كانت سوزان لمبرجر، محررة الإعلانات والطالبة في الثلاثينيات من العمر، تعيش حياة مفعمة بالنشاط والحيوية قبل جائحة كورونا المستجد، فكانت ترتاد المطاعم مع شريك حياتها وأقاربها وتحضر ندوات القراءة مع أصدقائها.
لكن منذ أبريل، لم تغادر سوزانا شقتها في فيينا إلا للضرورة القصوى ، بعد أن تفاقمت أعراض اضطراب القلق الاجتماعي وتضاعفت مخاوفها وتصرفاتها القهرية غير المبررة بسبب رهاب الجراثيم والتلوث أثناء الوباء.
وتقول سوزانا: “إن الضغوط النفسية الإضافية أصبحت تدفعني إلى حافة الانهيار التي كنت من قبل أستطيع تفاديها”. إذ أصبحت ترتعد خوفا من المواصلات العامة، وزاد حرصها على نظافة أدوات المائدة والأكواب وينتابها الخوف والحزن كلما رأت صور خلايا فيروس كورونا.
وتقول: أجهش بالبكاء، وأشعر أنني سأموت ، ثم أبكي بحرقة حتى أشعر بألم في جسمي ورئتي ، ويرافق ذلك في الغالب شعور بالإحباط، لأنها لا تحقق تقدما في حياتها، والخوف من أن يستغرق الأمر سنوات حتى تستأنف حياتها الطبيعية وتسيطر على أعراض اضطراب الوسواس القهري.
وبينما زادت مستويات القلق لدى الكثيرين أثناء الجائحة، فإن الأعراض التي تعاني منها سوزانا تكشف عن المشاكل النفسية الخطيرة التي تسببت بها الجائحة أو فاقمتها لدى البعض. ويحذر الأخصائيون النفسيون من أن هذه المشاكل قد تستمر على المدى الطويل.
وترى السيدة كاترين سيفيكه رئيسة قسم الأمراض النفسية للأطفال والشباب في المستشفى الجامعي بمدينة انسبروك ، أن الوضع أصبح خطير بالنسبة للحالة النفسية الخاصة بالأطفال والشباب في النمسا بسبب جائحة كورونا و التشديدات و التضييقات التي رافقت الجائحة ، أن ما يتراوح بين 10 إلى 15 في المئة من الناس، لن تعود حياتهم كسابق عهدها، بسبب تأثير الجائحة على صحتهم النفسية.
وقالت السيدة سيفيكه ، في حوار مع القناة النمساوية الأولى ORF، بوجود مخاوف حول الأقلية التي ستعاني من القلق طويل الأمد. وحذرت مجموعة من الأخصائيين الصحيين البارزين مؤخرا في الدورية الطبية البريطانية من أن “آثار الجائحة على الصحة النفسية من المرجح أن تبقى لفترة أطول مقارنة بآثارها على الصحة البدنية ، وأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة النمساوية على مر الأشهر الماضية بهدف مواجهة جائحة كورونا ، و التي كان من أبرزها عزل الناس عن بعضهم البعض، قد شكلت عبئا نفسيا كبيرا على المواطنين و خصوصا منهم الأطفال و الشباب الذين باتت فئة كبيرة منهم تتواجد على حافة الانهيار النفسي
وأشارت الطبيبة النفسية بأن التأثيرات السلبية لقوانين كورونا على نفسية الشباب و الأطفال ومخاوف علماء النفس من الآثار طويلة الأمد لفيروس كورونا المستجد إلى نتائج الدراسات واستطلاعات الرأي عن الجوائح وحالات الطوارئ السابقة ، والمعاناه من اضطرابات في الأكل و النوم، بل من الممكن أن يصل إلى الحد في التفكير بالانتحار
وربطت الخبيرة النفسية بين تفشي متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس) في عام 2003، وبين زيادة معدلات الانتحار بنسبة 30 في المئة بين كبار السن الذين تتجاوز أعمارهم 65 عاما. وأشارت دراسة نشرت في فبراير من العام الحالي إلى أن التدابير التي تتخذ للحد من انتشار الفيروسات، مثل الحجر الصحي، قد يكون لها آثار سلبية على الصحة النفسية، فقد تؤدي إلى الإصابة بأعراض اضطراب ما بعد الصدمة أو الاكتئاب أو الأرق. وربطت دراسات بين فقدان الوظائف والضوائق المالية أثناء فترات الكساد الاقتصادي العالمي، وبين تردي الصحة النفسية.
ونوهت الخبيرة إلى أجراءات الحكومة النمساوية المتعلقة بكورونا أن يرغم العديد من الشباب و الأطفال في النمسا على دخول المصحات النفسية من أجل الاستفادة من العلاج النفسي المكثف ، وطالبت الحكومة بفسحة زمنية ترفع فيها الإجراءات مؤقتاّ التي تضيق على الحياة اليومية للمواطنين
إن الآثار السلبية للكوارث على الصحة النفسية تطال عددا أكبر من الناس وتدوم لفترات أطول بمراحل من أثارها على الصحة البدنية. ولهذا من المتوقع أن نشهد زيادة في احتياجات الرعاية النفسية التي قد تستمر لفترة طويلة بعد انحسار الوباء ، ومثال على ذلك حادثة تشرنوبيل النووية في أوكرانيا، إذ لاحظ الباحثون ارتفاع معدلات الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة بين أول المستجيبين للكارثة بعد عقدين من وقوعها.
وتقول أشعر أن استعادة التوازن النفسي يكاد يكون مستحيلا الآن ، ولا أظن أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة ستتحسن حتى لو توصل العلماء إلى لقاح. وتقول: “سيستغرق توزيع اللقاح وإقناع الناس بالحصول عليه وقتا طويلا. وأعتقد أنني لن أشعر بالأمان مرة أخرى أبدا