ترعة الفرخة – حكاية عمرها 162 سنة أصبحت المدخل الرئيسى للإسكندرية

لن يخطر على بالك على الإطلاق أثناء مرورك من المدخل الرئيسى الوحيد لمحافظة الإسكندرية من الناحية الشرقية، سواء أكنت قادمًا من الطريق الزراعى الموصل بالقاهرة، أو الدولى أو الدائرى، لتسلك الطريق الرئيسى الموصل إلى داخل المدينة، أنك تسير فى ترعة «الفرخة» المعروفة قديمًا بهذا الاسم، والتى توجد مثبتة بالرسومات الكروكية الرسمية للإسكندرية.

بمجرد نزولك من أعلى كوبرى محرم بك العتيق، وبالتحديد فى مواجهة مدخل مستشفى الحضرة الجامعى «ناريمان للعظام»، تجد نفسك تسير فى طريق منخفض تماما عن جانبى الطريق يمينا ويسارا، حيث ينخفض الطريق المسمى حاليا بشارع قنال السويس بمعدل أكثر من 10 أمتار عن المبانى والمنشآت المبنية على جانبى الطريق، وهو بداية طريق ترعة الفرخة كما كان يطلق عليها وقت إنشائها.

لمن لا يعرف فإن ترعة الفرخة (قنال السويس حاليا)، تم حفرها فى عام ١٨٦٠، فى عهد الخديو إسماعيل، وكانت مهمتها توصيل المياه إلى أول محطة لتنقية المياه بالإسكندرية المعروفة حاليا بـ«وابور المياه»، خاصة أن أهالى الإسكندرية كانوا يطلقون على أى ماكينة لرفع المياه أو تصريفها اسم «وابور» والمعروفة حتى الآن بهذا الاسم، وكانت المياه تصل عبر ترعة الفرخة إلى محطة التنقية، أما بقية مياه الترعة فتستكمل طريقها لتشق منطقة الشلالات حالياً، وعلى أحد جانبى ترعة الفرخة، يسكن الخواجات فى فترة الخمسينيات، والطبقة المتوسطة من المصريين، مثل الأديب ألفريد فرج، ولورانس داريل، صاحب رواية «رباعية الإسكندرية»، وعلى الجانب الآخر، كانت عزبة الفرخة، ويسكنها «الغلابة، والناس اللى على قد حالهم قوى، زى الحرافيش»، كما كان يطلق عليهم الأديب نجيب محفوظ، وكانت عزبة ترابية على هيئة مثلث متساوى الأضلاع، يقع بين أسوار الترعة، والسكة الحديد، وسجن الحضرة.

ترعة الفرخة

أحمد عبدالفتاح، عميد الأثريين فى الإسكندرية، يقول إن عزبة الفرخة التى سميت على اسمها الترعة، كان يقطنها مصريون من النوبة ومحافظات الصعيد والوجه البحرى، مشيرا إلى أن إنشاء طريق الترعة جاء فى وقت قريب وتحديدا فى أواخر الستينيات، حيث كان المدخل الرئيسى للإسكندرية هو الطريق الزراعى فقط، ولم يكن وقتها هناك طريق صحراوى كما هو حاليا، وعندما أنشئ الطريق الصحراوى، فى أواخر الستينيات، تقرر تجفيف الترعة، واستبدالها بطريق يدخل الإسكندرية، على أن يتم توصيل المياه عبر مواسير ضخمة يتم دفنها فى قاع الترعة لتتم الاستفادة من المجرى المائى، حيث تم إنشاء ما يسمى بطريق قنال السويس الحالى.

وأضاف أن الناحية البحرية لترعة الفرخة كانت ترعة المحمودية، أما الناحية القبلية فكانت شركة الملح والصودا.

وقال الدكتور حسام عبد الباسط، مدير عام الآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى الإسكندرية والساحل الشمالى، إنه كان لموقع مدينة الإسكندرية البعيد عن أفرع نهر النيل الرئيسة دور كبير فى تطور أنظمة حفظ وتخزين المياه فى المدينة على مر العصور، وكان خليج الإسكندرية هو المصدر الرئيسى لإمداد المدينة بالمياه العذبة، وعن طريقه نشأ أهم طريق تجارى يربط المدينة بباقى مصر، كان هذا الخليج يخرج من الفرع الكانوبى عند قرية شيديا على بعد سبعة وعشرين كيلو مترًا من الإسكندرية، وكان يسير فى نفس موضع قناة المحمودية الحالية، وكان يتفرع عند حجر النواتية إلى فرعين، يسير أحدها باتجاه أبوقير (كانوب)، أما الآخر فيواصل مسيره تجاه الإسكندرية، بمحاذاة السور الجنوبى للمدينة على بعد ثلاثمائة متر منه، حتى يصب داخل الميناء الغربى من المدينة.

وأضاف: أعيد حفر خليج الإسكندرية أكثر من مرة خلال العصر الإسلامى، بداية من عصر أحمد بن طولون سنة 259 هـ بعد أن كان مطمورًا قبل سنة 245هـ، ثم أعيد حفره مرة ثانية فى عهد الظاهر بيبرس سنة 661هـ، ثم أعيد حفر الخليج فى عهد الناصر محمد بن قلاوون سنة 710هـ/ 1310م، وبه عرف باسم الخليج الناصرى، ثم طمر الخليج بفعل الرمال والطمى بداية من سنة 770هـ/ 1368م، حتى أعاد الأشرف برسباى حفره سنة 826هـ/ 1423م وعرف من هذا الوقت بالخليج الأشرفى.

ترعة الفرخة

وكما جاء فى كتب الرحالة والمؤرخين عن المدينة، فإن هذا الخليج كان يخترق شوارعها وتتفرع منه عدة قنوات وفروع صغيرة تمتد فى باطن الأرض وتمثل ما يشبه من القنوات المائية لإيصال المياه العذبة إلى مختلف دور المدينة، وكذلك لرى حدائقها وبساتينها، وقد صار تخزين الماء مستمرًا فى المدينة منذ زمن الإسكندر إلى يوم أن أنشأت محطات المياه ومدت مواسير الماء، وقد استغنى فى الحال عن الصهاريج التى ردم أغلبها ولم يبق منها الآن سوى القليل، ومن عجب الخليج إذا زاد النيل تبقى هذه المدينة كأنها قارورة وضعت على الماء، ولا يبقى منها دار إلا ويدخل إليها الماء الذى يحتاج إليه من زيادة النيل، والطبقة التى تحت المدينة تمشى فيها كما تمشى فى الشوارع وهى ثلاث طبقات.

وقال إن الخليج كان يسير داخل المدينة فى قنوات معقودة تحت الأرض، قدر عددها بأربع قنوات كبيرة، كانت تظهر فى مصورات العديد من الرحالة الأوروبيين منذ أواخر القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى، مثل بيير بيلون 1548م، وخريطة هيلفريش 1566م، وخريطة براون وهوجنبورجر 1573م، وميشيل هربر فون بيرتن 1585م، وأطلس يانسون 1619م، وأولفيرت دابير1670م.

وكانت القناة الأولى تسير فى استقامة الخليج نفسه من داخل المدينة حتى تصب فى الميناء الغربى، وكانت تعرف باسم خليج القلعة نسبة إلى قلعة الركن، وتسير القناة الثانية فى الشارع المار بعمود السوارى حاليًا، وكانت تعرف باسم خليج السباع، وكانت القناة الثالثة تسير فى الشارع الموازى للشارع السابق وعلى بعد تسعمائة متر منه تقريبًا، وتعرف هذه القناة باسم خليج الطين، أما القناة الرابعة فكانت تسير بالشارع المار ببرج السلسلة (شارع سوتير)، والتى عرفت باسم خليج الصباغ أو الخليج الصغير فى العصر العثمانى، بينما كانت هناك قناة تسير خارج أسوار المدينة من جهة الشرق (شارع قناة السويس) فيما كان يعرف فى بداية القرن العشرين باسم ترعة الفرخة.

ولفت إلى أن هذه القنوات كانت تتبع فى سيرها داخل المدينة الخطط والحارات لتتفرع أسفل المنازل والمنشآت لملء الصهاريج والخزانات الموجودة داخل المدينة، وغالبا ما كانت الصهاريج تقام أدنى من مستوى سطح البحر من 5 إلى 6 أمتار، وكانت قيعان هذه الصهاريج أعلى من مستوى المياه الموجودة فى القنوات المائية الموجودة تحت الأرض، لتسهل عملية رفع المياه عن طريق السواقى السلطانية.

وأوضح «عبدالباسط» أن شركة مياه الإسكندرية أنشأت ما يعرف باسم وابور المياه بباب شرقى فى سنة 1879م واشترت الحكومة المصرية هذه الوابورات بعد ذلك، كما اشترت وابورات مياه ضاحية الرمل فى حجر النواتية فى سنة 1880م، وكان مأخذ المياه لهذه المعامل عند فم ترعة الفرخة المتفرعة من ترعة المحمودية عند الكيلو (71).

وكان منسوب ترعة الفرخة أعلى من منسوب ترعة المحمودية بمترين تقريبًا، كانت ترفع إليها المياه بواسطة محطة طلمبات قوتها 200 حصان، وتسير هذه الترعة بمجرى مكشوف منخفض عن الأراضى المجاورة بطول 1150 مترا تقريبًا، ثم تجرى داخل عقدين من البناء تحت شارع منشه إلى طلمبات المياه العكرة التى ترفعها نحو 50 قدما إلى أحواض الترسيب وتبلغ قوة ماكينات هذه الطلمبات 500 حصان تقريبًا، ولمنع تلويث مياه ترعة الفرخة من قبل الأهالى أقامت الشركة على جانبى الترعة حائطين بارتفاع نحو ثلاثة أمتار، بحيث يصبح من العسير الوصول إلى المياه وتلويثها بإلقاء القاذورات فيها.

المصدر – صحيفة المصرى اليوم

 

شاهد أيضاً

قانون لجوء الأجانب في مصر يثير الجدل.. كيف أجبر الاتحاد الأوروبي القاهرة على الإسراع بتمريره؟

مررت الحكومة المصرية بشكل مبدئي قانون لجوء الأجانب الذي أثار جدلاً حقوقياً وشعبياً واسعاً خلال …