكة مع الحكومة البريطانية، وزودت إسرائيل بأسلحة تُستخدم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة”.
ووفق الناشطة زوي غودمان، العضوة المستقيلة من مجلس بريستول وحزب العمال، فإن معظم سكان المدينة يعلمون بوجود مصنعين لشركة “إلبيط”، لكنهم لم يكونوا على علم بأن منتجاتها يتم إرسالها مباشرة إلى إسرائيل وتُستخدم لقتل الفلسطينيين. واستقالت غودمان من مجلس المدينة ومن حزب العمال بسبب موقفهما من حرب إسرائيل المتواصلة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، على قطاع غزة الذي تحاصره منذ 17 عاماً.
مظاهرات أمام شركة أسلحة في بريطانيا
أمام مقر شركة “أنظمة إلبيط”، تظاهر محتجون في وقت سابق، من شهر مارس/آذار 2024 بينهم غودمان، وعلقوا بالونات وألعاباً وملابس أطفال على سياج سلكي محيط بالشركة. وقالت غودمان عن ذلك: “أردنا أن نحاكي ما حدث (في غزة). كل هذا مرتبط بقتل الناس والإبادة الجماعية، وهذا الأمر لا يمكن أن يدوم”.
وتعد “أنظمة إلبيط” أكبر شركة أسلحة إسرائيلية مملوكة للقطاع الخاص في بريطانيا، وأكبر عميل منفرد لها هو وزارة الدفاع الإسرائيلية. وتمتلك الشركة 9 مصانع في أنحاء بريطانيا، 4 منها مخصصة للأسلحة، بعد إغلاق مصنعها في مدينة أولدهام بمانشستر الكبرى تحت ضغط نشطاء.
وتزود الشركة الجيش الإسرائيلي بنحو 85 بالمئة من الطائرات المسيّرة التي يستخدمها في المراقبة اليومية والهجمات المنتظمة، بالإضافة إلى ذخائر وجميع مكونات الطائرات.
و”بشكل روتيني، تستخدم إسرائيل أسلحة شركة أنظمة إلبيط في ارتكاب جرائم حرب في حق الفلسطينيين”، بحسب تقرير لمنظمة “لجنة أمريكا لخدمات الأصدقاء”، العاملة في مجال العدالة الاجتماعية والإغاثة والسلام.
تعليق الدعم العسكري
مع استمرار الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، وجه أكثر من 130 نائباً بالبرلمان البريطاني في مارس 2024 رسالة إلى حكومة بلادهم، يدعون فيها وزارتي الخارجية والأعمال والتجارة لتعليق تراخيص مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل.
وورد في الرسالة الموقعة من نواب أحزاب المعارضة في البرلمان وأعضاء مجلس اللوردات، إلى وزيرة الأعمال والتجارة كيمي بادينوك ووزير الخارجية ديفيد كاميرون: “باعتبارنا برلمانيين من أحزاب مختلفة ندعوكم إلى تعليق فوري لتراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل”.
وشددت الرسالة على أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا في الحرب الإسرائيلية على غزة تجاوز 32 ألفاً، وأن 70 بالمئة منهم نساء وأطفال. وأشارت إلى أن 80 بالمئة من البنية التحتية المدنية في قطاع غزة دمرت، فضلاً عن خطر المجاعة التي أصبحت على الأبواب.
عمليات تجسس بريطانية على قطاع غزة
لم تكتفِ بريطانيا بتصدير أسلحة إلى إسرائيل أو إرسال سفن وطائرات استطلاع إلى الشرق الأوسط لدعم إسرائيل، بل إن موقع “دكلاسيفايد يو كيه” (Declassified UK) -المتخصص في عمل أبحاث حول عمل المؤسسات العسكرية والاستخباراتية كشف في 8 مايو/أيار 2024 أن سلاح الجو الملكي قام بـ 200 رحلة استطلاعية فوق غزة منذ شهر ديسمبر/كانون الأول 2023 وقد سجلت طائرات التجسس البريطانية ما يصل إلى 1000 ساعة من اللقطات فوق غزة، بما في ذلك اليوم الذي اغتالت فيه إسرائيل ثلاثة من عمال الإغاثة البريطانيين.
في حين ترفض حكومة المملكة المتحدة تقديم تفاصيل عن رحلات التجسس، لكن موقع Declassified حصل على المعلومات بشكل مستقل وقد رصد هبوط طائرة تجسس بريطانية في قاعدة نيفاتيم الجوية الرئيسية في إسرائيل في فبراير/شباط 2024.
وقال الموقع إن العدد غير العادي من المهام خلال الأشهر الخمسة الماضية يصل إلى أكثر من رحلة جوية يومياً ويستمر مع غزو إسرائيل لمدينة رفح الجنوبية التي يُفترض أنها “آمنة”، وشهد شهر مارس أكبر عدد من رحلات التجسس البريطانية فوق غزة بـ 44 مهمة.
في حين أقلعت جميع رحلات التجسس البريطانية من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني أكروتيري، القاعدة الجوية البريطانية المترامية الأطراف في قبرص، وظلت في الجو لمدة ست ساعات تقريباً. وتقع غزة على بعد حوالي 30 دقيقة طيران من القاعدة، لذا فمن المحتمل أن يكون سلاح الجو الملكي قد جمع حوالي 1000 ساعة من لقطات المراقبة فوق غزة.
كانت طائرة تجسس بريطانية قد خلقت في الجو يوم الإثنين 1 أبريل/نيسان 2024 عندما قُتل ثلاثة بريطانيين في غارة إسرائيلية على عمال الإغاثة في غزة.
وكان جون تشابمان، 57 عاماً، وجيمس هندرسون، 33 عاماً، وجيمس كيربي، 47 عاماً، من بين سبعة عمال في المطبخ المركزي العالمي قتلوا في الاغتيال المستهدف.
في ذلك اليوم، الأول من أبريل/نيسان 2024 غادرت طائرة تجسس بريطانية أكروتيري في الساعة 5 مساءً بالتوقيت المحلي وعادت إلى القاعدة في الساعة 10:49 مساءً. ويُعتقد أن الغارات الجوية الإسرائيلية حدثت بعد الساعة 10:30 مساءً بقليل.
كما هبطت طائرة تجسس بريطانية في إسرائيل؛ إذ إنه وفي 13 فبراير/شباط 2024، طارت طائرة بريطانية من طراز Shadow R1 من أكروتيري إلى بئر السبع بإسرائيل، ووصلت الساعة 12.15 ظهراً بالتوقيت المحلي. وبقيت لمدة ساعتين قبل أن تعود إلى قاعدة المملكة المتحدة في قبرص.
والغرض من الزيارة غير واضح، لكن بئر السبع، وهي مدينة إسرائيلية في صحراء النقب، هي موطن لقاعدة نيفاتيم التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية وكانت هذه القاعدة بمثابة العقدة المركزية التي استخدمتها الولايات المتحدة لتوصيل القنابل والأسلحة الأخرى إلى إسرائيل في هجومها على غزة.
عمليات تجسس سابقة فوق قطاع غزة
ليست المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن عمليات تجسس قامت بها بريطانيا على قطاع غزة، ولصالح الاحتلال الإسرائيلي، إذ إنه وفي يناير/كانون الثاني 2024، ذكر موقع استقصائي بريطاني أن سلاح الجو البريطاني نفذ 50 طلعة استطلاعية فوق سماء قطاع غزة لتقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل.
وأضاف موقع Declassified UK أن طائرات بريطانية أقلعت من قاعدة أكروتيري الجوية البريطانية جنوبي إدارة قبرص الرومية، وقامت بـ 50 طلعة استطلاعية فوق سماء غزة منذ بداية ديسمبر/كانون الأول 2023 بواقع طلعة واحدة يومياً، لتقديم معلومات استخباراتية لإسرائيل.
وذكر الموقع البريطاني أن الجيش البريطاني استخدم في طلعاته الجوية طائرات من طراز “Shadow R1” المستخدمة في مجالي الاستطلاع والمراقبة. وأوضح أن أولى الطلعات الجوية البريطانية فوق غزة بدأت في 3 ديسمبر/كانون الأول 2023 وأجرت 3 طلعات يوم 3 يناير/كانون الثاني 2024 استمرت كل طلعة منها 6 ساعات.
وكان Declassified UK قد ذكر يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 أن طائرات عسكرية أمريكية وبريطانية أقلعت من قاعدة أكروتيري جنوبي قبرص لمساعدة إسرائيل، وأن 33 رحلة عسكرية جوية تمت بين أكروتيري وتل أبيب، بينها طائرات شحن من طراز C-17A في الفترة من 13 إلى 26 أكتوبر/تشرين الأول 2023 .
إيران تستهدف شركات بريطانية
كانت إيران من الدول التي “تربصت” بالشركات البريطانية التي تقوم بدعم إسرائيل عسكرياً، حيث أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، في بيان لها في مايو/أيار 2024، فرض عقوبات على 8 أفراد بينهم قادة عسكريون بريطانيون، و5 كيانات بريطانية بسبب “إجراءاتها في دعم وتسهيل ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني”، حسب زعمها، وطبقاً لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية “إرنا”.
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية في البيان: “قامت وزارة خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية بفرض عقوبات على عدد من الكيانات والأفراد البريطانيين بسبب إجراءاتهم المتعمدة في دعم وتسهيل ممارسات (الكيان الصهيوني)، بما في ذلك ارتكاب أعمال ضد السلام والأمن الإقليميين والدوليين… وإشعال الحرب، واستخدام الأسلحة الثقيلة والأسلحة المحظورة ضد المدنيين، وتشريد الشعب الفلسطيني، وبناء المستوطنات غير القانونية، واستمرار احتلال الأراضي الفلسطينية”، طبقاً لما أفادت وكالة “إرنا”.
وتضمنت القائمة:
-أولاً: الكيانات
-قاعدة أكروتيري الجوية التابعة لبريطانيا في قبرص
-سفينة “دياموند” التابعة للبحرية البريطانية في البحر الأحمر
-شركة “إلبيت سيستم” البريطانية
-شركة “ماجيت باركر” البريطانية
-شركة “رافائيل” البريطانية
-ثانياً: الأفراد
-جرانت شابس، وزير الدفاع البريطاني
-جيمس هاكنهال، قائد القيادة الاستراتيجية للجيش البريطاني
-شارون سميث، نائب الأركان العامة للقوات المسلحة البريطانية
-بول ريموند غريفيث، مساعد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة البريطانية
-أدريان بيرد، مدير استخبارات الدفاع بوزارة الدفاع البريطانية
-ريتشارد كامب، قائد قاعدة “ريتشموند” البحرية البريطانية في البحر الأحمر
-سيمون كلاك، قائد قاعدة أكروتيري الجوية البريطانية في قبرص
-بيتر إيفانز، قائد السفينة الحربية البريطانية “دياموند” في البحر الأحمر
وقالت وزارة الخارجية الإيرانية: “هذا الإجراء الجزائي لن ينفي الملاحقة الجنائية للأفراد بسبب تورطهم في أعمال إجرامية في المحاكم القانونية المختصة، كما أن إيران تعتبر أن النظام البريطاني مسؤول وخاضع للمساءلة عن دعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان”، على حد وصف البيان.
وهذا ما دفع الجمهورية الإسلامية في إيران، مؤخراً، إلى فرض عقوبات على العديد من الشخصيات والكيانات البريطانية، لمساعدتهم الاحتلال على ارتكاب هذه الجرائم بحق الفلسطينيين.
يذكر أن هناك العديد من الشركات البريطانية التي تقوم بتصدير أسلحة إلى إسرائيل، ومنها:
شركة Pearson Engineering للأسلحة في نيوكاسل:
وقد استحوذت عليها شركة رافائيل للأسلحة المملوكة من قبل الكيان في العام 2022، كجزء من “توسعها الاستراتيجي في المملكة المتحدة”.
فور استحواذها على الشركة، قامت بتعيين وزير الدفاع والتجارة في عهد حزب العمال الجديد “اللورد جون هوتون” رئيساً ومديراً غير تنفيذي للشركة، وهو ما أثار الكثير من الجدل، كونه عندما تولى وزارة التجارة، تعهد بتعزيز العلاقات بين إسرائيل والمملكة، وبصفته وزيراً للدفاع، ورد اسمه في دعوى قضائية بشأن صادرات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل.
تقوم هذه الشركة بتصنيع قطع غيار المركبات المدرعة ومعدات إزالة الألغام للجيش البريطاني. وعليه، لا يمكن استبعاد استفادة الكيان من هذه الشركة في صناعة آلياته ومعداته، وخاصة الجرافات العسكرية وكاسحات الألغام والمدرعات.
كذلك هناك شركة BAE Systems:
وهي أكبر شركة أسلحة بريطانية، والتي تصنع الأجزاء الرئيسية للطائرات الحربية الإسرائيلية من طراز F-35 “أدير”. فحوالي 15% من مكونات هذه الطائرة مصنوع في المملكة، بما في ذلك الجزء الخلفي من الطائرة وأجزاء الذيل والإلكترونيات.
ارتفع سعر سهم الشركة بشكل مريب منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بحوالي 35 بالمئة، وهو ما اعتبره بعض الخبراء مؤشراً على زيادة تصدير الشركة الأسلحة إلى إسرائيل.
بالإضافة إلى شركة مارتن بيكر “Martin-Baker”: وهي شركة بريطانية مخصصة لصناعة المقاعد القاذفة في الطائرات المقاتلة ومنها طائرات F-35.
سياسة الدعم مستمرة رغم آلاف الشهداء
تستمر السياسة البريطانية في موقفها من الحرب على غزة، وهو ما أكد عليه في أبريل/نيسان 2024 أوليفر داودن نائب رئيس الوزراء البريطاني من أن إسرائيل ارتكبت “أخطاء كبيرة” في حربها على قطاع غزة؛ لكنه أكد في الوقت نفسه أن الموقف بشأن تزويد تل أبيب بالأسلحة لم يتغير.
وذكر داودن في تصريحات تليفزيونية “المجتمع اليهودي يعيش في حالة تهديد وجودي منذ هجمات حماس (في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)”، وأن على الجميع أن يتفهم الصدمة التي ما زالوا يعيشونها، وفق تعبيره. ورفض داودن الإفصاح عن فحوى مشورة قانونية تلقتها الحكومة البريطانية بشأن إمداداتها من الأسلحة إلى إسرائيل، وقال إن هذا الرأي القانوني سيظل سرياً.
وفي مقابلة أخرى مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، قال دوادن إن الرأي القانوني بشأن تصدير الأسلحة إلى إسرائيل لم يتغير، مؤكداً أن تل أبيب تخوض حرباً مشروعة، وفق تعبيره.
جدير بالذكر أنه ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل حرباً على غزة، خلفت نحو 113 ألفاً بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وحوالي 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين. وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولي بوقف القتال فوراً، وكذلك رغم أن محكمة العدل الدولية طالبتها بتدابير فورية لمنع وقوع أعمال “إبادة جماعية”، وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
المصدر – زكالات – شبكة رمضان