النمسا بوابة روسيا لاختراق عقوبات المصارف الأوروبية

تزايد الانزعاج الغربي من سياسات النمسا التي تساعد بصورة غير مباشرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تخطي بعض العقوبات الغربية المتعلقة بنظام المصارف “سويفت”.

إضافة إلى ذلك فإن بعض ساسة البلد السابقين باتوا أشبه بمستشارين و”موظفين” لدى الكرملين، مثلما ارتبط المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر بعلاقات مالية وسياسية متشعبة بالكرملين.

ويتعرض هذه الأيام البنك النمساوي الرئيسي رايفيزن بنك “Raiffeisen Bank International” لضغوط متزايدة. وانطلقت في مارس/ آذار الماضي حملة أوروبية أميركية للضغط على البنك لقطع صلاته بموسكو، وبصورة خاصة لإغلاق فروعه على أراضي روسيا، وذلك بعد أن تزايدت الشواهد على مساهمته في تفلت روسيا من العقوبات الغربية.

وفقاً لصحيفة “فايننشال تايمز”، فإن رايفيزن النمساوي يساهم في تسيير ما بين 40 و50 في المائة من تعاملات ومدفوعات روسيا الخارجية. وبصورة واضحة يتعلق الأمر بقدرات موسكو على التغلب على عقوبات إخراجها من النظام المصرفي الدولي (سويفت).

البنك الذي يجرى الحديث عنه يُعد من أقدم البنوك، ويعود تاريخه إلى فترة “الإمبراطورية النمساوية-المجرية”، سجل منذ بداية العام الماضي 2022 زيادة في أرباحه بنحو 60 في المائة، وساهمت تعاملاته مع روسيا وبيلاروسيا بصفة خاصة في تحقيق تلك الزيادات.

ومع ذلك، يواجه البنك النمساوي أيضاً معضلة في إخراج الأموال من فروعه الروسية، ما جعله، برأي مراقبين لتعاملاته، أشبه برهينة بيد الكرملين لمواصلة التعاملات معه على أمل إخراج تلك الأموال التي شملتها قرارات روسية بالتشديد على خروج المال من البلاد، وللحفاظ على سقف الروبل الروسي من الانهيار.

زيادة الضغوط الغربية على فيينا، وعلى البنك، لم تثمر عن خروجه من روسيا، مبرراً أنه ليس المؤسسة الوحيدة المستمرة في العمل فوق الأراضي الروسية، بحسب الإيكونوميست في مايو/أيار الماضي. وكانت ثلاثة مصادر مختلفة قد ذكرت لرويترز قبل أسابيع أن الحكومة النمساوية دافعت عن بنكها وتأجيله خطط مغادرة روسيا.

تفيد التقارير الأوروبية بأن بنك رايفيزن مسؤول عما يقرب من نصف إجمالي تعاملات روسيا مع البنوك الأوروبية رغم العقوبات، وبنحو 45 مليار يورو. بل إن بوتين استخدم فروع البنك النمساوي على أراضيه لمنح الجنود قروضاً وإسقاط ديون عن القتلى في الحرب المستعرة في أوكرانيا.

ومشكلة أوروبا في توسيع الكرملين الثغرات في جدار العقوبات المفروضة أن النمسا ليست وحدها التي تتراخى في الاستجابة لمطلب خنق اقتصاد وتعاملات روسيا الخارجية. فالأمر يسري أيضاً على اتجاهات رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي وثق علاقته بالرئيس الروسي بوتين خلال السنوات العشر الأخيرة.

ويشكل البلدان معضلتين لسياسات أوروبا على مستوى تضييق الخناق على الكرملين. وفي رأي الغربيين تؤدي مساهمة بعض دولهم في فتح ثغرات لموسكو إلى انهيار مصداقية واشنطن وبروكسل (عاصمة مقار الاتحاد الأوروبي) في إقناع دول العالم، كالهند وأفريقيا وأميركا اللاتينية ودول الشرق الأوسط، بضرورة دعم العقوبات الغربية على روسيا تحت بند أنها “تؤدي إلى تسريع وقف الحرب والتوصل إلى اتفاق سلام”.

تثير قدرات روسيا في جذب وتوظيف شخصيات غربية، وتحديداً في أوروبا، لتسيير مصالحها وتبييض سمعتها بين الغربيين قلقاً متزايداً في القارة العجوز.

ويبدو أن النماذج الأوروبية في الانجذاب نحو المغريات المالية التي يقدمها الكرملين، المعلن والخفي، تتجه أكثر نحو عالم المال، وبدرجة ثانية الإعلام وتلميع السرديات الروسية.

ويشكل مستشار ألمانيا الأسبق غيرهارد شرودر، أحد نماذج رجالات الحكم الذين استفادوا من مناصبهم للانتقال إلى العمل تحت مظلة الكرملين، وخصوصاً في قطاعات النفط والغاز.

في البلد الجار النمسا فإن آخر المنضوين إلى معسكر بوتين الغربي هي وزيرة الخارجية الأسبق كارين كنيسل، معيدة تجربة المستشارين السابقين كريستيان كيرن وولفغانغ شوسيل الموظفين في شركات روسية في السابق.

وبالعودة إلى كارين كنيسل التي التحقت بـ”روسنفت” الروسية، فإن هذه السياسية والدبلوماسية بنت علاقة معقدة مع بوتين، حتى حين كانت في منصبها في 2018.

وتتولى بلادها الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، إذ لم يمض سوى 4 سنوات على تدخل روسيا في شرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم وضمها إليها باستفتاء اعتبره الأوكرانيون والأوروبيون صورياً، حتى حط بوتين، جالباً معه أوركسترا القوزاق كعربون صداقة بينهما، ضيفاً عليها أثناء حفل زفافها.

وإثر الحرب الأوكرانية اضطرت إلى الانتقال للعيش في العاصمة اللبنانية بيروت، وتعتبر نفسها “لاجئة سياسية”، بحجة أنه جرى منعها من العمل في النمسا وأنها تلقت تهديدات بالقتل. وباتت كنيسل ضيفة شبه دائمة على شاشة تلفزيون روسيا اليوم. روايتها الدائمة هي اتهام الغرب بأنه المتسبب بالصراع الحالي، وبأن العقوبات الأوروبية ضد موسكو غير محقة. أضف إلى ذلك أنها تهاجم النمسا، وتعتبرها أنها “خانت روسيا”.

بل تروج وزيرة الخارجية السابقة في بلدها لفكرة أن “الكثيرين في الغرب يودون الانتقال إلى روسيا”، وذلك بسبب “أنهم لا يريدون أن تتحكم بهم أقليات بعينها في حياتهم اليومية”.

أثناء مشاركتها في منتدى بطرسبرغ الاقتصادي بمشاركة بوتين الشهر الماضي قالت كارين كنيسل بوضوح: “أنا لا أعيش في الشرق الأوسط بنفسي لأنني اخترته، ولكن لأنه يمكنني هناك أن أتحرك بأسرع ما يمكن عندما طردت من الاتحاد الأوروبي العام الماضي”، وذلك بعد أن تركت جنوب فرنسا وسافرت إلى لبنان.

المصدر – الصحف الألمانية

شاهد أيضاً

النمسا – حلول رقمية مبتكرة لتقليل انبعاثات قطاع التنقل

دشنت النمسا برنامجا جديدا للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة في مجال التنقل، يركز على تحقيق …