القاهرة – شرين عرفة —
“الفتاة تتحجب علشان تعيش، وتلبس واسع عشان متغريش، حياتك غالية عليكِ، اخرجي من بيتكم قُفة.. لا متفصلة ولا بنطلون ولا شعر مهفهف على الخدود، هيشوفك اللي ريقه بيجري، ومعهوش فلوس، هيدبحك!”..
ولمن لا يعلم، القفة هي وعاءٌ من الخُوصٍ تستخدم لحمل البضائع، وتسمى أيضاً بالمقطف الكبير.
جاء هذا الكلام على لسان الشيخ مبروك عطية، بأسلوبه الساخر، وطريقته الفجة، وصوته الذي يعلو أحياناً لدرجة الصراخ، ويتحشرج أحياناً أخرى، في معرض تعليقه على حادث مقتل الطالبة بجامعة المنصورة “نيرة أشرف” على يد زميل دراستها الذي قام بطعنها وذبحها على الطريق العام، أمام أسوار الجامعة، انتقاماً لرفضها الزواج منه.
حديث مبروك عطية عن ملابس المرأة ودعوته للحجاب أو الخروج “قُفة” في أعقاب جريمة قتل علنية ومفزعة، مثّل بالطبع صدمة لي وللكثيرين.
عبارات عطية السوقية، حملت كذلك اتهاماً مُستتراً لضحية قُتلت بأبشع طريقة ممكنة، بأنها استدرجت قاتلاً مجرماً لذبحها، بعد أن أسالت لعابه بملابسها المغرية، مع تهديد مباشر للمرأة غير المحجبة في مصر بأنها تعرّض حياتها للخطر!
وأخيراً، إعلان واضح وصريح عن فقدان مجتمعنا التام لمعايير الأمان، وافتقاره للقانون، وانعدام الأخلاق والقيم، ليصبح أشبه بغابة حيوانات، مطلوب فيها من الضحية أن تحتاط لنفسها، وتخرج بحجاب وصفه الشيخ بأحط وصف يمكن أن يوصف به الحجاب “قُفة”، بزعم أن المفترسين لا مجال لردعهم، ينتظرون على الطرقات!
قد تتساءل متعجباً: ماذا عن المصريات غير المسلمات، ماذا يجب عليهن فعله ليتجنبن القتل؟! وماذا عن السائحات القادمات لبلادنا؟!
يا تتحجبي يا تدبحي
لطيف خالص pic.twitter.com/1c9bj3GAID
— Loay Alkhteeb (@LoayAlkhteeb) June 21, 2022
هل نطلب منهن ارتداء القفة، فلدينا في مصر رجال، لعابهم يسيل، وبأيديهم السكاكين!
تحليل مبروك عطية كارثي، وتبسيط مخزٍ ومخل لجريمة مروعة، أفزعت المجتمع العربي كله، إذ حصر أسبابها في ملابس الضحية، ولعاب الجاني!
وفي تحليله أيضاً، إهانة شديدة لرجال مصر قبل نسائها، ووصم المجتمع كله بالوحشية والهمجية. فهل جل رجال مصر من أصحاب اللعاب السائل، غير القادرين على التحكم في شهواتهم ورغباتهم، لا يرتدعون بأمر الدين أو القانون!
بالتأكيد، لا. تحليل مبروك عطية لا يمكننا وصفه إلا بضيق الأُفق، والابتذال وسذاجة الطرح.
مبروك عطية.. عكاشة الدعوة الإسلامية
المتتبع لتاريخ الدكتور مبروك عطية المتصدر للدعوة عبر الفضائيات المصرية منذ عدة سنوات، يعلم أن أبرز ما يميزه هو أسلوبه الفج، شديد السطحية، الحافل بالسخرية، المولع بالاستهزاء، المفتقر لأدنى مقومات الداعية المؤثر في القلوب، القريب من الأسماع والأذهان.
داعيتنا هذا لمن لا يعرف له مقطع مصور يخطب فيه من داخل أحد المساجد، وأمامه بضعة أشخاص، وجد أن أحدهم لا يعيره انتباهه، فقام من منبره وقرر جره من مكانه جراً، وبمساعدة الناس.
وطبعاً لأن الداعية في كل زمان ومكان هدفه الأول، صنع قاعدة شعبية، يصل إليها بخطبه وعباراته؛ فقد تفتق ذهنه عن فكرة جديدة وألمعية، قرر أن يكون “توفيق عكاشة” الدعوة الإسلامية. الشيخ الذي يخاطب المرأة الريفية بلسان جارتها وهما يتناولان أطراف الحديث، أثناء “تزغيط” البط، والفلاح على ظهر حماره بلسان صديقه المزارع. ومخاطبة الشقي بلسان صديقه على القهوة أثناء استمتاعهما بكوبين من الشاي والتلهي بألعاب النرد.. ويبدو أنه قد نجح تماماً في الوصول لهدفه، الذي وضعه لنفسه.
لكن صناعة الشعبية وملامسة آفاق الشهرة، تحتاج أيضاً لعوامل نجاح، فزاد على ما سبق، هدف رئيسي وهام، وهو “ركوب التريند” ، وصنع ضجة تحمل اسمه على مواقع التواصل وترفعه لنشرات الأخبار.
ولأنه يعلم علم اليقين، أن الاحتفاء الإعلامي، والظهور بالفضائيات، وتقديم البرامج، في دولة مثل مصر، مفاتيحها كافة بيد الحاكم، الذي في قربه الثروة والسطوة والأمان، وفي الابتعاد عنه وعن موافقته النبذ والسجن والأحزان،
فآثر قربه، وسعى لرضاه، فبات هَمُّه اليوم همان، إرضاء الفلاح البسيط الأُمّي فوق حماره، والحاكم الطاغية فوق عرشه وبين هيلمانه.
ومنذ أن جمع داعيتنا بين الشرين وتصريحاته ما بين فتاوى لا تمت للدين بصلة مثل فتواه أن ثلاثة أرباع سكان مصر جاءوا من زيجات حرام، لأن زواجهم يفتقر لبعض الشروط، منها القدرة المادية التي يراها هو واجبة لعقد القران،
وما بين تأويلات شاذة لآيات الله لصنع ضجة وزوبعة تتحاكى بها الناس، كقوله أن النت والفيسبوك مذكور في القرآن بآية: (وَإِذَا جَآءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ ٱلْأَمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِۦ) من سورة النساء.
وحينما سأله عن ذلك أحد الإعلاميين، أجاب “أن غرضه ألا يستخدم المواطنون مواقع التواصل للإساءة للدولة ولرئيس الدولة، كما فعل الشباب مع اجتزاء تصريحات السيسي عن أكل ورق الأشجار، ودافع عن الأخير وكال له المديح وبالغ في الثناء”.
لكن يبدو أن قُربه من الحاكم وتودده له، لم يشفع له، حينما دفعه هوسه بالشهرة و”ركوب التريند”، في الوقوع بالمحظور، وقديماً قالوا من كثُر كلامه، كثر خطؤه. حيث توالت ردود الأفعال والهجوم على تصريحاته الأخيرة، الخاصة بمقتل الطالبة الجامعية، من العديد من الشخصيات والهيئات والمؤسسات، أبرزها مؤسسة الأزهر من خلال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، ثم إعلان المجلس القومي للمرأة، والمركز المصري لحقوق المرأة، تقدمهما ببلاغات ضده لدى النائب العام.
وإزاء هذا الهجوم، أعلن الدكتور مبروك عطية، خلال بث مباشر عبر صفحته على “فيسبوك”، أن هناك من أساء فهم حديثه، وأنه على إثر ذلك، ينوي الاعتزال..
فهل سَيصُدق حقاً في نيته، حامل لواء “عكشنة” الدعوة، وتُكتب لتلك الظاهرة عِبارةُ الخِتام؟!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني Citypark135@hotmail.com
القاهرة – شرين عرفة