تعثر بسداد الديون وتعويم الجنيه.. مصر تعاني اقتصادياً مع تراجع عائدات قناة السويس وتحويلات المصريين

يواجه الاقتصاد المصري متغيرات صعبة، أبرزها سقوط الجنيه المصري مقابل الدولار، والفجوة الهائلة بين السعر الرسمي والسوق السوداء، وتعثراً للحكومة في سداد الديون وخططها بتعويم العملة الوطنية، أمام تراجع لعائدات السويس والسياحة وتحويلات المصريين في الخارج.

إذ تعتمد مصر على 5 مصادر رئيسية للحصول على العملة الصعبة، تتمثل بالصادرات، وعائدات السياحة، وإيرادات قناة السويس، وتحويلات المغتربين، والاستثمارات الأجنبية، وجميعها تشهد تراجعاً في الإيرادات.

هذه المشاكل الاقتصادية كلها تتفاقم في وقت تجري فيه بعثة صندوق النقد الدولي مفاوضات عسيرة مع الحكومة المصرية، لإجراء المراجعة الأولى والثانية ضمن اتفاقهما للحصول على قرض قيمته 3 مليارات دولار، بعد أن تم إرجاء تلك الجولة لما يقرب من عام كامل، غير أنه يجد نفسه أمام متغيرات عديدة في مقدمتها تدهور سعر الجنيه المصري أمام الدولار.

تعد أبرز المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد المصري، تراجع عوائد العملة الأجنبية، التي تساعده على اتخاذ خطوة تعويم الجنيه المصري، أو الوصول إلى سعر مرن للعملة المحلية، وفقاً لمطالب صندوق النقد الدولي، وبما يدعم التزام الحكومة بسداد ديونها الخارجية هذا العام 2024 والأعوام المقبلة.

يتزامن ذلك مع تراجع معدلات السياحة الداخلية في مصر، وأزمة البحر الأحمر التي تتأثر بها قناة السويس، وحرب غزة، ونهاية بتراجع تحويلات المصريين في الخارج، بعد أن وصل سعر الدولار في السوق السوداء إلى 65 جنيهاً مقابل 31 جنيهاً في البنوك الرسمية.

الجنيه المصري ومطالب واجبة التنفيذ

كشف خبير اقتصادي مقرب من الحكومة، عن أن النقاشات الجارية مع صندوق النقد، تتناول زيادة قيمة القرض بما يتماشى مع المتطلبات الدولارية، وأن المأمول هو أن يصل القرض إلى 8 مليارات دولار، ما يساعد الحكومة المصرية على اتخاذ إجراء تعويم الجنيه المصري، ويدعم سداد ديون العام الحالي.

أضاف في حديثه لـ”عربي بوست” أن المباحثات تتطرق إلى إرجاء سداد الديون المصرية إلى الصندوق والتي تصل إلى 15 مليار دولار إلى عام 2026.

كذلك أوضح أن مصر أطلعت بعثة صندوق النقد على المتغيرات الخارجية التي تسببت في تراجع العوائد الدولارية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأن هناك تفهماّ لضرورة تقديم مزيد من التسهيلات للدولة المصرية بما يجعلها قادرة على الإيفاء بالتزاماتها.

وقال إن “القاهرة تلقت إشارات إيجابية بشأن رفع قيمة القرض، لكن هناك مطالب على الحكومة تنفيذها، في مقدمتها التعامل مع السوق السوداء، وسرعة التخارج من المشروعات القومية، وتهيئة المناخ للاستثمار الأجنبي”.

يشير المصدر ذاته إلى أن أكثر ما تخشاه القاهرة في الوقت الحالي، “عدم تمكنها من سداد الديون المقررة عليها هذا العام، فإذا تمكنت من جمع 16 مليار دولار قيمة الديون المستحقة خلال النصف الأول من العام الحالي، فإنها من دون مساعدة صندوق النقد الدولي ستجد صعوبة في توفير مثل هذا المبلغ أو أكثر للسداد في النصف الثاني”.

أكد أن ذلك “يجعلها أمام خطر عدم القدرة على سداد الديون، ما يعني تصنيفات أكثر سلبية على الاقتصاد المصري، الذي فقد إلى حد كبير قدرته على جذب الاستثمارات الأجنبية”، على حد قوله.

إيرادات قناة السويس

مؤخراً، أعلن رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، أن إيرادات القناة انخفضت 40% منذ بداية العام 2024، مقارنة بعام 2023، بعد أن أدت هجمات الحوثيين في اليمن على السفن، إلى تحويل مسار إبحارها بعيداً عن هذا الممر، مشيراً إلى أن حركة عبور السفن تراجعت 30% في الفترة من 1- 11 من يناير/كانون الثاني على أساس سنوي، وأن التراجع جاء بواقع 544 سفينة مقارنة بـ 777 سفينة في 2023.

تشكّل عائدات قناة السويس أحد أبرز مصادر النقد الأجنبي في مصر، وحققت في العام المالي 2022-2023 عائدات مالية بلغت 9.4 مليار دولار، وهي الأعلى التي تسجلها على أساس سنوي، بزيادة قدرها نحو 35% عن العام الذي سبقه، وفق ما أعلنته الهيئة في يونيو/حزيران 2023.

بحسب وثيقة ملامح التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري، الصادرة عن مجلس الوزراء، التي أعلنتها الحكومة مؤخراً، بشأن خطط الاقتصاد المستقبلية، فإنها تطمح لزيادة إيرادات قناة السويس إلى 88.1 مليار دولار خلال الفترة من 2024 وحتى 2030، في حين أن ذلك يتعارض مع الأحداث الحالية في البحر الأحمر.

كشفت كذلك، عن أن القاهرة تستهدف زيادة إجمالي السفن العابرة للقناة إلى 190.7 ألف سفينة بحمولة نحو 13.4 مليار طن حتى عام 2030.

تراجع في قمية الجنيه المصري وعوائد قناة السويس

تراجع السياحة والعوائد الدولارية

تواجه القاهرة مشكلة أخرى، جراء تراجع عائدات السياحية منذ اندلاع حرب غزة، إذ تراجع عدد السياح في مصر بنحو 5% عن المستهدف خلال أكتوبر 2023، وهو أول شهر من التصعيد الإسرائيلي على قطاع غزة، في ظل مؤشرات تتحدث عنها مجموعات السياحة العالمية بتراجع الطلب على زيارة دول الشرق الأوسط بنسبة تتراوح ما بين 20% إلى 50% منذ بدء الحرب، فيما يسهم قطاع السياحة بنحو 15% في الناتج الاقتصادي المصري.

بحسب ميزان المدفوعات المنشور على موقع البنك المركزي، انخفضت تحويلات المغتربين في الخارج بنحو 30% لتسجل نحو 4.5 مليار دولار مقارنة بـ6.4 مليار دولار مقارنة بالربع ذاته من العام المالي السابق (يبدأ العام المالي في مصر أول يوليو/تموز وينتهي آخر يونيو/حزيران من العام التالي) نتيجة لتراجع الثقة بالجنيه المصري، وسط عدم قدرة السلطات على لجم السوق الموازية لصرف الجنيه المصري نتيجة شح الدولار، إلى جانب المبادرات الحكومية سواء تلك المتعلقة باستيراد العاملين في الخارج للسيارات، أو إعفاء واردات الذهب من الجمارك.

أشار أيضاً مدير فرع أحد البنوك الاستثمارية بمنطقة وسط البلد، لـ”عربي بوست”، إلى أن تراجع العوائد الدولارية ارتد بشكل سريع وفوري على سعر الدولار في السوق السوداء، الذي وصل لأول مرة في تاريخ مصر إلى أكثر من ضعف قيمة الجنيه المصري في البنوك الرسمية.

كما أنه انعكس على التصنيفات الائتمانية العديدة التي صدرت خلال الشهرين الماضيين، التي وضعت تقييمات سلبية للاقتصاد، مشيراً إلى أن الاقتصاد القومي تعرض لهزة عنيفة جرّاء تراجع الدولار، بعد أن حافظ سعر صرف الجنيه المصري على تفاوت معقول بين الرسمي والسوق السوداء في غالبية فترات عام 2023، لكن اختلف الوضع تماماً منذ نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول في العام ذاته، في أعقاب اندلاع حرب غزة.

جهة حكومية تشتري الدولار من السوق السوداء

كشف مصدر حكومي لـ”عربي بوست”، عن أن البنك المركزي المصري قام بشراء الدولار من السوق السوداء لتوفير احتياجاته الدولارية، قبل الحرب في غزة والتوترات في البحر الأحمر.

وأكد أن ذلك جرى في حين أن سعر صرف الجنيه المصري في البنوك ثابت منذ أكثر من عام، ولم يتجاوز حاجز 31 جنيهاً، فيما استمر سعر الصرف في السوق السوداء يتراوح ما بين 35 إلى 38 جنيهاً لأشهر طويلة.

شراء جهة حكومية للدولار من السوق السوداء، شجّع المضاربين في الدولار على مزاحمته إلى جانب الشركات والمصانع التي تحتاج إلى العملة الصعبة، كما أن تراجع عوائد المصادر الدولارية الرئيسية للدولة المصرية جعل هناك إقبالاً أكبر من البنك المركزي على السوق السوداء، بحسب المصدر ذاته.

لكنه أشار إلى أن ذلك يُعد “أمراً خطيراً”، و”لم يسبق أن حدث بهذا الشكل في أيٍّ من الفترات السابقة”، مضيفاً أن الدافع وراء ذلك، أن “تجار العملة استفادوا من توجهات الحكومة، وتسبب ذلك في قفزات الدولار؛ ما جعل الحكومة عاجزة عن التعامل معها، إلا إذا حصلت على عوائد دولارية ضخمة للغاية”.

لفت أيضاً إلى أن “تأثيرات تراجع حركة الملاحة في قناة السويس قد تكون الأقل على الاقتصاد المصري، لأنها تعبّر عن حدث عارض من المتوقع أن ينتهي في غضون أسابيع قليلة، وأن السياحة ستحقق عوائد إيجابية في حال حافظت مصر على قدر من الاستقرار في شبه جزيرة سيناء”.

تراجع تحويلات المصريين في الخارج

المشكلة الأكبر، بحسب مصادر حكومية، تعود إلى تراجع تحويلات المصريين في الخارج، وهي بمثابة ضربة كبرى تعرضت لها الحكومة المصرية، لأنها لا ترتبط بأحداث جيوسياسية، لكنها بالأساس نتيجة مشكلات يعاني منها الاقتصاد، بسبب وجود سعرَين لصرف الجنيه المصري، وفي حال لم يتم التعامل مع تلك المشكلة، فإن مصر ستفقد هذا الدخل الدولاري المهم.

خيارات محدودة أمام المأزق الاقتصادي

في مذكرة بحثية حديثة، قال مدير مشروع شمال أفريقيا في “مجموعة الأزمات الدولية” ومقرها بروكسل، ريكاردو فابياني: “تستطيع مصر التكيف مع بضعة أسابيع من خفض حركة المرور عبر قناة السويس، لكنها لا تستطيع التعايش مع التهجير الدائم للفلسطينيين إلى شبه جزيرة سيناء، والآثار الاقتصادية المعوّقة للحرب في غزة، وأخطار نشوب حرب إقليمية، وأثر ذلك على الجنيه المصري”.

تبقى المشكلة الأكبر في أن مصادر العملة الأجنبية ذات الارتباط المباشر بحركة الصناعة والتجارة والنفط تراجعت أيضاً إلى جانب أزمة الجنيه المصري، وانخفضت صادرات الغاز الطبيعي ملياري دولار على أساس سنوي في الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول 2023، وفقاً لبيانات البنك المركزي، وذلك نتيجة انخفاض الإنتاج المحلي وانخفاض الأسعار العالمية.

كما تراجعت قيمة صادرات مصر السلعية بنسبة 0.5% لتصل إلى 35.3 مليار دولار في 2023، في مقابل 35.5 مليار دولار خلال عام 2022.

وتأمل مصر الوصول بصادراتها إلى 100 مليار دولار خلال العامين المقبلين، على أن تصل إلى 145 مليار دولار خلال السنوات الست المقبلة، في ظل استراتيجية  لزيادة موارد النقد الأجنبي إلى 300 مليار دولار.

تحدث أستاذ اقتصاد بجامعة القاهرة إلى “عربي بوست”، شريطة عدم ذكر اسمه، عن خيارات الحكومة المصرية أمام هذه الأزمات، موضحاً أنها “محدودة للغاية، فلم يبقَ في جعبتها على المدى القصير سوى الاتجاه لمزيد من بيع الأصول الحكومية، أو ما تطلق عليه برنامج الطروحات”.

أضاف إلى ذلك “حصول الحكومة على قرض كبير من صندوق النقد بشروط ميسرة للسداد على سنوات طويلة، حتى تتمكن من سد العجز الحالي، إلى جانب تحسين علاقاتها مع الدول العربية، بخاصة السعودية والإمارات، بعد أن تراجعتا عن دعمها”.

الحكومة المصرية تريد تعويم الجنيه المصري وإنهاء ربطه بالدولار الأمريكي

وقال إن “جزءاً من الحلول المطروحة، تغيير الوجوه الوزارية الحالية، خاصة المجموعة الاقتصادية، وتعيين رئيس وزراء اقتصادي من الدرجة الأولى، والأهم من ذلك أن تكون لديه صلات قوية مع مجتمع المال والأعمال العالمي، بما يدعم تنفيذ حزمة كبيرة من المشروعات الاستثمارية التي تضمن ضخ مليارات من الدولارات في حال أقدمت الحكومة على خطوة تعويم الجنيه المصري، أسوة بما حدث عند التعويم الأول في عام 2016”.

أشار إلى أنه في ذلك الحين، كان لدى البنك المركزي اتفاقات مسبقة مع العديد من الهيئات الدولية التي ساعدت القاهرة على إنجاح خطوتها.

لكن الأكاديمي الاقتصادي ربط ذلك “بالمضي قدماً باتجاه تحسين أحوال الاستثمار بوجه عام، والاعتماد على الإنتاج المحلي ودعمه من الحكومة، للاعتماد عليه في جذب العملة الصعبة، مع أهمية إعادة مخاطبة العالم بوجوه جديدة، ومنح الثقة من جديد في الاقتصاد المصري، والقضاء على حالة الشكوك المستمرة بشأن قدرة مصر على سداد ديونها أولاً، وكذلك الشكوك في قدرتها على إعادة ضبط منظومتها الاقتصادية مرة أخرى”.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الأربعاء 24 يناير/كانون الثاني 2024، على هامش احتفالات عيد الشرطة، إن هناك رؤية طرحتها الحكومة لتجاوز أزمة الدولار، وإنه من المقرر إطلاق حوار مجتمعي خلال الفترة المقبلة فيما يخص الاقتصاد، وذكر أن مصر تحتاج إلى مليار دولار شهرياً لاستيراد المواد الغذائية الأساسية.

أضاف أن الدولار يمثل مشكلة دائمة للدولة المصرية، وذلك تعليقاً على أزمة نقص العملات الأجنبية التي تعاني منها البلاد حالياً، التي أدت لارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، لما يزيد على ضعف سعره الرسمي.

السيسي طالب المصريين بتحمل انهيار الجنيه المصري مؤكداً أنه يمثل أزمة للدولة

وأظهر استطلاع لوكالة “رويترز”، في اليوم ذاته، أن الاقتصاد المصري سينمو بوتيرة أبطأ من المتوقع سابقاً، مع تراجع الجنيه المصري، وتقلص القوة الشرائية نتيجة ارتفاع التضخم، وتداعيات الحرب في غزة على المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية في البلاد.

تحتاج مصر إلى العملة الأجنبية ليس فقط لاستيراد السلع الأساسية، ولكن أيضاً لسداد 189.7 مليار دولار من الديون الخارجية، تراكم معظمها في السنوات العشر الماضية، ومن المقرر سداد ما لا يقل عن 42.26 مليار دولار من الديون هذا العام، بحسب الوكالة ذاتها.

المصدر – وكالات


بموجب إرشادات المواقع الإخبارية نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.

Check Also

النمسا ترسل 81 جندياً إلى مهمة الأمم المتحدة في لبنان

أرسلت النمسا 81 جندياً، من بينهم 10 سيدات، للانضمام إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في …