لا يوجد إلا لحم خنزير – كيف تستهدف السلطات الفرنسية المسلمين ومعتقداتهم بدءاً من وجبات الغداء المدرسية؟

نشرت صحيفة The Wall Street Journal الأمريكية تقريراً يكشف عن المعاناة اليومية التي يعيشها طلاب مسلمون في المدارس العامة الفرنسية، وذلك بسبب قيود السلطات المحلية التي باتت تستهدف حرية المعتقد الديني للمسلمين في فرنسا وتضيّق عليهم أصغر تفاصيل حياتهم.

لا يوجد إلا لحم خنزير على الغداء المدرسي

وتروي الصحيفة حكاية معاناة طالب مسلم يدعى رياض البارودي، وهو طفل يبلغ من العمر عشر سنوات، حيث يواجه معضلةً يومية كلما حان وقت الاستراحة المخصصة لتناول الغداء في كافتيريا مدرسته الابتدائية، إذ لا يوجد إلا لحم خنزير.

فقد أصبح لحم الخنزير نوعَ اللحم الوحيد على قائمة وجبات الطعام التي تقدمها المدارس بموجب تعميم أصدرته السلطات المحلية الفرنسية “لتنظيم وجبات الطعام” بالمدارس العامة في بيزييه، وهي بلدة تقع على قمة أحد التلال بجنوب فرنسا.

وبموجب ما تنص عليه الشريعة الإسلامية فإن رياض وغيره من الأطفال المسلمين لا يستطيعون أكل لحم الخنزير الذي تحاول السلطات المحلية إجبارهم عليه في المدارس، حيث يقول رشيد البارودي، والد الطفل رياض، إن هذا قرار “استفزازي”.

المدارس تتحول لجبهة أمامية في المواجهة بين المسلمين والسلطات الفرنسية

في غضون ذلك، تقول الصحيفة الأمريكية، إن المدارس العامة بجميع أنحاء فرنسا أصبحت جبهات أمامية لصراعٍ مشتعل بين شرائح من الأقلية المسلمة الكبيرة في فرنسا وأنصار العلمانية فيها، وبين الفصل الصارم بين الدين والدولة في البلاد الذي تتبناه حكومة ماكرون.

وتقول عائلات مسلمة عديدة إن السلطات ما تنفك توسِّع نطاق تفسيرها للعلمانية -حتى باتت تطبقه ليشمل كل شيء بدءاً من الطعام الذي يُقدم في كافتيريا المدرسة للأطفال إلى اشتراط أن تكون الأمهات المسلمات المرافقات لأطفالهن في الرحلات الميدانية بلا حجاب- بطرقٍ يبدو واضحاً أنها تستهدف المسلمين على أساس معتقداتهم الدينية.

في المقابل، يقول معلمون وإداريون ومسؤولون فرنسيون إنهم يواجهون “تحولاً ثقافياً مستمراً منذ عقود، تعرضت فيه المدارس، بحسبهم، لضغوط كثيفة لاستيعاب المعتقدات الدينية لعديد من المسلمين الفرنسيين على مستويات صغيرة وكبيرة”. ويقولون إن “تلك الضغوط تقوِّض أصول الجمهورية الفرنسية المبنية على مبادئ العلمانية وقيم المساواة والحرية والإخاء”.

من جهة أخرى، يستند الطلاب المسلمون إلى معتقداتهم الدينية في رفض حضور دروس علم الأحياء أو التاريخ أو الموسيقى (التي تنطوي على ما يرونه مخالفاً لعقيدتهم الدينية)، وفقاً للمعلمين. ويشير المعلمون أيضاً إلى أن الآباء يمنعون بناتهم من المشاركة في دروس السباحة مع زملائهم الذكور أو الذهاب في رحلات ميدانية.

ويشير استطلاع نُشر حديثاً وأجرته وكالة IFOP، التي يقع مقرها في باريس، إلى أن 53% من المعلمين يقولون إن بعض الطلاب بمدارسهم الإعدادية أو الثانوية استشهدوا بمعتقداتهم الدينية لرفض محتوى درسٍ ما أو رفض المشاركة فيه، مقارنة بنسبة 46% من المعلمين في عام 2018.

برامج تدريب “علمانية” أطلقتها السلطات الفرنسية في المدارس العامة

في يونيو/حزيران الماضي، أعلنت وزارة التعليم الفرنسية عن خططٍ لإطلاق برنامج تدريب علماني جديد للمعلمين على مدى السنوات الأربع المقبلة، وذلك بعد أن وردت للوزارة بلاغات عن وقوع حوادث في أثناء الدروس التي عُقدت عبر الإنترنت خلال الإغلاق الأول المرتبط بجائحة كورونا، وهي حوادث تتعلق بهتافات دينية أو نشر لمقاطع فيديو اعتبرتها الوزارة مسيئة.

كما اقترحت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على البرلمان مشروعَ قانون من شأنه “تجريم الضغط على المعلمين أو أي موظف حكومي آخر باسم الدين”، على حد تعبيرهم.

وقال ماكرون في خطاب ألقاه الخريف الماضي واقترح فيه مشروع قانون، يهدف إلى القضاء على “النزعة الاستقلالية للمساجد والجمعيات الدينية في جميع أنحاء فرنسا”: “الجمهورية ستقاوم عبر مدارسها أولئك الذين يريدون محاربتها أو تقسيمها”. مشروع القانون المعروض حالياً على مجلس الشيوخ الفرنسي يسعى إلى إضافة أحكام تمنع ذوي الأطفال ومرافقيهم في الرحلات الميدانية من ارتداء ما تعتبره الحكومة رموزاً دينية علنية.

“أمي، هل قلت كلمة سيئة؟”

يقول الآباء المسلمون إن السلطات تخلط بين سلوك الأطفال -سواء كان حادثاً مؤسفاً في أثناء اللعب أو تمرداً من مراهقين- والتطرف الديني.

في مدينة نيس، الواقعة على شاطئ الريفييرا الفرنسية، قالت حياة عاشوري إن مديرة مدرسة ابنها استدعتها مؤخراً، بعد أن سمع بعض الموظفين الصبيَ يخبر زملاءه برياض الأطفال في الاستراحة بأنه “إسلامي”.

وتشير حياة عاشوري إلى أن المديرة لم توضح سبب اعتراضها على استخدام الكلمة. ولم تستجب المدرسة لطلبات التعليق. وقالت حياة إن المديرة حذرتها بأن تكون منتبهة إلى الكلمات التي تستخدمها بالقرب من ابنها. وأضافت أنها اكتشفت لاحقاً أن الأطفال كانوا يتحدثون عن الهدايا التي يأملون الحصول عليها لعيد الميلاد، وقالت إن ابنها استخدم كلمة “إسلامي” في معرض توضيحه لأصدقائه أن أسرته احتفلت بعيد الميلاد رغم كونها مسلمة.

تقول حياة إن ابنها الذي صُدم لما حدث، سألها: “أمي، هل قلت كلمة سيئة؟”.

وجبات الطعام المتنوعة “تنتهك العلمانية” في فرنسا!

في غضون ذلك، شهد النزاع الأخير حول وجبات الغداء المدرسية قدراً كبيراً من سوء الفهم والتوترات. ففي خطابه بالخريف، انتقد ماكرون المسؤولين المحليين الذين “أذعنوا لضغوط من جمعيات أو مجتمعات أقلية محلية، وفكروا في فرض وجبات مُعدَّة وفقاً للتعاليم الدينية في كافتيريات المدارس”.

الواقع أن المدارس العامة في فرنسا لا تلتزم تقديم وجبات طعام حلال أو كوشير يهودية أو أي متطلبات غذائية دينية أخرى. والاستثناء الوحيد لذلك قد يقع في منطقة ألزاس موسيل، وهي منطقة حدودية لا تخضع لقوانين فرنسا الخاصة بالعلمانية، لأنها كانت منطقة تخضع للحكم البروسي عندما أُقرت قوانين العلمانية بالمدارس لأول مرة في عام 1905. ومع ذلك، فقد رفض مكتب ماكرون تحديد المسؤولين المحليين الذين كان يشير إليهم في خطابه.

أدَّت موجات الهجرة من المستعمرات الفرنسية السابقة في شمال إفريقيا إلى تغيير التركيبة السكانية لبعض البلدات في المناطق الريفية بفرنسا وكذلك عاداتها المحلية. ومن ثم، بدأت عديد من المدارس بجميع أنحاء البلاد، تقديم ما يُعرف بالوجبات البديلة إلى جانب لحم الخنزير في قوائم الطعام بالمدارس. وتشمل هذه الخيارات عادةً لحم البقر أو الدجاج للأطفال المسلمين أو اليهود الذين لا يرغبون في تناول لحم الخنزير.

وفي السنوات الأخيرة، تأثر بعض الناخبين بدعاوى تدفق الهجرات ومعاداتها واتجهوا إلى انتخاب سياسيين محافظين أو يمينيين متطرفين للمناصب المحلية. ثم أمرت هذه السلطات المدارس المحلية بالتوقف عن تقديم وجبات بديلة بدعوى “انتهاكها للعلمانية”.

مع ذلك، قضت المحكمة الإدارية العليا بفرنسا في ديسمبر/كانون الأول، بأن مقتضيات مبدأ العلمانية لا تمنع المدارس من تقديم وجبات بدون لحم الخنزير لاستيعاب المعتقدات الدينية الشخصية، لكنها أقرت بأن المدارس ليست ملزمة بالقيام بذلك. وجاء الحكم رداً على شكوى رفعتها جمعية إسلامية ضد السلطات المحلية في شالون سور ساون، وهي بلدة تقع شرقي فرنسا، حيث قررت سلطاتها المحلية التوقف عن تقديم وجبات بديلة في عام 2015.

وقال رئيس “المجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا”، فرانسيس كاليفات، إن إلغاء الوجبات البديلة يخلق مشكلات لا داعي لها.

وأشار كاليفات إلى أن هذا الإلغاء ينطوي على “استبعاد لأطفالٍ مُعينين من جزء مهم من الحياة المدرسية”، غير أنه أضاف أن قلة من الطلاب اليهود هم من يضطرون إلى التعامل مع هذه القضية، لأن معظم الأطفال المنتمين إلى عائلات يهودية متدينة (تلتزم الشعائر اليهودية) يذهبون إلى مدارس دينية خاصة، وهي مثل جميع المدارس الخاصة في فرنسا معفاة من التزام القواعد العلمانية العامة.

“أفضِّل الآن تناول الطعام عند جدتي”

من جانبها، لم تشارك الكنيسة الكاثوليكية في الجدل القائم حول الوجبات البديلة. وهي تعلن دعمها للعلمانية بالمدارس العامة، وتأييدها للحكومة في الدفاع عما تعتبره قيم الجمهورية الفرنسية.

ألغى عمدة بلدة بيزييه، روبرت مينارد، الذي انتُخب في عام 2014 بدعم من زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، الوجبات البديلة هذا العام. وفي ظل النظام الجديد، يُخيَّر الأطفال بين قوائم الطعام الأسبوعية التي تشكل لحم الخنزير أو تناول وجبات نباتية حصراً.

يقول الطفل رياض، إنه والعديد من زملائه في الفصل -ومعظمهم من المسلمين أيضاً- قرروا التوقف ببساطة عن الذهاب إلى كافتيريا المدرسة. وقال: “كنت أحب الذهاب إلى الكافتيريا لأكون مع أصدقائي، لكنني الآن أفضِّل تناول الطعام عند جدتي”.

هذا المحتوى نقلاّ عن عربى بوست

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …