لم يعد الساحل الشمالي بمصر مجرد منتجع أو مصيف يذهب إليه الراغبون في الهروب من درجة الحرارة الشديدة في فصل الصيف، لكنه أصبح موقعا يقتصر على فئة معينة بأسلوب حياة مختلف يعكس مظاهر الثراء المنتشرة هناك، في تناقض واضح مع أوضاع ملايين المصريين من الطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تئن تحت وطأة الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويمتد الساحل الشمالي بمصر بطول 1050 كم من رفح شرقا على شبه جزيرة سيناء إلى السلوم غربا على الحدود المصرية الليبية، وهو واحد من أطول سواحل البحر المتوسط في شمال أفريقيا. ويتميز بمياهه الزرقاء ورماله الذهبية الناعمة، لكن المقصود اصطلاحا في عُرف المصيف هو تلك المنطقة الممتدة من غرب الإسكندرية مرورا بالعلمين ومرسى مطروح وحتى معبر السلوم.
بدأ الاهتمام بالساحل الشمالي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي من خلال بناء عدد محدود من القرى السياحية، مثل مراقيا ومرابيلا ومارينا، والتي كانت تمثل طفرة كبيرة في السياحة الداخلية بمصر، لكنها كانت موجهة للأثرياء فقط، ثم تراجع مستوى هذه القرى وظهرت أماكن أخرى تجذب من هم أكثر ثراء.
لكن في بلد يعاني كثيرا من الناحية الاقتصادية، ويُجري حاليا محادثات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد، يجد كثيرون صعوبات كبيرة في الذهاب إلى مثل هذه الأماكن.
يقول مصطفى محمد، الذي يعمل مدرسا بإحدى المدارس الحكومية: “بصراحة، لم أفكر مطلقا في الذهاب إلى الساحل الشمالي بسبب ما أسمعه من ارتفاع في الأسعار، بل إنني لم أذهب إلى أي مصيف من الأساس منذ خمس سنوات، عندما ذهبت إلى الإسكندرية التي كانت فيها الأسعار في متناول المواطن البسيط.
ويضيف: “علاوة على ذلك، فإنني أرى على السوشال ميديا تصرفات للمصطافين وكأنهم من دول غربية وليسوا مصريين، سواء من حيث الملابس أو الاحتفالات الصاخبة، وهي الأشياء التي لا تناسبني على الإطلاق، خاصة وأنني أذهب إلى المصيف مع عائلتي”.
أما هبة إبراهيم، التي تعمل في مؤسسة لرعاية الأطفال، فتقول: “المصيف بالنسبة لي يعني الراحة وارتداء ما يناسبني بحرية بعيدا عن نظرات الآخرين، لكني أضع في الحسبان تكاليف المصيف أيضا، لذلك أذهب إلى الجزء الرخيص نسبيا بالنسبة للساحل، وإن كان أغلى من المصايف الأخرى”.
وتضيف: “منذ عامين انتابني فضول للذهاب إلى منطقة مراسي التي يُقال إنها للطبقة العليا والأثرياء فقط، فلم أشعر بالراحة على الإطلاق، حيث شعرت بأن الناس هناك مختلفة تماما عني. أنا محجبة وكنت أشعر بأن مظهري غريب عن باقي الناس وبأنهم ينظرون إلي بشكل مختلف، وبالتالي لم أشعر بالراحة من الناحية النفسية. الأسعار هناك أيضا مختلفة ومرتفعة جدا. شعرت بأن المكان لا يشبهني، والأسعار مرتفعة للغاية”.
وفي المقابل، يرى أحمد طايع، الذي يعمل في هيئة حكومية، أن: “الأسعار في الساحل الشمالي عادية جدا، وقريبة من الغردقة وشرم الشيخ، لكن هناك بعض المناطق الأسعار بها مرتفعة مثل هاسيندا ومراسي. الأسعار في معظم المناطق عادية، فسعر كوب القهوة في بعض الأماكن مثلا يصل إلى نحو 30 جنيها، وهو ما يقترب من سعره بالخارج تقريبا”.
حفلات “بأسعار خيالية”
ويُقيم المطربون ونجوم الفن حفلات بأسعار مرتفعة للغاية في الساحل الشمالي، وهو الأمر الذي يثير غضب الكثيرين في بلد يعاني كثيرا من الناحية الاقتصادية.
وتقدمت النائبة آمال عبد الحميد، عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، بطلب إحاطة إلى مجلس النواب بشأن “أسعار التذاكر الخيالية لنجوم الغناء والفن في حفلات الساحل الشمالي”.
ووصلت أسعار بطاقات التذاكر في حفل المطرب عمر دياب بمدينة العلمين إلى 100 ألف جنيه مصري للطاولة (5,283 دولار أمريكي)، فضلا عن الشروط التي تُلزم جميع الحضور بارتداء اللون الأبيض، كما وصل سعر التذكرة لحفلة الفنانة روبي إلى 35 ألف جنيه.
وقالت عبد الحميد في طلب الإحاطة، حسب صحيفة المصري اليوم المحلية: “يبدو أنه يخفى على الكثيرين من نجوم الفن والغناء في بلدنا الظروف الاقتصادية التي يمر بها قطاع عريض من المواطنين في مصر، فمثل هذه الأسعار تستفز غالبية المواطنين الذين يعانون الآن بفعل الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها على مستوى معيشة المصريين”.
لكن حازم صفي الدين، الذي يعمل في مجال الموضة بشركة خاصة في مراسي، يرى أن “الفئة التي تذهب إلى الساحل الشمالي لا تتأثر بالمشاكل الاقتصادية التي تعاني منها الطبقة المتوسطة والفقيرة، لكن من يعاني حقا هم العاملون هنا، والذين لا يحصلون على رواتب جيدة تناسب طبيعة الحياة هنا. يكفي أن تعرف أن أحد الفنادق في مراسي كان لديه عرض لمدة أسبوع لشخصين بالغين وشخصين أقل من سن البلوغ مقابل مليون جنيه، ومن الممكن ألا تجد حجزا حتى، فهذا المبلغ الذي يدفع لمدة أسبوع يحلم به الكثيرون من الشباب لشراء شقة. ويبدأ سعر الشاليه في مراسي، والذي تزيد مساحته قليلا عن خمسين مترا، من 4.5 مليون جنيه. أسعار كل شيء هنا مرتفعة للغاية، بدءا من المطاعم والموصلات”.
وأضاف: “حتى اللبس غالي جدا، ونظرا لأنني أعمل في مجال الموضة فيمكنني أن أميز هذا الأمر جيدا، فقد تجد شخصا هنا يرتدي قميصا بقيمة 20 ألف جنيه فقط لكي يكون أفضل من الشخص الآخر الذي يرتدي قميصا يصل سعره إلى 15 ألف جنيه! وهناك من يرتدي قميصا من ماركة عالمية يصل سعره إلى 90 ألف جنيه”.
الساحل الطيب والساحل الشرير
وظهر مؤخرا بين المصطافين مصطلح “الساحل الطيب والساحل الشرير”، للتفرقة بين المناطق التي يمكن للطبقة المتوسطة الذهاب إليها، وتلك التي لا يستطيع دخولها سوى الأثرياء.
يقول صفي الدين، الذي يعمل في مراسي منذ ثلاث سنوات: “الساحل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: الساحل الطيب، ومارينا، والساحل الشرير. الساحل الطيب يبدأ من مارينا وسيدي كرير مرورا بماربيلا وقرية المهندسين والروضة واللوتس والدبلوماسيين والمعلمين والتطبيقيين، وهو مناسب للشخص الذي يصل مرتبه الشهري تقريبا إلى 10,000 جنيه، حيث يمكنه الذهاب وتأجير شاليه بحوالي ألف جنيه في اليوم، ليصرف مرتب الشهر في بضعة أيام. أما مارينا فهي أعلى وأفضل نسبيا، فيمكن تأجير فيلا أو شاليه بما يتراوح بين 3500 و5000 جنيه في اليوم، وهو ما يناسب الطبقة التي يقال إنها متوسطة. لكن هناك مناطق أخرى، مثل مارسيليا وزهرة ومراسي وهاسيندا وأمواج وألماظة باي، تكون فيها الأسعار مرتفعة للغاية، إذ تصل قيمة تأجير الشاليه لمدة يوم واحد لما يتراوح بين 15 و20 ألف جنيه”.
لكن من الملاحظ أن هذه المنطقة تقتصر إلى حد كبير على السياحة الداخلية ومعظم مرتديها من السكان المحليين، على عكس بعض المناطق الأخرى بمصر مثل شرم الشيخ والغردقة والأقصر وأسوان.
ويقول صفي الدين عن ذلك: “يعود السبب في ذلك بالأساس إلى عدم وجود دعاية كافية لهذه المنطقة، رغم أنها واحدة من أجمل الشواطئ في العالم. ومع ذلك، هناك بعض السياح العرب والروس، وإن لم يكن بأعداد كبيرة، بل وهناك أجانب يعملون هنا أيضا”.
يذكر أن الساحل الشمالي قد شهد معركة العلمين الشهيرة، والتي كانت من أهم أسباب انتصار الحلفاء وإنهاء الحرب العالمية الثانية عام 1942، لكنها خلفت حوالي 17 مليون لغم مزروعة في الساحل الشمالي الغربي للصحراء الغربية، وهذه الألغام قابلة للانفجار، وهو ما يعوق العديد من عمليات التنمية والاستفادة بالموارد الطبيعية التي تتميز بها المنطقة. وتوجد حتى الآن مقابر العلمين التي دفن فيها الجنود الذين قتلوا في معركة العلمين.
المصدر – الصحف المصرية