انشغل الشارع المصري خلال الأيام الماضية بخبر حكم المحكمة الاقتصادية بإعلان إفلاس شركة ألفا لإدارة الصيدليات، والمسؤولة عن إدارة صيدليات 19011، أشهر مجموعة صيدليات في مصر.
نشرت تقارير صحفية حجم مديونية مجموعة صيدليات 19011 للبنوك، والتي وصلت ٧ مليارات جنيه، في حين أكدت مصادر مصرفية أخرى لبعض الوسائل المحلية أن حجم المديونية لا يزيد على ملياري جنيه، مع تكهنات بأن أصحاب الصيدليات هربوا خارج البلاد، وكيف اقترض أصحاب المجموعة هذه المليارات من البنوك دون امتلاكهم لأية أصول، فكل فروعهم مؤجَّرة وليست تمليكاً؟
إزالة لافتات 19011 من على الصيدليات
وفقاً لإعلان إشهار الإفلاس، فإن شركة ألفا التي تدير صيدليات 19011 هي شركة مساهمة مصرية تم تسجيلها في وزارة الاستثمار بسجل تجاري يحمل رقم 9804، ومقرها ٢٣ شارع جامعة الدول العربية، أحد أشهر شوارع القاهرة. ذهبنا إلى هناك ووجدنا المقر مغلقاً، وقمنا بعمل جولة على الصيدليات التي كانت تحمل لافتة 19011 ووجدنا كل الصيدليات قد عادت لأصحابها الأصليين الذين كانوا قد أجروها لـ19011 بأرقام خيالية، وقاموا بإزالة لافتة 19011 من على الواجهة وأعادوا لافتاتهم الأصلية.
وقال مالك إحدى الصيدليات للصحافة المحلية: “قبل عدة سنوات عرض علينا أصحاب تلك المجموعة تأجير الصيدلية برقم كبير فوافقنا، وهم لم يسددوا إيجارات منذ عدة شهور، وعليهم مديونيات، وما إن علمت بخبر الإفلاس قمت بإزالة لافتاتهم واسترددت صيدليتي ووضعت لافتتي”.
توجهنا إلى أكثر من فرع في المهندسين والهرم، ووجدنا كل الصيدليات التي كانت تحمل لافتات ضخمة ذات إضاءة عالية وجذابة قبل عدة أيام، اختفت كلها وحل محلها لافتات أخرى صغيرة للملاك الأصليين بعيداً عن بهرجة 19011.
تقصَّينا من أكثر من مصدر، أين اختفى أصحاب المجموعة: نعيم الصباغ، رئيس مجلس الإدارة وصاحب مقولة “اللي عنده ٣٥ سنة ولسه فقير هو اللي يستاهل”، ومحمود حمدي، العضو المنتدب، وأحمد الأنصاري، المالك الأساسي لشركة ألفا المسؤولة عن صيدليات 19011.
أكثر من مصدر أكد أنهم ما زالوا داخل مصر، وأشارت المصادر إلى أنه قبل إعلان الإفلاس قام عدد من شركات الأدوية الدائنة برفع قضايا ضد أصحاب الصيدليات، وأنهم ممنوعون من السفر بحكم الأحكام الصادرة ضدهم.
وبينما تحدث نعيم الصباغ للإعلام المحلي قبل أيام مؤكداً أنه تخارج من صيدليات 19011 قبل عامين، لا يعرف أحد على وجه التحديد أين هو الآن، وأين باقي الشركاء.
قائمة بمستحقات الشركات الدائنة
وفقاً لمصادر صحفية فإن إجمالي مديونيات صيدليات 19011 المفلسة لشركات الأدوية وصلت لـ636 مليون جنيه، وبحسب المصدر من بين هذه الشركات مالتي فارما، ولها ديون تقدر بـ119 مليوناً، والمتحدة للتوزيع والتجارة ولها ديون بـ88 مليوناً، َوتي إتش إيه فارما 57 مليوناً، والشرق الأوسط للكيماويات 78 مليوناً، ومالتي تريد 7 ملايين، والإسراء للإعلان بمليونين، بالإضافة إلى بعض الشركات الأخرى
كيف سيحصل الدائنون على حقوقهم؟
كل صيدليات 19011 كانت بنظام الإيجار، باستثناء مقر أو اثنين كانا ملكاً لواحد من أصحاب تلك المجموعة، وبالتالي فإن كل الأصول في الـ١٥٠ فرعاً التابعة لتلك المجموعة لن تزيد على ١٠ أو ٢٠ مليون جنيه على أقصى تقدير، متمثلة في أرفف وأدوات، بالإضافة إلى الأدوية”، فشركات الأدوية التي لها مئات الملايين عند 19011 لن تحصل على شيء، لأنها لن تجد شيئاً تحجز عليه. حسب مصادر مطلعة.
أما عن ديون البنوك، وكيف استطاعت مجموعة صيدليات أن تحصل على قروض بمليارات، قال المصدر: لا يزيد عدد صيدليات 19011 عن 150 فرعاً، ولو أن كل فرع به أدوية بمليون جنيه ومليون أخرى في المخازن لكانت أكبر مديونية لهم ٣٠٠ مليون جنيه، في حال حصولهم على كل الدواء بالقسط، دون أن يدفعوا جنيهاً واحداً في دفعة التعاقد.
مشيراً “هم قاموا بتستيف أوراقهم بشكل جيد، وقدموا أوراقاً مزورة تفيد بأنهم يربحون مئات الملايين، وأنهم يرغبون في التوسع، كما أنهم استطاعوا عن طريق البروباجندا الإعلامية واستغلال الشائعات التي صاحبت ظهورهم عن علاقتهم بمؤسسة الرئاسة، وأنهم شركة تابعة للمخابرات في استغلال ذلك”.
ولفت المصدر إلى وجود شيء غامض وعلامات استفهام حول حصولهم على تلك الأموال من البنوك، مرجحاً تورط قيادات بنكية في هذا الأمر، وأضاف “من الممكن أن تكون حجم ديونهم لشركات الأدوية بمئات الملايين، ولكن من غير الطبيعي ولا من المنطقي أن يكونوا قد سحبوا مليارات من البنوك وهم لا يمتلكون أية أصول، وعدد الصيدليات في مصر كلها لا يقل عن 80 ألف صيدلية، فكيف لمجموعة تدير 150 صيدلية فقط أن تحصل على مليارات من البنوك وهي مجرد شركة إدارة وليست مالكة”.
وعن كيفية استحواذهم علي كل هذا العدد من الصيدليات قال المصدر: المشكلة في وزارة الإستثمار، فهم أسسوا شركة إدارة، وبهذه الطريقة استطاعوا أن يتحايلوا على القانون الذي يمنع تملك الصيدلي أكثر من صيدليتين، فهم لا يملكون، هم يقومون بعمل تعاقد مع أصحاب الصيدليات الموجودة في الشوارع الكبرى والمميزة من أجل إدارة الصيدلية مقابل نسبة من الأرباح، ونفقات التشغيل كلها عليهم، من إيجار ومرتبات ودعاية وغيرها…
– لازم يخسروا –
من بين الأسئلة التي يطرحها رجل الشارع في مصر، هل هناك صيدليات في مصر يمكن أن تخسر؟ ولماذا سحبوا كل هذه الأموال من البنوك؟
يرد المصدر نفسه على هذه التساؤلات قائلاً “طبعاً كان لازم يخسروا، وكان لازم يكونوا مديونين، وذلك لأن مصاريف التشغيل أعلى بكثير من الأرباح” وأوضح المصدر ذلك قائلاً “هم أنفقوا عشرات بل مئات الملايين على الدعاية، وكانوا يستأجرون الصيدليات بأرقام خرافية، وكانت مرتبات الصيادلة لديهم أعلى بكثير من غيرهم، كل هذه النفقات تجعل أي صيدليات، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة التي احتسبت عليهم، وهي ضريبة تصل لـ٢٥٪ في حال تعدي مبيعاتك لأكثر من نصف مليون جنيه”، ورجح المصدر أن يكون السبب الأكبر في الخسارة وفي استدانة كل هذه المبالغ هو الدعاية والإعلانات والبروباجندا الإعلامية. بالإضافة إلى استحواذها على مجموعة صيدليات قبل عامين بمبلغ تجاوز الـ360 مليوناً، وهو رقم ضخم للغاية.
– تساؤلات مقلقة وصمت تام في البنوك –
من المثير أنه لم يصدر أي تصريح رسمي حتى الآن من أي بنك حكومي أو خاص في مصر عن حجم مديونيات تلك المجموعة، ورغم صدور تصريحات متباينة في الإعلام الرسمي من مصادر رسمية وغير رسمية تعمل في قطاع الدواء عن أن حجم مديونيات صيدليات 19011 للبنوك يتراوح ما بين 2 إلى 7 مليارات جنيه، ولكن لم يصدر أي تعليق رسمي حتى الآن من أي بنك على هذه الأزمة، وهو ما يثير علامات استفهام أخرى حول الموضوع. وهل أصحاب هذه الصيدليات “مسنودين من فوق” كما تم الترويج من قبل، ولماذا لم يصدر قرار حتى الآن بالقبض عليهم؟ وما هي البنوك التي اقترضوا منها؟ ولماذا لم تحرك تلك البنوك أية دعاوى قضائية ضدهم؟!
وكانت نقابة الصيادلة وجهات أخرى قد حذَّرت قبل أعوام من الصعود المريب لصيدليات 19011 واستحواذها على عدد كبير من الصيدليات بالمخالفة للقانون، ولم يلتفت أحد لتلك التحذيرات.
وكانت الدكتورة سعاد حمودة، نقيب صيادلة الإسماعيلية السابقة، أكدت في منشور على صفحتها بموقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك” أن الإفلاس في صالح أصحاب صيدليات 19011 وأنه قد يعني تبخر فلوس البنوك، وتساءلت كيف يحصلون على قروض بمليارات وهم ليست لديهم صيدلية واحدة تمليكاً.
من أشهر سلاسل الصيدليات التي ظهرت في مصر خلال السنوات الماضية، سيف والعزبي وشادي ورشدي ودوائي، والأخيرتين تعرضتا لنفس السيناريو الخاص بـ19011، حيث تراكمت الديون على صيدليات رشدي قبل عدة أعوام، ولكن صاحبها الدكتور حاتم رشدي وجد طوق النجاة في 19011، حينما دخلت معه في صفقة استحواذ وقررت إدارة كل فروعه والاستحواذ عليها وسداد مديونياته، فخرج رشدي من سوق الدواء وتورط أصحاب 19011.
الأمر نفسه تكرر مع أصحاب صيدليات دوائي التي ظهرت في السوق المصري قبل عدة أعوام بشكل مفاجئ، مشابه لـ19011 في الدعاية والبروباجندا الإعلامية، وبعد سنوات قليلة أفلست، وهرب أصحابها للخارج.
استغلال اسم الرئيس في صيدليات 19011
وفي بداية ظهورهم بالسوق عام 2017 تناثرت أقاويل كثيرة حول صيدليات 19011، وأنها مملوكة لجهاز المخابرات العامة، وأن محمود السيسي نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شريك أساسي فيها، واستغل أصحاب هذه المجموعة هذه الشائعات في تحقيق شهرة وصيت ونفوذ.
معتمدين على شائعتين الأولى أن رقم 19011 هو عيد ميلاد السيسي، وبالتالي هم بالفعل مرتبطون بمؤسسة الرئاسة، والثانية أن العضو المنتدب كان اسمه محمود حمدي عبد الفتاح السيسي، وهو ما ساهم في تأكيد الشائعات حول تلك الصيدليات.
واستغلوا تلك الشائعات في تحقيق أغراضهم بأنهم أصحاب نفوذ قوي، وبدأوا في تصوير إعلانات لمجموعة الصيدليات مع عدد كبير من نجوم الفن والكرة، وكذلك لقاؤهم مع الإعلامي المصري المقرب من النظام عمرو أديب، الذي استضافهم قبل ٣ سنوات لينفوا تلك الشائعات، تحدثوا بطريقة وكأنهم بالفعل أصحاب نفوذ، رغم نفيهم تماماً علاقتهم بالرئيس وأن اسم العضو المنتدب متشابه مع اسم نجل السيسي، وأن رقم 19011 كان مجرد مصادفة
المصدر – الصحف المصرية