واجهت انقلاباً ألمانياً ولا يعترف بها أحد في العالم تعرّف على دولة سيلاند مساحتها 4 الألف متر

نعرف جميعاً أنّ أصغر دولة في العالم هي الفاتيكان التي تبلغ مساحتها 440 ألف متر مربّع، لكنّ “دولة سيلاند” تعتبر نفسها أصغر دولة في العالم؛ إذ تبلغ مساحتها 4 آلاف متر مربّع فقط. فما قصّة هذه “الدولة” التي أسّسها مذيع بريطاني يدعى بادي روي باتس؟

سيلاند.. محطّة إذاعية غير مرخصة تتحوّل لإمارةّ

في عام 1967 استولى أحد المذيعين الإنجليز واسمه بادي روي باتس على حصنٍ بحريٍّ مهجور من الحرب العالمية الثانية، قبالة الساحل الإنجليزي، وأعلنه إمارة سيلاند. وطوال خمسين عاماً حكمت عائلته سيلاند وكأنها دولة حقيقية، حتى مع أنها لم تحصل على أيّ اعترافٍ رسمي.

تمتلك دولة سيلاند الآن دستورها الخاص وعلمها الخاص بها، بل لديها شعارٌ رسميٌّ خاص “E Mare, Libertas”، أي “من البحر، الحرية”.

لكنّ المثير أنّ دولة سيلاند تتمتَّع بتاريخٍ حافل لا يتناسب أبداً مع صغر حجمها.

فيديو من داخل سيلاند نشرته قناة يوتيوب الخاصة بسيلاند

بدأت قصّة سيلاند بمحطةٍ إذاعية غير مرخصة، وفي عام 1965 دشّن بادي روي باتس، وهو رائد سابق في الجيش البريطاني، محطة Essex الإذاعية، وكانت محطة إذاعية منشقة، كان يبثها من حصن مهجور من أيّام الحرب العالمية الثانية اسمه حصن نوك جون. أمّا عن اسم الإذاعة Essex فهو اسم مقاطعة إنجليزية كان يعيش فيها باتس حينها.

أثناء الحرب العالمية الثانية، شيّدت بريطانيا عدداً من الحصون البحرية لردع أي هجمات ألمانية غير متوقعة. ولكن بعد انتهاء الحرب، أصبحت هذه الحصون خارج الخدمة تماماً. فقد انتهى الغرض من تدشينها.

وصارت مع الوقت بؤراً استيطانية شائعة بين القائمين على بثّ المحطات الإذاعية غير المرخصة، مثل الرائد باتس، الذي كان يحتقر الرتابة والروتينية المُتَّبعة في هيئة الإذاعة البريطانية BBC.

عندما حاولت الحكومة منع هذه الإذاعة غير الشرعية، نقل الرائد باتس عملياته ببساطة من حصن نوك جون إلى حصن فورت رافس تاور، الذي يقع مباشرةً خارج المياه الإقليمية البريطانية.

وفي إحدى الليالي من عام 1966 جاءت لباتس فكرة عجيبة: تسمية الحصن “سيلاند”. وأهدى الحصن لزوجته جوان.

صعّبت السلطات البريطانية البث على باتس، فترك الإذاعة، لكنّه أبداً لم يترك حصن رافس تاور.

وفي 2 سبتمبر/أيلول من عام 1967، أطلق باتس على الحصن اسم “إمارة سيلاند”، واختار هذا التاريخ تحديداً لأنه يوافق عيد ميلاد زوجته جوان، التي أهداها الحصن من قبل.

بعد قليل، انضمّت إليه زوجته جوان وأطفاله الاثنان. لكنّ الأحداث لم تنتهِ هنا.

محاولة انقلاب ألمانية في دولة سيلاند!

اعتبرت الحكومة البريطانية سيلاند أمراً غير مريح، وفي عام 1968، أرسلت القوات العسكرية مروحياتٍ وسفناً لتدمير بعض الأبراج العسكرية القديمة التي كانت قريبة من سيلاند. لكن من الواضح أنّها لم تقترب من سيلاند.

وبينما يذكر الموقع الرسمي لدولة سيلاند أنّهم شاهدوا “الانفجارات الضخمة” التي حدثت أمامهم في حصون قريبة منهم فيما يبدو، وكذلك يذكر الموقع الرسمي أنّ القاطرة البحرية التي كانت تحمل طواقم الهدم قد مرّت بالقرب من “وطننا الحصين” وصرخ فريقها قائلاً: “أنتم القادمون”.

وفقاً للرواية الرسمية على موقع الإمارة، فقط “أطلق الأمير مايك باتس ابن روي باتس، العديد من الطلقات التحذيرية في الهواء. وهذا جعل الأسطول البريطاني يدور سريعاً ويهرول إلى المملكة المتحدة، وسط سحابة كبيرة من دخان المحركات الأسود”.

موقع سيلاند على الخريطة

ونتيجة لهذا، تمّ استُدعاء بادي روي باتس وابنه الأمير مايكل باتس إلى المملكة المتحدة لتبرير أفعالهما. لكنّ سيلاند كانت خارج المياه الإقليمية البريطانية، ولذلك تُرك الرجلان وشأنهما. وقد قال أحد القضاة: “إنه حادث مروع، لكنّ حكمي هو أن محاكم المملكة المتحدة ليس لها سلطة قضائية في هذه الحالة”.

وقد اعتبرت عائلة باتس هذا كلّه “اعترافاً واقعياً” بـ”سيلاند” بوصفها دولة مستقلة. ولكن بالطبع لم تحصل سيلاند على أيّ اعتراف من أيّ دولة في العالم..

وفي سبعينيات القرن الماضي، جاء حوالي 50 شخصاً للعيش في سيلاند. وقد كان معظمهم أصدقاء لعائلة باتس، ممن كانوا يعارضون الحكومة وأرادوا العيش في الخارج بعيداً عن أيدي المملكة المتحدة.

في أثناء ذلك الوقت، اتخذت عائلة باتس العديد من الخطوات لجعل الحصن في أفضل حال لاستقبال المواطنين الجدد. فقد ثبّتوا مولِّد كهرباء يعمل بالرياح، على سطح المكان، مما وفَّر الكهرباء اللازمة لتشغيل سخانات في الغرف العشر داخل سيلاند.

تتضمن هذه الغرف العشرة مطبخاً، وغرفة معيشة، وكنيسة صغيرة. أما بالنسبة لأماكن النوم، فإن معظم المواطنين ينامون في قوائم الحصن الأسطوانية.

وفي العادة، يأتي قارب من المملكة المتحدة بمعدلٍ منتظم نوعاً ما إلى سيلاند ليحضر المأكولات والمشروبات، والصحف، وغيرها من البضائع.

تعليقاً على ذلك، يقول “الأمير” مايكل: “كنَّا نقضي أحياناً شهوراً على حافة الحصن، في انتظار القارب ليحضر الإمدادات من البر الرئيسي. كنت أبعث بنظري إلى الأفق ليل نهار، فلا أرى سوى البحر الشمالي”.

لكنّ هذه التفاصيل الغريبة لم تكن الوحيدة، ففي عام 1978 تعرّضت “دولة سيلاند” إلى ما تشبه محاولة انقلابٍ ألمانيّ.

في عام 1978، ادعى رجلٌ ألمانيّ اسمه ألكسندر أكنباخ أنه “رئيس الوزراء” الحقيقي لسيلاند، وخطط لما يشبه انقلاباً عسكرياً.

كان أكنباخ قد وصل إلى سيلاند بمروحيةٍ بصحبة مجموعة مرتزقة، بينما كان بادي روي باتس في الخارج، وأخذ الأمير مايكل رهينة. يعلّق مايكل على تجربة احتجازه قائلاً: “كانوا في الأساس مجموعة من الإرهابيين احتجزوني بلا طعام ولا مياه لمدة 4 أيام”.

رداً على ذلك، جهز والده هجوماً مضاداً اضطرّ معظم الألمان إلى الهرب. ولكنّ مواطني سيلاند قرروا الإبقاء على أحدهم رهينة.

لكنّ الأحداث العجيبة لا تتوقّف، فقد اضطر السفير الألماني لدى المملكة المتحدة للطيران بمروحية وصولاً لسيلاند من أجل التفاوض من أجل إطلاق سراح الرهينة الألماني. مرّةً أخرى، اعتبرت سيلاند هذا علامة على التعامل معهم بجدية.

لكنّ الأمر مضحك بعض الشيء، فبعد وفاة الوالد باتس عام 2012 تولّى الأمير مايكل حكم سيلاند، ولكنّه يحكمها من منزله في منطقة إيسكس الإنجليزية. وفي هذا ما يكفي لفهم أنّ الأمر لا يعدو كونه مُزحة أصبحت حقيقة، فلا أحد يتعامل مع “حصن” على أنّه دولة بالطبع. وليس هناك أمير يحكم دولته من بيته في دولة حقيقية أخرى.

وما زال هناك الآن عددٌ قليل من الناس يعيشون بالفعل على الحصن بشكل دائم. هناك اثنان من القائمين بالأعمال، وهما مايك بارينغتون وجو هاميل، اللذان يتبادلان نوبات عمل لمدة أسبوعين، وتعد هذه وظيفة بدوام كامل. ومثل أفراد “العائلة المالكة”، الذين يديرون الأمور من إنجلترا، فإنهم يتعاملون مع الأمر بجدية شديدة.

ويقول الأمير مايكل إنّهم “لا يعيشون في مجتمعٍ يحب فيه الناس أن يملي على أحدهم ماذا يفعل. الجميع يحب فكرة التحرر من الحكومة. العالم بحاجة إلى مناطق ملهمة مثلنا، ولا يوجد الكثير مثل هذه الأماكن”.

عربى بوست – شبكة رمضان الإخبارية

 

 

 

شاهد أيضاً

“الإمبراطور الأبيض”.. مقاتلة الجيل السادس الصينية المصممة للهيمنة على السماء والفضاء

تشهد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة تصعيداً ملحوظاً في العديد من المجالات، من أبرزها التسابق …