أكد وزير الداخلية النمساوى السيد كارل نيهامر اليوم الأحد الموافق 4 من يوليو 2021 ، أن اتفاقية مدينة جنيف لحماية اللاجئين لن تستمر طويلا مشيرا الى أن نظام اللجوء به ثغرات وأخطاء كبيرة وأشار الوزير فى تصريحات إعلامية اليوم ، أن النمسا سوف تستمر فى تنفيذ قرارات الترحيل بحزم شديد خاصة الى أفغانستان وسوريا .
وأضاف الوزير أن الوضع الحالي للجوء فى دول الاتحاد الاوروبي لا يتوافق مع أهداف اتفاقية جنيف للاجئين ويتناقض مع فكرتها الأصلية وهي توفير الحماية للمحتاجين لها بالفعل .
فبعد سبعين عاما على إقرار الدول لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني ما الذي تغير؟ وما هي التطورات التي طرأت على طبيعة وديناميات النزاعات المعاصرة، ومدلول ذلك من حيث احترام اتفاقيات جنيف وقواعد القانون الدولي الإنساني أو انتهاكها؟ يقدم هذا المقال وصفا للحالة التي دفعت الدول إلى إقرار هذه الاتفاقيات والتحديات التي رافقت تطبيقها على مدى السنوات السبعين الماضية من وجهة نظر العاملين في المجال الإنساني في اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي تعد حارسا لهذا القانون، وسبل التصدي للتحديات الحالية أمام تطبيقه.
الحرب قديمة قِدَم الجنس البشري، وقد عرفت جميع الثقافات والحضارات قواعد وأعرافًا تحد من التجاوزات في الحروب. أما العمل الإنساني والقانون الإنساني المعاصران فقد ولدا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام 1863 ثم اعتُمدت اتفاقية جنيف الأولى المعنية بالجرحى والمرضى في العام 1864.
لكن العالم بأسره عانى من ويلات الحرب العالمية الثانية، ووقف شاهدًا عليها: فقد وصلت البشرية إلى حافة الهاوية بسبب المعارك التي دارت رحاها في أوروبا وآسيا وشمال أفريقيا وعشرات الملايين من المدنيين الذين لقوا حتفهم ومعسكرات الإبادة وما لاقاه ملايين أسرى الحرب من معاناة وموت، سخرة وتجويع وتدمير على نطاق غير مسبوق كشفت وجود فجوة هائلة في الحماية القانونية للمدنيين.
رونالد أوفترينغر- رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في القاهرة
قانون لإنقاذ الأرواح
استجابة لهذه المآسي وبعد مرور خمس سنوات على انتهاء الحرب، دعت سويسرا إلى عقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف في 21 نيسان/أبريل 1949، يجمع ممثلي جميع الدول تقريبًا آنذاك وحضرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوصفها خبيرًا. وقد مثلت مصر، بوصفها واحدة من الدول القليلة المستقلة آنذاك، أفريقيا والعالم العربي جنبًا إلى جنب مع إثيوبيا وسورية ولبنان.
وعقدت الدول العزم على ألا ترى هذا الدمار يتكرر أبدًا، فاتفقت على أنه، حتى أثناء النزاع المسلح، تظل هناك حدود وأن تتقيد الدول بالتزام بمعاملة المدنيين ومن ألقوا سلاحهم معاملة إنسانية، دون أي تمييز مجحف. وقد تجسد هذا في إجراء مراجعة شاملة لاتفاقيات جنيف الثلاثة القائمة:
– اتفاقية جنيف الأولى بشأن حماية الجرحى والمرضى من الجنود في الميدان؛
– واتفاقية جنيف الثانية بشأن حماية الجرحى والمرضى والغرقى من الجنود في البحر؛
– واتفاقية جنيف الثالثة بشأن حماية أسرى الحرب؛
– واعتماد اتفاقية جنيف الرابعة الجديدة بشأن حماية المدنيين.
في عام 1949، استخلص ممثلو الدول دروسًا من الحروب الأهلية الإسبانية واليونانية، فاعتمدوا مجموعة من القواعد المستحدثة في المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، لتنظم لأول مرة “النزاع المسلح غير ذي الطابع الدولي” في معاهدات قانون الحرب:
– الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو كفوا عن المشاركة فيه يجب أن يعاملوا معاملة إنسانية. ويجب أن يتلقوا الرعاية الطبية التي تقتضيها حالتهم، مع الاسترشاد بالاعتبارات الطبية فقط. ويجب أيضًا احترام وحماية من يتولون البحث عنهم أو جمعهم أو الاعتناء بهم- وهم العاملون في المجال الإنساني غير المتحيزين- ويجب ألا يعاقبوا لمجرد قيامهم بتوفير العلاج أو الرعاية للجرحى والمرضى.
وما إن مضت أربعة أشهر على المفاوضات حتى لاقى هذا القانون الملزم قبولًا عالميًا وبدأ العمل به، مما أظهر إرادة سياسية مدهشة وتصميمًا من الدول على الوصول إلى توافق من أجل البشرية، على الرغم من استمرار الانقسامات بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها.
وعلى حد تعبير محكمة العدل الدولية: “مما لا شك فيه أن بسبب كون عدد كبير جدًا من قواعد القانون الإنساني المنطبقة في النزاع المسلح أساسية للغاية لاحترام شخص الإنسان و’الاعتبارات الأولية للإنسانية‘…. شهدت اتفاقيات جنيف انضماما واسعاً إليها”.يتمثل جوهر القانون الإنساني على النحو المكرس في اتفاقيات جنيف في تحقيق توازن بين الضرورة العسكرية ومبدأ الإنسانية، وتنبثق قوته من طبيعته غير المتحيزة وما تتسم به قواعده وأحكامه من طابع واقعي وعملي.
ولكن ما هو مدلول ذلك من الناحية العملية؟
– لا يجوز إخضاع أي شخص للتعذيب أو غيره من أشكال سوء المعاملة؛
– يُحظر الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي؛
– يجب أن يحصل الجرحى والمرضى على رعاية طبية؛
– يجب ألا تتعرض المستشفيات والطواقم الطبية للهجوم؛
– يجب أن يُعامل المحتجزون معاملة إنسانية؛
– من حق أفراد الأسر معرفة مصير ذويهم؛
– يجب أن يُعامل الموتى بكرامة.
يمكن أن نقول ونحن مقتنعون إن اتفاقيات جنيف، جنبًا إلى جنب مع أركان القانون الدولي الأوسع نطاقًا، قد أنقذت عددًا لا حصر له من الأرواح وخففت المعاناة في مئات من النزاعات المسلحة على مدى السبعين عامًا الماضية؛
المشاركون في مؤتمر جنيف الدبلوماسي في العام 1929 . الصورة من أرشيف اللجنة الدولية.
حديات التطبيق
ولكن على الرغم مما تحظى به اتفاقيات جنيف من تصديق عالمي من جانب الدول، ظلت كفالة احترامها والتطبيق الأمين لقواعدها في الواقع العملي دائمًا كفاحًا مقترنًا بالتحديات.
وقد كان من أشكال هذا التحدي حروب الانفصال والتحرير الوطني في آسيا وأفريقيا، والنزاعات والتوترات الداخلية التي اندلعت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي – إذ لم تر العديد من الدول أن قانون النزاع المسلح ممثلًا في اتفاقيات جنيف ينطبق على هذه النزاعات.
وقد أدت الجهود التي بذلتها الدول واللجنة الدولية للصليب الأحمر بهدف إدخال هذه النزاعات في نطاق القانون وإدراج الأشخاص المتضررين منها تحت مظلة قواعد الحماية التي ينص عليها، بما في ذلك دول جنوب الكرة الأرضية المستقلة آنذاك، إلى عقد أربعة مؤتمرات دبلوماسية (1974-1977). وقد ترتب على ذلك اعتماد البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 بشأن حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، بما في ذلك كفاح الشعوب ضد السيطرة الاستعمارية والأنظمة العنصرية والاحتلال الأجنبي (البروتوكول الأول)، وبشأن النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول الثاني).
تحولات في أشكال النزاعات
وفي العشرين عامًا الأخيرة، شاهدنا مجددًا تغييرات كبيرة في طبيعة وديناميات النزاع، والعنف المسلح المنظم ما وضع تحديات جديدة أمام اتفاقيات جنيف:
– أصبحت النزاعات المسلحة الدولية أقل في الوقت الذي تضاعفت فيه النزاعات غير الدولية؛ وهناك عدم وضوح في الخطوط الفاصلة بين النزاعات الدولية والداخلية، وتحولت التوترات الداخلية التي لا ترقى إلى مستوى النزاع المسلح في بعض الأحيان إلى عنف شديد وتسببت في قدر كبير من المعاناة والخسائر البشرية؛
– كما شهدنا انتشار الجماعات المسلحة من غير الدول وغيرها من الأطراف أو الجهات الفاعلة المسلحة مثل الشركات العسكرية والأمنية الخاصة والعصابات الإجرامية؛ وشهدت العقود الستة الأخيرة ظهور عدد من الجماعات المسلحة أكبر مما ظهر في العقود الستة السابقة؛
– شهدت النزاعات في سورية وأفغانستان والعراق واليمن والصومال على وجه الخصوص ظهور تحالفات وائتلافات معقدة بين الدول، وقدمت دولٌ الدعم إلى القوات المسلحة والجماعات المسلحة من غير الدول في بلدان أخرى وذلك عن طريق التدريب والعتاد والأسلحة والتمويل وتوفير الغطاء السياسي؛
– يتزايد استخدام التقنيات والأسلحة الجديدة مثل الطائرات بدون طيار في ميادين القتال من جانب القوات الحكومية والجماعات المسلحة من غير الدول على حد سواء؛ ويجري تطوير الأسلحة ذاتية التشغيل؛ ويتسع نطاق استخدام التقنيات الحديثة بوصفها من وسائل القتال؛
– تدور رحى المعارك الحربية مرة أخرى في المناطق المأهولة بالسكان، مما يعرض للخطر أرواح الكثير من المدنيين ويدمر البنية الأساسية البالغة الأهمية ويعطل الخدمات الأساسية؛
– تتأصل أعمال الإرهاب وعمليات مكافحة الإرهاب باستمرار في ديناميات النزاع؛ وتتحايل قوانين وممارسات مكافحة الإرهاب على الأطر القانونية القائمة أو تضرب بها عرض الحائط؛ ويُهدد الطابع غير المتحيز للعمل الإنساني عندما يُجرَّم بوصفه من قبيل الدعم المادي المقدم إلى الكيانات المصنفة على أنها إرهابية.
وقد أدت هذه السمات وما اقترن بها من ديناميات للتحول في ميزان القوة العالمية والتنافس الجيوسياسي وحالة الاستقطاب إلى انتشار انتهاكات القانون على نطاق واسع وما يترتب عليها من تبعات وخيمة:
فرَّ 20 مليون شخص في المنطقة العربية من النزاعات، ويحتاج 37 مليون شخص إلى مساعدة. وقتل مئات الآلاف من البشر؛ وأصيب أكثر من مليون شخص، ووقع عشرات الآلاف في براثن الأسر أو الاحتجاز أو راحوا في عداد المفقودين. وتعرضت البنية الأساسية المدنية المهمة- متمثلة في الصحة والمياه والكهرباء- للتلف أو التدمير. أما الاستفادة من باقي الخدمات، فتعرقلها بشدة العمليات العدائية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار وتفشي الجريمة. وتخفي هذه الأرقام ملايين القصص من المعاناة البشرية الفردية.
أدت التحالفات المعقدة والشراكات العسكرية والحرب بالوكالة إلى تخفيف المسؤولية وتفتت سلاسل القيادة وتدفق الأسلحة دون رقيب وسيادة مناخ الإفلات من العقاب، ويتحمل المدنيون العبء الأكبر منه؛
وأدت التقنيات المتطورة بشكل سريع إلى إنشاء جبهات قتال جديدة في الفضاء الإلكتروني واستحداث وسائل جديدة للقتال، مثل الأسلحة الذاتية التشغيل والتقنيات التي تعمل عن بعد. وهي مسألة تثير قدرًا كبيرًا من القلق بالنظر إلى الخسائر البشرية المحتملة وما يلحق بذلك من صعوبة في تحديد المسؤولية.
ولعلنا نضيف عاملين آخرين على الأقل:
– مع انتشار وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي وصحافة المواطن، لم يعد بالإمكان قبول التذرع “بأننا لم نكن نعرف ما يحدث”.
– وقد أضعفت الانقسامات والمصلحة السياسية الذاتية في النظام المتعدد الأطراف الآليات القائمة لتسوية النزاعات والوساطة ومنع نشوب النزاعات وقوضتها، ما ترتب على ذلك من ظهور نزاعات في الأفق وتحولها وتسببها في حدوث مزيد من التشرذم والمعاناة التي تؤثر على أجيال بكاملها.
جهود إضافية لضمان الاحترام
تثبت الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي الإنساني التي عايناها دائمًا ولا نزال نعاينها اليوم بما لا يدع مجالًا للشك أن غياب الاحترام له تبعات مدمرة. وهناك أسباب إضافية تدفع إلى بذل جهود جادة تهدف إلى كفالة مزيد من الاحترام للقانون الدولي الإنساني في خضم هذه الديناميات المتغيرة للنزاع- وهي الجهود التي تبذلها اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع جميع أطراف النزاع منذ إنشائها.وأشير هنا إلى اثنين من هذه الجهود الرامية إلى خوض غمار هذه البيئة المعقدة:
– في إطار حوارها مع جميع أطراف النزاع، عززت اللجنة الدولية جهودها وهيكلها التنظيمي من أجل الانخراط في حوار إنساني مع الجماعات المسلحة من غير الدول لضمان الوصول إلى السكان المتضررين وتأمين العمليات الإنسانية واحترام القواعد الإنسانية. وقد دخلت في حوار مع مجموعة تزداد تعقيدا من الجماعات المسلحة من غير الدول، وصممت استراتيجيات المشاركة وقامت بتعديلها ومواءمتها بحسب السياقات التي تعمل فيها، ويتم هذا غالبًا عبر الحدود، مع تبيان وجود مرادفات للقواعد الإنسانية القائمة في المذاهب والمعايير التي تحكم هذه الجماعات والمجتمعات المحلية. ونعمل حاليًا مع نحو 200 جماعة على مستوى العالم بشأن المخاوف على مستوى العمليات الميدانية وغيرها من الاهتمامات الإنسانية؛
– نتعامل مع سلوك الأطراف المتحاربة الذي يفضي إلى تبعات إنسانية من خلال التعاون المباشر مع أطراف النزاع وكذلك مع الدول التي تساندها؛ من أجل إعمال تدابير لكفالة احترام القانون الدولي الإنساني وممارسة التأثير المسؤول والخاضع للمساءلة وتحقيق الاستفادة المتبادلة. ويشمل هذا عمليات نقل الأسلحة التي تتحلى بالمسؤولية ومراجعة الجماعات المسلحة وتنظيم الدورات التدريبية على أسس سير العمليات العدائية والعمل مع السكان المدنيين والاستفادة من النفوذ السياسي لكفالة الامتثال للقانون والتحقق من اتخاذ تدابير وقائية عند تنفيذ العمل العسكري.
أرجو ألا تخطئوا فهم كلامي. فهناك دائمًا، في الماضي والحاضر، حالات حظي فيها القانون الدولي الإنساني والمبادئ التي يسترشد بها بالاحترام ومنها: السماح بمرور سيارات الإسعاف والقوافل الإنسانية عند نقاط التفتيش واحترام وحماية الطواقم العاملة بها؛ وتقديم الرعاية غير المتحيزة إلى الجرحى والمرضى؛ وتهيئة معاملة إنسانية للأشخاص الذين كفوا عن المشاركة في العمليات العدائية والمحتجزين؛ والجهود المتضافرة التي تبذلها أطراف النزاع للتصدي للظروف التي أدت إلى الانتهاكات فضلًا عن العواقب المترتبة عليها، وضمان استخلاص الدروس ومواءمة العقيدة العسكرية والإجراءات والسياسة.
لذا فاحترام القانون الدولي الإنساني مسؤولية أدبية وأخلاقية وقانونية جماعية. وهو يتضمن:
– بذل العمل الأساسي الدؤوب المتمثل في إقناع جميع مستويات القيادة بأن استيعاب قواعد القانون الدولي الإنساني ومعاييره ليست مسألة متوقعة فحسب بل مطلوبة أيضًا؛
– التذكير المستمر بأن المعاملة بالمثل أساسية وتظل مناسبة وستبقى كذلك باعتبارها الروح التي يسترشد بها استحداث قوانين الحرب؛
– وأخيرًا، الإرادة السياسية وممارسة الضغوط على أعلى المستويات من أجل دعم القانون الدولي الإنساني والتقيد به، والاضطلاع بالقيادة عن طريق القدوة.مع ذلك، لا يزال هناك الكثير مما يجب القيام به. إذ على الدول التزامات بموجب اتفاقيات جنيف باحترام القانون الدولي الإنساني وكفالة احترامه وضمان المساءلة عن الانتهاكات. غير أنه لا توجد آلية لتعزيز الامتثال للقانون الدولي الإنساني. وإدراكًا لهذا، أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر وسويسرا عن مبادرة في المؤتمر الدولي للصليب الأحمر والهلال الأحمر في العام 2015 لإنشاء “منتدى” عالمي للامتثال بين الدول تحقيقًا لهذه الغاية. وللأسف لم يتحقق توافق في الآراء بين الدول، إلا أن قرارًا اعتمد في النهاية يقضي بأن تخضع الدول (بدعم من اللجنة الدولية وسويسرا) هذه الفكرة لمزيد من الدراسة. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، عقدت اجتماعات رسمية وغير رسمية مع الدول في إطار هذه المبادرة بغية التماس سبل جديدة لتعزيز احترام القانون الدولي الإنساني.
لم تكن الحالة الراهنة للبيئة العالمية المتعددة الأطراف مؤاتية لتحقيق التوافق في الآراء بين الدول. وهو أمر مخيب للآمال. إلا أن المشاورات أكدت أن القانون الدولي الإنساني لا يزال إطارًا قانونيًّا دوليًّا مناسبًا لتنظيم سلوك الأطراف في النزاعات المسلحة وتوفير الحماية للأشخاص المتضررين.
وسيشهد شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل [2019] توجيه الدعوة إلى المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين للنظر في خطة عمل مدتها أربع سنوات بشأن تنفيذ القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني، وستخضع هذه الخطة للمناقشة وسيقترح اعتمادها من خلال قرار. وبالإضافة إلى ذلك، ستوجه الدعوة إلى الأعضاء والمشاركين في المؤتمر لمناقشة كيفية تطبيق القانون الدولي الإنساني على المسائل الراهنة والمستجدة في النزاعات المسلحة المعاصرة.
إذ أتطلع إلى الإسهامات الأخرى وإلى مناقشة حيوية، أعيد التأكيد على أن اتفاقيات جنيف هي قواعد مناسبة للحاضر وليست مجرد التزامات قديمة جاءت من غياهب الماضي. فلا غنى عن حماية سلامة البشر وكرامتهم ورفاههم أثناء النزاع المسلح، ومنهم الأطفال والنساء وكبار السن والمصابون والمرضى وذوو الإعاقات والمحتجزون.
لا تزال هذه القواعد الأساسية وثيقة الصلة بالنزاعات المسلحة المعاصرة من أجل حماية جميع السكان المتضررين وضمان النظر إلى الجميع، حتى الأعداء، على أنهم بشر، ولكن يجب بذل المزيد من الجهد لضمان خوض النزاعات الحالية في إطار القانون بغض النظر عن المسميات والتذرع بالظروف الاستثنائية.
علينا أن نفسر القواعد في ضوء النزاعات المسلحة الراهنة وأن نكون منفتحين على احتمال وجود حاجة إلى تعديل بعض القواعد بحيث تواجه الاحتياجات التي تشكلها النزاعات المسلحة المعاصرة.