بكل بساطة ودون دليل اتهم الرئيس الأمريكي المقاومة الفلسطينية بقطع رؤوس الأطفال، عندما تحدث مع قيادات الطائفة اليهودية في أمريكا أنه “لم يتخيل رؤية إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال” ولم تمضِ أقل من أربع وعشرين ساعة حتى تراجع البيت الأبيض ونفى تلك المعلومات، ونسبها إلى “مزاعم” مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية.
تلك التقارير لا شك بأنها تخفي وراءها الكثير، ولنا في التاريخ عبرة، فقبل قرابة عشرين عاماً لم يتورع الرئيس الأمريكي جورج بوش عن الحديث الكاذب فيما يخص أسلحة الدمار الشامل العراقية، وتم تجيير كل مؤسسات الدنيا في سبيل إثبات صحة الرواية الأمريكية، والتي انتهت بتدمير دولة العراق ونهب ثرواته والسيطرة على تصدير نفطه وتمزيق شعبه بالفتنة الطائفية، ومن ثم تشريد العديد منهم هرباً من العراق نحو المجهول.
لذلك، فإن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين وربط حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وداعش، والتوعد بالقضاء على الحركة هي أحاديث تحتوي بين طياتها على أهداف محددة تم اتخاذها مسبقاً، وحتى قبل أن تدخل قوات المقاومة للمستوطنات، ونربط الأحداث ببعضها أنه ومثلما تم اتخاذ قرار غزو العراق من أجل السيطرة على ثروته في ذلك الوقت، وهو ما تم لاحقاً، والآن جاء الدور على المقاومة الفلسطينية التي يبدو أنها آخر المعاقل المعيقة للنفوذ الصهيوني الأمريكي في المنطقة العربية.
لا يمكن أن يتحدث الرئيس الأمريكي، ومن بعده وزير خارجيته بلينكن، ومن قبلهما وبعدهما قيادات الكيان المحتل وصناعة أكاذيب دون أهداف مخطط لها مسبقاً، وقد حان الموعد لتحقيقها، وإذا كانت الولايات المتحدة قد حققت أهدافها سابقاً وسيطرت على العراق وثروته، ونشرت فيه مظاهر التخلف الاجتماعي من خلال نشر فتنة الطائفية وما تبعها من تمزيق لتركيبة المجتمع، فإنها تراهن بشكل خاطئ تماماً في الحالة الفلسطينية التي لا يمكن أن تكون بيئة صالحة لتنفيذ البرامج الأمريكية.
إن التطبيع العربي المجاني الذي انتشر في المنطقة مؤخراً سيتضرر كثيراً نتيجة هذه الحرب القذرة التي تشنها قوات الاحتلال بدعم مادي ولوجستي من المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وحجم الجريمة التي ترتكبها قوات الاحتلال هذه المرة في غزة يفوق الوصف، ولا يمكن أن ينتج عنه إلا نبذ شديد لاتفاقيات التطبيع على المستوى الشعبي على الأقل، وقد تكون هناك خطوات متقدمة تمنع تطور تلك الاتفاقيات، خصوصاً ما تم تسريبه عن اتفاق سعودي إسرائيلي، كيف لا والمملكة من أكبر وأهم دول العالم الإسلامي، ولا يتوقع أن تقدم سلاماً مجانياً على حساب الدم الفلسطيني.
إن عدم إيقاف شلال دم الأبرياء في غزة من قوات الاحتلال الإسرائيلي هو استمرار لما فعلته القوات الأمريكية في الشعب العراقي، عندما قصفت ملجأ العامرية وقتلت فيه قرابة 408 مواطنين عراقيين وعرب أغلبهم من الأطفال والنساء عندما استهدفت في الملجأ في الثالث عشر من فبراير عام 1991 بقنبلتين ذكيتين، حسب وصفهما في ذلك الوقت.
لا شك في أن للمذابح التي تنفذها قوات الاحتلال في غزة هذه المرة أهدافاً كما تحدثنا، ومن أبرز هذه الأهداف ما تم تسريبه لوسائل الإعلام بوجود مخطط صهيوأمريكي لتهجير سكان غزة نحو سيناء المصرية، ولكن الفارق كبير جداً بين الشعب الفلسطيني الذي تعرض للنكبة عام 1948، والنكسة عام 1967، وبين أحفادهم الذين أذاقوا الكيان الإسرائيلي في عمقه الاستراتيجي كما لم يواجه منذ بداية الاحتلال، وفق اعتراف قيادته المجرمة في المؤتمر الصحفي مساء أمس.
إن كل فلسطيني سينجو من جريمة الإبادة التي تتعرض لها مدينة غزة سيكون جزءاً من مشروع التحرير الذي نضجت مقوماته كثيراً بالمقارنة مع الماضي، فلم يعد هناك أي بيت في غزة تحديداً إلا وقد فُقد أحد أركانه في الحروب الأخيرة، وحسب التاريخ الفلسطيني فإن الأبناء والأحفاد سيكونون مشاريع جهادية كما حدث مع خيري علقم ورعد حازم.
من العار على جميع مجتمعات العالم، ومن قبلها المؤسسات الرسمية استمرار قتل الأبرياء في فلسطين من أجل تحقيق مصالح أمريكا في المنطقة العربية، والتاريخ يسجل المواقف والأحداث، وهذا من أقذر الجرائم في التاريخ البشري، حيث عجزت قوات الاحتلال المدعومة من الدول الكبرى عن ضرب المقاومة الفلسطينية، ولذلك لجأت إلى ذبح الفلسطينيين من أجل تسريع تنفيذ مخططاتها.