قال الباحث والمحلل البريطاني آيه اتش هيلير، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الرغبة الخليجية في الحفاظ على استقرار مصر باتت فكرة من الماضي.
وأضاف في تحليل نشره بموقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أن الرغبة الخليجية في الحفاظ على استقرار مصر كانت في تزايد بعد نهاية الفترة الثورية الممتدة من 2011-2013 في مصر.
وعلى الرغم من التباينات، يمكن القول إن دول الخليج الغنية بالنفطة كان لديها اتجاه عام لإنقاذ مصر من مشاكلها المالية، لا سيما خلال العقد الماضي.
وأوضح هيلير أنه خلال الفترة الأولى، كانت القوى الخليجية الإقليمية مانحة بشكل أساسي لمصر، وقدمت سخاءً نقديًا ضخمًا في ضوء قلقهم المشترك على استقرار أكبر دولة في العالم العربي، وتم إيداع مليارات الدولارات في البنوك المصرية خلال تلك الفترة.
لكن مع مرور الوقت أصبحت العواصم الخليجية أكثر ترددًا في تقديم تغطية مباشرة للقاهرة، وفضلت إعادة توجيه أموالها، وإن كانت لا تزال تستهدف مصر.
في الماضي، كان التركيز في المقام الأول على ما تعتبره هذه الدول دعماً للاستقرار، لكن المخاوف الأمنية الخليجية من تداعيات عدم الاستقرار في مصر تراجعت، وأصبحت تلك الدول أكثر اهتمامًا بالحصول على عوائد مقابل استثماراتها.
وفق “هيلير”، فإن هذا الاتجاه الناشئ لم يكن يعني إنهاء الأموال الخليجية لمصر، لكنه يعني أن حصة من الصناديق الخليجية قد أعيد تخصيصها للاستثمارات التجارية، وليس حصريًا كمنح وقروض بفائدة منخفضة، كما كان يُرى في كثير من الأحيان سابقًا.
وأنفق صندوق الاستثمارات العامة في السعودية وصندوق الثروة السيادي الإماراتي ADQ 4 مليارات دولار في عام 2022 وحدهما في الاستحواذ على حصص تجارية في شركات مصرية مختلفة.
صعوبات هائلة على الاقتصاد المصري
على مدار السنوات الأخيرة، واجه الاقتصاد المصري على مستوي الاقتصادي الكلي والجزئي صعوبات هائلة، وكان السعر الرسمي للجنيه المصري في عام 2016 حوالي 8 جنيهات للدولار، ثم شهد أول تخفيض كبير لقيمة الجنيه أكثر من النصف، وحتى مارس 2022، ظل هذا السعر (حوالي 15 جنيهاً للدولار) قائماً؛ لكن اليوم يتم تداول الدولار الواحد مقابل 31 جنيه.
كان لذلك آثار غير مباشرة على التضخم وأسعار المواد الغذائية، حيث حدثت ارتفاعات هائلة؛ وسجل أبريل / نيسان 2023 تضخمًا بنسبة 32.7٪ مقارنة بالشهر السابق، بينما بلغ معدل التضخم الأساسي السنوي في مصر 38.5٪.
وقال صندوق النقد الدولي، إن هناك قضايا هيكلية عميقة في الاقتصاد المصري جعلت هذا النموذج غير مستدام إلى حد ما، وفاقمت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا الأزمة المالية المصرية.
وسحب مستثمرو السندات الأجنبية في القاهرة حوالي 20 مليار دولار من ديون مصر، والتي احتاجتها السلطات لتمويل عجز الحساب الجاري، ونتيجة لذلك كان على القاهرة أن تطلب من صندوق النقد الدولي والخليج مساعدتها في أزمتها المتفاقمة.
وعلى عكس الفترات السابقة المماثلة، هناك الآن اختلاف كبير في وجهات النظر يصل لحد الصدام فيما يتعلق بطريقة الحفاظ على مصر مستقرة.
قلق خليجي متزايد
وأشار المحلل، إلى أن هناك عدم توافق كامل بين القاهرة والخليج بسبب القلق المتزايد من قبل دول مجلس التعاون الخليجي بشأن الاقتصاد المصري، كما أن هناك حالة من الإحباط بسبب عدم تنفيذ الحكومة المصرية الإصلاحات المتوقعة.
وفي مقدمة ذلك تلك الإصلاحات غير المحققة، النسبة الكبيرة في ملكية الدولة، بما في ذلك تزايد ملكية الجيش لجزء كبير من الاقتصاد المصري.
ويمكن القول إن ذلك أصبح مشكلة المشاكل بالنسبة للمستثمرين الأجانب، وكذلك صندوق النقد الدولي، الذي قدم عدة قروض لمصر خلال السنوات الأخيرة.
ورأي الكاتب أن سياسات الاقتصاد الكلي في مصر بما في ذلك ملكية الدولة هي الآن مسألة ذات أهمية، لأنها قد تؤثر على عوائد استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي، وضرورة مشاركة دول مجلس التعاون الخليجي مالياً في مصر في المقام الأول.
وصندوق النقد الدولي، وشركاء مصر في مجلس التعاون الخليجي، متفقون وموحدون على هدف طموح، وهو الضغط على القاهرة لإجراء إصلاحات هيكلية.
لكن في حين يمكن القول إن مثل هذه الإصلاحات مهمة للغاية على المدى الطويل، فمن المرجح أن تكون آثارها على المدى القصير مؤلمة إلى حد ما على المجتمع لتحملها، مما يثير مخاوف بشأن عدم الاستقرار السياسي.
وبينما تسعى القاهرة لإيجاد طرق لتخفيف نقص العملة الأجنبية، وسد فجوة تمويلية تقدر بنحو 17 مليار دولار، اقترحت بيع أصول مختلفة مملوكة للدولة.
ومن المرجح أن يكون المشترون لهذه الأصول من الحلفاء الخليجيين، لكن لم يحدث شيء يذكر عن طريق المبيعات الجماعية، حيث يقترح المحللون أن القاهرة تضغط بشدة من أجل التوصل إلى صفقة.
وقال أحد المصرفيين الدوليين، إن موقف مصر هو بيع الأشياء بأعلى من أسعارها في السوق لأن المصريين يجادلون بأن أسعار الأسواق الحالية متدنية ولا تمثل القيمة طويلة الأجل.
وبرأي المحلل البريطاني، فإنه بصرف النظر عما إذا كانت القاهرة محقة في هذا الصدد، فإن مصر تحتاج إلى الأرباح المالية من المبيعات، أكثر من احتياج دول مجلس التعاون الخليجي للشراء.
ومع التناقض في التوقعات فيما يتعلق بالأسعار، هناك أيضًا عدم توافق أوسع فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية الهيكلية، التي تصر دول الخليج بشكل متزايد على تنفيذها من قبل مصر.
نظرة على المزاج السائد في مصر
ورغم المعطيات السابقة فإنه يبدو أن المزاج السائد في القاهرة في الوقت الحالي هو أن مصر أكبر من أن تفشل، وأن الجهات الخارجية ستتدخل لضمان عدم تخلف مصر عن سداد ديونها والدخول في حالة من السقوط الاقتصادي الحر.
وأفاد هيلير بأنه ربما كان هذا هو الحال في الماضي، لكن الحقائق الاقتصادية في المنطقة وفي دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد كما كانت من قبل، وإحباط دول مجلس التعاون الخليجي المتزايد من فشل مصر في تنفيذ إصلاحات، كما يظهر في استبدالها المنح والودائع بالاستثمارات المجدية تجاريًا، قد يغير هذا الحسابات.
قد يكون ترك مصر تتخلف عن سداد ديونها كارثيا بالنسبة لدول الخليج ولكن قد يكون من وجهة نظر دول مجلس التعاون الخليجي حاليا أنه سيكون أكثر كارثية إذا تم دعم مصر مجددا.
كما أن من مصلحة دول مجلس التعاون الخليجي المباشرة تمامًا اتخاذ خطوات معينة، مثل المزيد من تخفيض قيمة الجنيه المصري – مما سيجعل مشترياتها الإضافية ميسورة التكلفة اقتصاديًا.
وبحسب هيلير فإن الوضع الجيوسياسي العام لمصر على هذه الخلفية، يستحق أيضًا النظر فيه والمراقبة، فلا تزال القاهرة في الوقت الحالي تحظى بأهمية أكبر بكثير في الملف الفلسطيني الإسرائيلي من أي دولة عربية أخرى حتى الآن.
لكن مصر تلعب دورا أساسيا في هذا الصدد وقت الأزمات في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي، خلاف ذلك، فإن عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد تجاوزت مرحلة الاحتضار.
في ملفات أخرى أوسع، اتخذت دول الخليج المختلفة، ولا سيما السعودية، موقع الصدارة من حيث القوة والنفوذ الجيوسياسي، كما يتضح من إعادة دمج الرئيس السوري بشار الأسد في جامعة الدول العربية، أو المصالحة بين السعودية وإيران، في كلتا الحالتين، لم تكن القاهرة منخرطة بشكل حاسم.
وفي الأزمة السودانية الجارية حاليًا، كان دور السعودية في معالجة الصراع منافسًا لمصر، في حين أن هذا كان سيكون مختلفًا تمامًا منذ عقد أو نحو ذلك، لافتا إلى أنه يكون لمشاكل القاهرة الاقتصادية عواقب متوقعة في طرق أخرى.
المصدر – وكالات