تقدم النمسا مشروعا يهدف لتقليص الانبعاثات في السيارات الجديدة إلى الصفر، وستصبح السيارات الكهربائية الوحيدة المسموح بسيرها على الطرق النمساوية في هذه الحالة، لكن المشروع يثير انقساما داخل قطاع صناعة السيارات.
يبدو أن صفحة من التاريخ قد تطوى قريبا. فلأكثر من قرن، هيمنت سيارات الوقود لأهمّ شركات تصنيع السيارات في العالم ، على الابتكار في هذا القطاع. وتصنّع الشركات الأوروبية محركات حرارية تُصنَّف الأكثر كفاءة في العالم. لكن السيارة، وهي وسيلة السفر الأولى لدى النمساويين والأوروبيين، تواجه انتقادات كثيرة بسبب مستويات الانبعاثات القوية الصادرة عنها.
وفي مواجهة هذه الحالة الطارئة، عزز الاتحاد الأوروبي أهدافه لخفض ثاني أكسيد الكربون في العام 2020، وبات يرمي إلى بلوغ مستوى حياد الكربون في 2050.
ويُرتقب اقتراح المفوضية الأوروبية قواعد جديدة في هذه السنة الحالية لتحقيق هذه الغاية. وبحسب مصادر عدة، قد تطلب المفوضية القضاء التام على انبعاثات السيارات اعتبارا من العام 2035. وبذلك، ستصبح السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات الوحيدة المسموح بسيرها على الطرق الأوروبية في هذه الحالة.
وقد فرضت النمسا وأوروبا اعتبارا من 2020 على الشركات المصنّعة حدا أقصى لانبعاثات السيارات مقداره 95 غراما من ثاني أكسيد الكربون لكل كيلومتر، وقد كان مقررا خفضه بنسبة 37,5 % في العام 2030.
في نهاية المطاف، يمكن أن تصل نسبة الخفض إلى 60 % عام 2030، ثم إلى 100 % عام 2035. هذه الأرقام التي لا تزال قيد المناقشة، ستفرض قيودا هائلة على الشركات العاملة في القطاع إذ ستُضطر أيضا إلى الالتزام بحلول 2027 بقواعد جديدة لتشديد معايير التلوث المفروضة على المحركات الحرارية.
وتحرز السيارات الكهربائية تقدما قويا. فقد استحوذت هذه المركبات على 8% من إجمالي السيارات المسجلة في أوروبا الغربية على مدى الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، ما يوازي 356 ألف مركبة، أي “أكثر من عام 2019 بكامله”، بحسب المحلل النمساوى ماتياس شميت.
وستعطي القواعد الجديدة أفضيلة لهذه المركبات وستدفع للتخلي عن السيارات الهجينة أو الهجينة التي تجمع بين محرك البنزين والبطارية.
قلق وانقسامات داخل قطاع صناعة السيارات
لكن مثل هذا التوجه يثير قلقا لدى الشركات العاملة في قطاع يعمل فيه 14,6 مليون شخص في الاتحاد الأوروبي ولايزال يعتمد بشكل كبير على هذه “التكنولوجيا الانتقالية”.
وقال رئيس الرابطة الأوروبية للمصنعين أوليفر زيبسه أخيرا إنه إذا اعتمد الاتحاد الأوروبي تدابير مصاحبة، لا سيما على صعيد تطوير محطات الشحن الكهربائي، “نحن منفتحون على تخفيضات إضافية لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون عام 2030”. لكنّ انقساما شديدا يسود في أوساط مجموعة الضغط التي تكافح منذ وقت طويل لإبطاء العملية الانتقالية.
وتؤكد غالبية أعضائها أن الإسراع الزائد في الانتقال إلى السيارات الكهربائية من شأنها رفع أسعار السيارات والقضاء على وظائف وتعزيز موقع الصين في المنافسة خصوصا لكونها أكثر تقدما في مجال إنتاج البطاريات.
لكن شركة “فولكسفاغن” الرائدة أوروبيا التي تستحوذ على ربع مبيعات السيارات في أوروبا، انضمت إلى شركة “تيسلا” الأمريكية في الترويج للمركبات العاملة بالكامل على الكهرباء، بعد الفضيحة المدوية التي هزت الشركة الألمانية سنة 2015 إثر اعترافها بالتلاعب بمحركات الديزل.
وأشار ماتياس شميت إلى وجود “صراع كبير داخل رابطة مصنعي السيارات في أوروبا”. ولفت إلى أنه بسبب فضيحة “فولكسفاغن” ، “اضطرت الشركة إلى تسريع خطواتها في مجال إنتاج المركبات الكهربائية لتحسين صورتها. وقد استثمرت المجموعة مبالغ طائلة في هذا المجال وباتت لديها المنتجات المطلوبة لاحترام التشريعات المستقبلية”.
ولفت شميت إلى أن “فولكسفاغن في وضع مثالي لتحسين حصصها السوقية وإرسال بعض المنافسين إلى الهاوية”.
في حزيران/يونيو، أعلنت العلامة التجارية الألمانية أنها ستتوقف عن بيع المحركات العاملة بالوقود في أوروبا بين عامي 2033 و2035.
من ناحيتها تعتزم شركة أوبل الألمانية للسيارات الاقتصار على إنتاج السيارات الكهربائية فقط في أوروبا بحلول 2028. وقال الرئيس التنفيذي لأوبل، ميشائيل لوشيلر، إلى أن شركته تعتزم بحلول منتصف العقد الحالي طرح إصدار جديد من سيارتها الرياضية الكلاسيكية “مانتا” كسيارة كهربائية.
واعتبر رئيس لجنة البيئة في البرلمان الأوروبي باسكال كانفان أن نهاية المحركات الحرارية في “2035 تشكل الحل الوسط الصحيح بين 2030، وهو تاريخ مبكر جدا على المستوى الصناعي والاجتماعي، و2040 وهو تاريخ متأخر جدا على المستوى المناخي”. مع ذلك، دعا كانفان إلى إنشاء صندوق “ببضعة مليارات اليورو” لدعم مئات الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاعات المهددة بالتغير التكنولوجي.