من المتوقع أن تشهد المدن الهولندية والنمساوية خلال نهاية الأسبوع الجاري المزيد من الاحتجاجات ضد القيود التي فرضتها حكومتا البلدين للحد من تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا.
هناك ما يبرر العديد من المخاوف التي تم التعبير عنها سواء في الشوارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي والكثير من الأسئلة التي تطرح حول القرارات السياسية الأخيرة في البلدين تعتبر مشروعة. ولكن هناك أيضاً الكثير من المعلومات الكاذبة والمضللة التي ينشرها المشاركون في هذه الاحتجاجات.
من الاكاذيب الشائعة التي لا أساس لها من الصحة بأن اللقاح مؤامرة لتسميم السكان، ووصف الحكومات باعتبارها “ديكتاتوريات صاعدة” وغيرها من المشاعر والمواقف الأكثر تطرفاً التي يتم التعبير عنها جنباً إلى جنب مع الغضب العام من التوجهات السياسية لهذا الحكومات.
وقال ريكاردو، أحد منظمي الاحتجاجات في هولندا لبي بي سي بعد مواجهات بين متظاهرين وشرطة مكافحة الشغب في امستردام “العنف ضروري لأن هناك حاجة لإحداث تغيير”.
وفي النمسا لعب حزب الشعب والحرية والحقوق الأساسية (MFG) الذي تم تشكيله حديثًا والمناهض للقاح دوراً أساسياً في التخطيط للاحتجاجات الأخيرة على الأرض.
وشبّه الحزب القيود التي فرضتها الحكومة بممارسات الحكم النازي خلال الحرب العالمية الثانية وهو أمر لا أساس له من الصحة، ووصف الحكومة بأوصاف شنيعة مثل “الديكتاتورية” و”الفصل العنصري”.
ويعارض حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف، ثالث أكبر حزب في البرلمان النمساوي هذه القيود وقد أدلى زعيمه الجديد بتصريحات مضللة وأراء لا أساس لها مثل وصفه لبرنامج التطعيم بأنه تجربة هندسة وراثية.
ونفس هذه العبارات تستخدمها مجموعات على فيسبوك والأشخاص الذين خرجوا للاحتجاج في النمسا الأسبوع الماضي عندما دخلت البلاد مرحلة الإغلاق الوطني الكامل.
لا تقتصر معارضة عمليات الإغلاق وشهادات اللقاح على اليمين المتطرف بل تشمل مجموعات متنوعة من النمساويين وفقاً لبحث قامت به بي بي سي.
إنعدام الثقة بالسلطة
نشر مغني راب نمساوي عبر صفحته على موقع تويتر رسما كاريكاتوريا يظهر رجلين في السجن أحدهما قتل ستة أشخاص والآخر رفض أخذ اللقاح وهو وضع متخيل لما يمكن أن يواجهه الأشخاص الذين يرفضون أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا.
ما قام به المغني يكشف عن مخاوف مشتركة من إساءة الحكومات استخدام سلطتها، رغم أن المغني نفسه نشر عبر وسائل التواصل الإجتماعي عدداً من نظريات المؤامرة الأكثر غرابة من بينها نظرية المؤامرة التي تحمل اسم “إعادة التشكيل”
دعت الأحزاب اليمينية في النمسا إلى التظاهر ضد الاجراءات التي فرضتها الحكومة لمنع تفشي الفيروس
وتشير الأبحاث الحديثة التي جرت في النمسا إلى أن الثقة المنخفضة في اللقاح المضاد لفيروس كورونا وثيقة الصلة بانخفاض الثقة في السلطة بشكل عام.
ويشير العديد من المحتجين الهولنديين إلى فترة الإحتلال النازي لبلدهم وانتشار إعتقاد لا أساس له من الصحة بأن اللقاحات سامة أو هي جزء من مؤامرة عالمية شريرة ويقارنون بين أحد البار كودات المستخدمة في هذا المجال والصليب النازي المعقوف.
وأظهر استطلاع جرى بتكليف من الاتحاد الأوروبي حول الثقة في الحكومات أن بعض أكبر حالات التراجع في هذه الثقة كانت في النمسا وكرواتيا خلال الفترة بين ربيع 2020 و 2021 وشهدت البلدان مؤخراً احتجاجات ضد القيود التي فرضتها حكومتا البلدين.
أما في روسيا وعلى الرغم من عدم وجود فرصة للتعبير عن عدم الثقة بالسلطات في الشارع بسبب حظر المظاهرات غير المصرح بها، لكن الأمر واضح تماما على الإنترنت.
وتقول أولغا دياكونوفا من خدمة بي بي سي الروسية في موسكو إن الاحتجاجات ضد إصدار شهادات التطعيم منتشرة على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب عدم الثقة في الحكومة والسلطات بشكل عام. ومستويات التطعيم في روسيا هي من بين الأدنى في أوروبا.
وفي وقت سابق من العام ، حذرت البروفيسور ميليندا ميلز من جامعة أكسفورد من تطبيق جوازات سفر اللقاح التي تحمل “خطر التمييز غير العادل في التوظيف وحضور الأحداث والتأمين وطلبات الإسكان”، لكنها قالت إن هذه المخاوف يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الواجبات القانونية والأخلاقية لحماية صحة الناس.
لكن ميرو ديتريش من مركز الأبحاث والتحليل والاستراتيجية الألماني بعتقد أن الأشخاص الذين لديهم مثل هذه المخاوف لا يشكلون غالبية المتظاهرين.
“إذا نظرت إلى المنظمين والأشخاص الذين حشدوا الناس للمشاركة في هذه الأحتجاجات ستدرك أنهم ليسوا ممن لديهم مخاوف مشروعة. إنهم من أنصار نظريات المؤامرة أو أصحاب وجهات نظر يمينية متطرفة” حسب رأيه.
وتزعم مجموعة على الإنترنت تشارك في تنظيم الاحتجاجات النمساوية أن اللقاحات “أصبحت غير فعالة أكثر فأكثر”. لكن هذا الرأي لا تدعمه أي اختبارات سريرية صارمة ولا البرامج العملية لحقن مليارات الأشخاص في جميع أنحاء العالم باللقاحات المختلفة المتاحة.
وتظهر دراسات متعددة أن اللقاحات فعالة جدا في حماية المرضى من دخول المستشفيات والوفاة ويمكن أن تلعب أيضا دوراً في الحد من انتقال المرض وأعراضه.
ولا يوجد دواء بلا مخاطر لكن مضاعفات اللقاحات نادرة ومعظمها ليست خطيرة وتكاد لا تذكر مقارنة بالضرر المحتمل الذي يسببه كوفيد-19 حتى للأشخاص الأصغر سناً.
مثل هذه المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تبالغ في مخاطر اللقاح بينما تقلل من مخاطر الفيروس.
إلى جانب الأسئلة الجديرة بالطرح مثل أن إلزامية اللقاحات وشهادات التطعيم قد تنطوي على إمكانية التمييز ضد بعض فئات السكان، يتم تداول معلومات مضللة وكاذبة للغاية على وسائل التواصل الاجتماعي وتنظم العديد من الاحتجاجات في الشوارع.
وقال كيران أوكونور، الباحث في معهد الحوار الاستراتيجي الذي يراقب المعلومات المضللة والتطرف عبر الإنترنت لبي بي سي: “هناك بالطبع الكثير من الأشخاص الذين يشعرون بإحباط حقيقي بسبب القيود المفروضة في بلادهم”.
لكنه أوضح أن “خطر هذه الإحتجاجات والجماعات والحركات هو أنها قد تصبح مدخلاً محتملاً للتطرف أو نحو الراديكالية لأنها تعتمد أساساُ على معلومات مضللة وادعاءات مضللة ونظريات مؤامرة”.