باتت “نيوم” السعودية و”العاصمة الإدارية” في مصر وإمارة دبي، أبرز عناوين تنافُس بين الحلفاء الثلاثة، الرياض والقاهرة والإمارات، بهدف استقطاب الشركات العالمية.
وأشار تقرير لموقع “دويتش فيله” الألماني إلى أن تحدي أبوظبي إرادة الرياض في مسألة حصص النفط داخل أوبك قبل عدة أشهر، جاء في خضم قرارات وخطط سعودية لمنافسة دبي في إطار “رؤية 2030” للأمير محمد بن سلمان. مثل مشروع بناء مدينة “نيوم” على البحر الأحمر الذي يُذكّر بمشروع بناء مدينة “مصدر” في أبوظبي. كما يبدو مشروع الجزر السياحية السعودية في البحر الأحمر على غرار مشاريع الجزر الإماراتية بالخليج.
أما خطة السعودية لتحويل المملكة إلى “مركز طيران عالمي” بتكلفة تصل إلى 147 مليار دولار، فتذكّر بمحاولة اللحاق بتجربة دبي التي أضحت أهم مركز للسياحة والسفر في الشرق الأوسط.
وسيعني تنفيذ هذه الخطط منافسة قوية للإمارات وأخذ حصة من كعكتها في أسواق الشرق الأوسط وإفريقيا. ويساعد السعودية على ذلك سوقها الأقوى في العالم العربي ونفوذها السياسي. وإذا ما ترددت الشركات والتجار والمستثمرون في المجئ إليه طوعاً، فإن سياسة العصا والجزرة ستحاول إجبارهم على ذلك.
نقل مقرات الشركات العالمية إلى السعودية
في العام الحالي، اتخذت الحكومة السعودية جملة من القرارات التي تستهدف إلزام الشركات بفتح مقراتها الإقليمية في المملكة، ما اعتبر إرباكاً لم تظهر حدته بعد لحليفتها الإمارات، حيث تعني الخطوة السعودية سحب هذه الشركات من أسواق إقليمية، منها دبي تحديداً.
في فبراير/شباط 2021، قررت الرياض عدم منح عقود حكومية لأية شركة أجنبية يقع مقرها الإقليمي في دولة أخرى غير المملكة، اعتباراً من 2024.
وتبع ذلك في يوليو/تموز 2021، تعديل قواعد الاستيراد من المناطق الحرة في دول الخليج، بحظر دخول أية منتجات إلى المملكة تقل نسبة مدخلات الإنتاج الخليجية فيها عن نسبة معينة.
ومرة أخرى، اعتبر القرار أنه يحمل تأثيرات سلبية تحديداً على الإمارات، التي تشكل المناطق الحرة العمود الفقري لاقتصادها، خصوصاً منطقة جبل علي.
وأفادت تقارير بأن قناتي”العربية” و”إم بي سي” السعوديتين ستنقلان مقراتهما من دبي إلى الرياض بنهاية هذا العام.
تنويع الاقتصاد
تأتي خطوات الرياض في إطار “رؤية 2030” التي أعلن عنها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتهدف لتنويع اقتصاد المملكة، الذي مازال يعتمد إلى حد كبير على النفط.
في إطار الخطة، تستهدف السعودية إجمالي استثمارات بنحو 6 تريليونات دولار حتى عام 2030، نصفها مشاريع جديدة، بشراكات حكومية مع القطاع الخاص.
وفي إطار الخطة أيضاً، تستهدف الرياض جذب 400 شركة عالمية لاتخاذ المملكة مقراً لأنشطتها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
ويرى خبراء أن الوصول إلى مستهدفات الخطة السعودية قد يأتي على حساب مكانة الإمارات التي تعتبر حتى اليوم عاصمة الشركات الأجنبية والناشئة في المنطقة العربية.
وإمارة دبي بالتحديد، شكلت لسنوات -ومازالت- مركزا مالياً ومعبراً تجارياً ومقراً لعشرات الشركات العالمية.
وفقاً لتقرير نشرته وكالة الأنباء السعودية “واس” الرسمية، قبل أشهر، يوجد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقرات إقليمية لنحو 346 شركة عالمية، الغالبية العظمى منها مقراتها في دبي.
وتعمل السعودية على بناء حاضنة للشركات العالمية، بإنشاء مدينة “نيوم” على ساحل البحر الأحمر، شمال غربي المملكة، والتي يخطط لأن تكون مركزاً للتقنيات العالية والذكاء الصناعي.
وبدأت المساعي السعودية لاستقطاب الشركات الأجنبية تؤتي ثمارها، إذ أعلنت 24 شركة عالمية في أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، افتتاح مقرات إقليمية لها في المملكة.
ومن بين هذه الشركات “بكتل” الهندسية الأمريكية، و”سيمنز موبيليتي”، وسلسلة فنادق “أويو” الهندية، و”ستارتس آب” الأمريكية المتخصصة برأس المال الاستثماري، وسلسلة مقاهي “تيم هورتنز” الكندية، فيما عززت شركات تكنولوجيا عملاقة أنشطتها في المملكة، من بينها “جوجل” و”أمازون” الأمريكيتان، و”علي بابا” الصينية.
إجراءات إماراتية مقابلة
في المقابل، أعلنت الإمارات جملة من الإجراءات، كان آخرها إعفاءات وتخفيضات على رسوم تسجيل الشركات والانضمام للغرفة التجارية، فيما خفضت بورصة أبوظبي رسوم الإدراج وعمولة التداول مرتين متتاليتين خلال أشهر قليلة.
وسبق ذلك، قرار الحكومة الاتحادية في الإمارات السماح للأجانب بتملك 100% من الشركات في عديد من القطاعات، من ضمنها البنوك الكبرى في الدولة.
وفي 5 سبتمبر/أيلول الجاري، كشفت الإمارات عن حزمة استثمارات تشمل 50 مشروعاً ضخماً، في إطار تعزيز تنافسيتها إقليمياً وعالمياً.
وقال وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق، حينها، إن بلاده تستهدف جذب استثمارات أجنبية بقيمة 150 مليار دولار، على مدى السنوات التسع المقبلة.
وفي 2020، احتلت الإمارات المرتبة الأولى عربياً والـ15 عالمياً في جذب الاستثمار الأجنبي، إذ بلغت تدفقاتها من الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 20 مليار دولار، وفق تقرير الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية “أونكتاد”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أطلق مكتب أبوظبي للاستثمار ثمانية مكاتب دولية في نيويورك وسان فرانسيسكو ولندن وباريس وفرانكفورت وسيول وبكين وتل أبيب، بهدف تقديم جذب الشركات للعمل في الإمارات.
مصر تدخل على خط المنافسة مع دبي
لم تقف المنافسة على استقطاب الشركات العالمية عند حدود السعودية والإمارات، إذ دخلت مصر على الخط بقوة، يحدوها الأمل بالعودة إلى مكانتها في عشرينيات القرن الماضي، حيث كانت محط أنظار الشركات العالمية آنذاك، وفيها أقدم سوق للأسهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
في مارس/آذار 2015، أعلنت مصر عن مشروع ضخم لبناء “عاصمة إدارية” جديدة تتوسط المسافة بين القاهرة وقناة السويس، لتكون مقراً لرئاسة الجمهورية والوزارات والدوائر الحكومية الرئيسية، ويتوقع أن تستقطب 50 ألف موظف حكومي ونحو نصف مليون ساكن كمرحلة أولى.
وفي عام 2017، دشنت الحكومة المصرية “حي المال والأعمال” في قلب العاصمة الإدارية، ويضم الحي أعلى ناطحة سحاب في إفريقيا بارتفاع 385 متراً يحيطها 12 مجمعاً تجارياً و5 مجمعات سكنية وفندقية.
وتشمل تصاميم “حي المال والأعمال” مناطق للبنوك الكبرى، المحلية والعالمية، والبورصات والشركات.
وتضم العاصمة الإدارية أيضاً مطاراً ومحطة ضخمة لتوليد الطاقة، ومدناً ذكية وترفيهية وسكنية.
وستضم حياً حكومياً يحوي قصراً رئاسياً وبرلماناً، فضلاً عن حي دبلوماسي، ولكن تأخر عملية نقل مؤسسات الحكومة إليها، غير أن الحكومة أرجعت ذلك إلى جائحة كورونا.
وتهدف مصر إلى أن تتحول العاصمة الإدارية الجديدة إلى مركز مالي عالمي لجذب الاستثمارات العالمية للاستثمار في السوق المحلي، مما يساهم في دمج الشركات المحلية بالشركات العالمية.
ومنذ نشأة الفكرة لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، كان واضحاً أن هدفه إنشاء مدينة مماثلة لمدينة دبي، وكان يفترض أن تقوم شركة إماراتية بتأسيس المدينة ولكن حدث خلاف بشأن طريقة تمويلها، إذ كان الإماراتيون يريدون تمويلها من قروض من المصارف المصرية.
ويقع المشروع الجديد على مسافة 45 كيلومتراً من وسط القاهرة و42 من مطار القاهرة الدولي.
والعاصمة الإدارية الجديدة تقدر مساحتها الإجمالية بـ700 كيلومتر مربع والصافية 490 كيلومتراً، وتشتمل على 250 كيلومتراً من شبكات الطرق، بحسب وزير الإسكان المصري.
وقال رئيس وزراء مصر مصطفى مدبولي، إنه تم البدء في إنشاء قطار يعمل بالكهرباء يصل لمطار القاهرة بجانب شبكة من المواصلات الأخرى.
هل تستطيع نيوم والعاصمة الإدارية منافسة دبي؟
وترى وكالة Bloomberg في تقرير لها حول المنافسة المحتملة بين نيوم ودبي، أن “منطقة الخليج مليئة بالفعل بناطحات السحاب في الرمال، وسواء كانت أبوظبي أو الدوحة، لم تتمكن أي مدينة حتى الآن من منافسة دبي كمركز أعمال دولي، فضلاً عن التفوق عليها”.
استغرق الأمرعقوداً لتطوير دبي إلى وجهة سياحية يسكنها 2.9 مليون نسمة، وأطول برج في العالم ومقر إقليمي لبنوك دولية مثل مطار دبي الدولي الذي هو الأكثر ازدحاماً في العالم بعد مطاري أتلانتا وبكين.
وفيما يتعلق بالمنافسة بين دبي والعاصمة الإدارية المصرية الجديدة، سبق أن علق تقرير لصحيفة هآرتس على المقارنة بين العاصمة الإدارية ودبي، قائلاً “تتشابه مصر ودبي في أن لديهما حكومتين مركزيتين لهما سلطات واسعة، إلا أنه في دبي يعود اتخاذ القرارات إلى خمسة أفراد فقط يقومون باتخاذها بسرعة وكفاءة”.
وأضاف التقرير أن الدولة في مصر تعاني من البيروقراطية، وأن نجاح دبي يعود في الأساس إلى أنها إمارة صغيرة ذات اقتصاد مفتوح عكس مصر، كما أنها تعتمد على حرية الأجانب في الذهاب والقدوم، مما يوفر المهارات والعمالة التي تجعل من السهل تشغيل الاقتصاد.
ويبدو أن الرئيس المصري عبد الفتاح يسعى لفعل ذلك بشكل أو بآخر، عبر نقل الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة، حيث أفادت تقارير بأنه سيتم الاكتفاء بنقل الموظفين الأكْفاء لكل وزارة وترك البقية في القاهرة، وتجرى عمليات تدريب لهؤلاء الموظفين حالياً، بحيث يصبحون نخبة جديدة مرنة تُصاغ وفقاً لرؤية الرئيس.
هذا المحتوى نقلأ عن عربى بوست