رفْض السعودية زيادة إنتاج النفط للمستوى الذي تريده أمريكا موقف كاشف عن مدى التغير الذي شهدته علاقات البلدين من “التبعية” إلى الندية، بحسب تحليل سياسي أمريكي، رصد دور ولي العهد في هذا التحول الدراماتيكي.
إذ نشرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية تحليلاً بعنوان “أمريكا والسعودية عالقتان معاً”، رصد ذهول العديد من المراقبين الأمريكيين من الرفض المتكرر من جانب الرياض لطلبات إدارة الرئيس جو بايدن زيادة إنتاج النفط في المملكة، لتعويض الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية بسبب العقوبات الغربية المفروضة على روسيا نتيجة الهجوم على أوكرانيا.
فرفض السعودية الصريح لتخفيف ارتفاع أسعار الوقود طرح نقاشات كبيرة حول ما إذا كان التحالف السعودي الأمريكي المستمر منذ 77 عاماً يستحق الحفاظ عليه، فيما رأى تحليل فورين أفيرز أن الرفض السعودي لا يجب أن يكون مفاجئاً لأحد.
أحداث 11 سبتمبر نقطة تحول
تحليل المجلة الأمريكية رأى أن علاقة الولايات المتحدة بالسعودية بدأت تأخذ منحنى هبوطياً منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في نيويورك، ووجه انتقاداً مباشراً لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية، التي يبدو أنها توجه اللوم سراً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بشأن التراجع في مستوى علاقات الرياض وواشنطن مؤخراً، بدلاً من توجيه اللوم لأنفسهم.
إذ تُشير تصرفات إدارة بايدن على مدار الـ15 شهراً الماضية إلى أن العديد من المشرعين الأمريكيين لا يفهمون حجم التغير الجوهري الذي طرأ على موقف المملكة من الولايات المتحدة، خاصةً خلال السنوات الخمس التي أعقبت تحول محمد بن سلمان إلى حاكمٍ فعلي للبلاد.
وقد جرى هذا التحوّل بالتزامن مع الخندقة الثابتة للمصالح السياسية الأمريكية داخل الشرق الأوسط، حيث يرأس بايدن ثالث إدارةٍ أمريكية على التوالي تسعى إلى تقليل الالتزام الأمريكي بالتحرك العسكري في المنطقة. وفي المقابل سعى قادة السعودية للتكيف مع هذا التحوّل عن طريق ترسيخ مجموعةٍ أكثر تنوعاً من العلاقات الاقتصادية والأمنية الدولية.
لكن يبدو أن بايدن وصل إلى المنصب وهو على ثقةٍ كاملة بأنه سيحصل على ما حصلت عليه أجيالٌ من رؤساء أمريكا السابقين: علاقةٌ خاصة مع السعودية بناءً على مبيعات الأسلحة، والتنسيق الأمني، وإنتاج النفط. وفي المقابل، لم يخفِ محمد بن سلمان من جانبه حقيقة أنه ينوي منح الأولوية لمصالح المملكة في أسواق النفط العالمية، ومصالحها مع القوى الغربية وغير الغربية الأخرى، من أجل المساعدة في تأكيد سيطرته على بلاده.
ويرى تحليل فورين أفيرز أن إدارة بايدن عليها أن تتبنّى نهجاً أكثر براغماتية لتوسيع العلاقات الثنائية وممارسة النفوذ الأمريكي بطرقٍ جديدة، بدلاً من الإصرار على الحصول على المزايا التقليدية الخاصة بالعلاقة الأمريكية-السعودية، مع تقليل الغطاء السياسي العالمي والحماية العسكرية الإقليمية، التي لطالما وفّرتها الإدارات الأمريكية للحكام السعوديين.
تغيُّر لهجة الخطاب السعودي
تغيرت لهجة الخطاب والسياسة الخارجية السعودية بشكلٍ كبير منذ نهاية فترة إدارة ترامب؛ إذ أطلقت السعودية في قمة يناير/كانون الثاني 2021 بالعلا عملية المصالحة مع قطر، وإعادت التقارب مع عمان والكويت، كما نأت بمواقفها عن الإمارات العربية المتحدة.
وعزّزت الرياض تفاعلها مع العراق منذ ذلك الحين، فضلاً عن جهودها لاسترداد العلاقات الدافئة مع حلفاء تقليديين مثل مصر، والأردن، والمغرب، وباكستان. في حين استأنف ولي العهد أيضاً مشروعاً دام لسنوات من أجل تحقيق تفاعلٍ أكبر مع الصين وروسيا، وهي شراكات مع قادةٍ بفكرٍ مشابه ومن المستبعد أن تؤثر عليها السياسات الانتخابية، كما تعِد بتضامنٍ أكبر على المدى البعيد.
وطرأ تغيُّرٌ بسيط على لهجة خطاب المملكة المتعلق بمواجهة الأطراف المدعومة من إيران في المنطقة، لكنها تبنّت نهجاً أكثر مرونة في التعامل مع إيران عملياً، بينما تسعى إدارة بايدن لانتهاج الدبلوماسية في التعامل مع إيران بدلاً من سياسة “الضغط القصوى” التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب.
واعترفت السعودية علناً في عام 2021 بأنها تعقد محادثات مستمرة مع إيران لتهدئة التصعيدات، كما أعربت عن دعمها الحذر للاتفاق النووي لعام 2015. علاوةً على أنها خفضت آمالها بتحقيق انتصارٍ عسكري في اليمن، رغم احتفاظها بحقها في توجيه ضربات انتقامية قاسية رداً على هجمات الحوثيين. وحتى فيما يتعلّق بلبنان، فقد بدأ قادة السعودية في تجاهله، باعتباره خاضعاً للسيطرة الإيرانية، وقد وافق بن سلمان مؤخراً على التعاون مع فرنسا من أجل تفكيك الأزمة الاقتصادية هناك.
أما على الصعيد الداخلي، فتظل السيطرة السياسية هي الأولوية القصوى لمحمد بن سلمان. وليضمن هذه السيطرة قام مؤخراً بإطلاق سراح عددٍ من السجناء السياسيين، كما انتشرت شائعاتٌ حول اتخاذه موقفاً ليناً أكثر تجاه أفراد العائلة الملكية المُبعدين. ومع ذلك يظل ردع التهديدات المحلية في صدارة الأولويات، كما تجلّى في إعدام المملكة الجماعي لـ81 سجيناً بتهمة الإرهاب يوم 12 مارس/آذار.
ودفعت تلك الإعدامات بإيران إلى إعلان وقف المفاوضات الثنائية؛ لأن نحو نصف السجناء كانوا ينحدرون من الأقلية الشيعية في البلاد، وهو رد فعلٍ متوقع، وثمنٌ يبدو قادة السعودية مستعدين لدفعه بالكامل. ويُسلط القلق من المعارضة المحلية الضوء أيضاً على حملة الحكومة السعودية غير المسبوقة للتحكم في أي معلومات تتعارض مع الرواية الرسمية، سواء على الإنترنت أو في الشارع. ويمتد هذا التحكم إلى التجريم الجنوني لتفاعلات المواطنين ذات المعنى مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني الأجنبية، وخاصةً تلك الواقعة داخل حدود الديمقراطيات الغربية (بما فيها الولايات المتحدة)، بحسب تحليل فورين أفيرز.
لكن العديد من المواطنين السعوديين يقدرون التحسينات ذات المعنى التي طرأت على جودة حياتهم اليومية، برغم القمع السياسي المتزايد، ورغم انتقاد النقاد لخطة رؤية 2030، باعتبارها مجرد “مشروعٍ للتباهي”، بحسب وصف المجلة الأمريكية.
أما الاتجاه الآخر الملحوظ هنا في السنوات الأخيرة، فهو أن صناع القرار السعوديين قرروا تعديل مكانة الدين في المجال العام الخاضع للرقابة الشديدة، من خلال تغييرات شاملة من القمة لأسفل، ووصل الأمر إلى الاستخفاف بالدور التاريخي للسلطات الدينية في ترسيخ حكم العائلة الملكية.
وسعت الحكومة إلى تصوير رؤية 2030 الخاصة بولي العهد على أنها مصدرٌ جديد للشرعية، مع الإشادة المفرطة بكل مشروع من جانب السلطات على أنه من المشروعات “الضخمة”، أو “أكبر” الفعاليات، أو “أطول” الأبراج، إلى جانب العديد من “المرات الأولى تاريخياً” التي تعتبر بمثابة شهادة على العبقرية السياسية لمحمد بن سلمان، لكن العديد من هذه التطورات الاقتصادية البسيطة قد تقع في النهاية فريسةً لجهود الدولة من أجل الحفاظ على رقابتها الكاملة على المعلومات والأسواق.
إدارة بايدن وولي العهد السعودي
دفعت التغييرات الدراماتيكية داخل السعودية بايدن وإدارته إلى التأكيد على فكرة إعادة معايرة العلاقات الثنائية، وذلك من أجل التطرق لتداعيات سنوات “نشاط” السياسة الخارجية الأولى لولي العهد، إذ إن قتل جمال خاشقجي، المعارض السعودي الذي تزعم الولايات المتحدة أن مقتله جاء بأمرٍ من ولي العهد، وتعذيب ناشطات حقوق المرأة في السجون، قد حوّلت محمد بن سلمان إلى عبءٍ سياسي على قادة الولايات المتحدة.
لن يكون أي قدرٍ من الحديث عن أهمية المملكة الاستراتيجية كافياً لإلغاء هذه الأضرار، بحسب تحليل المجلة الذي رصد وصف بايدن السعودية بـ”الدولة المنبوذة” خلال الحملة الانتخابية، واتخاذ خطوات مبكرة لفرض عقوبات على حاشية بن سلمان، وهي أمورٌ ساعدت بايدن على إظهار التزامه بسياسةٍ خارجية تحترم حقوق الإنسان وتتعارض مع سياسة إدارة ترامب.
لكن الأولويات السياسية الفورية لإدارة بايدن في المنطقة عززت من الشكوك السعودية حول التزام الولايات المتحدة بحماية المملكة والنظام السعودي، وتضمنت هذه الأولويات تخفيف المشاركة الأمريكية المباشرة في حرب اليمن وإعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
في حين حلّت سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران ووكلائها محل السياسة الأمريكية تجاه الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على قائمة الأسباب الرئيسية لإثارة حفيظة السعوديين، ولا تزال “عقيدة أوباما” القائمة على تقليص الالتزامات العسكرية الأمريكية تجاه الشركاء القدامى هدفاً للانتقادات الشديدة في خطاب السياسة الخارجية السعودي حتى يومنا هذا.
وربما غازلت إدارة ترامب حُسن النوايا السعودية (وصفقات الأسلحة) بمزيجٍ من الحديث الجاف، والعقوبات الطاحنة، والتحركات العسكرية الموسمية ضد إيران وحلفائها. لكن ترامب سار مع ذلك على نفس نهج تقليل التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة، وذلك حين رفض الرد على الهجمات المدعومة من إيران ضد البنية التحتية النفطية السعودية.
ورصد تحليل فورين أفيرز اعتماد إدارة بايدن على كتيب إرشادات مألوف بدلاً من رسم مسارٍ جديد للعلاقة، حيث بنت استراتيجيتها على حماية قدرة المملكة على شراء الأسلحة الأمريكية (دون إلزامها بدفع أي ثمنٍ مقابل انتهاكات حقوق الإنسان السعودية)، وذلك في مقابل التعاون الأمني وتنازلات سياسية أخرى؛ إذ يؤمن غالبية مسؤولي سياسات الشرق الأوسط في إدارة بايدن بأهمية الشراكة مع السعودية، كما يتقبلون فكرة أن قدرتهم على صياغة سلوكيات النظام السعودي تظل محدودة.
وبناءً على ذلك جرت تنحية نقاشات القيم في العلاقة الأمريكية-السعودية جانباً، حتى تفسح المجال أمام خطابٍ مألوفٍ أكثر حول الشراكة “الحيوية” بعبارات وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وتعاملت إدارة بايدن مع أوضح أدلة التغيير في السعودية -وهو دور بن سلمان الأساسي في صنع السياسة- عن طريق تجاهله تماماً والتعامل مع بن سلمان على أنه مجرد ولي عهدٍ تقليدي، يذهب إلى وظيفته الصباحية كل يوم في إحدى وزارات المملكة البارزة، ويمكن بالتالي استبعاده من المناقشات الثنائية بين زعماء البلدين.
لكن هذه الاستراتيجية قصيرة المدى أهانت محمد بن سلمان، ولم توفر غطاءً كافياً لحقيقة أن الإدارة ليست مهتمةً بمقاضاة السعودية على انتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان.
ولا شك أن تجاهل محمد بن سلمان ببساطة يمثل استراتيجيةً تفاعلية، وقد انعكست على مناطق أخرى من نهج الإدارة في التعامل مع العلاقة. حيث استقرت إدارة بايدن على توجيه بعض الانتقادات إلى السعودية من آنٍ لآخر بسبب رفضها زيادة إنتاجها النفطي، في ظل عجز الإدارة أو عزوفها عن إصدار تشريعٍ للطاقة النظيفة يقلل اعتماد الولايات المتحدة على الوقود الأحفوري. ما زاد بالتبعية من إحساس السعودية بأهميتها الذاتية في الأسواق النفطية العالمية، مع تداول تقارير عن مطالبة قادة السعودية لإدارة بايدن بتقديم تنازلات غير ممكنة سياسياً، مثل زيادة الدعم لحرب المملكة في اليمن، والحصانة القانونية لابن سلمان داخل الولايات المتحدة، والتعاون في الأنشطة النووية.
كل ذلك في مقابل رفع معدلات الإنتاج، الأمر الذي من شأنه أن يعوض ارتفاع الأسعار نتيجة العقوبات المفروضة على روسيا. ونتج عن ذلك أن إدارة بايدن أصبحت في موقفٍ تلعب خلاله لعبة قطةٍ وفأر مع شريكٍ أمني رمزي، حيث تحاول تأمين زيادة الإنتاج النفطي بأقل تنازلات ممكنة، رغم قناعة السعودية بأن ما ستحصل عليه مقابل زيادة الإنتاج هي أشياءٌ كانت ستفوز بها على أي حال.
السعودية أكثر استعداداً للتخلي عن أمريكا
لا يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل مع الدعم السعودي باعتباره أمراً مُسلّماً به؛ إذ لطالما استهانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بتأثير سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بعد 11 سبتمبر/أيلول على مكانتها داخل الرياض. ولنأخذ على سبيل المثال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، ودور الولايات المتحدة المفترض في ثورات الربيع العربي عام 2010، والاتفاق النووي الإيراني، وعدم استجابة واشنطن للهجمات المدعومة من إيران ضد البنية التحتية النفطية السعودية.
سنجد أن ذكريات هذه الأحداث الرئيسية تمثل النقاط المرجعية الأساسية لصناع القرارات داخل السعودية اليوم، إذ حلّت تلك النقاط محل الصور الأيقونية لقيام القوات الأمريكية بتحرير الكويت عام 1991، واجتماع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود على متن يو إس إس كوينسي عام 1945.
ويبدو أن إدارة بايدن أدركت هذا التغيير، وأعطت الأولوية الآن لقبول السعودية بالاتفاق النووي المتجدد مع إيران، واتخاذ موقفٍ متوازن فيما يتعلق بصراع اليمن (بالضغط من أجل السلام مع توفير الغطاء للعمليات الانتقامية السعودية، ودون الضغط بشدة على الحوثيين)، مع عدم الإتيان على ذكر الاتهامات الموجهة سابقاً لولي العهد قدر الإمكان.
في الوقت نفسه يواصل بن سلمان مخاطرته بخسارة حسن النوايا الأمريكية خلال مطاردته لأولوياته السياسية الخاصة، ثقةً منه في أنّ الثروات والاحتياطيات النفطية لبلاده ستردع أي ردود فعلٍ أمريكية أو غربية رسمية. علاوةً على أنّ العصيان العلني لدعوات الولايات المتحدة والغرب بزيادة الإنتاج تلقى استحساناً جيداً في أرض الوطن، حيث تسلط الضوء على مكانة السعودية كطرفٍ كبير في الاقتصاد العالمي.
ويجب على صناع السياسة الأمريكية أن ينظروا إلى مصالح المملكة طويلة المدى لتحديد نقاط الضغط، بدلاً من الرد على إشارات السخط الدورية من الرياض. حيث تتداخل مصالح السعودية بشدة مع طموحات بن سلمان الشخصية لرؤية 2030. كما أنّ الرياض ستتكيف وتبحث عن مصادر أخرى للأسلحة، والاستثمارات، والتكنولوجيا، متى تجاهلتها واشنطن أو تقاعست الشركات الأمريكية عن تقديم الاستثمارات.
ولا تزال الولايات المتحدة في الوقت الراهن هي مصدر غالبية الأسلحة التي تحمي النظام السعودي من خصومه الأجانب (ناهيك عن المعارضة المحلية)، حيث مثلت الأسلحة الأمريكية نحو 80% من إجمالي واردات الأسلحة السعودية بين عامي 2016 و2021. بينما مثلت الصين نحو 1% فقط من واردات الأسلحة السعودية في نفس الفترة، ولم تتجاوز نسبة روسيا 0.1%. كما أن المملكة لا يمكنها التحول ببساطة إلى مُورِّد أسلحةٍ آخر بعد عقودٍ من بناء قواتها المسلحة وأجهزتها الأمنية باستخدام الذخائر الأمريكية.
فيما تُشكّل تطلعات الاقتصاد القائم على المعرفة لرؤية السعودية 2030 وسيلةً أخرى لفرض النفوذ الأمريكي، إن لم تكن وسيلة ضغطٍ مباشرة. حيث لا تزال الجامعات الأمريكية تعتبر الوجهة الرئيسية للسعوديين الراغبين في الدراسة خارج البلاد؛ إذ انخرط 55% من الطلاب السعوديين الدارسين في الخارج بمنحٍ تمولها الحكومة داخل المؤسسات التعليمية الأمريكية في عام 2019، مقارنةً بـ0.4% فقط انضموا إلى الجامعات الصينية. علاوةً على أن السعودية لا تزال تقيس المكانة من معيار قبول وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية الغربية لها، رغم تزايد مغازلتها المتبادلة مع الصين وروسيا.
ويتجلى ذلك أكثر في مقايضة السعودية لتركيزها التقليدي على التأثير في العالم المسلم مقابل تلميع صورتها كمثالٍ للحكم المطلق المتنور والمؤيد للعولمة، حيث تتكاتف عروض المنح التعليمية، والتبادلات الثقافية، والوجهات السياحية معاً في توفير طرق جديدة لنقل القيم الأمريكية وممارسة الدبلوماسية العامة، بعيداً عن رقابة الدول السعودية وقمعها.
ومع ذلك، يظل من الواضح أن الرياض استثمرت أكثر من واشنطن بكثير في بناء أدوات دبلوماسية تشكل مستقبل العلاقة الأمريكية-السعودية، إذ تعتمد مؤسسات الدولة السعودية على خبرات مئات السعوديين الذين قضوا وقتاً طويلاً داخل الولايات المتحدة. حيث بذل الدبلوماسيون السعوديون داخل الولايات المتحدة جهوداً ثابتة على مدار السنوات القليلة الماضية، لعرض وجهات النظر السعودية على قطاعاتٍ جديدة، لثقتهم في معرفة أن التقليل من أهمية أوراق الاعتماد الإسلامية للمملكة هو أمرٌ سيلقى استحسان الجماهير الغربية دائماً.
ورغم أن الجهود السعودية المتزايدة من أعلى لأسفل لتشكيل آراء صناع السياسة الأمريكيين قد أثارت الدهشة داخل واشنطن، فإن إدارة بايدن فشلت في تعيين سفيرٍ لها بالرياض. وربما يدل تجنب بايدن لابن سلمان على حجب الاستياء من سلوكيات بن سلمان بين الجماهير الغربية، ولكن ليست هناك سياسات أمريكية تسعى لتعويض هذا الموقف، بإظهار أي اهتمامٍ حقيقي بالسعوديين العاديين. وتؤكد هذه الإخفاقات على الرسالة القائلة إن واشنطن لا تهتم بالشعوب العربية المسلمة إلّا حين تمثل تهديداً، سواء بدعم الإرهاب أو معارضة المصالح الأمريكية.