قلَّما تحظى الأخبار الأجنبية باهتمام كبير في الهند. ومع ذلك، فقد هيمنت الأحداث الجارية في إسرائيل وغزة على القنوات التلفزيونية الهندية خلال الشهر الماضي، وحملت التغطية الإخبارية في معظمها وجهة النظر الإسرائيلية. فقد ظهر مذيعو الأخبار الهنود وهم يرتدون سترات واقية من الرصاص، ويقدمون تقارير درامية عن “الفظائع” التي يُزعم أن “حماس” ارتكبتها في هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعلى الرغم من مرور أسابيع على الحرب، وسقوط أكثر من 10 آلاف فلسطيني، معظمهم من الأطفال والنساء، فلا تزال التغطية الإخبارية في الهند مكثفة لصالح إسرائيل، كما يقول تقرير لصحيفة The Economist البريطانية، كما تشارك آلاف الحسابات الهندية بشكل ملحوظ وكثيف في دعم الرواية الإسرائيلية على منصات التواصل الاجتماعي وتكذيب الرواية الفلسطينية.
ناريندرا مودي يحوِّل دفة تأييد الهند من الفلسطينيين إلى إسرائيل
تزامن ولع وسائل الإعلام الهندية بموقف إسرائيل وانتقامها من الفلسطينيين، مع تحول ملحوظ في موقف الحكومة الهندية من الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. فقد انتقلت الهند من تأييد الفلسطينيين إلى الدعم غير المشروط إلى حدٍّ بعيد لإسرائيل.
وترى الحكومة الهندية القومية المتطرفة بقيادة ناريندرا مودي أن هذا التغيير يستند إلى “مراجعة على أسس واقعية لمصالحها في الشرق الأوسط”. وقد لقيت هذه السياسة كذلك تأييداً شعبياً بين أنصار رئيس الوزراء ناريندرا مودي من الهندوس المتطرفين المعادين للمسلمين في الهند. ومن ثم، فإن هذا التأييد يتوافق مع مصلحة حكومة مودي المقبلة على انتخابات الولايات هذا الشهر والانتخابات العامة في العام المقبل.
الهند.. من دعم فلسطين إلى دعم إسرائيل
في الماضي، كانت الهند مثل معظم دول الجنوب العالمي التي تنأى بنفسها عن دعم إسرائيل، وتتعاطف مع الفلسطينيين ومحنتهم، بل كانت تقاطع إسرائيل وترفض مرور طائراتها فوقها لعقود طويلة.
لكن هذه السياسة قد تغيرت، فبعد ساعات من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول سارع مودي بالإعلان على موقع “إكس” عن إدانته لما وصفه بـ”الهجمات الإرهابية”، وأعلن تضامن حكومته مع إسرائيل. ثم استغرق الأمر 5 أيام حتى تؤكد وزارة الخارجية الهندية، في سياق الرد على أسئلة الصحفيين، أن الهند لا تزال تؤيد “حلَّ الدولتين” لإنهاء الصراع.
وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، خرجت الهند عن سلوكها التصويتي المعتاد في الأمم المتحدة، وامتنعت عن التصويت بالتأييد للقرار الذي تبنته الجمعية العامة ودعت فيه إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة؛ واعترضت على أن نص القرار لم يكن فيه إدانة لهجومِ حماس.
تنامي العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين الهند وإسرائيل
يرجع هذا التحول في الموقف الهندي إلى تنامي علاقات الهند العسكرية والتجارية مع إسرائيل. وقد ازدادت قوة التعاون بين البلدين منذ أن قدمت إسرائيل المساعدة العسكرية للهند في “حرب الكارجيل” ضد باكستان في عام 1999.
وجاء ذلك قبل زمن طويل من اهتمام الولايات المتحدة الجدي بالتعاون العسكري مع الهند. وعلى مدار العقد الماضي، اشترت الهند صواريخ ومسيَّرات ومعدات تأمين للحدود (وربما برامج تجسس، وإن لم تعترف بذلك) من إسرائيل، وجعلها ذلك أكبر عميل أجنبي للصناعات العسكرية الإسرائيلية.
وأدت العلاقة الوثيقة بين مودي وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى تعميق الروابط بين الطرفين. وزاد على ذلك اهتمامهما بمسألة “مكافحة الإرهاب الإسلامي”. وفي تفسيره للامتناع عن التصويت في مشروع وقف إطلاق النار الذي ناقشته الأمم المتحدة، قال سوبراهمانيام جيشانكار، وزير الخارجية الهندي، في بيان ألقاه يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول، إن الهند اتخذت موقفاً قوياً في مواجهة الإرهاب “لأننا ضحايا كبار للإرهاب”، على حد وصفه.
التطبيع الخليجي شجّع الهند على تحويل موقفها نحو إسرائيل
من جهة أخرى، تعمل الهند على توسيع علاقاتها مع دول الخليج العربية، وخاصة السعودية والإمارات اللتين تتقربان مع إسرائيل أيضاً. حيث تعتمد على إمداداتهما في حصة كبيرة من نفطها، وتحتاج إلى الصلات الودية بهما لحماية نحو 9 ملايين عامل هندي يعملون هناك.
وأتاح إقبال البلدين الخليجيين في السنوات الماضية على تحسين علاقاتهما بإسرائيل لمودي تنفيذ تحوله نحو إسرائيل بسرعة. لا سيما أن السعوديين والإماراتيين مترددون كذلك في السماح للأحداث في غزة بإضعاف تقاربهم طويل الأمد مع إسرائيل، كما تقول الإيكونومست.
أما على الصعيد الداخلي، فإن الأمور مضطربة، فقد أدانت المعارضة -بقيادة حزب المؤتمر الوطني الهندي- موقف الحكومة، وانتقد زعماء مسلمي الهند بشدة الردَّ العسكري الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن الطبقة الهندية الوسطى المؤيدة لمودي تُعادي في أغلبها كل ما تراه مرتبطاً بالإسلام، ولذلك فهم يؤيدون مودي في إدانته للمقاومة الفلسطينية، وتقاربه مع إسرائيل.
تأجيج الكراهية ضد الإسلام في الهند
مع ذلك، ينطوي تأييد الحكومة الهندية المبالَغ فيه لإسرائيل على بعض المخاطرة. ففي ظل تزايد عدد الضحايا المدنيين في غزة، قد ينقلب شركاء الهند العرب على إسرائيل ومؤيديها انقلاباً يحمل قدراً أكبر من العداء. وقد تحوط مودي في الآونة الأخيرة من هذا الاحتمال، فتواصل مع زعماء السلطة الفلسطينية التي ترفض المقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وقدم التعازي الهندية وعرض المساعدات الإنسانية. وفي المقابل، فإن أتباعه من القوميين الهندوس لا يألون جهداً في استخدام الصراع لتأجيج كراهية الإسلام التي أدت إلى صعود حزبهم.
والخلاصة أن التحول الذي أشرف عليه مودي من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قد يواجه حسابات معقّدة في الخارج، أما في الداخل فإن هذا التحول والتأييد المترتب عليه بين أنصاره الهندوس والمعادين للإسلام يساعدانه على الأغلب في حصد المزيد من الأصوات والفوز بالانتخابات المقبلة.
المصدر – وكلات – شبكة رمضان