في اليوم الـ27 للنزاع في أوكرانيا، أعلنت السلطات بذل جهود جديدة لمحاولة إجلاء مدنيين عالقين في مدينة ماريوبول التي ترزح تحت وطأة القصف الروسي، فيما يختبئ سكان كييف الذين يخضعون لحظر تجوّل، في منازلهم.
استمر القصف في بداية الأسبوع على عدة مدن مثل كييف وخاركيف وماريوبول وأوديسا وميكولايف. وأعلن الجيش الأوكراني على فيسوك، الثلاثاء (22 آذار/مارس)، أن الجيش الروسي الذي تكبد خسائر فادحة ويواجه مقاومة شرسة، “عزّز وجوده في المجال الجوي الأوكراني” الاثنين. وذكر أنه “إضافة إلى استخدام الطائرات المسيّرة، فإن العدو يستخدم قاذفات قنابل وطائرات هجومية وقتالية وصواريخ بالستية وصواريخ كروز”. وأفادت مصادر في الاستخبارات الأميركية، وفق ما نقلت عنها صحيفة “نيويورك تايمز” عن أكثر من سبعة آلاف قتيل في صفوف الجيش الروسي من بدء الحرب.
وقالت نائبة رئيس الوزراء الأوكراني إرينا فيريشتشوك في مقطع فيديو “اليوم (الثلاثاء)نركّز على إجلاء سكان ماريوبول” حيث الوضع الإنساني مأساوي.ووصف سكان فرّوا من المدينة المدمّرة لمنظمة هيومن رايتس ووتش “جحيمًا باردًا، مع شوارع تنتشر فيها الجثث وأنقاض المباني المدمّرة” و”آلاف الأشخاص المقطوعين عن العالم في مدينة محاصرة”، يختبئون في طوابق سفلية بدون مياه ولا طعام ولا كهرباء ولا وسائل تواصل. وتقول الأمم المتحدة إن الوضع الإنساني هناك “خطير جدا” مع “نقص كبير في المواد الغذائية والماء والأدوية يهدد الأرواح”
وأشارت فيريشتشوك إلى أنه يُفترض فتح ثلاثة ممرات إنسانية الثلاثاء بين ثلاث مدن قريبة من ماريوبول ومدينة زابوروجيا على بعد 250 كلم نحو الجهة الشمالية الشرقية. وأضافت “لن يكون هناك أماكن كافية للجميع” الثلاثاء لكننا “سنواصل عملية الإجلاء بنفس الوتيرة حتى إخراج جميع السكان من ماريوبول”.
ونقلت منظمة هيومن رايتس ووتش عن مساعد رئيس بلدية ماريوبول بترو أندريوشتشينكو أن أكثر من مئتي ألف شخص لا يزالون داخل المدينة. وقال إن أكثر من ثلاثة آلاف مدني قُتلوا فيها منذ بدء المعارك، لكن الحصيلة المؤكدة لا تزال مجهولة. وتقع ماريوبول حيث تقيم غالبية من الناطقين بالروسية، بين القرم ومنطقة دونيتسك الانفصالية (شرق) وتتعرض لقصف روسي منذ أسابيع.
ورفضت الحكومة الأوكرانية إنذارا وجهته موسكو من أجل استسلام المدينة التي دخلت إليها دبابات روسية وتتواصل المعارك فيها. ووصف الاتحاد الأوروبي “القصف العشوائي” على المدينة الذي “يقتل الجميع” بأنه “جريمة حرب كبرى” وقرر مضاعفة دعمه المالي لشراء أسلحة تُرسل إلى كييف.
من جهته، اتهم الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي روسيا “بتدمير” ماريوبول. وقال مساء الاثنين “إنهم يحوّلونها إلى رماد لكننا سنستمر”. وأعلن زيلينسكي لأول مرة أنه منفتح على “محاولة معالجة كل ما يزعج روسيا ويثير استياءها”مع نظيره فلاديمير بوتين “لوقف الحرب”، إذا وافق الأخير على التفاوض مباشرة معه.
قصف في كييف
في العاصمة، التي تعرّضت لضربة روسية قوية مساء الأحد، هي الأعنف حتى الآن، استهدفت بحسب سكان ومسعفين مركزًا تجاريًا وأسفرت عن 8 قتلى، دخل حظر تجول جديد حيز التنفيذ الاثنين ويستمرّ حتى الأربعاء الساعة السابعة صباحا. بحسب موسكو، فإن مركز ريتروفيل التجاري الضخم الذي كان “متوقفا عن العمل” كان يستخدم كمستودع أسلحة. شاهد صحافي وكالة فرانس برس ست جثث انتشلت من تحت الأنقاض وهي لرجال يرتدون بزات عسكرية ما يدفع للاعتقاد بأن جنودا كانوا ينامون هناك.
وقال رئيس بلدية كييف فيتالي كليتشكو الاثنين إن منذ بدء النزاع، “قُتل 65 من سكان كييف المسالمين بينهم أربعة أطفال” وأصيب نحو 300 شخص بينهم 16 طفلا “في قصف عسكري روسي”.
وأفادت النيابة العامة الأوكرانية الثلاثاء أن 117 طفلًا على الأقل قُتلوا في كافة أنحاء البلاد منذ بدء الغزو الروسي. وأضافت أن 548 مدرسة دُمّرت بينها 72 بشكل كامل.
انشقاق 300 جندي روسي
في شمال شرق البلاد، أكدت هيئة أركان الجيش الأوكراني الثلاثاء أن قرابة 300 جندي روسي انشقوا قرب أوختيركا في منطقة سومي، مؤكدةً أن القوات الروسية لا تملك ذخائر وطعامًا ووقودًا سوى لثلاثة أيام.
وفي دونباس (شرق)، التي تنشط فيها حركة انفصالية موالية لروسيا منذ 2014، قُتل 124 مدنيًا على الأقل في منطقة لوهانسك، وفق ما أفادت الإدارة المحلية على فيسبوك. وتحدثت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء عن سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا على عشرات البلدات في دونباس. واستهدف هجوم روسي مساء الاثنين مدينة أفدييفكا المحاذية لدونيتسك في شرق أوكرانيا، ما أسفر عن خمسة قتلى و19 جريحًا، وفق ما أفادت ليودميلا دينيسوفا المكلّفة شؤون حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني.
المفاوضات
وفي مقابلة مع عدة وسائل إعلام بثت ليل الاثنين الثلاثاء، قال الرئيس الأوكراني لأول مرة إنه منفتح على مناقشة مسألة دونباس والقرم، مشيرا إلى أن أوكرانيا “ستدمر” قبل الاستسلام. إلا أن الكرملين اعتبر الثلاثاء أن المحادثات الجارية مع كييف ليست “جوهرية” بشكل كاف. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف للصحافيين “هناك عملية ما تجري. نريد أن نرى (محادثات) أكثر نشاطا، وجوهرية بدرجة أكبر”.
وأكد زيلينسكي في المقابلة أن “مسألة القرم ودونباس صعبة جدا للجميع”، قائلا “نحن بحاجة إلى “ضمانات أمنية وإنهاء الأعمال العدائية، وحين يرفع الحصار، نتحاور” وذلك بشأن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014 والإقليم الواقع في شرق أوكرانيا حيث أعلن الانفصاليون الموالون لروسيا “جمهوريتين” لا تعترف بهما سوى موسكو. وأعلن رئيس الدولة أنه يريد التحدث مباشرة إلى نظيره الروسي، محذرا في الوقت نفسه بأن “علينا القيام بكل شيء حتى يعود دونباس وشبه جزيرة القرم إلينا (…) إنها مسألة وقت؟ نعم. لكن وقف الحرب الآن، هذه هي القضية”
المصدر – ف.ي/ع.ش (ا ف ب)