حالة من الجنون الحقيقي تشهده أسعار الدولار أمام الجنيه المصري، في السوق السوداء التي يبدو أنها استبقت “التعويم المرتقب” ونفذت عملية التعويم هذه قبل البنوك.
وتسببت ضبابية المشهد في مصر وعدم كشف الحقائق الاقتصادية وصمت المسؤولين بشأن أزمة العملة الصعبة، في وصول سعر الدولار داخل السوق السوداء لأرقام كارثية غير مسبوقة، تنذر بمزيد من ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش.
سعر الدولار في السوق السوداء بمصر
وكانت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية كشفت في تقريرٍ لها، بأبريل الماضي، أنّ موعد “تعويم الجنيه” في مصر يقترب، لافتةً إلى أنّ الجنيه المصري “يقترب جداً من خفض كبير وجديد لقيمته” أمام الدولار.
وزاد من حدة الأزمة الاقتصادية تجميد عدة شركات كبرى فضلا عن صناديق دول الخليج السيادية لمشاريعها في مصر، بسبب آخر تطورات المناخ الاقتصادي العام في مصر في ظل عدم وضوح التوقعات المستقبلية للسوق المحلية.
وكشف متعاملون في السوق السوداء المصرية عن ارتفاع سعر الدولار بشكل كبير جدا في هذه السوق.
ووصل سعر الدولار أمام الجنيه بحسبهم، بشكل فعلي لـ 40 جنيها في بعض التعاملات بل وتخطى هذا الرقم في عمليات عاجلة لمستوردين، تتطلب ـ جمع الدولار بأي سعر بشكل سريع ـ لعدم توقف أعمالهم.
ويشار إلى أن المستوردين يحملون فرق هذه الزيادات بسعر الدولار على منتجاتهم عند بيعها، بما يثقل كاهل المواطن المصري في النهاية ويجعله يتحمل وحده نتائج فشل النظام وسياساته التي أوصلت الدولة لمرحلة الانهيار الوشيك.
وفي مؤشر جديد عن وصول الوضع الاقتصادي المصري لمستوى خطير، أعلنت “الدار العقارية” الإماراتية هي الأخرى أنها ستؤجل أي استثمارات إضافية في مصر لحين استقرار أوضاع السوق، بحسب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية والاستدامة في الشركة فيصل فلكناز.
استحوذت “الدار” و”القابضة” (ADQ)، أحد صناديق أبوظبي السيادية، على حصة 85.5% من أسهم شركة السادس من أكتوبر للتنمية والاستثمار (سوديك) في 2021 مقابل 6.1 مليار جنيه مصري (198 مليون دولار). وكان المبلغ في ذلك الوقت يساوي نحو 387 مليون دولار.
وبينما كان الاستثمار في “سوديك” يمثل منطلقاً لتوسيع أنشطة الشركة العقارية في مصر، كما أُعلن في حينه، أفصح فلكناز، اليوم الأربعاء، أن شركته تتخذ “نهجاً حذراً للغاية في إطلاق المشاريع” في السوق المصرية.
سعر الدولار في البنوك اليوم بمصر
فيما لا يزال داخل البنوك المصرية ثابتاً عند نحو 30.70 جنيهاً، كمتوسط سعر.
وجاء أعلى سعر للدولار داخل بنك أبوظبي الإسلامي، بـ30.90 للشراء مقابل 30.95 جنيهاً للبيع.
فيما سجّل سعر الدولار داخل البنك المركزي المصري 30.83 جنيهاً للشراء، مقابل 30.96 جنيهاً للبيع.
وداخل بنكي مصر والقاهرة الحكوميين وصل سعر الدولار إلى 30.75 للشراء و30.85 للبيع.
وفي سياق آخر قررت مصر زيادة سعر السولار جنيهاً واحداً إلى 8.25 جنيه للتر (27 سنتاً أميركياً)، وهو ما يوفر لخزينة الدولة أكثر من نصف مليار دولار سنوياً، فيما أبقت البلاد على أسعار البنزين ثابتة.
القرار الذي يبدأ تنفيذه اعتباراً من الساعة الثانية من صباح اليوم الخميس، عزته وزارة البترول في بيان لها مساء الأربعاء إلى “زيادة الأسعار العالمية للزيت الخام والمنتجات البترولية، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار”.
خبير يتوقع موعد التعويم وسعر الدولار الجديد
وقبل يومين أدلى الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المصرية، عبد النبي عبد المطلب، بتوقّعاته بشأن “تعويم الجنيه” المرتقَب في مصر والسعر المتوقّع للدولار داخل البنوك بعد التعويم.
وقال “عبد المطلب”، إن التعويم قادم لا محالة وهذا أمر لا خلاف عليه، حسب وصفه.
منوّهاً إلى أنّ “هذا التعويم سيكون إما خلال شهر مايو الجاري، أو خلال الأسبوع الأول من شهر، يونيو المقبل، على أقصى تقدير”، بحسب ما صرّح به في مقابلة خاصة مع موقع “عربي21“.
وعن توقعاته لسعر الجنيه المصري أمام الدولار بعد عملية التعويم المرتقبة، قال الوكيل السابق لوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المصرية، إنه يرى أن الدولار سيرتفع إلى ما يزيد كثيراً عن المستوى الذي توقّعته بعض التقارير الدولية عند 34 جنيهاً.
وأضاف: “أنا في اعتقادي أنه قد يصل إلى أربعين جنيهاً لكل دولار، بينما أتمنى أن يكون لدى الحكومة برنامج يمنع الوصول لهذا المستوى”.
جدير بالذكر، أنّ بنك “سوسيتيه جنرال” كان قد توقّع حدوث تراجع جديد في سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار خلال الربع الأول من العام الجاري، إلى متوسط 34 جنيهاً لكل دولار واحد.
هل الحكومة يبيع الوهم للمصريين ؟
على الرغم من الغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار غير المسبوق في مصر وانهيار الوضع الاقتصادي وأزمة الدولار، فإنّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ما زال يمني المصريين ويعدهم بالرخاء والنعيم المقيم.
وفي هذا السياق، وفي عزّ أزمة شح الدولار ورواج السوق السوداء، ظهر السيسي في أوائل، أبريل الماضي، وهو يتحدث عن حل قريب لأزمة الدولار، خلال تفقده “الارتكازات الأمنية” بشرق قناة السويس.
وقال الرئيس السيسي بحسب مقطع فيديو متداول أظهره وقتها يتحدث إلى عدد من العناصر العسكرية، وخلفه وزير الدفاع ورئيس الأركان: “اوعوا تفتكروا إن الأزمة دي هتفضل كده”.
وتابع أن الجميع في مصر، قبل 10 سنوات، كان يتساءل متى ينتهي الإرهاب؟
وأضاف السيسي في حديثه: “صدقوني هييجي يوم وهيبقى الموضوع ده تاريخ.. وأنا بقولكم إن الأزمة دي قريبا بفضل الله هتبقى تاريخ.. حتى الدولار اللي الكل عمال يتكلم عليه هيبقى تاريخ”.
ولم يوضح الرئيس المصري كيف أو متى ستنفك الأزمة التي تسببت في تراجع سعر صرف الجنيه المصري من نحو 15.6 للدولار في مارس 2022، إلى نحو 31 جنيهاً حالياً داخل البنوك، و40 جنيهاً في السوق السوداء.
جدير بالذكر، أنه في أكتوبر الماضي، اتفقت مصر على حزمة دعم مالي بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي.
وفي إطار هذا الاتفاق، تعهّدت القاهرة أيضاً “بتحول دائم إلى سعر صرف مرن” لم يتحقق بعد.
المصدر – الصجف المصرية