قال روبرت نيكلسن في مقال بصحيفة «وول ستريت جورنال»: إن المؤرخين، والجنود، والسياسيين، سيناقشون على مدى عقود تفاصيل الخطأ الذي حدث أثناء التدخل الأمريكي في أفغانستان. لكن الحقيقة البسيطة كانت واضحة منذ سنوات: لم يفشل الغرب بسبب نقص الجهد، ولكن لأن القوة العسكرية والاقتصادية وحدها لا تستطيع تغيير العالم الإسلامي بطريقة دائمة
وصل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة إلى جنوب آسيا قبل 20 عامًا سعيًا لتحقيق العدالة بعد 11 سبتمبر (أيلول) – يضيف نيكلسن – سرعان ما تحول الغرب إلى رسل حضارة عالمية، يؤمنون بفكرة أن البشر في كل مكان سوف يتخذون نفس القرارات الأساسية التي اتخذناها في بناء المجتمع السياسي. شرعنا في إقامة دولة ديمقراطية ليبرالية، دون أن ندرك أن السياسة تكمن في اتجاه مجرى الثقافة، وأن الثقافة تقع في اتجاه الدين. لم يخطر ببالنا قط أن أمريكا هي ما عليه غالبًا بسبب تمحور أخلاقيتها حول قيم مستقاة من المسيحية، وأن أفغانستان كانت على ما كانت عليه بسبب الإسلام.
كان عالم السياسة صموئيل هنتنجتون محقًا؛ فالمجتمعات الإسلامية تنتمي إلى حضارة مميزة تقاوم فرض القيم الأجنبية من خلال القوة. قد نصدق هذه الحجة أم لا، لكن تريليونات الدولارات وعشرات الآلاف من الأرواح وعقدين من الحرب لم تثبت خلاف ذلك.
الإيمان ودور محوري
ومع ذلك لم يزل الكثيرون يتغافلون عما هو واضح. ففي مواجهة بعض الأحداث الفوضوية التي تبدو غير ذات صلة بفرض القيم في أماكن مثل العراق، وسوريا، ولبنان، والأراضي الفلسطينية، واليمن، وليبيا، ونيجيريا، يبتكر دبلوماسيونا وخبراؤنا الإستراتيجيون ردودًا تتجاهل الأيديولوجيات المشتركة.
وأشار نيكلسن إلى أن هذا التغافل عن إيجاد ما هو مشترك هو تغاقل مدفوع بالرغبة النبيلة في رؤية البشر كائنات متساوية ومتفاعلة، ويعتبر الإيمان والثقافة بالنسبة لهم أمور محورية، وبعيدًا عن الأصول المسيحية الأمريكية، لا يستطيع الملايين فهم كيف يمكن للإيمان أن يلعب دورًا حيويًا في ربط البشر معًا.
التعبيرات الملطفة مثل «الشرق الأوسط الكبير» تعكس عدم الارتياح لعالم إسلامي موحد يسهل التعامل معه بحسب الرؤية الغربية، بغض النظر عن أن بعض المسلمين أنفسهم يتحدثون بمثل هذه المصطلحات، فالتنوع المحلي بين إندونيسيا والمغرب – على سبيل المثال – لا يقوض التماسك الأساسي للأمة. بيت الإسلام فيه غرف كثيرة، لكنه يقوم على أركان قليلة: القرآن هو آخر وحي رسالات الله، وهو ملزم للبشرية جمعاء.
العقيدة هي مسألة تفانٍ خاص، وكذلك قانون عام، ومن الأفضل أن تعيش في دولة تمزج بين الدين والسياسة؛ ويجب على المسلمين – حيثما أمكن – أن يمسكوا بزمام السلطة – على غير المسلمين أيضًا – لضمان تطبيق قانون الله بشكل صحيح بحسب رأي الكاتب.
إن مذاهب كهذه هي التي تدفع جماعات مثل طالبان، والقاعدة، وحماس إلى محاربة «اليهود والصليبيين» الذين يطأون أرضًا تنتمي تاريخيًا إلى الإسلام. لكن التزاماتهم – من وجهة نظرهم – أبعد ما تكون عن التطرف. معظم المسلمين يرونها معيارية حتى لو فشلوا في التصرف وفقًا لها.
قد تنذر الاتجاهات الجديدة بأوقات متغيرة – يؤكد نيكلسن. كان القرار الأخير لأربع دول ذات أغلبية مسلمة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل عملًا محفوفًا بالمخاطر يستحق الإشادة بحسب رأي الكاتب. لكن مثل هذه الأعمال لم تزل شاذة في منطقة يرفض فيها المسلمون المتدينون والعلمانيون بأغلبية ساحقة إسرائيل، وأمريكا، والروابط (العبرية) التي تربطهم. أما أولئك الذين يدعون إلى تحرير العقائد التقليدية هم أصحاب أرواح شجاعة، لكنهم أقلية.
أمريكا تحتاج إلى التراجع
لا يمكن للغرب أن يغير العالم الإسلامي، لكن لا يمكنه أيضًا تجاهل المجتمع الديني الأسرع نموًا في العالم. ستنتقل أفضل إستراتيجية من التراجع إلى الاحتواء وإعطاء الأولوية إلى الدفاع عن المصالح الأمريكية والحلفاء على تعزيز القيم والمؤسسات. يستحق المسلمون الأمريكيون بطبيعة الحال نفس الحقوق التي يتمتع بها المواطنون الآخرون. كما أن الدول ذات الأغلبية المسلمة التي تسعى إلى الصداقة مع الولايات المتحدة تستحق ترحيبًا حارًا، خاصة عندما تتخذ قرارات صعبة من أجل السلام.
لم يزل بإمكان الحكومة الأمريكية تقديم مساعدات إنسانية لضحايا الحروب بين المسلمين – يضيف نيكلسن – مع إيلاء اهتمام خاص لغير المسلمين المحاصرين في مرمى النيران. لكن بصفة عامة تحتاج الولايات المتحدة إلى التراجع. إن أفضل طريقة لاحترام القيم الأمريكية هي التوقف عن فرضها قسرًا على من يرفضها.
إن للأغلبية المسلمة الحق في أن تقرر مستقبل المسلمين. ويجب أن تؤكد واشنطن حقها في بناء مجتمعات تتوافق مع قيمها لأنها ستفعل ذلك شئنا أم أبينا. وهذا لا يعني أننا سوف نقف مكتوفي الأيدي عندما تتجاوز خياراتهم الخطوط الحمراء الأمريكية، ولكن يجب على الولايات المتحدة أن تؤكد حقهم في اتخاذ هذه الخيارات.
قد لا يتغير العالم الإسلامي، أو ربما يتغير، لكن لم يكن من واجبنا أن نقرر. يجب أن ينصب تركيزنا على علاج المرض الروحي الذي أعمانا في المقام الأول، واستعادة إحساسنا بالذات الحضارية، وإعادة توجيه أولوياتنا وفقًا لذلك
ساسة بوست
https://www.sasapost.com/translation/the-unconquerable-islamic-world/