في الثاني عشر من هذا الشهر، وصلت سنادا سليموفيتش (45 عاماً)، إلى شمال شرقي سوريا، في محاولة هي الخامسة منذ عام 2019، في مسعى جديد للقاء ابنتها التي تعيش في مخيم لعائلات تنظيم الدولة في المنطقة التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.
ومنذ ثماني سنوات والحزن يخيّم على عائلة سنادا التي تعيش في فيينا عاصمة النمسا مع زوجها وابنها، إضافة لحفيدتين من ابنتها، كانتا قد التحقتا بالعائلة بجهود حكومية في الثاني من أكتوبر 2019.
كيف سافرت الطفلة القاصر بمفردها؟
بدأت قصة العائلة التي تنحدر من البوسنة والهرسك، في العاشر من أبريل 2014 عندما ذهبت سابينا (15 عاماً حينها) إلى المدرسة ولم تعد، حتى أدركت عائلتها أنها قد “غرّر بها” وانضمت إلى التنظيم المتشدد في سوريا.
قالت لي والدة سابينا: “في ذلك اليوم حاولنا الاتصال بها، لكن هاتفها كان مغلقاً. ذهب زوجي إلى عائلة صديقتها سمرة. لكننا تفاجأنا بأنها لم تعد هي الأخرى إلى المنزل”.
وتضيف: “أثناء البحث بين أغراض سابينا لم نعثر على جواز سفرها. فقمنا بإبلاغ الشرطة، الذين طمأنوننا بأنها لن تتمكن من مغادرة النمسا بسبب العمر”.
لكن في اليوم التالي، اتضح أن أقوال الشرطة لم تكن دقيقة، فقد علمت العائلة أن سابينا وصديقتها سمرة غادرتا مطار شفخات في فيينا باتجاه اسطنبول – أضنة، بحسب الأم.
وتقول: “ارتكبت الشرطة في مطار فيينا خطأً كبيراً حين سمحت لفتاتين قاصرتين بالعبور دون مرافق أو موافقة خطية من الوالدين”.
ملف شائك
تعد قضية أفراد عائلات داعش الأجانب المحتجزين في سوريا من القضايا الشائكة للغاية في ظل استجابة خجولة من قبل الحكومات حول العالم.
ويعيش عشرات الآلاف من النازحين وممن كانوا يعيشون في مناطق سيطرة تنظيم ما يسمى بـ “الدولة الإسلامية” في الهول وحده، وهو مخيم بائس يقع في منطقة منعزلة نائية.
وبحسب تصريحات المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في سوريا، عمران رضا فإن “الهول ليس مكاناً للأطفال”. ومن بين 56 ألف شخص يشكل الأطفال دون سن الثانية عشرة نسبة 50 بالمئة.
وطبقاً لإحصائيات إدارة المخيم فإن عدد النساء يزيد عن 16 ألفاً، بينهن 2420 من النساء الأجانب ينحدرن من أكثر من 50 دولة. بينما يبلغ عدد سكان مخيم روج 2,506 شخصاً، 97 في المئة منهم نساء وأطفال.
ويشهد مخيم الهول أعمال عنف مختلفة فقد قتل حتى منتصف هذا العام نحو 30 شخصاً معظمهم من النساء بحسب احصاءات الأمم المتحدة.
ويواجه ملف إعادة الأجانب إلى دولهم تحديات كبيرة، ولطالما ناشدت السلطات المحلية الكردية الدول لإعادة مواطنيها، لكن الاستجابة تبدو ضعيفة حتى الآن.
ففي ظل غياب إحصاءات دقيقة، تشير تقديرات إلى أن عدد النساء والأطفال الأوروبيين المحتجزين حالياً في المخيمات يقارب الـ 1000 امرأة وأكثر من 640 من الأطفال.
وتعد فرنسا وبلجيكا وألمانيا وهولندا والسويد والمملكة المتحدة من بين الدول الأوروبية الرئيسية التي جاء منها هؤلاء.
وتفيد تقارير إلى أن نحو 60 نمساوياً سافروا إلى العراق وسوريا خلال السنوات الماضية والتحقوا بتنظيمات متشددة.
ويعتقد أن المقاتلين الأجانب من النمسا هم في الغالب من الجيل الثاني من المهاجرين من الشيشان وتركيا والبلقان، لكن حتى الآن لم تتخذ النمسا موقفاً واضحاً حيال إعادة مواطنيها.
لوعة أم
منذ فقدان سابينا، تعهدت والدتها أن تجعلها “قضيتها الرئيسية في الحياة”، لذا تقول إنها ترددت على سوريا مراراً، ولم توفر جهداً في سبيل الحصول على أي معلومة حول ابنتها.
لكن جهودها لم تتوقف هنا، فحاولت أن تساهم في كشف ما حصل لعدد أكبر من العائلات التي تعاني من نفس المشكلة، من خلال تأليف كتاب باسم “سابينا” صدر في البوسنة في نوفمبر 2021.
منذ عام 2014 اتصلت سابينا بعائلتها مراراً، لكن آخر اتصال تلقته والدتها منها كان في 10 مارس 2019.
حينها كانت المعارك تحتدم بين قوات سوريا الديمقراطية ومقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى في قرية الباغوز آخر معاقله العسكرية شرقي سوريا.
تقول الأم: “في الثالت عشر من الشهر نفسه، خرجت سابينا مع طفلتيها برفقة مئات العائلات من الباغوز، للوصول إلى القوات الكردية ومخيم الهول، لكنها أصيبت في الطريق بطلق ناري في ذراعها”.
وتتابع: “أصيبت ابنتي بنزيف شديد بسبب الإصابة ففقدت وعيها، إلى أن أوصلتها العائلات إلى مشفى في المخيم”.
في هذه الرحلة المضنية طلبت “سابينا” من نساء كن برفقتها إنقاذ طفليها، وأعطتهن رقم هاتف والدتها.
لكن عائلتها في النمسا لم تكن على علم بأي من هذه الأحداث حتى يوم الرابع من أبريل من نفس العام. عندما أبلغتها امرأة في فيينا كانت زوجة ابنها في مخيم الهول، بأن سابينا قد فارقت الحياة.
رغم هذا الخبر “الصاعق” بدأت الأم في البحث للحصول على معلومات مؤكدة حول ما جرى لابنتها.
ولم تكن عائلة “سابينا” الوحيدة التي تبحث عن ابنتها، بل كان ثمة عائلات أخرى تعيش في النمسا وتحاول معرفة أي معلومات عن أفرادها الذين التحقوا بالتنظيم.
تقول الأم سنادا: “كنا كعائلات على اتصال مستمر لمعرفة مصائر أبنائنا. كانت جميع المصادر تفيد بأن ابنتي فارقت الحياة، وبأن طفليها في رعاية سيدة سورية”.
متى وكيف جرى اللقاء الأول؟
بعد أيام من سماع هذه الأنباء سافرت سنادا إلى سوريا للعثور على أطفال سابينا. كانت ضمن مجموعة من الصحفيين النمساويين والعديد من الآباء الذين كانوا يبحثون عن أبنائهم.
لكن المفاجأة التي جرت لم تكن في الحسبان، فقد عثرت الأم على ابنتها في مستشفى المخيم. وجدتها ترتدي نقاباً، لم تتمكن من رؤية وجهها. لقد حدقت في عينيها فقط.
تقول الأم: “تعرفت على ابنتي. كنا نحدق في أعين بعضنا البعض. لقد رفعت كلتا يديها وأشارت إلي كي أهدأ ولا أقوم بأي حركة قد تلفت الانتباه”.
في هذه الأثناء طلب من الأم الخروج على الفور. لكنهم سمحوا لها بالبحث عن أطفال ابنتها في المخيم لساعتين فقط.
تقول سنادا: “رغم مشاعر الخوف التي كانت تنتابني، إلا أنني شعرت بسعادة كبيرة لأن ابنتي ما تزال على قيد الحياة”.
وبالرغم من زياراتها المتكررة إلى سوريا لم تحظ المرأة بلقاء ابنتها سوى مرة واحدة بالصدفة خلال رحلتها الأولى، لكنها لم تتمكن من التحدث إليها.
وقال لي مسؤول كردي: “لا نستطيع تسليم الأشخاص إلى عائلاتهم، لأن القضية بحاجة إلى موافقة دولهم لإعادتهم عبر الطرق الرسمية”.
وتفيد معلومات بأن “سابينا” تعيش الآن في مخيم “روج”، أقصى شمال شرقي البلاد، وهو ما أكدته والدتها أيضاً.
في آخر اتصال بوالدتها التي استطاعت الدخول إلى سوريا مؤخراً، بدت متوترة، لكنها لم تستسلم وتحاول جاهدة العثور على أي وسيلة تجعلها ترى ابنتها التي انقطع الاتصال بها تماماً منذ أربع سنوات.
المصدر – الـ BBC عربى نيوز