سؤال يتكرر في ذهن كل إنسان حُر غيور وشريف.. اتفاقيات ومعاهدات سلام عربية – إسرائيلية وقّعَت على مدار تاريخ مضى، ماذا استفاد العرب منها فعلياً، وأي من الأهداف حققوا؟
في المقابل، نجد أن المستفيد الوحيد من ذلك فقط؛ هي إسرائيل التي احتلت الأراضي وسلبت خيراتها ومواردها “غازها، ومياهها، وأموالها”.
نجحت “إسرائيل” في اختراق العمق العربي للقضية الفلسطينية بنفاذ مشروع التطبيع، حيث زعم دعاته أن في ذلك مصلحة للحفاظ على الأمن القومي العربي، وترجيح ميزان القوة لصالح العرب، ومن هذا المنطلق كانت الدعوات منهم صراحةً للتطبيع مع الكيان تحت مزاعم المصالح المشتركة.
لكن ما يؤسفنا أن تلك المشاريع التي تندفع نحوها بعض الحكومات والأنظمة العربية الهزيلة؛ أعطت الصهاينة فرصة للتفرد في القضية الفلسطينية، نتيجة آراء أولئك المطبعين التي تصب في مصلحة “إسرائيل”، وتعتبر أن لها الأحقية في الأراضي الفلسطينية، الأمر الذي عزز الرواية الإسرائيلية وتجاهل الحقوق الفلسطينية.
لسنوات طويلة كانت العلاقات الدبلوماسية الرسمية العلنية التي تقيمها “إسرائيل” مقتصرة على دولتين عربيتين هما: مصر والأردن، لكن في ظل التهافت العربي نحو التطبيع، ظهرت خطوات صهيونية متسارعة نحو تقوية وتمتين التطبيع العلني مع أعداد أخرى من الدول العربية، إذ دخلت خلالها بعض دول الخليج والمغرب حظيرة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني.
حيث يسير المطبعون العرب نحو تحالف عسكري أمني اقتصادي بأهداف محددة، تجعل القضية الفلسطينية نهائياً وراء ظهر دول النفط ما عدا الكويت، وقد يجعل من الإمارات قاعدة متقدمة للكيان الصهيوني في مواجهة إيران.
وفي تطور ملحوظ لمسيرة التطبيع، نجد أن الأمر أصبح لا يقتصر على الشق السياسي والاقتصادي فقط في العلاقات مع إسرائيل؛ بل تطور الأمر إلى البدء في إجراءات التعاون العسكري، وكانت أولى الدول التي أقدمت على ذلك المملكة المغربية، إذ لا يخفى على أحد جهود المغرب في واحة التطبيع العلنية والسرية، وهوسه الغامض بالعلاقة مع “إسرائيل”، الذي وصل حد التماهي في إعادة إنتاج وتبني عقيدة الاحتلال والأساليب التدميرية الإسرائيلية.
لكن ما يمكن قوله إنه لن يتحقق المشروع الاستيطاني الإسرائيلي العنصري، الذي رفع شعار “من النيل إلى الفرات”؛ بل إنه لم يضع حدوداً حتى يومنا هذا لحدود “إسرائيل”؛ لأنه رفع شعار حدود “إسرائيل” أينما تصل أقدام الجيش الإسرائيلي.
حيث أثبتت التجارب على مر السنين أن “إسرائيل” لا تسعى للسلام ولا تعمل من أجله؛ لأن ذلك يُخالف مبادئها التوسعية وحُلمها بالدولة اليهودية وحدودها الممتدة، فهي لا تسير إلا في طريق استراتيجياتها التي وضعتها خدمة دولتها اليهودية، وهي تعمل وفق خطط علمية ومدروسة تحمي من خلالها نفسها وتسعى للبقاء.
اتفاقيات ومبادرات سلام مع “إسرائيل” كانت حاضرة منذ عقود، لم يجنِ العرب منها سوى التراجع الصهيوني المستمر والمتتالِ عن تطبيق تلك الاتفاقيات، ومنها عدم الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م وعام 1967م، وكذلك الانسحاب من الجولان السورية التي احتلتها عام 1967م، ومزارع “شبعا” اللبنانية المحتلة منذ عام 1982م، “وأم الرشراش” التي تُعرف بـ”إيلات” وغيرها من الأراضي المصرية والأردنية التي ما زالت محتلة حتى الآن.
كانت بدايات تلك الاتفاقيات التي أضرت بالدول العربية وجعلت منهم لقمة سائغة وفريسة سهلة للاحتلال، اتفاقية “كامب ديفيد” 1978م، والتي بموجبها استطاعت “إسرائيل” التغول على الأراضي العربية والاستمرار في سياسة الاحتلال، أعقبها “واي ريفر” واتفاقية “وادي عربة” بين الأردن والكيان الصهيوني.
ثم بعد ذلك توالت تباعاً العلاقات بين الاحتلال ودول خليجية ومغربية، جميعها ومع مرور الوقت أدت إلى تآكل القضية الفلسطينية، وهذا ما يؤسف له ويندى له الجبين، فالطرف المُطبع لا يملك أي ورقة من أوراق الضغط التي يمكن أن تُعيد “إسرائيل” إلى المفاوضات وإعادة الحقوق.
خلاصة القول أن التهافت المخزي والمشين عربياً خلف التطبيع مع الاحتلال سيسقط في نهاية المطاف، وبالرغم من الانحدار المغربي البحريني الإماراتي، سيظل الشعب الفلسطيني يحمل قضيته العادلة رغم أنف الخيانات والطعنات، وعلى الحكومات العربية التوقف قدماً في طريق التطبيع، طريق الخضوع والانكسار.
فجميع الاتفاقيات التطبيعية التي استمرت بها بعض الأنظمة العربية، قوت شوكة الكيان الصهيوني وأعطته المجال للاستمرار في سياسته التوسعية لاحتلال المزيد من الأراضي الفلسطينية والبقاء جاثماً على الأراضي العربية.
ومن هنا نؤكد على أنه لا الاتفاقيات والمعاهدات، ولا التطبيع تُعيد أرضاً محتلة، لأن العدو الصهيوني لا يعرف إلا لغة واحدة هي لغة الحراب، فالسلام المزعوم الكاذب لا يُرجع حقوق مسلوبة، فقط المقاومة هي من تستطيع أن تُعيد ما احتلته “إسرائيل”؛ لأن ما أُخذَ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة.
المصدر – شبكة رمضان الإخبارية