لم يكن قرار إغلاق قناة الجزيرة بإسرائيل سوى جزء من سلسلة استهدافات إسرائيلية للإعلام منذ بداية حرب غزة التي توصف بأنها الحرب الأكثر دموية للصحفيين في التاريخ الحديث.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، نقلاً عن مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: “إن قرار إغلاق قناة الجزيرة بإسرائيل صدر بإجماع الحكومة”.
وقبل عشرة أيام، أعلن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة ارتفاع عدد الشهداء الصحفيين إلى 141 صحفياً منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، 37 من هؤلاء الصحفيين استشهدوا خلال الشهر الأول من الحرب، مما يجعله الشهر الأكثر دموية على الإطلاق الذي وثقته لجنة حماية الصحفيين الدولية منذ أن بدأت في تسجيل وفيات الصحفيين في عام 1992.
ولقد شهدت الحرب أيضاً مصرع صحفيين إسرائيليين (خلال عملية طوفان الأقصى) واثنين، واستشهاد 3 لبنانيين.
وقالت اللجنة إن عدد الصحفيين الذين قتلوا في غزة يفوق نظيره في مناطق الصراع الأخرى مثل أوكرانيا والعراق وسوريا وأفغانستان.
وعلى سبيل المقارنة، منذ بداية الحرب في أوكرانيا، قُتل أحد عشر صحفياً، سبعة منهم خلال الشهر الأول. كما أن عدد الصحفيين الذين قتلوا في غزة في الأسبوعين الأولين يفوق عدد القتلى في العشرين يوماً الأولى من الحرب في العراق عام 2003، وكذلك عدد القتلى في أفغانستان طوال عام 2001، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/أيلول مباشرة.
إغلاق قناة الجزيرة بإسرائيل هدفه التعتيم على الجرائم القادمة
ومنعت إسرائيل دخول الصحافة الأجنبية إلى غزة، وفي 10 يناير/كانون الثاني، ردّت المحكمة العليا في دولة الاحتلال التماساً تقدّمت به وسائل إعلام عالمية للسماح لصحافييها بدخول قطاع غزة.
واعتبرت المحكمة أنّ الأوضاع الأمنية تبرّر القيود المفروضة لأن دخول الصحفيين بشكل مستقل يمكن أن “يعرّض للخطر” الجنود الإسرائيليين الذين يقاتلون حركة حماس التي تحكم القطاع الفلسطيني؛ لأنه قد يؤدّي إلى كشف تفاصيل العمليات، بما في ذلك مواقع القوات والعناصر بشكل يمكن أن “يعرّضهم لخطر حقيقي”.
وجعل ذلك الإعلاميين الفلسطينيين هم المصدر الوحيد للمعلومات، إضافة إلى النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال تيم داوسون، نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحفيين، إن الصحافة لعبت دوراً مهماً في الكشف عن الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.
ويبدو أن قرار إغلاق قناة الجزيرة بإسرائيل التي قد يتوسع ليشمل الضفة وغزة هدفه إتاحة الفرصة لها لتنفيذ مزيد من الجرائم دون أي رقابة.
أبرز الصحفيين الذين اغتالتهم إسرائيل
من الصحفيين الذين اغتالتهم إسرائيل سامر أبو دقة، الصحفي والمصور بالجزيرة الذي استشهد خلال غارة استهدفته هو مدير مكتب الجزيرة بغزة السابق وائل الدحدوح، يوم 15 ديسمبر/كانون الأول 2023 أثناء تغطيتهما القصف الإسرائيلي على مدرسة فرحانة في خان يونس، واستشهد أبو دقة بعدما ظل محاصرا ينزف لمدة 6 ساعات في محيط المدرسة.
وهناك الصحفي أكرم الشافعي، مراسل وكالة الصحافة الفلسطينية صفا، الذي أصيب برصاصة إسرائيلية في الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول 2023، توفي على إثرها في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2024، وفقاً لتقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
نقابة الصحفيين الفلسطينيين قالت في بيان إنّ الشافعي احتاج إلى رعاية طبية بعد إصابته، وأنها تقدمت بطلب إجلائه من غزة للعلاج، إلاً أنّ إسرائيل رفضت الطلب.
كما قُتل محمد نصر أبو هويدي، المصور الصحفي في صحيفة الاستقلال، في 23 ديسمبر/ كانون الأول، في غارة جوية إسرائيلية على منطقة الشجاعية شماليّ غزة أثناء تغطيته لآثار الدمار التي خلّفتها الغارات الجوية على المنطقة.
“مراسلون بلا حدود” تتقدم بشكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية
وفي الأول من نوفمبر/تشرين الثاني عندما كان شهداء الحرب الإسرائيلية على غزة 34 صحفياً فقط، دعت “منظمة مراسلون بلا حدود” المدعين العامين في المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في مقتل الصحافيين. وقالت المنظمة إنها قدمت بالفعل شكوى بشأن ثمانية صحفيين فلسطينيين قالت إنهم قتلوا في القصف الإسرائيلي للمناطق المدنية في قطاع غزة، إضافة إلى صحفي إسرائيلي قُتل خلال هجوم مفاجئ لحماس في جنوب إسرائيل.
وهذه هي الشكوى الثالثة التي تقدمها المنظمة بخصوص جرائم حرب ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة خلال السنوات الست الماضية.
وفي ذلك الوقت، قالت المنظمة إن الشكوى الأخيرة تشير أيضاً إلى “التدمير المتعمد، الكلي أو الجزئي، لمباني أكثر من 50 وسيلة إعلامية في غزة” منذ أن أعلنت إسرائيل الحرب على حماس بسبب هجوم طوفان الأقصى.
قتل أسر الصحفيين وارتكاب مجازر بحقهم سلوك إسرائيلي متكرر
لم تكتفِ إسرائيل بالمجازر بحق الصحفيين بل استهدفت أسرهم بشكل واسع النطاق وغير مسبوق في التاريخ غالباً.
وفي هذا الصدد، لفت تقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية الانتباه إلى ما سمته “نمطاً واضحاً لاستهداف الصحفيين وعائلاتهم من قبل الجيش الإسرائيلي”.
وكانت جريمة قتل أسرة الصحفي وائل الدحدوح مدير مكتب قناة “الجزيرة” في غزة، التي تمت على عدة مرات، من أبشع جرائم الاحتلال، فلقد بدأت في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حينما استُهدفت بغارة جوية أسرته التي نزحت من تل الهوا (شمال غزة) إلى مخيم النصيرات للاجئين، مما أدى إلى استشهاد زوجته وابنه محمود وابنته شام البالغة من العمر 8 سنوات.
“بعد أسابيع من مقتل زوجته وابنته وابنه وحفيده”.. اغتالت إسرائيل في 7 يناير/كانون الثاني 2024، حمزة وائل الدحدوح المصور الصحفي، البالغ من العمر 27 عاماً، إلى جانب الصحفي في قناة الجزيرة مصطفى ثريا.
وفي 8 يناير/كانون الثاني 2023، قتل اثنان من أقاربه مدير مكتب قناة “الجزيرة” في غزة وائل الدحدوح، عبر غارة استهدفت سيارتهما.
واغتالت إسرائيل جبر أبو هدروس، مراسل قناة “القدس اليوم”، في 29 ديسمبر/ كانون الأول، مع سبعة من أفراد عائلته، في غارة جوية إسرائيلية على منزله في مخيم النصيرات شماليّ قطاع غزة، وقبلها بيوم قتلت إسرائيل أحمد خير الدين، الصحفي والمصور في قناة القدس اليوم، مع 12 فرداً من أسرته، في غارة جوية إسرائيلية على منزل عائلته في بيت لاهيا شماليّ قطاع غزة.
في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قُتل ثمانية من أفراد عائلة المصور الصحفي ياسر قديح عندما تعرض منزلهم في جنوب غزة لقصف بأربعة صواريخ، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء وصحيفة الغارديان.
وقع الحادث بعد خمسة أيام من تقرير نشرته منظمة HonestReporting في 8 نوفمبر/تشرين الثاني – وهي مجموعة تراقب ما تصفه بـ”التحيز الأيديولوجي” في التغطية الإعلامية ضد إسرائيل – والذي أثار تساؤلات حول أن لدى قديح وثلاثة مصورين آخرين مقيمين في غزة معرفة مسبقة بهجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول على إسرائيل. ورفضت وسائل الإعلام الكبرى، بما في ذلك رويترز، هذه المزاعم.
وفي وقت لاحق، سحبت شركة HonestReporting هذه الاتهامات، لكن تقريرها دفع مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى التغريد بأن المصورين كانوا شركاء في “جرائم ضد الإنسانية”، ودفع عضو مجلس الوزراء الحربي الإسرائيلي بيني غانتس إلى القول بأنه يجب معاملتهم كإرهابيين، ونجا قديح من الهجوم.
استهداف صحفيين في جنوب لبنان ومنظمات دولية توثق دلائل على أن الهجوم تم عمداً
في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد الصحفي اللبناني عصام عبد الله الذي يعمل لصالح وكالة رويترز جراء قذيفة دبابة إسرائيلية استهدفت مجموعة من الصحفيين، اللبنانيين، والأمريكيين، والعراقيين في جنوب لبنان
وقالت منظمة مراسلون بلا حدود إن الضربات التي أصابت مجموعة من الصحفيين في جنوب لبنان وأسفرت عن مقتل أحدهم، كانت مستهدفة وليست عرضية، وتم التعرف بوضوح على الصحفيين على أنهم صحفيون.
كما قالت منظمة هيومان رايتس ووتش: “إن الأدلة تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو ينبغي له أن يعلم، أن مجموعة الأشخاص الذي أطلق النار عليهم كانوا مدنيين”.
وتشير شهادات الشهود وأدلة الفيديو والصور التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش إلى أن الصحفيين كانوا بعيدين تماماً عن الأعمال القتالية الجارية، وكان واضحاً أنهم إعلاميون، وظلوا ثابتين لمدة 75 دقيقة على الأقل قبل أن تصيبهم هجمتان متتاليتان. لم تجد هيومن رايتس ووتش أي دليل على وجود هدف عسكري قرب موقع الصحفيين.
وأجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع سبعة شهود، بينهم ثلاثة من الصحفيين المصابين، وحللت 49 مقطع فيديو وعشرات الصور، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. كما أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع ممثل عن “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (اليونيفيل)، واستشارت خبراء عسكريين وخبراء في مجال الفيديو والصوت. في 17 و26 أكتوبر/تشرين الأول، أرسلت هيومن رايتس ووتش رسائل تتضمن نتائج وأسئلة إلى القوات المسلحة اللبنانية والإسرائيلية، على التوالي، لكنها لم تتلقّ رداً من أي منهما.
وتشير أدلة الفيديو، والتحليل الصوتي من قبل خبراء، وشهادات الشهود إلى أن المجموعة كانت مرئية لكاميرات طائرة مسيّرة قريبة هي إسرائيلية على الأرجح، وضمن مجال الرؤية من خمسة أبراج مراقبة إسرائيلية، وأنه يرجّح أن المجموعة استُهدفت بوحدة ذخيرة واحدة على الأقل من المدفع الرئيسي لدبابة من موقع عسكري إسرائيلي على بعد نحو 1.5 كيلومتر في الجنوب الشرقي. لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من تحديد نوع وحدة الذخيرة الثانية التي أصابت الصحفيين.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الأول 2023، استشهد صحفيان من قناة الميادين اللبنانية، وهما مراسلتها فرح عمر والمصور ربيع المعماري نتيجة استهداف إسرائيلي جنوبي لبنان.
إسرائيل لم تسبق أن حاسبت يوماً جندياً لديها على قتل صحفي
وتقول اللجنة الدولية لحماية الصحفيين إن تعامل الجيش الإسرائيلي مع حوادث القتل التي تعرض لها الصحفيون يعتمد على التعتيم المتكرر وتهرب من التحقيق.
ويقول شريف منصور منسق لجنة حماية الصحفيين في الشرق الأوسط، إن “درجة زعم إسرائيل بأنها ستحقق في مقتل الصحفيين مرتبطة بالضغوط الخارجية”.
وأضاف قائلاً: “هناك تحقيقات سريعة وخفيفة في مقتل الصحفيين الذين يحملون جوازات سفر أجنبية، ولكن ذلك نادراً ما يحدث مع الصحفيين الفلسطينيين المقتولين، وفي النهاية لا أحد منهم نال أي نوع من العدالة”.
وتصر إسرائيل على أن أعمال قواتها تخضع لتحقيقات دقيقة، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
فقد وضعت في 2014، نظاماً “لتقصي الحقائق” في مقتل المدنيين، يمكن أن يتحول إلى تحقيق جنائي عن طريق المدعي العام العسكري.
ولكن بعد تسع سنوات من وضع النظام لم تصل أي قضية تتعلق بمقتل صحفيين إلى التحقيق الجنائي، ولم يحاسب أي جندي على قتل صحفيين، حسب تقرير اللجنة الدولية لحماية الصحفيين.
الاعتقالات تطال الصحفيين الذين لم يصلهم قطار الموت الإسرائيلي
تشمل الانتهاكات الإسرائيلية اعتقال 25 صحفياً، بالإضافة إلى العديد من الاعتداءات والتهديدات والهجمات الإلكترونية والرقابة، وحتى 3 مايو/أيار، أظهرت سجلات لجنة حماية الصحفيين أن 19 من هؤلاء الصحفيين ما زالوا خلف القضبان، وفقاً للجنة حماية الصحفيين الدولية .
وفي كل من غزة وإسرائيل، أشار الصحفيون الذين يغطون الحرب إلى أنهم يفتقرون إلى معدات الحماية الشخصية. وقد تلقت لجنة حماية الصحفيين طلبات متعددة من صحفيين مستقلين يبحثون عن معدات الوقاية الشخصية، ولكن من الصعب تسليم هذه المعدات للصحفيين في المنطقة.
ويعلق تقرير لمركز “كارنيغي” الأمريكي قائلاً: ” لقد كشفت الحرب الحالية على غزة عن مدى تخلي الحكومات والساسة في الغرب، باعتبارهم أبطالاً للديمقراطية، عن ضميرهم الأخلاقي، ومسؤولياتهم الأخلاقية، ودوافعهم الإنسانية. وينبغي تذكير هذه الحكومات بأن الصحفيين يقدمون حقائق في وقت التضليل والمعلومات المضللة، وحتى أثناء التعتيم الإعلامي. إنهم الذين يساعدون في فضح جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين واستعادة إنسانيتهم، وتحفيز الناس في جميع أنحاء العالم للاحتجاج على الحرب ودعوة حكوماتهم للضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار”.
المصدر – وكالات – شبكة رمضان