لماذا يغيّر مهاجرون كُثر وظائفهم بعد الوصول إلى ألمانيا؟

وزير الاتصال الأفغاني السابق سید أحمد شاه سادات، خلال عمله لدى شكرة توصيل الطلبيات ليفراندو

رغم أن ألمانيا من أكثر الدول الأوروبية حاجة للعمال المهرة والخبرات المتمرسة في مختلف المجالات، إلا أن العديد من المهاجرين واللاجئين، وجدوا أنفسهم أمام عقبات كبيرة لممارسة مهنهم الأصلية. فما هي الأسباب؟

لعل من أشهر قصص المهاجرين الذين اضطروا للتخلي عن عملهم الأساسي والاتجاه لبديل أقل بكثير من قدراتهم وخبراتهم، تعود لوزير الاتصال الأفغاني السابق سید أحمد شاه سادات، الذي تحول إلى عامل توصيل طلبيات الأكل لدى شركة ليفيراندو الشهيرة في ألمانيا.

تحدي التغيير الجذري!

قال شاه سادات في مقابلة مع مهاجر نيوز، إن”الهجرة إلى ألمانيا واختيار هذا العمل كانا تحديان كبيران فعلا، لكني خضتهما برغبتي وبعزم”. معتبراً أن الإنسان يكسب خبرات أكبر بعد خوض تحديات كهذه.

وصل الوزير السابق إلى ألمانيا قبل عدة أشهر من انهيار النظام في كابول أمام حركة طالبان. وكان سادات قد تولى وزارة الاتصالات في بلده بين 2016 و2018. لكن في 2020، قرر الرحيل في ظل تدهور الوضع الأمني، حسب تصريحاته لوسائل الإعلام.

وعن أسباب تغير عمله من خبير في مجال الاتصال في كبريات الشركات ومنصب الوزير، إلى عامل توصيل طلبيات يقول “أنا في ألمانيا منذ ما يزيد عن السنة، في البداية لم أعثر على عمل في مجال تخصصي، بسبب عدم إتقاني اللغة الألمانية، وعدم توفري على علاقات في المجتمع الألماني أو سوق الشغل”.

وزير الاتصال الأفغاني السابق سید أحمد شاه سادات، اعتبر أن عمله كان السبيل الوحيد لكسب قوت يومه في ألمانيا في انتظار تعلم اللغة وإيجاد بديل في مجاله. الصورة: رويترز

كان من الضروري أن يعمل شاه سادات في وظيفة ما يضمن عبرها عائدا مالياً. أول فرصة عمل أتيحت له قبلها دون تردد، إذ قال “اخترت توصيل الطلبيات لأنه لم يتطلب مني معرفة كبيرة باللغة، بل فقط استعمال الدراجة وتتبع مسارات الطريق”.

هل كان اختيار ألمانيا صائباً؟

القدوم إلى ألمانيا عوض العودة إلى المملكة المتحدة، حيث درس في أفضل الجامعات وعمل وحصل على الجنسية، كان بالنسبة إليه اختياراً من أجل الحصول على فرصة جديدة لتعلم الجديد في مجال الاتصال والتكنولوجيا وأيضا “لأكون صوتا لأفغانستان داخل الاتحاد الأوروبي”.

كان شاه يتوقع أن يفيد بخبرته البلد الذي حط فيه الرحال، ويقدم مشورة حول أفغانستان اعتمادا على تجربته ومعرفته بخبايا ما يجري في بلده. وقد سبق للوزير السابق عرض على الحكومة الألمانية المساعدة بعد سقوط كابول، لكنه لم يتلق أي اتصال من السلطات أو الحكومة الألمانية.

شاه سادات لم يفقد الأمل في استثمار معرفته وعلمه بخبايا الأحداث السياسية ببلده، ومصر على محاولة التواصل مع القنصل الألماني الجديد في أفغانستان في الأيام المقبلة

وقد شدد الوزير الأسبق أنه “لم أحصل على أي دعم مادي أو معنوي أو مساعدة للبحث عن عمل مناسب لي منذ وصولي إلى ألمانيا”. لكنه تمكن اعتمادا على نفسه من إيجاد فرصة عمل في شركة اتصالات في مدينة لايبزيغ. يقول “الآن أمارس عملا في مجال تخصصي رفقة فريق متميز وأدرس اللغة الألمانية”.

حكاية اللاجئ لا تختلف عن المهاجر!

من سوريا، اضطر عدنان الناشي، أستاذ علم البيولوجيا خريج جامعة دمشق أن يخلط أوراق حياته كاملة، ويعيد ترتيبها من جديد. في محافظة درعا، مارس مهنة التدريس لأعوام طويلة، وصار متمرسا في مجاله، لكن الاستمرار بمهنته بعد اللجوء إلى ألمانيا كان أمرا مستحيلا.

أول العقبات التي واجهته بعد قدومه إلى ألمانيا، كان فراقه عن أسرته الصغيرة. أربعة أبناء وزوجة لم يتمكن من لم شملهم إلا بعد ثلاث سنوات، أمضاها يكافح القوانين ويطرق أبواب الإغاثة من أجل إنقاذهم من الوضع غير الآمن حيث تركهم.

يقول “أضعت أول ثلاثة أعوام بعد لجوئي في ألمانيا، لم أتمكن من تحقيق شيء يذكر خلالها سوى تحصيل شهادة الامتحان السياسي ومستوى B1 في اللغة الألمانية، كنت أقضي معظم الوقت أحارب السياسات والقوانين الظالمة التي واجهت اللاجئين. كانت فترة عذاب نفسي بحق”.

في بداية 2019، تمكن عدنان الناشي من احتضان أسرته في ألمانيا للمرة الأولى بعد نجاحه في لم شملهم. حينها فقط، عاد للتفكير في مستقبله المهني. بالنظر لتقدمه في العمر، وبعد عملية حسابية بسيطة، اكتشف أن ممارسة مهنة التدريس بالشكل الذي اعتاده وفي مجال تخصصه، تتطلب منه سنوات طويلة للتدريب والدراسة قبل تحصيل الدبلوم المعتمد في ألمانيا.

يقول الناشي “سيكون عمري حين إنهاء مسار التعلم هنا في ألمانيا 53 عاماً، أي مدرسة ستقبل بي دون أدنى خبرة تدريس هنا في هذا العمر يا ترى!”.

الترجمة .. خيار بديل!

يقول عدنان الناشي في حديثه لمهاجر نيوز “لا يمكنني تقبل فكرة أن أبقى عالة على المجتمع وأعيش على المساعدات إلى غاية سنة 53 أو إلى الأبد”. إصراره على الاستقلال المادي، وكسب قوت يومه بعمله، جعله يختار مساراً آخر: الترجمة والتطوع.

تعد المحاكم من أكبر الفضاءات التي يعمل فيها المترجمون من العربية إلى الألمانية

منذ بداية 2019 إلى غاية 2021، أي الفترة التي تلت وصول أسرته إلى ألمانيا، تمكن عدنان الناشي من استعادة توازنه النفسي. استطاع النجاح بمستوى B2 ثم أنهى دورة تحضيرية خاصة للطلاب الأجانب بجامعة هامبولت ببرلين. بعدها نجح في اختبار C1 باللغة الألمانية. أنهى تدريبه الأول في مجال الترجمة، وهو في المرحلة الأخيرة من تدريبه الثاني ليصير حين تخرجه بعد أشهر من الآن ترجمانا محلفاً.

عن هذه الإنجازات يقول الناشي “كان الاستقرار دافعاً قويا للمضي قدماً، رغم ما سببته كورونا من عوائق إضافة لتحمل مسؤولية الأسرة، أفتخر بما حققته حتى الآن وسأستمر في الاجتهاد لأصل لأفضل ما يمكنني”.

الترجمة مهنة لن يعرقلها العمر كما التعليم في ألمانيا، لذلك فضلها الناشي كمسار جديد. كما أنها ستوفر مدخولا جيدا بالنسبة لرب أسرة مكونة من ستة أشخاص في ألمانيا.

بالإضافة إلى المسار الأكاديمي الجديد، كان الناشي حريصا على تخصيص وقت كبير لمتابعة دراسة أبنائه بالمدارس الألمانية. يقول “لاحظ الأصدقاء والمقربون حرصي على تدريسهم في المنزل ومتابعة تقدمهم في الدراسة. بدأوا يطلبون مني مساعدة أبنائهم في الواجبات المدرسية وتجاوز مصاعب اللغة، وكنت أقوم بذلك دون مقابل. بعدها تطورت الفكرة لأصير منذ فترة طويلة متطوعاً لمساعدة أطفال المهاجرين بالمدارس بعد نهاية الدروس”.

أزمة الأطباء والصيادلة السوريون!

عزة، سيدة سورية غادرت وطنها مجبرة بسبب ظروف الحرب وقلة الأمان، وصلت رفقة أسرتها الصغيرة إلى ألمانيا سنة 2016. منذ قدومها تفكر الصيدلانية بالاستقرار رفقة أسرتها هنا رغم العراقيل. تقول “لم نحقق ما نتمناه، والسبب كثرة الإجراءات البيروقراطية والشروط التعجيزية لأشخاص جاؤوا إلى البلد بعد فرار غير مخطط له من منطقة حرب”.

وتضيف المتحدثة قائلة “طموحي كاد أن ينطفئ، أنا صيدلانية وزوجي طبيب، بعد فرارنا من الحرب لم نكن نتوفر على كل المستندات التي تثبث خبراتنا، ولم نتمكن من الحصول عليها بسبب الأوضاع في سوريا”.

اللاجئة السورية عزة خلال فترة تدريبها في إحدى الصيدليات الألمانية

هذا الأمر كلفهما ضياع سنوات من حياتهما في المنزل عوض العمل. تقول عزة “كنت أعلم أننا سنواجه صعوبات، لكني لم أتوقع أن يتم إلغاء العمل بالتصديق على الشهادات، وإلزام الأطباء والصيادلة من خارج ألمانيا بالامتحانات، التي تتطلب ملفات التقديم لها وثائق كان مستحيل بالنسبة لنا الحصول عليها من سوريا بعد لجوئنا”.

من الصيدلة إلى مترجمة متطوعة

في انتظار إيجاد حل لأزمة تحصيل الوثائق الضرورية لمعادلة شهادة الصيدلة، عملت عزة على تطوير لغتها الألمانية. بعد الحصول على شهادة C1 ، كان لزاما على عزة أن تحافظ على مكتسباتها اللغوية عبر الحديث بها يومياً. اختارت مجال الترجمة كبديل عن مهنتها، فدخلته متطوعة.

تقول عزة “صحيح لم أكن أتلقى تعويضا ماديا كبيرا، بل رمزيا فقط يغطي نفقات التنقل وأمور أخرى بسيطة، لكني وجدته مكسبا لتطوير علاقاتي ومعارفي اللغوية، كما أني حصلت خلال تطوعي على تدريب ساعدني على تحسين مهاراتي”.

كان لعزة سبب شخصي في هذا الاختيار، إذ قالت “كنت أيضا قد مررت بتجارب في سنواتي الأولى في ألمانيا احتجت فيها مترجما ليساعدني على فهم الأمور المعقدة والمصطلحات الجديدة، هو عمل إنساني قد تساعد به شخصا جديداً في البلد على حل مشاكل حياته الجديدة، إنه خدمة إنسانية أولا”.

بعد سنوات من المحاولات الدؤوبة والاستعانة بكل من بقي في سوريا من معارف وأصدقاء، تمكنت عزة من تحصيل الوثائق المطلوبة لاجتياز الامتحان، الذي بنجاحها فيه ستتمكن من ممارسة مهنتها. اليوم تنهي عزة تدريباً يخولها اجتياز الامتحان، لكنها مستمرة في عملها التطوعي في مجال الترجمة الذي يمنحها طاقة كبيرة حسب ما تحكيه.

بالمقابل لم يستطع زوج عزة، الطبيب ذو خبرة تفوق خمسة عشر سنة، من الحصول بعد على عمل في تخصصه، ومايزال كما الكثير من الأطباء والصيادلة السوريين، يعتمد على مساعدات الدولة للعيش في ألمانيا.

المصدر – شبكة رمضان – م. ج – مهاجر نيوز

 

شاهد أيضاً

برعاية ريد بول النمساوى.. تفاصيل رحلة ثنائي الأهلي محمد هاني وكريم فؤاد إلى النمسا

يستعد ثنائي الأهلي المصري، للسفر إلى دولة النمسا للخضوع لكشف طبي واستكمال مرحلة التأهيل من …