هل الدولار أهم من راحة المواطن؟.. الأسباب الحقيقية لانقطاع الكهرباء يوميا في مصر

تُثار حالة من الذعر والغضب بين المصريين، بسبب إقدام الانقطاع المستمر للكهرباء بالتزامن مع واحدة من أعنف الموجات الحارة التي تضرب البلاد فى مثل هذة الأيام، في حين تقول الحكومة إنها مضطرة لتخفيف الأحمال.

ولجأ الكثير من النشطاء للتفاعل مع هاشتاجي قاطع النور و حوار النور، للتعبير عن الغضب من الانقطاع المستمر للكهرباء لأكثر من مرة على مدار اليوم، وفي مختلف محافظات الجمهورية.

ولم يكن ذلك الانقطاع الأول الذي يشكو منه مواطنون، إذ سبقه شكاوى من انقطاع التيار في شهريّ ديسمبر ويناير الماضيين.

وكان رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، قد صرح بأن السبب في قطع الكهرباء هو تعهدات الحكومة بتصدير الغاز إلى إسرائل وتخفيف أحمال الكهرباء المرتفعة بسبب الموجة الحارة، والتي أدت إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء وبالتالي زيادة استهلاك الغاز المستخدم في إنتاجها، مما أدي إلى انخفاض ضغوط الغاز في الشبكات الموصلة لمحطات الكهرباء.

وهذه ليست أول مرة تُعلن فيها الحكومة عن إجراءات لتخفيض استهلاك الكهرباء، بهدف توفير الغاز الطبيعي، وذلك رغم تحقيق مصر لاكتفاء ذاتي من الغاز، وفائض إنتاج من الكهرباء.

أسباب أزمة انقطاع الكهرباء في مصر

منصة “متصدقش” استعرضت في تقرير لها، أسباب أزمة انقطاع الكهرباء في مصر واللجوء المتكرر لتخفيف الأحمال، وفي مقدمة هذه الأسباب أزمة الدولار، ففي أغسطس 2022، ومع ارتفاع أسعار الغاز عالميًا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، قررت مصر الاستفادة من إنتاجها من الغاز الطبيعي، عبر زيادة التصدير لتحصيل الدولار، في ظل ما تعانيه من أزمة اقتصادية كبيرة.

وفي سبيل ذلك، أصدرت الحكومة عدة قرارات متتابعة، تشمل ترشيد استهلاك الكهرباء في الميادين والمحلات والمولات والمؤسسات الحكومية، وتخفيض استخدام الغاز الطبيعي في توليد الكهرباء، مقابل التوسع في استهلاك المازوت، أحد أسوأ أنواع الوقود وأكثرها تلويثًا للبيئة والأقل كفاءة في توليد الكهرباء.

وفي الشتاء الماضي انتقل الأمر إلى المنازل، عبر قطع الكهرباء في كل محافظة لمدة ساعة إلى ساعتين، بهدف توفير 15% من الغاز المُستخدم، لكن بعد غضب المواطنين، تراجعت الحكومة عن خطة قطع الكهرباء عن المنازل لتوفير الغاز.

كما قررت السلطات، إطفاء أنوار جميع المصالح الحكومية بنسبة 100% بعد انتهاء مواعيد العمل، وعودة التوقيت الصيفي مجددًا بعد سنوات من إيقاف العمل به، بدعوى أن تطبيقه سينتج عنه توفير ما لا يقل عن 10 % من الطاقة المستخدمة.

لماذا تنقطع الكهرباء مؤخرًا؟

وأدّت الموجة الحارة التي تضرب مصر منذ مطلع الأسبوع الجاري، إلى ارتفاع استهلاك الكهرباء إلى مستويات تاريخية، إذ وصلت الأحمال إلى 34 ألفا و650 ميجاوات، ما أدى إلى ارتفاع استهلاك الغاز المُستخدم في الإنتاج.

انقطاع الكهرباء في مصر

ورغم الأحمال المرتفعة، كان لدى وزارة الكهرباء فائض يتخطى 9 آلاف ميجاوات، لكن الحكومة تخوفت من أن يؤدي زيادة استهلاك الغاز محليًا، إلى تراجع صادراتها منه وبالتالي تراجع أحد أهم المصادر الدولارية، فقررت تخفيف الأحمال بالتناوب على مستوى الجمهورية، على أن يستمر هذا الإجراء إلى منتصف الأسبوع المقبل.

الغاز الطبيعي.. الدولار أهم من السوق المحلي

وللتغلب على مشكلة انقطاع الكهرباء التي ظهرت بصورة ملحوظة قبل 2014، لجأت الحكومة إلى استيراد شحنات غاز شهريًا لتشغيل محطات الكهرباء، وقد وصلت تكلفة الاستيراد في 2015 – 2016 مبلغ 3 مليارات دولار، وفي 2016 – 2017 مبلغ 2.5 مليار دولار، وفي 2017 – 2018 مبلغ 1.25 مليار دولار.

الغاز الطبيعي.. الدولار أهم من السوق المحلي

وفي 2019، حققت مصر الاكتفاء الذاتي من الغاز، واتجهت للتصدير، عقب اكتشافها عدد من حقول الغاز الجديدة، أهمها حقل ظهر.

وجاءت عائدات صادرات مصر من الغاز الطبيعي، خلال السنوات الأخيرة بواقع 1.24 مليار دولار في 2019، و3.96 مليار دولار في 2020، و3.5 مليار دولار في 2021، و8.5 مليار دولار في 2022، ورغم ذلك لم تنخفض أسعار الكهرباء واستمرت في الزيادة، رغم توافر الغاز الطبيعي.

وجاء هذا لسببين، أولهما أن الحكومة وضعت التصدير في أولوياتها قبل السوق المحلية بسبب رغبتها في تحصيل الدولار، في حين السبب الثاني هو بيع وزارة البترول، الغاز لوزارة الكهرباء بسعره العالمي وليس بسعر التكلفة، ما يجعل المواطنين يتحملون فرق السعر المرتفع.

ومع الارتفاع المتكرر لأسعار الغاز عالميًا، تزداد مكاسب وزارة البترول بالدولار عبر التصدير، وبالجنيه عبر رفع فواتير الكهرباء.

فائض الكهرباء.. كيف تحمّل المواطن ثمن التطوير؟

في سبيل حل أزمة الكهرباء التي واجهتها مصر قبل 2014، عملت الحكومة على إضافة 31 وحدة إنتاج طاقة كهربائية بإجمالي استثمارات 335 مليار جنيه، وتدعيم وتطوير الشبكة القومية لنقل الكهرباء، بإجمالي استثمارات 85 مليار جنيه، وتطوير سعات المحولات وإضافة 21 محطة محولات، بزيادة 340% عن 2014، وتدعيم وتطوير شبكات التوزيع، بإجمالي استثمارات حالية ومستقبلية منذ عام 2014، بلغت 190 مليار جنيه.

أدى ذلك إلى ارتفاع إجمالي القدرات لمحطات الطاقة من 28 ألف ميجاوات عام 2014/2013 إلى نحو 59 ألف ميجاوات عام 2022/2021، وفي عام 2022 حققت البلاد فائض استهلاك بلغ 13 ألف ميجاوات.

ورغم ذلك، استمرت فواتير الكهرباء في الارتفاع، لأن الحكومة، قررت تحميل المواطن تكلفة المشروعات بإضافتها على الفاتورة، بواقع التكاليف الاستثمارية لبناء محطات وشبكات جديدة “ثُلثا قيمة الفاتورة”، وخدمة ديون الشركة القابضة لكهرباء مصر “خُمس الفاتورة”، وما يدفعه المواطن مقابل خدمة الكهرباء “أقل من خُمس الفاتورة”.

وبحسب تقرير سابق للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإنّ المواطنين يتحملون أعباء مالية لبناء محطات أكثر من الحاجة لا يستفيدون منها.

كيف ضللت الحكومة المواطنين بشأن دعم الكهرباء؟

في 2020، ومع سوء الوضع الاقتصادي في ظل أزمة كورونا، قالت الحكومة إنها ستؤجل خطتها لرفع الدعم عن الكهرباء، بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن الحقيقة أن الحكومة لم تتحمل تكلفة الدعم، وإنما حملّته للمواطنين أصحاب الشرائح الأعلى استهلاكًا للكهرباء، ليدفعون فواتير أعلى من الشرائح الأقل استهلاكًا.

يحدث ذلك عن طريق بيع الكهرباء بأسعار أعلى من التكلفة للشرائح الأكثر استهلاكًا (1000 كيلو وات/ ساعة شهريًا) واستخدام الفارق في دعم الشرائح الأقل استهلاكًا وهو ما يسمى الدعم التبادلي.

يعني ذلك أن أصحاب الاستهلاك الأعلى هم مَن يسددون فاتورة دعم أصحاب الاستهلاك الأقل، وبالتالي لا تدعم الحكومة الكهرباء للمنازل، وهو ما يفسّر أن الموازنة العامة لا يوجد بها أي مخصصات لدعم الكهرباء.

المصدر – وكالات – شبكة رمضان

Check Also

نشر موقع “أسباب” للدراسات الاستراتيجية تقريرًا معمقًا يسلط الضوء على التركيبة الجيوسياسية المعقدة لإيران، مجيباً …