أصبحت مسألة طلب مصر مساعدة إسرائيل في حل أزمة سد النهضة أكبر من مجرد اقتراح أطلقه دبلوماسي سابق، ولكن تقارير تفيد بأنه جرى مناقشة الأمر رسمياً بين البلدين، فهل يمكن أن يحدث ذلك، وما الذي يمكن أن تقدمه مصر في المقابل.
وأثارت الدعوة دبلوماسي المصري المخضرم مصطفى الفقي، للجوء إلى إسرائيل في الخلاف حول “سد النهضة الإثيوبي الكبير” الكثير من الجدل، وقُوبِلَت بالرفض من جانب عدد من الكُتَّاب والسياسيين المصريين الذين اتهموا تل أبيب بدعم إثيوبيا مقابل الحصول على حصة من مياه نهر النيل.
إذ دعا الفقي، وهو مدير مكتبة الإسكندرية الحكومية، في مقابلة تلفزيونية في برنامج “يحدث في مصر” على قناة MBC الفضائية المملوكة للسعودية يوم 13 يوليو/تموز، الأطراف المعنية إلى اللجوء لإسرائيل لحل الخلاف حول سد النهضة، في ظل تعثر المفاوضات المستمرة منذ عقد من الزمن حول السد بين مصر والسودان وإثيوبيا.
وقال الفقي إنَّ لإسرائيل نفوذاً على إثيوبيا وروسيا والولايات المتحدة، ولذا قد يكون لها بعض التأثير في أزمة سد النهضة.
وأوصى القاهرة باللجوء إلى حلول غير تقليدية للضغط على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم حول إدارة مياه السد يضع في الاعتبار مخاوف مصر.
إسرائيل تنفي تورطها في أزمة سد النهضة
ونفت إسرائيل الاتهامات بالوقوف مع إثيوبيا في أزمة سد النهضة. إذ أنكرت، في بيان صدر عن السفارة الإسرائيلية في القاهرة يوم 18 يوليو/تموز، تورطها في أزمة السد، مؤكدةً أنها تقف على مسافة متساوية من كل أطراف الأزمة.
وقال البيان الذي نشر عبر حسابها في تويتر، إنها “تعرب عن فائق الاحترام للشعب المصري وقيادته الرشيدة بزعامة الرئيس عبد الفتاح السيسي”.
وأضافت أنَّ حكومة وشعب إسرائيل مهتمان باستقرار مصر وسلامة مواطنيها.
وشددت على “أن إسرائيل لديها من المياه ما يكفيها ويسد احتياجاتها، وهي دائماً على استعداد لوضع خبراتها وتوسيع التعاون المشترك في مجال تكنولوجيا المياه مع مصر”.
وأشارت السفارة الإسرائيلية إلى أن إسرائيل تعتمد على طرق المعالجة الزراعية وتحلية مياه البحر للشرب ولديها التكنولوجيا التي توفر لها المياه، مُعربة عن أملها بأن تمر المفاوضات بما يحقق الاستقرار والرخاء لشعوب الدول الثلاث.
اتهامات إعلامية مصرية لإسرائيل بالتورط في أزمة سد النهضة
وفشلت المحاولات المتكررة من جانب الاتحاد الإفريقي منذ يونيو/حزيران 2020 في التوسط لإنهاء الجمود في المفاوضات مراراً. ولم يجرِ التوصل إلى اتفاق لاستئناف المفاوضات خلال آخر جولة من المباحثات في كينشاسا في أبريل/نيسان الماضي.
ومنذ ذلك الحين، تصاعد الخطاب الدبلوماسي العدائي بين البلدان الثلاثة، وتُوِّجَ بجلسة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 8 يوليو/تموز بناءً على طلب مصر والسودان. جاءت الخطوة نقل المسألة إلى مجلس الأمن محاولةً لتسوية الخلاف في ظل تنامي المخاوف من صراع عسكري في منطقة متقلبة بالفعل.
كانت إثيوبيا قد بدأت الملء الثاني لخزان سد النهضة قبل أيام من جلسة مجلس الأمن. وقد أدانت دولتا المصب هذه الخطوة الأحادية.
وعلَّقت مصر والسودان آمالهما على قرار من مجلس الأمن يدفع نحو اتفاق لحل القضايا الثلاثية الخلافية. لكنَّ هذا لم يحدث. إذ اكتفى الأعضاء دائمو العضوية بالإعراب عن دعمهم لوساطة الاتحاد الإفريقي لحل الخلافات بين البلدان الثلاثة.
في الوقت نفسه، لم يحسم مجلس الأمن رأيه بعد بشأن مشروع قرار تقدمت به تونس ويدعو إلى اتفاق ملزم بين البلدان الثلاثة على ملء وتشغيل السد في غضون ستة أشهر. وتعارض إثيوبيا أي تدخل من جانب مجلس الأمن، وتعتبره مفتقداً للقدرة في هذا الصراع.
هل هو مجرد اجتهاد شخصي من دبلوماسي سابق؟
ورفض الفقي الانتقادات الموجهة لمقترحه بإشراك إسرائيل في أزمة سد النهضة، وجادل بأنه لا توجد مثالية في السياسة، وأنَّ مصر تدفع ثمن مواقفها السياسية بالغة المثالية.
وشدد كذلك على أهمية مطالبة الاتحاد الإفريقي لإثيوبيا بالكف عن الإجراءات الأحادية والتفاوض على اتفاق خلال فترة زمنية تتراوح من ستة أشهر إلى سنة.
وأشار الفقي إلى أنَّ اتفاقية السلام المُوقَّعة بين مصر وإسرائيل عام 1997 تنص على عدم اتخاذ أي طرف مواقف عدائية تجاه الآخر. وبالنظر إلى خصوصية العلاقات الإثيوبية الإسرائيلية، فقد اعتقد أنَّ مصر تتوقع من إسرائيل تفهُّم مطالبها العادلة في مياه النيل.
ولا يمكن تصور أن تصريح شخصية مرموقة مثل الفقي في ملف شديد الحساسية مثل أزمة مياه النيل هو مجرد اجتهاد شخصي، بينما شخصيات أقل أهمية لا تستطيع أن تدلي بتصريحات في قضايا أقل خطورة إلا بعد موافقة الجهات المعنية.
بالإضافة إلى ذلك، دعا الفقي لاستغلال اتفاقية السلام، التي لم تستفد منها مصر بعد، لخدمة الموقف المصري العادل بشأن قضية مياه النيل. ويعتقد أنَّ بإمكان إسرائيل الضغط على إثيوبيا في ضوء علاقتهما التاريخية القوية.
مقابل حل أزمة سد النهضة، هل تصبح إسرائيل من دول المصب
واللافت أن الفقي أشار في تصريحاته إلى أن إسرائيل تريد أن تكون إحدى دول مصب نهر النيل، دون أن يستنكر ذلك أو يرفضه، ما قد يشير إلى موافقة ضمنية على الفكرة باعتبارها مقابلاً حتمياً للجوء مصر إلى الاستعانة بإسرائيل في أزمة سد النهضة.
يعتقد مراقبون أنَّ مصر تخضع لحصار مائي من إثيوبيا، وتمثل إسرائيل داعماً قوياً من خلال تزويد أديس أبابا بالمعدات والخبرة والأسلحة الدفاعية في محاولة لإدامة الضغط على مصر. لكن لطالما نفت إسرائيل دعم إثيوبيا على حساب مصر.
وتتسم المعلومات بشأن الدور الإسرائيلي في أزمة سد النهضة بالغموض النسبي، وتختلط فيها الدعاية الشعبوية والحكومية المعادية لإسرائيل بالحقائق المستترة والطابع الغامض للممارسات الإسرائيلية عادة، ولكن هناك حديث عن دعم عسكري إسرائيلي لإثيوبيا، إلى جانب أنه يُعتقد أن إسرائيل شاركت في تمويل سد النهضة، وأفادت تقارير بأن إسرائيل وإثيوبيا وقعتا اتفاقاً يتعلق بتوزيع الكهرباء التي سيتم إنتاجها من سد النهضة، وتظهر عقود توزيع الكهرباء أن إسرائيل جزء أساسي من عمليات وسياسات تشغيل السد، حسبما ورد في دراسة لإسراء عباس إبراهيم منشورة في المركز الديمقراطي العربي.
طلب مساعدة إسرائيل نوقش في اجتماع رسمي، وهذا هو المقابل الذي قد تقدمه القاهرة
والتقى وزير الخارجية المصري سامح شكري، في 11 يوليو/تموز، نظيره الإسرائيلي يائير لبيد، في بروكسل. وجرى اللقاء على هامش زيارة شكري إلى العاصمة البلجيكية لعقد مباحثات مع نظرائه الأوروبيين حول سد النهضة عقب جلسة مجلس الأمن.
وصرَّح مصدر دبلوماسي مصري لصحيفة “العربي الجديد” بأنَّ الوزيرين ناقشا أزمة سد النهضة. وقال المصدر إنَّ إسرائيل قد تستغل علاقاتها القوية مع إثيوبيا من ناحية، ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى، لإقناع إثيوبيا بوضع المخاوف المصرية حول السد في الاعتبار.
وأشار المصدر إلى أنَّ مصر في المقابل ستحل قضية الأسرى الإسرائيليين التي تتوسط فيها القاهرة بين تل أبيب وحركة حماس الفلسطينية.
وترعى القاهرة أيضاً مباحثات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل للتوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى بين الجانبين، فضلاً عن ترتيب إجراءات هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في غزة.
المشكلة أن إسرائيل جزء من الأزمة
قال طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، لموقع Al-Monitor الأمريكي إنَّ اقتراح الوساطة الإسرائيلية لحل الخلاف حول سد النهضة يبدو بعيد المنال بعض الشيء. وأضاف: “إسرائيل جزء من هذه الأزمة بسبب دعمها لإثيوبيا. وقد دفع الدعم الإسرائيلي اللامحدود للجانب الإثيوبي من خلال إمداده بالخبرة السياسية والاستراتيجية أديس أبابا لمواصلة نهجها التفاوضي المفتوح والتبرؤ من أي التزامات نهائية”.
وتابع فهمي: “إشراك إسرائيل في هذه المسألة لا يتسق مع الحقائق، لأنَّ إسرائيل واحدة من القوى الرئيسية التي دعمت أديس أبابا طوال رحلة بناء السد. وبالتالي سيكون اللجوء إليها أو إشراكها في المفاوضات في هذه المرحلة ضرباً من الوهم”.
وأضاف أنَّ توسيع دائرة المفاوضات لتشمل أطرافاً جديدة لا يخدم مسار المفاوضات؛ لأنَّ المسألة الآن في يد مجلس الأمن والاتحاد الإفريقي. وقال إنَّ “إدخال أي طرف آخر في المفاوضات سيكون مضيعة للوقت وبلا قيمة”.
ولكن في المقابل قال عثمان كاغان يوجل، الباحث في رابطة الباحثين في الشأن الإفريقي، لموقع Al-Monitor إنَّ مصر تعي أنَّ إسرائيل لديها القدرة السياسية لحل مأزق سد النهضة. وأضاف: “في ضوء العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وإثيوبيا والتقارب السوداني الإسرائيلي الأخير، يمكن لإسرائيل أن تلعب دوراً فعالاً في حل الصراع حول السد”.
غير أن يوجل استبعد اضطلاع إسرائيل بدور في الصراع. وقال: “ستركز الحكومة الجديدة، التي تبرز وسط فوضى سياسية واقتصادية في إسرائيل، أكثر على الشؤون الداخلية”.
وأضاف: “والأهم أنَّ إسرائيل طرف في مشكلة حول تشارك المياه في منطقتها”. ورأى يوجل أنَّها ستُفضِّل عدم التدخل في مشكلات تشارك المياه التي تخص الدول الأخرى أو تلتزم الصمت