ما هى الأسباب الحقيقية التي جعلت الإعلام الغربي منزعجاً من كأس العالم في قطر؟

بينما يتابع العالم فعاليات كأس العالم لكرة القدم لأول مرة في دولة عربية شرق أوسطية منذ انطلاقتها سنة 1930، وقد فازت قطر بتنظيم هذه الدورة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، ورغم الجهود التي تبذلها الدوحة لتوفير كل الظروف المناسبة لاحتضان دورة استثنائية ومميزة، فإن سهام الانتقادات اللاذعة والهجمات الإعلامية الغربية تطالها على نحو عنيف وغير أخلاقي.

حيث يركز الإعلام الغربي عبر نُخبه ومحلليه السياسيين على ما يزعمون أنه انتهاك صريح لحقوق الإنسان والعاملين في قطر من جنسيات مختلفة، بل وصلت الحدة في الهجوم إلى طلب بعض الرياضيين والفاعلين الانسحاب من هذه الدورة؛ اعتراضاً على سلوك الدوحة المشين ضد حقوق الأقليات كالمثليين، وتأكيدها على ضرورة التزام الضيوف الوافدين بالقوانين المحلية وثقافة القطريين والعرب، وهو ما يعتبره الغرب انفلاتاً صريحاً عن نموذجهم الثقافي الكوني الذي اختاروه للإنسانية، كما أن قطر تذكّر الغرب مرة أخرى بأن الإسلام الذي يحاربونه لأكثر من تسعة قرون لا يزال شاباً يافعاً لا يشيخ ولا يترهل كما ترهلت عندهم المسيحية، أو كما تفسخّت مركزية العقل عندهم.

أبدية الصراع الحضاري بين الشرق والغرب

مشكلة الغرب في عدائهم صوب احتضان قطر لكأس العالم ليس مشكلة عنصرية أو عرقية فقط، ولكنها فوبيا الشرق، وانبهارهم التاريخي بثقافة الشرق وحضارته وأخلاقه، وكذلك فوبيا الإسلام المتغلغل، سيأتون إلى قطر في حيرة وشك، ولكنهم سيسمعون الأذان لأول مرة، وسيسألون عن هذا النداء العجيب الذي يبدو وكأنه يأتي من السماء، ‏فيُقال لهم هذا نداءُ الصلاة عند المسلمين، وسيختبرون بشكل مباشر أخلاق المسلمين ورقّتهم وإنسانيتهم ووفاءهم وكرمهم، وثباتهم على القيم النبيلة، فيسألون مَن علَّمكم كل هذا؟ فيقولون محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم.

إن الغرب يخشى على علمانيته المفرطة، عندما تتواجه مع الإسلام والمسلمين في قطر، إن الغرب يستبِق كلَّ تلك الصور البديعة التي سيعايشها الوافدون بحربٍ دعائية، وتزوير للحقائق، وصناعة واقع مزيف يقوم على تصوير قطر كمملكة من ممالك أوروبا في العصور الوسطى، حيث القمع وانتهاك الحريات والتضييق على الناس، وقد بدأت آلة التشويش والتلفيق من كبريات الصحف البريطانية والتلفزيونات الألمانية والفرنسية، حيث عنونت صحيفة الغارديان، بتاريخ 17 نوفمبر 2022، كأس العالم في قطر يحدث فعلاً، احتمال مرعب، ولكن لا يمكن مقاومته، وفي مقال مليء بالضجيج وبنَفَس كريه وحاقد يكتب Jonathan liew عن الوضعية المزرية التي وضعت أصابع جوزيف بلاتر العالم فيها، إنها ورطة وجحيم لا يمكن تصحيحه، كما يصف:

“إن كأس العالم قطر 2022 يقع في دولة استبدادية، وبُنيت هذه الملاعب على ظهور الضحايا من العمل، ونفقات باهظة، ثم يتساءل كاتب المقال: لماذا فُرضت علينا هذه البطولة في فصل الشتاء؟! (وكأن باقي المسابقات الكروية تُلعب في فصل الصيف)، وفي دولة صحراوية، وبدون مجد كروي حتى، ثم يستبق كاتب المقال نجاح البطولة قائلاً: مهما حدث داخل الملعب، ومهما كانت طرق الهروب جميلة عبر الاحتفال المشترك والإبداع الرياضي، فهذا لا يجعل من كأس العالم قطر 2022 أجمل، بل هي الأسوأ بسبب سقوط ضحايا”!

لست أعرفُ إن كانت الغارديان تنعي فعلاً الضحايا الوهميين الذين لم يقع التثبت فعلاً من حقيقتهم، وبذلك تصبح الغارديان هي أول من أذاع هذا الخبر المزيف، والذي كذبه الفيفا والحكومة القطرية، وهل فعلاً تهتم الغارديان بهؤلاء الضحايا أو أنها تستعملهم للانتصار في معركتها الأيديولوجية وتحليلاتها العرقية والعنصرية التي تفوح منها رائحة الاستشراق المضلل، الذي أعاد صياغة الشرق وفقاً لعقدة مرضية وخطاب استئصالي ونزعة فوقية، مفادها أن الشمس تشرق من الغرب، وأن الحضارة الغربية هي تمام الإنجاز الإنساني، وكمال العقل البشري.

فكيف تكون قطر الصغيرة الحجم، والإسلامية الهوى، مركزاً لتوَافُد الأمم وتنافُسها.

ما الأسباب الحقيقية التي تجعل الإعلام الغربي متخبطاً ومنزعجاً، وكأنه جُرح في كرامته، أو كأنه خسر معركته في الدقائق الأخيرة، من المهم أن نستعين بنصوص إدوارد سعيد لنُفكِّك هذا الخطاب المتحامِل، وخاصةً إذا تعلَّق الأمر بدولة مسلمة، تَجهَرُ بمحافظتها على قِيمها الخاصة، ولها مواقف مناهضةٌ للتطبيع مع المثلية، وكل هذه المعطيات ترمز لسلطة الدين، ومركزية التدين في الثقافة الشرقية، وهو الأمر الذي يعاديه العقل الغربي، ويرى أنه يهدد حضارتهم وأسسها التي قامت عليها.

إن الإعلام الغربي يهاجم الإسلام فيما يعتقدون أن صورته الحية والصارمة تتمثل في دولة قطر، وهنا يجيب إدوارد سعيد في كتابه تغطية الإسلام عن السؤال المزمن: لماذا يبدو الإعلام الغربي متكالباً ضد الإسلام والمسلمين، دون غيرهم من الجماعات الدينية والثقافية، مع نبرة توكيدية، كون الإسلام يمثل خطراً على الحضارة الغربية، وخاصةً أن التحولات التي يشهدها العالم الإسلامي ستُسقط تلك الكليشيهات الاستشراقية، التي اختزلت الشرق والإسلام في صور نمطية من القرون الوسطى، مع إضفاء الكثير من الشيطنة والسخرية والازدراء والفهم المتبلد والسطحي لتعاليم الإسلام، ولثقافة الشرق الذي مدحه:

“إن الشمال والجنوب أقطارها تتصدَّع، وعروشها تزول، وممالكها تنهار، اهرب، اهرب أنتَ إلى المشرق الطهور، واستنشِق الهواء المعبَّق بعطر الآباء”.

لعل توافد هذه الأمم والشعوب إلى قطر، واختلاطهم بالعرب والمسلمين سينزع عنهم تلك الغشاوة، ويزيل عن أذهانهم آثار الدعاية الغربية، والسردية المُضلِّلة، التي أوهمتهم لعقود من الزمن أنهم المتحضرون الباقون على وجه هذه البسيطة.

الكاتب – هشام سراي

Check Also

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …