اختارت النمسا أن ترفع شعار “الدفاع عن السامية” من اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى، والهجوم الذي نفذته حماس رداً عن الاعتداءات المتكررة للاحتلال الإسرائيلي وعلى المقدسات الإسلامية.
وقررت السلطات التعامل بعنف مع المظاهرات الداعمة لفلسطين في النمسا منذ السابع من أكتوبر 2023، رغم أنها بلد يرفع شعار الديمقراطية وحرية التعبير، كما أنها أعلنت مساندتها للاحتلال الإسرائيلي في حربه ضد المدنيين في غزة.
في هذا التقرير نرصد ازدواجية الموقف النمساوى تجاه الأصوات الداعمة للقضية الفلسطينية، الرافضة لمجازر الاحتلال، وكيف تغير موقف السلطات النمساوىة من التعامل بخشونة للمظاهرات إلى السماح بها في أكبر مدن البلاد.
ليس منع المظاهرات المساندة للشعب الفلسطيني وليد أحداث عملية طوفان الأقصى بل له في النمسا تاريخ طويل، آخرها قرار سلطات مدينة جراتس عاصمة ولاية إشتاير مارك قمع تخليد ذكرى النكبة في السنوات الأخيرة، متذرعة بحصول أعمال عنف تجاه إسرائيل.
كيف انطلقت المظاهرات الداعمة لفلسطين في النمسا؟
انطلقت المظاهرات الداعمة لفلسطين في النمسا من ساحة إشتيفانز بلاتس في وسط العاصمة النمساوىة فيينا، وكان أول مظاهر التعبير عن الدعم للفلسطينيين توزيع منشورات على المارة احتفاء بما قامت به المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي اعتبرته السلطات النمساوىة مخالفاً للقانون والدستور.
أعضاء منظمة دار الجنوب النمساوية وبعض المنظمات التركية، لم يحسبوا حساب رد فعل سلطات البلد، الذي سارع مستشار النمسا منذ انتشار الأخبار المتتالية من قطاع غزة وتل أبيب، للتعبير عن تضامنه الكامل مع إسرائيل عقب هجوم حماس ورفع علم ‘سرائيل على مبنى المستشارية وبعض المباني الحكومية الأخرى.
وغرد المستشار عبر منصة إكس قائلاً: “وصلتنا اليوم أنباء مروعة من إسرائيل، نحن مصدومون بشدة من القصف الصاروخي الذي تم إطلاقه من غزة وتصعيد العنف. والنمسا تدين هجمات حماس، وتقف إلى جانب إسرائيل”.
مباشرة بعد تغريدة المستشار النمساوى، انتشرت الشرطة النمساوىة في المناطق التي تشهد تواجداً للجاليات التركية والعربية في العاصمة فيينا، وفُرضت قيود على التظاهر للتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين.
بالإضافة إلى ذلك، مُنعت بعض المظاهرة التي كان من المقرر تنظيمها يوم 12 أكتوبر في ساحة إشتيفانز بلاتس في العاصمة فيينا، مخافة رفع شعارات معادية للسامية أو لإسرائيل.
وذكر أحد المنظمين للمظاهرات بأنه قد “جرى توقيف واعتقال متظاهرين، ومنعت مظاهرات ونشاطات في مدن نمساوية مختلفة بدعوى مخاوف من التحريض على الكراهية تجاه المجتمع اليهودي في إسرائيل والنمسا”.
وتوالت تصريحات الساسة النمساويين، وصدرت قرارات منع المظاهرات في النمسا، بل وأعلنت وزيرة الداخلية النمساوىة أن النمسا حظرت فعلياً أنشطة حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس وكذلك شبكات حقوقية أخرى للدفاع عن الأسرى المؤيدين للفلسطينيين.
منظمة صوت اليسار النمساوىة، رصدت في تقرير على موقعها الرسمي حول الموضوع عنونته بـ”فيينا تحظر أي تضامن مع فلسطين”، التضييق الممنهج ضد كل تجمع يهدف لإبرازالتضامن مع الجانب الفلسطيني.
وجاء في التقرير أنه “قبل سبع دقائق من الموعد المقرر لبدء المظاهرة التي قد برمجت في فيينا، أعلنت الشرطة أنها محظورة، ثم بدأ رجال الشرطة في ضرب واعتقال الناس”.
وأضافت المنظمة أن شرطة فيينا زعمت إمكانية حدوث شيء غير قانوني، لتعتبر الجمعية أن “الحق في التظاهر الذي تكفله المادة 8 من القانون الأساسي النمساوى قد تم تجاوزه”.
كما رصدت الجمعية أنه قد تمت مضايقة الأشخاص في النمسا بسبب ارتدائهم الكوفية، أو رفعوا الأعلام الفلسطينية، أو أحد رموز القضية الفلسطينية في الشارع العام ، وأن هذا القمع لم يمنع عشرات الآلاف من الأشخاص من الخروج في مظاهرات في فيينا والكثير من المدن النمساوىة للمطالبة بوقف المجازر بحق الشعب الفلسطيني ، وأن التضييق في فيينا، كان أيضاً عبر منع كل أشكال التعبير عن التضامن مع فلسطين؛ مثل حظر ارتداء الكوفية الفلسطينية في المدارس وحظر شعارات مثل “فلسطين حرة”.
يهود النمسا أيضاً تعرضوا للمضايقة
وليس المسلم والعربي فقط من مُنع من التعبير عن تضامنه مع الفلسطينيين الذين يتعرضون للقصف منذ أزيد من شهر، بل هناك مظاهرة لـ “يهود فيينا ضد العنف في الشرق الأوسط” أيضاً قد منعت رسمياً حسب منظمة صوت اليسار.
كما كان من أبرز مشاهد القمع في العاصمة النمساوىة، توقيف الشرطة ناشطة يهودية إسرائيلية تدعى إيريس هيفيتس عن منظمة “الصوت اليهودي للسلام العادل”.
واختارت إيريس هيفيتس التظاهر بمفردها، في ساحة إشتيفانز بلاتس، حاملة لافتة كتبت عليها “كيهودية إسرائيلية أقول: أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة”، بدعوى أن هذا نوع من التجمهر غير القانوني.
صدى التضامن الذي وصل إلى المدارس أيضاً، جاء هذه المرة من مدرس نمساوى، قام بتوجيه لكمة لطالب في إحدى ثانويات الحى الـ 20 بعد رفعه العلم الفلسطيني داخل ساحة المؤسسة.
رد فعل هيئة الإدارة، كان مسانداً للعنف الذي مارسه المدرس؛ إذ أوقفت المدرسة الطالب فوراً عن الدراسة، في المقابل حاول 30 طالباً مرفوقين بأولياء أمورهم تنظيم تظاهرة على الرصيف أمام المدرسة، لكن شرطة فيينا منعتهم فوراً.
لما تغير حجم المظاهرات سريعاً؟
بعد توالي أخبار القمع والاعتقالات التي طالت الكثير من المشاركين في المظاهرات الرافضة للعدوان الإسرائيلي، إضافة لدعوات ساسة نمساويين لتضييق الخناق علانية على حرية التضامن مع فلسطين، بدأت الأصوات تتعالى لمزيد من المظاهرات.
وارتفعت الدعوات إلى التظاهر في النمسا تضامناً مع الشعب الفلسطيني بالتزامن مع انتشار الدمار في كل قطاع غزة، وتوالي انقطاع الكهرباء والإنترنت والوقود على الفلسطينيين واستهداف المدارس والمستشفيات وأطقم الإنقاذ والإسعافات.
في المقابل، ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، رفع الكثير من البلديات النمساوىة الأعلام الإسرائيلية في مقارها في المدن النمساوىة، تعبيراً عن التضامن مع إسرائيل، كما سمحت السلطات النمساوىة بمظاهرات مساندة لإسرائيل شارك فيها كبار المسؤولين النمساويين.
قرارات المنع التي أجّجت الاحتجاج ضد شرطة فيينا، كانت مدعومة من القضاء النمساوى، فحسب الشرطة، فإن حوالي نصف المظاهرات الداعمة للفلسطينيين حُظرت مؤخراً، أما الطعن في قرارات المنع، فلم تأخذه المحكمة الإدارية في فيينا بعين الاعتبار.
وفي يوم السبت 28 أكتوبر 2023، وبحسب تقارير الصحف النمساوىة، اعتمدت على إحصائيات الشرطة النمساوىة، شارك حوالي 10 ألف شخص في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في فيينا.
هذا العدد الكبير، حسب أحد المسؤولين في شرطة فيينا، جاء بعد حظر 11 مظاهرة من بين 23 مؤيدة للفلسطينيين تم الإبلاغ عنها للشرطة منذ 7 أكتوبر إلى غاية 27 من الشهر ذاته.
وتوالت المظاهرات في فيينا وزادت كثافة المشاركين فيها، ولكن أيضاً انتشرت المظاهرات في باقي الولايات النمساوىة والمدن، خاصة منها التي يقطنها عرب ومسلمون؛ مثل لينز وسالزبورج وجراتس وإنسبروك
وخلال الرابع من نوفمبر الجاري، شارك نحو 5 ألف شخص في مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين في مدينة سالزبورج الواقعة غربي النمسا، مما كان مفاجأة كبيرة لشرطة المدينة؛ إذ كان طلب الترخيص قد تحدث عن مظاهرة لما يناهز 1000 شخص فقط.
هل تغير تعامل الشرطة النمساوىة مع المظاهرات الداعمة لفلسطين؟
تزايد أعداد المتظاهرين الداعمين للفلسطينيين لم يردع إلى اليوم تصريحات الساسة النمساويين المدافعة عن الجانب الإسرائيلي فقط، كما استمرت المساءلات القانونية للكثير من المتظاهرين.
الاعتقالات في صفوف الناشطين كانت بالعشرات، كما حررت شكوى جنائية ضد الكثير من الأشخاص وسجلت مخالفات أيضاً ضد الكثيرين ممن شاركوا في الاحتجاجات، وربطت الشرطة الأمر برفعهم لافتات عنصرية أو ترديدهم شعارات معادية لإسرائيل والسامية.
هذا الموقف المتشنج من الشرطة النمساوىة، قبل أن تدعمه المحاكم، دعمته أيضاً الحكومة النمساوىة، فحسب المشاركين في التظاهرات فإن “أحزاب اليمين والوسط واليمين، متحيزين بشكل تام للحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة”.
وينتقض المتظاهرين معارضة النمسا الدعوات لوقف إطلاق النار في الاتحاد الأوروبي قائلاً: “امتنعت عن التصويت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، كما تتخذ عبر أجهزتها وسلطاتها إجراءات قمعية ضد المتظاهرين والمتظاهرات داخل البلد”.
وأن فضيحة النمسا كانت مدوية، فلا يمكنها الآن بأي شكل من الأشكال إخفاء كونها منعت مواطنيها من التضامن مع المدنيين الذين يُقتلون بالآلاف في قطاع غزة
المصدر – رمضان أسماعيل – شبكة رمضان