تمتلك روسيا حالياً السلاح غير النووي الأشد تدميراً على وجهة الأرض، إنه راجمة الصواريخ “توس-1” التي تسببت في تدمير مروّع في الشيشان وسوريا، وقبل ذلك استخدمت نسخها الأولى في أفغانستان.
و”توس-1″ هي راجمة صواريخ روسية قادرة على إطلاق صواريخ متعددة ذات رؤوس حربية حارقة. أثبتت “توس-1” قدراتها التدميرية لأول مرة في حصار العاصمة الشيشانية، غروزني، عام 1999، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
استخدمت أيضاً في العديد من البؤر العالمية الساخنة مثل أفغانستان والعراق وسوريا. اكتسبت “توس-1” سُمعة سيئة بسبب الآثار المروّعة لما تحمله من الرؤوس الحربية الوقودية الهوائية شديدة التفجير.
لذا، تُعد راجمة الصواريخ “توس-1″، التي يلقبها الروس بـ”بوراتينو”، من بين الأسلحة المتفجرة الأشد تدميراً، لكنها غير نووية.
أمريكا أول من استخدم المتفجرات الوقودية الهوائية (FAE)
يرمز مصطلح “توس” إلى نظام “قاذفات اللهب الثقيلة”، حيث تطلق راجمة الصواريخ “توس-1” صاروخاً يحمل رؤوساً متفجرة -تُعرف بـ”المتفجرات الوقودية الهوائية- تحوّل الهواء إلى نيران مشتعلة، فتحدث تدميراً بالغاً يفوق كثيراً التدمير الناجم عن المواد الشديدة الانفجار التقليدية، لاسيما في الأماكن المغلقة.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية أول من استخدمت هذه المتفجرات في حرب فيتنام لأنَّ قذائف النابالم لم تكن مدمرة بدرجة كافية. تنشر ذخائر النابالم سائلاً لزجاً ملتهباً يمتد على مساحة واسعة.
على النقيض من ذلك، تنشر المتفجرات الوقودية الهوائية سحابة كيميائية في الهواء من خلال خلق تأثير الهباء الجوي. تتسرب تلك السحابة الغازية الكيميائية دون عناء إلى البنية الهيكلية للمباني والكهوف وتصل إلى الأنفاق والملاجئ تحت الأرض، ثم تشعل مادة متفجرة ثانوية تلك السحابة الغازية، مسبّبة انفجاراً هائلاً طويل الأمد.
بينما تسبّب الحرارة المتولّدة من المتفجرات الوقودية الهوائية حروقاً مميتة في دائرة نصف قطرها كبير، فإنَّ الضغط الزائد الناتج عن الاحتراق المفاجئ للهواء يكون أكثر فتكاً. تخلق الانفجارات النارية الناجمة تفريغاً جزئياً للأكسجين الموجود في موقع الانفجار يعقبه هجوم للضغط الجوي من جميع الجهات لتعويض الضغط السلبي الناجم عن الانفجار، وهو ما يؤدي إلى تدمير وقتل وتشويه مضاعف لكل ما هو موجود في موقع الانفجار والمنطقة المحيطة به.
بالإضافة إلى حرب فيتنام، استخدمت الولايات المتحدة هذه النوع من المتفجرات في عدد من المهمات الهجومية ضد حركة طالبان في أفغانستان ومطاردة أسامة بن لادن في جبال تورا بورا الوعرة، حيث نشرت الطائرات الأمريكية رؤوساً حربية حرارية على صواريخ دقيقة التوجيه لتدمير الكهوف التي يختبئ بها مقاتلو طالبان.
تبنى الاتحاد السوفييتي هذا النوع من الأسلحة بعد فترة وجيزة من استخدام الولايات المتحدة له في أفغانستان، إذ استخدمها على نطاق واسع في الحرب في الشيشان وكذلك في مناوشات حدودية ضد الصينيين في عام 1969.
هيكل الراجمة “توس-1” يتكون من دبابات إطلاق الصواريخ
تستخدم معظم أسلحة المدفعية الروسية هيكل عربة مدرعة خفيفة مثل الحاملة المدرعة “MTLB”، في حين أنَّ هيكل راجمة الصواريخ “توس-1” هو هيكل دبابة “T-72” تعمل بمثابة وحدة إطلاق يُثبّت عليها الراجمة “توس-1” ويكون بها 30 أنبوباً لتحمل 30 صاروخاً. يمكن إطلاق الصواريخ بشكل فردي أو جماعي في فترة زمنية من 6 إلى 12 ثانية. تكون هذه المركبة مُزوّدة أيضاً بنظام استهداف حاسوبي وجهاز تحديد مدى بأشعة الليزر، بالإضافة إلى أنها مجهّزة بنوعين من الصواريخ: الأول صواريخ برؤوس حربية حارقة تقليدية، والثاني بالرؤوس الحربية الوقودية الهوائية التي ذكرت أعلاه.
لا يوجد لمركبة “توس-1” نظير حقيقي قيد الاستخدام حالياً في الجيوش الغربية، حسب المجلة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن جميع أنواع أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق قيد الاستخدام، مثل “M142 HIMARS” التي يستخدمها الجيش الأمريكي لقصف مواقع تنظيم “داعش” في العراق، لكن جميعها أسلحة مدرعة خفيفة مخصصة للنيران غير المباشرة بعيدة المدى. علاوةً على ذلك، تعتمد هذه المدفعية الصاروخية عادةً على الذخائر العنقودية أو الرؤوس الحربية التقليدية شديدة الانفجار، وليس الذخيرة الحارقة.
طوّرت روسيا مركبات جديدة “TOS-1A Solntsepek” التي تُدعى “الشمس الحارقة” وبدأت في دخول الخدمة عام 2001 بمدى 6 كيلومترات. يعتبر هذا المدى طويلاً بما يكفي للسماح لها بإطلاق نيران تتجاوز النيران الانتقامية من غالبية الأسلحة المضادة للدبابات. تأتي المركبة الجديدة مزوّدة أيضاً بنظام حاسوب باليستي مُحسّن. وقد تقلّص عدد أنابيب الإطلاق إلى 24 بدلاً من 30، لأنَّها تطلق صواريخ أثقل بتسعين كيلوغراماً.
الاتحاد السوفييتي استخدمها في وادي بنجشير، ودمر الروس به غروزني
سُجّل أول استخدام قتالي لراجمة الصواريخ “توس-1 بوراتينو” في الفترة بين عامي 1988 و 1989 ضد المجاهدين الأفغان في وادي بنجشير.
لكن في عام 1999، أثبتت هذه الراجمة قدراتها التدميرية في حصار العاصمة الشيشانية، غروزني، عندما طوَّق الجيش الروسي في الحرب الشيشانية الثانية المدينة بالمدفعية الثقيلة والدبابات بعد تكبده خسائر فادحة أثناء محاولته الهجوم على مركز غروزني خلال الحرب الشيشانية الأولى، ثم أرسل فرق مشاة صغيرة لاستكشاف الدفاعات الشيشانية.
بمجرد أن فتح الشيشانيون النار بدأت المدفعية الروسية المحيطة بالمدينة في نسف المباني والأحياء السكنية التي أطلقت منها النيران. أدَّت راجمة الصواريخ “توس-1” دوراً رئيسياً في هذا القصف المدفعي وأحدثت انفجارات نجم عنها تفجير ألغام وفخاخ متفجرة كان قد خلّفها مقاتلو الشيشان.
تسببت قاذفة الصواريخ الحرارية “توس-1” في القضاء على مربعات سكنية كاملة في غروزني. أسفرت غارة واحدة عن مقتل 37 من السكان المحليين وجرح أكثر من 200 آخرين. تحولت المدينة إلى أرض قاحلة مدمرة بحلول وقت انتهاء المعركة.
و”الحشد الشعبي” حصل عليها
باعت روسيا ما لا يقل عن 4 راجمات TOS-1 إلى العراق في عام 2014، وشوهدت لأول مرة وهي تدخل نطاق العمل القتالي ضد تنظيم “داعش” في معركة جرف الصخر في عام 2014، التي انتصرت فيها إحدى الميليشيات الشيعية العراقية المعروفة باسم الحشد الشعبي.
وتسلَّم أيضاً الجيش السوري مركبات الراجمات المطوّرة “TOS-1As” ونشرها ضد عدد من مواقع المعارضة المسلحة في سوريا على جبهات مختلفة، من بينها مدينة حماة.
يتواصل استخدام “توس-1” أيضاً في واحدة من مناطق الصراع طويل الأمد الأقل شهرة بين أذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورنو قره باغ الانفصالي. وقد باعت روسيا “TOS-1As” المطوّرة لكلا طرفي الصراع.
بينما ثمة نقاش يجب أن يدور حول ما إذا كان إيذاء البشر وقتلهم في الحرب يكون غير مقبولاً إذا حدث بطريقة معينة أكثر من غيرها، فإن الشاغل الأكبر بشأن هذا النوع من الأسلحة التي تسبب انفجارات كبيرة جداً وتخلق تأثيرات هائلة من الحرارة والضغط يتمثّل في كونها عشوائية بطبيعتها، إذ إنَّ وابلاً من صواريخ راجمات “توس-1” من شأنه إبادة كل شيء في موقع الانفجار وما حوله على مسافة مئات الأمتار.
وهذا يُمثّل إشكالية عندما يُستخدم السلاح ضد أهداف وسط مناطق حضرية وسكان مدنيين، كما هو الحال في معظم القتال الدائر في العراق وسوريا وأوكرانيا.
وكالات إخبارية