استعادة طالبان السيطرة على أفغانستان بعد 20 عاما من التواجد الغربي هناك أثار مخاوف معلقي الصحف الغربية. فهناك من تساءل عن سبب “الكارثة” وعواقبها ومن اعتبر عودة طالبان انتصارا للجهاد العالمي، ومن دعا الغرب للدفاع عن قيمه.
عودة حركة طالبان للسيطرة مجددا على مناطق أفغانستان أثار تعليقات الصحف الأوروبية، التي تساءلت عن سبب انتصار الحركة وتوابع ما وقع في أفغانستان.
صحيفة “تاغس أنتسايغر” التي تصدر في زيورخ كتبت تقول إن “طالبان باغتت الغرب”. وشككت الصحيفة السويسرية في وعود طالبان بخصوص المرأة أو الصحافة أو حتى خدمة الشعب والبلد فكتبت تقول:
“سيكون من السذاجة تصديق التأكيدات المضللة لطالبان بأنها تحترم حقوق المرأة أو الصحافة وتريد خدمة الشعب والبلد. لقد أظهر الماضي أن كلمات إسلاميي العصر الحجري لا قيمة لها على الإطلاق، فهم لا يريدون برلمانا ولا انتخابات ولا حتى حرية دينية، وإنما يريدون أميرا وبضعة من الملالي يحكمون باسم شريعتهم على النحو الذي يناسبهم”.
وعن المسؤول عما حدث في أفغانستان تقول الصحيفة السويسرية:
“وصول الأمور إلى هذا الحد، تشارك في المسؤولية عنه أيضا الحكومة الفاسدة في كابول، لكن السبب الأهم هو أن الولايات المتحدة وشركاءها الغربيين قد بالغوا في تقدير تأثيرهم على أفغانستان لمدة 20 عاما. فمنذ عام 2001 قاموا بضخ مبالغ فلكية لبناء قوات الأمن. ولذلك افترضت حكومة بايدن أن الأمر سيستغرق من طالبان ما لا يقل عن عام ونصف للعودة إلى السلطة. والآن استغرق الأمر أسبوعا ونصفا. وباستراتيجيتهم الوحشية والماكرة، فاجأت طالبان الولايات المتحدة والغرب عموما بشكل تام”.
صحيفة فرانكفورتر ألغماينه الألمانية: تحدثت عن أن الغرب “تعامل باستعلاء” في أفغانستان، وكتبت تقول:
“حتى في ساعة الفشل، مازال بإمكان السياسيين الأوروبيين الاختباء خلف ظهر أمريكا وتوجيه أصابع الاتهام إلى جو بايدن. ففي الأسبوع الماضي، تحدث الرئيس الأمريكي إلى حلفائه حديثا من القلب، عندما دعا الأفغان إلى القتال أخيرا من أجل أنفسهم. لكن الجميع كانوا يعرفون أن ذلك مجرد أمنية صعبة المنال”.
وأضافت الصحيفة الألمانية: “كان الغرب منغمسا في معضلة وخيمة العواقب: فكلما طالت مدة بقاء قواته، زاد اعتماد قوات الحكومة الأفغانية عليها. وعندما سحب الغرب قواته انهار البنيان، وكان ذلك متوقعا. لقد استعلى الغرب بشكل ميؤوس منه في أفغانستان. وهذا اعتراف ذاتي واجب منذ مدة، لكنه ليس مسوغا للهروب من المسؤولية. ويتعين على أمريكا وأوروبا الاعتراف بأن تواجد القوات هناك كان كافياً لتأبيد حالة الجمود مع طالبان. ولم تكن تلك بالاستراتيجية لكن أي شيء آخر (كان) يعني الفشل”.
أما “زود دويتشه تسايتونغ“ الألمانية أيضا فقالت إن الغرب لحقته فضيحة ولديه نقص في الموثوقية والأخلاق! وكتبت الصحيفة تقول:
“هذه النهاية المصاحبة بالرعب تكشف للأسف أيضا مدى عدم اكتراث بعض الحكومات الغربية بمصير الكثيرين من الأفغان أنفسهم، وخاصة أولئك الذين ساعدوا الغرب، على سبيل المثال كمترجمين. وبدلاً من إحضار الموظفين الأفغان المحليين إلى بر الأمان، تاهت الحكومة الاتحادية (الألمانية) في ترهات بيروقراطية ومناقشات حول الاختصاصات. وتماما مثلما هو الحال في الولايات المتحدة، فإن الشيء الوحيد الذي بدا مهما في برلين هو أن تتمكن من البحث عن مهرب. وهذا النقص في الموثوقية والأخلاق يلطخ لون مهمة أفغانستان الفاشلة في نهاية المطاف أكثر مما يفعله سوء التقدير والهزائم العسكرية”.
وتابعت الصحيفة: “الولايات المتحدة والغرب لحقتهم فضيحة بأنهم من أرادوا فرض قيمهم وسيطرتهم في واحدة من أصعب مناطق العالم، لكنهم فشلوا بعد ذلك بسبب الفرضيات الخاطئة ونقص القدرة على التحمل. وأخيرا، في حالة كابول، اكتمل ما كان يلوح في الأفق منذ عقد بالتمام والكمال، وهو أن: أمريكا، بعد أن بدأت الألفية الجديدة متحمسة بشدة كمصمم لشكل العالم تريد فقط الآن العودة إلى ديارها، وربما ستبقى هناك لفترة أطول”
مشهد مروع: أفغان يتشبثون بطائرة قبل إقلاعها من كابول.. و"يقعون" من الجو!#كابول #طالبان #أفغانستان pic.twitter.com/z8s10l6xu6
— DW عربية (@dw_arabic) August 16, 2021
صحيفة بوليتيكن الدنماركية، قالت إن الولايات المتحدة لم تتعرض لإذلال بهذا الشكل منذ حرب فيتنام. وأوضحت الصحيفة: “أفغانستان هي أكبر هزيمة للولايات المتحدة منذ ذلك الحين (حرب فيتنام) وهي نهاية مُذلةٌ تماما لأطول حرب خاضتها القوة العظمى في كل العصور. ومثلما أدت الهزيمة في فيتنام إلى إعادة التفكير في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، يجب أن تقود الهزيمة في أفغانستان كلاً من الولايات المتحدة وحلفائها إلى إعادة التفكير فيما يمكن تحقيقه من خلال التدخل العسكري. والنساء الأفغانيات الآن في طريقهن إلى ارتداء البوركا (النقاب)، وكل من ساعد الغرب وآمن برؤيتنا لمجتمع أكثر ليبرالية وانفتاحا تتعرض حياته للخطر. ورؤية ذلك أمر يكاد لا يطاق”.
أما “لا ربوبليكا“ الإيطالية فترى أن استعادة طالبان السلطة في أفغانستان هو انتصار للجهاد على مستوى العالم. وكتبت الصحيفة اليوم الاثنين (16 أغسطس/ آب) تقول: “بعد أربع سنوات من تفكيك الدولة الإسلامية حول أبو بكر البغدادي، فإن استعادة طالبان، التي دخلت الآن كابول، لجزء كبير من أفغانستان، هي انتصار للجهاد العالمي؛ لأنها تعطي الأصولية السنية الأكثر تطرفا ديار أمة يمكنها أن تؤسس فيها نموذجها الخاص لإمارة على أساس النسخة الأكثر قتامة للشريعة. (…) وعلى المرء أن يتساءل عما هو السبب الأصلي لاستعادة طالبان السيطرة، أي ما هو الخطأ الذي وقع في أفغانستان؟ ليس هناك شك في أن قرار الولايات المتحدة، الذي اتخذه الرئيس السابق دونالد ترامب وأكده خليفته جو بايدن، بسحب القوات كان المحفز للتصعيد الحالي، الذي أدى إلى ترك الأمة الأفغانية الضعيفة وشأنها”.
أما صحيفة “نويه تسوريشه تسايتونغ” السويسرية فرأت أن جو بايدن أراد تصحيح الانطباع المأخوذ عن أمريكا في عهد ترامب، ففقدت أمريكا موثوقيتها وتأثيرها في المنطقة، وأنها نسيت أحد أهم الدروس المستفادة من مأساة الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول.وكتبت الصحيفة اليوم الاثنين تقول:
“جزء كبير من المسؤولية يقع على عاتق الرئيس جو بايدن شخصيا. فبعد توليه المنصب، تمسك بقناعته الراسخة بأن مواصلة التواجد العسكري في الهندو كوش لا قيمة له. لقد أبطل آراء قيادة البنتاغون، التي كانت تؤيد استمرار الوجود العسكري، وتجاهل كل الخبراء الذين رأوا كارثة تلوح في الأفق مع الانسحاب الكامل المتسرع. (…) لكن بايدن يقلل من حقيقة أنه مع هذا الفشل الذريع، يُنظر إلى أمريكا من جديد على أنها فاعل غير موثوق به. وهو نفسه الانطباع الذي أراد تصحيحه بعد الاضطرابات في عهد ترامب. كما تفقد واشنطن إلى حد كبير قدرتها على التأثير في المنطقة. ومن المرجح أن يتسبب تدفق اللاجئين في حدوث هزات خارج أفغانستان. وهناك سيناريو تهديد آخر وهو أن تتشكل خلايا إرهابية تحت حماية طالبان، كما حدث في التسعينيات. ومع اقتراب الذكرى العشرين القادمة لهجمات القاعدة في عام 2001، يلوح الانطباع بأن أمريكا قد نسيت بالفعل أحد أهم الدروس المستفادة من مأساة ذلك الوقت”.
أما “تايمز” اللندنية، فقالت إنه “يجب الدفاع عن النموذج الغربي” وكتب الصحيفة البريطانية تقول: السؤال الأهم هو: ما هي العواقب التي ستترتب على هذه الهزيمة بالنسبة لآمال الغرب في البقاء في عصر التنافس بين القوى العظمى. قد يشير المعلقون الصينيون بشغف إلى أن أفغانستان عُرفت منذ فترة طويلة كمقبرة للإمبراطوريات وأن الانسحاب الروسي في عام 1989 أعقبه انهيار الاتحاد السوفيتي. ومن ناحية أخرى، يمكن للغرب أن يشعر بالارتياح لأنه لم ينجو من كارثة فيتنام فحسب، بل وانتصر أيضا في الحرب الباردة”.
وتابعت تايمز تعليقها قائلة: المؤكد هو: إذا أراد الغرب فرض نفسه خلال منافسته مع الصين، الخصم الأقوى بكثير، فعليه إقناع حلفائه وشركائه المحتملين بأن نموذجه الاقتصادي والسياسي لا يستحق الدفاع عنه فحسب، بل إنه (الغرب) مستعد أيضا للدفاع عنه. وهذه المهمة، ستزيد من صعوبتها مشاهدُ اليأس في أفغانستان”.
ع.غ/ص.ش/ع.ج